صفحات العالم

الخيارات التركية بين درع الفرات ومعركة الموصل/ سعيد الحاج

 

 

 

معركة الباب

الموصل وبعشيقة

حسابات ما بعد داعش

جدد البرلمان التركي بداية الشهر الحالي مذكرة تفويضه للجيش للقيام بعمليات عسكرية خارج الحدود، تحديدا سوريا والعراق، مما أدى إلى استياء الحكومة المركزية في بغداد برئاسة حيدر العبادي واحتجاجها، وهو ما أربك الحسابات التركية المتعلقة بخطواتها القادمة في كلا البلدين سيما ما يتعلق بمعركة تحرير الموصل من تنظيم الدولة (داعش).

معركة الباب

بعد السرعة القياسية في إنجاز المرحلتين الأولى والثانية من عملية درع الفرات، أي تحرير جرابلس من داعش ثم تعميق مناطق السيطرة وتأمين بلدة الراعي، توجهت الأنظار نحو المرحلة الثالثة من العملية، أي تحرير مدينة الباب القريبة من حلب من التنظيم أو إحكام السيطرة على منبج وطرد الميليشيات الكردية منها. ولأن الولايات المتحدة الأميركية لم تسحب الغطاء عن الأخيرة بدليل استمرار رفعها العلم الأميركي على بعض مقراتها، فإن التحركات التركية قد نحت من جانبها الجزء المتعلق بمنبج وحزمت أمرها باتجاه الباب.

وعلى العكس من الخطوات الأولى في العملية التي مرت بسرعة كبيرة ودون خسائر تذكر، تشير التوقعات المتعلقة بعملية تحرير الباب إلى الحاجة لمدة زمنية أطول واستعدادات أكبر وخسائر محتملة أكثر. أولا لحاجة العملية لقوات أكثر عددا وعدة للمشاركة ثم التأمين والحماية بسبب بعد الباب عن الحدود التركية واتساع مساحة المناطق التي تسيطر عليها مجموعات الجيش السوري الحر المدعوم تركيا، وثانيا لعدد السكان الكبير بالمقارنة مع جرابلس ومحيطها وهو تحد يتعلق بالخسائر المدنية وكيفية تجنبها.

وثالثا للمقاومة الشرسة المتوقعة من داعش لاعتبارات تتعلق بمكانة الباب بالنسبة له والرمزية الدينية التي يسبغها على بلدة “دابق” بحيث لا يمكن تصور انسحابه منها بسهولة كما حدث في جرابلس، ورابعا بسبب التحديات العسكرية واللوجستية بما فيها الألغام الأرضية التي تعيق تقدم القوات، وخامسا بسبب إمكانية تأجيل المعركة لصالح الرقة أو الموصل حسب خطة التحالف الدولي.

تريد تركيا من هذه المعركة تحقيق عدة أهداف، أهمها:

أولا، تجديد واستدامة مشروعية تواجدها العسكري في سوريا من خلال مواجهة داعش.

ثانيا، سد الطريق أمام سيطرة قوى سوريا الديمقراطية – التي تشكل الميليشيات الكردية أغلبها – على الباب، وبالتالي القضاء على فكرة الدويلة الكردية المرتجاة من التواصل الجغرافي بين الكانتونات الثلاثة.

ثالثا، توسيع المناطق التي تسيطر عليها مع مجموعات الجيش الحر، سعيا للوصول إلى مساحة 5000 كلم2، بحيث تزيد من فرص إقناع موسكو وواشنطن بفكرة المنطقة الآمنة (حظر الطيران) بعد تأمين بنيتها التحتية (مناطق خالية من داعش مع عودة بعض اللاجئين).

رابعا، تثبيت الجيش السوري الحر لاعبا محليا قادرا على مواجهة تنظيم الدولة داعش كبديل لوحدات حماية الشعب وقوى سوريا الديمقراطية في الإستراتيجية الأميركية، سيما في معركة الرقة المرتقبة.

خامسا، تقوية أوراقها التفاوضية على طاولة رسم الخرائط الجغرافية والسياسية المستقبلية، بعد أن عادت لها مع التقارب مع روسيا والخطوات الأولى في درع الفرات.

الموصل وبعشيقة

تباطأت الخطى التركية نحو الباب بسبب أولوية معركة الرقة وفق رؤية ضرب معاقل التنظيم قبل الأطراف وليس بعدها، إضافة للتحديات اللوجستية والعسكرية سالفة الذكر.

لكن الخلاف الأميركي الروسي بعد إعلان وقف إطلاق النار أجل معركة الرقة وقدم تحرير الموصل كأولوية للتحالف الدولي بقيادة واشنطن، وهو المتغير الذي تسبب بحالة الجدل والتوتر الأخيرة بين بغداد وأنقرة.

فرغم أن ما فعله البرلمان التركي هو مجرد تجديد المذكرة لسنة قادمة، دون أي متغيرات على القوات التركية الموجودة في معسكر بعشيقة لا من ناحية العدد ولا العتاد ولا المهمة الموكلة إليها، فإن حكومة العبادي رفعت السقف كثيرا في تصريحاتها المعترضة على القرار معتبرة القوات التركية على أراضيها “قوات احتلال”، كما أنها لم تكتف بالرسائل الدبلوماسية عبر رفع تظلمها لمجلس الأمن بل هددت أيضا بـ”حرب إقليمية” إن لم تسحب تركيا جنودها مهددة إياها بأنها “ليست في نزهة في العراق”.

تراوحت التصريحات الصادرة عن أنقرة بين التأكيد على حرصها على أمن العراق ووحدة أراضيه وبين الإصرار على عدم سحب قواتها، وصولا لاعتبار تصريحات العبادي “خطيرة ومستفزة” على لسان رئيس الوزراء التركي ونصحه بالاهتمام بما “يجب عليه عمله وليس لوم تركيا” التي تساعده على القيام به.

تشير التقديرات التركية إلى توافق رغبة عدة أطراف بعرقلة مشاركتها في المعركة حتى لا تكون لها كلمة في مستقبل العراق، بينما تسعى هي بكل ما تستطيع للمشاركة بنفسها إضافة إلى القوات التي تشرف على تدريبها في معسكر بعشيقة، أي قوات الحشد الوطني الذين تقدر أعدادهم بحوالي 3000 إضافة لحوالي ألفين من البشمركة العراقية على أقل تقدير.

حسابات ما بعد داعش

من الواضح أن موقف حكومة العبادي تجاه تركيا سياسي بامتياز ولا يتعلق بالسيادة، ليس فقط لعدم اعتراضها على التواجد العسكري لدول أخرى كما تقول أنقرة، ولكن أيضا لأن المعسكر موجود منذ مدة دون ضجيج، بعد أن نتجت الأزمة التي أثارتها بغداد في ديسمبر/كانون الأول الفائت (إثر زيادة أنقرة لعدد قواتها في المعسكر) عن توصية من مجلس الأمن للطرفين بحل المسألة من خلال الحوار الثنائي المباشر.

يتعلق الأمر إذن بمرحلة ما بعد داعش، باعتبار أن من سيشارك في عملية “التحرير” سيساهم في صياغة التركيبة المجتمعية للموصل والسياسية للعراق مستقبلا، ولذلك فثمة حرص شديد من مختلف الأطراف على المشاركة في العملية، بدءا من الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي مرورا بالحشد الوطني والبشمركة العراقية وصولا إلى التحالف الدولي وتركيا وحتى حزب العمال الكردستاني، الأمر الذي يضفي على المشهد تعقيدات بالغة.

إصرار أنقرة على المشاركة -مع الأطراف المحسوبة عليها- في معركة الموصل يستهدف ثلاثة سياقات، أولها تقليل مخاطر الاستقطاب الطائفي الذي كان أحد أهم أسباب ظهور داعش في حال شاركت قوات الحشد الشعبي في العملية واستقرت في الموصل ذات الأغلبية السنية، وثانيها تثبيت حالة من الاستقرار في المشهد السياسي العراقي بما يمنحها شيئا من التوازن النسبي في تنافسها مع إيران، وثالثها إعاقة محاولات العمال الكردستاني والمجموعات المرتبطة به لكسب المشروعية الدولية عبر المشاركة في المعركة على غرار ما فعله امتداده السوري حزب الاتحاد الديمقراطي.

بيد أن الموقف التركي يبدو ضعيفا بسبب معارضة الحكومة المركزية في بغداد للوجود التركي على أراضيها فضلا عن عدد من التصريحات الأميركية التي صبت في صالح العبادي ودعت لضرورة التوافق التركي مع الجانب العراقي بخصوص معسكر بعشيقة ومعركة الموصل، باعتبار أن حكومة العبادي ذات سيادة على أراضيها وهي الجهة المخولة بشأن القرار العراقي، وهو ما يضع أنقرة أمام تهديد استصدار قرار يدينها من مجلس الأمن بعد أن تغيرت بعض الظروف التي منعت صدوره سابقا على مستوى العلاقة مع كل من واشنطن وموسكو.

تملك بغداد هامش المبادرة من الناحية السياسية القانونية، بينما تتمتع أنقرة بيد عليا عسكريا وبفعل الأمر الواقع. وإذا كانت تركيا مضطرة لاحتواء التوتر مع بغداد والأخيرة غير قادرة على مواجهتها عسكريا، وإذا كانت ثمة حاجة ملحة لقوات محلية تواجه التنظيم بريا. فما الحل؟

ثمة سيناريوهات مطروحة تتعلق بالالتفاف القانوني على موقف حكومة العبادي عبر طلب البارزاني رئيس إقليم شمال العراق من تركيا المشاركة، أو مشاركة تركيا ضمن التحالف الدولي لمواجهة داعش، بيد أنها خيارات غير مضمونة وتبدو غير مرغوبة أميركيا، حيث تريد واشنطن أن يكون للمعركة قيادة موحدة ودرجة عالية جدا من التنسيق بعيدا عن الخلافات الداخلية والاحتكاكات الجانبية.

يكمن الحل الواقعي إذن في مبادرة تركية للحوار مع بغداد وتقديم تطمينات لها بخصوص التواجد العسكري التركي على أراضيها والأهداف المتوخاة منه. تتضمن هذه المبادرة رضى تركيا بإشراف الحكومة المركزية على معسكر بعيشقة والتنسيق الكامل معها بخصوص معركة الموصل والقوات المشاركة فيها، واستعداد أنقرة لتدريب أي قوات تختارها بغداد.

بمعنى الاعتراف بسيادة الأخيرة واحترام قرارها مع تكريس مشاركة الأولى ضمن التحالف الدولي لتحقيق الأهداف المشتركة، وهي النقاط التي كانت أنقرة قد خاضت نقاشات مع بغداد بخصوصها ووصلت إلى مراحل متقدمة قبل أن يفشلها الضغط الإيراني، وتبدو تركيا اليوم حريصة على إعادة تفعيلها، بوساطة من واشنطن أو ربما موسكو التي باتت اليوم تتمتع بعلاقة جيدة مع الطرفين.

الجزيرة نت

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى