صفحات الرأيمعتز حيسو

المعارك الاسمية


معتز حيسو

لم يخطئ كارل ماركس عندما شن هجومه الواسع والعميق ناقضاً مفكّري ومثقّفي ومنظّري وسياسيّ عصره الذين أداروا ظهورهم للحركات الثورية ومطالب شعوبهم الثائر، ليتيهوا في التدقيقات والتمحيصات اللفظية واللغوية والاصطلاحية التي انعكست على الممارسة السياسية بانقسامات سياسية وتشكيل أحزاب سياسية بعيدة عن الواقع الثوري الذي كان يفترض تكثيف الجهود الوطنية حول مهمات أساسية ومحددة تساهم في تحقيق الأهداف النهائية للثورة، والابتعاد عن الخلافات الظاهرية والشكلية التي تزيد من بعثرة القوى السياسية وتبدد قواها مما ينعكس سلباً على الثورة والواقع الثوري. وكأن التاريخ يأبى إلا أن يكرر نفسه، فقبل حوالي قرن من الزمن كان بعضاً من رجال الدين في الإمبراطورية التركية يمضون وقتهم في نقاشات مطولة حول جنس الملائكة وكم منها يمكن أن يقف على رأس دبوس، فيما مدافع الاستعمار الغربي تدك حصونهم. وها نحن نرى من جديد كيف يعيد التاريخ إنتاج ذاته وإن بأشكال مختلفة، لكن بذات المضامين.إذ في اللحظة التي يتجاوز فيها القتل والعنف كافة الحدود العقلانية نرى غالبية (المنظرين والمثقفين والسياسيين) السوريين يضيعون خلف الأسماء والألفاظ والشعارات والاصطلاحات والمفاهيم التي لا يرى فيها المواطن السوري، إلا مضيعة للوقت، وتبديداً للقوة،وابتعاداً عن القضايا الأساسية التي يناضل من أجلها الشعب السوري الواقع بين سندان قمع النظام و مطرقة الصراعات الدولية وتناقضات المعارضة التي تزيد من شدة تعقيد وصعوبة المشهد السوري، ونتسائل: إذا كان النظام السوري يقتل مواطنيه بكافة الأدوات والوسائل والأشكال، ماذا يفعل أبطال الفضائيات من المعارضين الذين يوهمون الشعب السوري بأن التدخل العسكري الذي سيخلصهم من النظام السوري المستبد بات قاب قوسين أو هو أدنى. بينما يُتهم بالخيانة والتخاذل.. كل من يقول بأن الحل في سوري سياسي وإن أهداف الثورة لن تتحقق إلا بالتمسك بطابعها السلمي.

وإذا كان البعض من رموز المعارضة الخارجية يخجل من التصريح بشكل واضح ومباشر بموقفه الداعم للتدخل العسكري أو لتسليح الثورة، فكان يتحايل ويتذاكى على الشعب السوري الرافض لفكرة التدخل العسكري أياً كان شكله، أو حتى التفكير بأي مدخل يمكن أن يؤدي له، فيتذرع من هم بالخارج وبعض الأطراف الدولية بأن خلاص الشعب السوري يمر من خلال إنشاء مناطق عازلة أو إقامة مناطق حظر جوي وصولاً إلى إنشاء ممرات إنسانية… حتى بات القاصي قبل الداني يعلم علم اليقين بأن هذه التسميات ليست إلا تحايلاً ساذجاً لتغطية التدخل العسكري، كونه المدخل الوحيد لبعض رموز المعارضة أو من يدعون تمثيل مصالح الشعب السوري والثورة الثورية، للوصول إلى سدة السلطة، وهؤلاء من عوّل عليهم بعضاً من فئات الشعب السوري في بداية ثورتهم، أما الآن فإن أقنعتهم تتهاوى وعوراتهم تنكشف. حتى وبعد تصريح دول الناتو بأنه حتى لو اتُخذ في أروقة مجلس الأمن قرار بالتدخل العسكري فإنهم لن يتدخلوا. بينما نرى بعضاً ممن يدّعون تمثيل مصالح الشعب السوري والثورة السورية بأنهم سيعجلون التدخل العسكري بكونه مطلب الشعب السوري، هذا إضافة إلى التأكيد على ضرورة تسليح الثورة. فأي سخف هذا، ومن قال لهم بأن الشعب السوري يريد التدخل العسكري، ومن قال بأن طائرات الناتو ستكون أرحم على الشعب السوري من مدافع النظام، ومن قال لهم بأن قذائف هذه الطائرات ستميز بين مواطن وآخر أو منطقة وأخرى، ومن قال لهم بأن التدخل العسكري سيحقن دماء السوريين. ومن قال لهم بأن هذا التدخل سيحل الأزمة ولن يزيد من تعقيدها.

لكن من المفارقات التي لم يفهمها حتى الآن أبطال الفضائيات، هو أن الشعب السوري بكافة أطيافه وفئاته نفض يداه منهم، وبات يدرك أن خلاصه يكمن بين يديه، وبإرادته وحدها سوف يحقق مستقبله، لأن الدول الغربية لن تتقدم بخطوة عملية واحدة ضد هذا النظام إلا بعد ضمان مصالحها ومصالح حليفتها إسرائيل في سياق تنفيذ مشروعها الاستراتيجي في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، وتضمن قبل كل شيء قيمة الفاتورة العسكرية. لكن اللافت هو الحرب الإستباقية التي يقوم بها البعض لرفع حدة الصراع إلى أعلى الحدود، وذلك من خلال الدعوات لتسريع تسليح المعارضة، وهنا لا بد من القول بأن المعارضين في الداخل والشعب السوري يتمسكون بسلمية ثورتهم ويرفضون تسليح الثورة، والأجدى أن نقول بأن الشعب السوري هو من يرفض قبل الجميع فكرة التسليح،إلا لحماية المدنيين والمتظاهرين السلميين والدفاع عن النفس. ويدرك الجميع بأن كل من يُقتل من الشعب السوري هو خسارة لسورية ولشعب السوري وللوطن. وسوريا بحاجة إلى جهود كافة مواطنيها. وهنا نكرر ونعيد بأن انتصار ثورة الشعب السوري يكمن في الحفاظ على سلميّتها، أما التمادي في التسليح والقتل لن يقود سوريا إلا إلى مزيد من العنف والقتل والدم، وهذا بالتأكيد لن يتوقف عند اللحظة التي تسقط فيها الفئة الحاكمة، بل سيتطاول على المستقبل بأشكال ومستويات مختلفة،حتى شكل النظام السياسي المقبل سيتأثر بشكل الانتفاضة وطابعها، لذا فإن التمسك بالعقل السياسي والابتعاد عن العقلية الثأرية والانتقامية والالتزام بالسلمية، سيعزز الوحدة الوطنية، ويضمن وحدة الأرض والتماسك والتعايش الاجتماعي غير المفروض بالقوة.

إن من بداهات الفكر السياسي أنه في ظل النهوض الشعبي والحراك الثوري، يمكن أن يحصل توالداً أرنبياً لتشكيلات سياسية جديدة، ويمكن أن تتحالف قوى سياسية موجودة بالأساس في ساحة الفعل السياسي، لتساهم في الحراك الشعبي وتعبّر عنه، ويمكن أن تتكون أشكال سياسية من قلب الحراك الشعبي. وقد نوّهنا بأن جفاف التربة السياسية، لن يساهم إيجابياً في توليد قيادات سياسية شبابية قادرة على قيادة الحراك السياسي، دون التقليل من قيمة وأهمية العمل والتضحيات التي يقدمها الشباب الطامح للانتقال إلى نظام سياسي ديمقراطي تعددي. ونؤكد بأن شكلاً جديداً من الوعي الاجتماعي والسياسي يتشكّل الآن، والشباب تحديداً يبنون في ساحات النضال وعيهم الجديد.

لكن من المفارقات إن توالد حالات سياسية يدّعي أصحابها تمثيل الانتفاضة السورية والشعب السوري، يلوذون منازلهم أو يعيشون في الخارج متنقلين في جهات الأرض الأربعة تاركين من في الداخل لمصيرهم المجهول. ورغم كل هذا يدّعون بأنهم تشكّلوا من رحم الحراك الشعبي وأن عملهم السياسي لن يكون إلا تعبيراً عنه. لكن ما يطرحونه من آليات وتفكير سياسي في واد وعملهم وأهدافهم في واد آخر. إذ نراهم وبعد سنة من انطلاق الثورة لم يزدادوا إلا انقساماً وتناقضاً وتمزقاً وضعفاً وعداوة. والكل يرفض الكل مدعياً امتلاك الحقيقة التي لا يراها إلا من منظاره الخاص، وعلى الآخرين أن يصطفوا خلفه، فالأنا الأحادية والتفكير الأحادي المستند على العقل أحادي وتقديم المصالح الشخصية والخلافات والحساسيات الشخصية حتى وإن توارت خلف الخلافات السياسية التي هي بالأساس عميقة، تبقى هي الأساس في عدم التقارب بين أطراف المعارضة التي تدّعي تمثيل الشعب السوري وثورته، في لحظة تفترض التوافق على مهمات واضحة ومحددة.

وإذا اقتربنا مما يدور بين المثقفين ومفكّري المعارضة أكثر، نرى أن الخلافات الظاهرية والاسمية ذات البعد التاريخي هي السائدة والحاضرة على الدوام. واعترافنا بمشروعية الخلافات والتباينات، يؤكد ضرورة الحوار حولها. لكن إثارة المعارك الشكلانية والاسمية في اللحظة الراهنة يعبّر عن البنية الداخلية المترهلة والعاجزة للمعارضة. ونؤكد أن اللحظة الراهنة تفترض توحيد جهود المعارضة في إطار خطاب وطني جامع يتحدد في إطاره المهمات التي من أجلها انتفض الشعب السوري (الحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة والمساواة.. ) دون اللجوء إلى الأساليب الملتوية لإخفاء الحقيقي من الخلاف. فماذا يهم المواطن الذي يعاني من العنف والقتل ..خلافات مثقفينا على مصطلحات لا تقدم أو تؤخر في الحراك الشعبي، ولن تساهم في إيقاف آلة القتل التي تطحن أجساد وأرواح السوريون. لذا فمن الضروري الاستفادة من مبادرة السيد كوفي أنان ووجود لجنة المراقبة الدولية لإقامة حوار وطني يجمع أطراف المعارضة السورية على الأرض السورية بضمانة ورعاية الأمم المتحدة، وأيضاً نشدد على أهمية تمكين الحراك السياسي والشعبي السلمي في المدن.

ونتسائل:هل اللحظة الراهنة تحتمل الخلاف بين أطراف المعارضة حول ماذا تريد: يساراً ديمقراطياً أم يساراً ماركسياً،أم يساراً ليبرالياً، أم يساراً قومياً.. أو دولة مدنية أو اقتصاد رأسمالي أو رأسمالية دولة أو(اقتصاد اشتراكي) أو ستدعم المقاومة أو لن تدعمها.. هل يجب أن نحوّل الأشكال السياسية الراهنة إلى حزب أم نسعى لتأسيس أحزاب جديدة، أم نعمل على إنشاء تحالفات بين التجمعات والتيارات السياسية المتقاربة نظرياً وأيديولوجياً،كونها بهذا الشكل قادرة على العمل المشترك. هل نلتحق بما هو قائم من الأحزاب..هل نؤيد الليبرالية أم نقف ضدها.. في الظاهر تبدو أن هذه الإشكاليات تدلّل على خلافات حقيقية ومنهجية، ومن الضروري بحثها وتحديد مواقف سياسية ونظرية دقيقة، لوضعها وضبطها في أطر منهجية واضحة ومحددة.ونتساءل: أليست هذه القضايا ومنذ عقود تشكل محطَّ خلاف سياسي ونظري بين المثقفين والأحزاب. إذ بالوقت الذي تراجع فيه المدافعين عن الاشتراكية كونها لم تعد مشروعاً راهنيّاً نتيجة لهيمنة النمط الرأسمالي، وإن كان على قاعدة التطور المتفاوت، وهذا ما يثبته واقع التطور الاقتصادي والسياسي، يوجد أطراف سياسية تعتبر أن الديمقراطية السياسية هي المدخل الوحيد لتجاوز كافة الإشكاليات التي يعاني منها الشعب السوري، وبذات اللحظة يدعو البعض إلى تحرير حركة رأس المال في وقت تتزايد فيه حدة التناقضات الاجتماعية والاستقطاب الاجتماعي. بينما تدعو بعض الفئات إلى التمسك بالسلف الصالح، إذ أن التخلي عن أخلاقيات الإسلام ومبادئه الحقيقية،كان السبب الرئيسي للتخلف والتحلل القيمي والتفكك والاستقطاب الاجتماعي، وهذا يتقاطع مع من يرى بأن أسباب الأزمة الراهنة هو تراجع دور الأخلاق… إن الأسباب التي ذكرناها تشكّل جانباً من الأسباب التي ساهمت في الطلاق السياسي بين المواطن وهذه الأحزاب،لكن: ماذا تنفع حرية الكلام إنساناً يموت جوعاً.

ما نود التركيز عليه هو أنه في زمن الاستقرار لم تتجاوز المعارضة نخبويتها، ولم تتجذر في البنية الاجتماعية نتيجة للقمع والترهيب، إضافة إلى تناقضاتها الذاتية والبينية. ولم تنجز أياً من مهامها السياسية أو النظرية، لذلك بقيت نخبوية ومعزولة عن معاناة المواطن السوري.هذا إضافة إلى أنها لم تتجاوز خلافاتها الشكلانية والظاهراتية وحتى الحقيقية. أما الآن فالوقت والمناخ مختلف، فالشعب عاد بقوة إلى ساحات الفعل السياسي المباشر. ونتذكر تأكيد عمالقة الفكر الإنساني على أن خطوة عملية واحدة أفضل من دستة برامج سياسية. وإن التذرّع بعدم نضوج الظروف الموضوعية قد ضيع في كثير من الأحيان اللحظة الثورية، التي تصل أحياناً لدرجة التعفن دون أن تجد قوى سياسية قادرة على قطف ثمارها نتيجة لانسداد أفقها السياسي وضيقه، ونتيجة لتمسكها بأشكال أيديولوجية متكلسة وأحياناً متعفنة، هذا إضافة إلى ضعف هذه القوى وابتعادها عن الواقع الاجتماعي. وإن دل هذا على شيء فإنه يدلل على ترهل هذه الأحزاب. إذ ماذا ينفع أن نتفق أو نختلف، نتصارع أو نتوافق على مصطلحات ومفاهيم بعينها، فيما الشعب يركلنا بقدميه. هل تساءل رموز المعارضة عن موقف من يدفعون دمهم ثمناً لحريتهم وكرامتهم من خلافاتهم الشكلانية التي تحول دون توافقهم. هل يهتم من يُذبح ويُهان وتُسلب كرامته وتُهدر حريته لخلاف مثقفينا حول مصطلحاتهم ومفاهيمهم، ومن منهم يساري أو يساري ليبرالي أو يساري ماركسي أو ماركسي لينيني أو هذا سلفي وذاك جهادي وآخر ليبرالي أو قومي … ونؤكد بأن جميع هذه الأطراف أشد سلفية من السلفيين وأشد أصولية من الأصوليين؟؟…إن ما يهم الشعب المنتفض كيف يمكن للمعارضة أن تقف معه و تساهم في تسريع انتصاره وتحقيق أهدافه، وماذا يجب أن تعمل لإيقاف آلة القتل والدمار، وكيف يمكن أن تعبّر عنه بصدق وبعيداً عن البراغماتية والمصالح شخصية. و يعلم الجميع بأن من يحضّر للثورة ويخطط لها المفكرون ومن يقودها الثائرون لكن من يحصد نتائجها الجبناء …

وإذا كان من الضروري عدم تخلي الأحزاب السياسية عن برامجها الخاصة،فإنه يجب عدم وضع العربة أمام الحصان. أي يجب أن تلتف المعارضات السياسية في الداخل والخارج حول كيفية العمل لنصرة الشعب السوري ومساعدته لتحقيق أهدافه التي انتفض من أجلها. أي يجب على المعارضة تحديد المهام الأساسية والراهنية، وهذا لا يتعارض مع وجود تكتلات متباينة أو أحزاب مختلفة. لكن يبقى الهدف الرئيسي تحقيق النصر الذي يشكّل المدخل لتحقيق كافة أهداف الشعب السوري في الحرية والكرامة والعدالة والمساواة. وإذا كان الجميع يقرّ بوجود خلافات حقيقية وعميقة بين أطراف المعارضة وشخوصها، لكن يجب ألا تحول هذه الخلافات دون التنسيق وتوحيد الجهود على أهداف ومهمات تحقق مصالح السوريين، وهذا يستوجب التخلي عن النزعات الشخصية والمعارك الكلامية.

وإذا كنا قد ركزنا سابقاً على ضرورة بلورة هوية اليسار، فإننا نرى الآن بأن بلورة هوية اليسار وتمكينها اجتماعياً، لن تتشكل إلا في سياق تحقيق وتمكين المشروع الوطني، الذي لن يتحقق إلا في سياق تحالف القوى السياسية السورية الوطنية. وإلا فإن الشعب السوري لن يُلقي بالاً لكافة المعارضين والمثقفين، ونحن نرى بداية هذا التحول. أي لن يبقى لمن هم في ساحات الحرية إلا ذاتهم وقوة إرادتهم وتصميمهم وثباتهم من أجل تحقيق أهدافهم، وإذا كانت أطراف المعارضة السورية في بداية الانتفاضة تهرول خلف الحراك الشعبي، فإنها الآن لن تكون إلا في مؤخرة الثورة والثائرين… وإذا كانت الذكرة تنفع المؤمنين، فقد نبّهنا لضرورة ابتعاد المعارضة السورية والمثقفون السوريون عن المعارك الشكلانية والخلافات والظاهراتية والاسمية لأنها لن تقدم أو تؤخر شيئاً في الحراك الشعبي، ما يريده المنتفضون هو من يشد أزرهم ويمد لهم يد العون ويعبّر عنهم بصدق، أي لا يريدون إيديولوجيات و شعارات براقة، ولا يهمهم الصراعات المفتعلة على الفضائيات، ما يهمهم هو كيف تنصرهم، لا أن تطعمهم الجوز الفارغ والكلام المعسول والتجارة بالمواقف والمزايدات والمهاترات السياسية التي تنعكس على الحراك السوري السلمي بمزيد من القتل والقمع.. أما تمثيل مصالح الشعب السوري والثورة السورية ليس امتيازاً للمعارضة بقدر ما هو مسؤولية، ومن في قلب الحراك سيحددون من يعبّر عنهم ويمثلهم، لذا فإن المهمة الرئيسية هي كيف يمكن أن نخدم الشعب السوري الذي نحن جزءً منه، وكيف نخدم الثورة التي يجب أن يحافظ الجميع على سلميّتها، دون التهاون في تأمين الحماية لها وللمدنيين. والشعب وحده من سيحدد مشروعه السياسي والاقتصادي. ويعلم الجميع بأن الأزمة السورية هي أزمة عامة ومركبة سياسية واقتصادية واجتماعية، وهذه الأزمة كانت السبب الأساس لانتفاضة الشعب السوري، لذا فإن المهمة الأساسية هي تبني أهداف الثورة(الديمقراطية الحرية العدالة المساواة الكرامة) والتحضير للمستقبل الذي سيشارك الجميع في بناءه.

نعود ونؤكد بأن ثمة خلافات سياسية ونظرية وأيديولوجية بين أطراف المعارضة، ولا أحد ينكرها، ويضاف لهذه الإشكاليات القديمة، خلافات جديدة حول(الموقف من التدخل العسكري، إنشاء مناطق عازلة، حظر جوي، الموقف من الجيش الحر وضرورة وأهمية تسليحه، الموقف من مشاركة أطراف جهادية تكفيرية في المواجهات المسلحة،الموقف من الأقليات الدينية والإثنية والعرقية…) كل هذه القضايا وغيرها من الضروري يحثها وتحديد مواقف حاسمة منها، والشعب سيحدد مواقفه من الأطراف السياسية بناء على مواقفها من ذات القضايا.ونشدد على أن المناخ الديمقراطي هو المناسب لنقاش الخلافات السياسية والنظرية بين التيارات والأحزاب والتجمعات. ومن المؤكد أن كثيراً من القضايا الخلافية لن تحسم، لكنها ستأخذ مكانها الطبيعي في السياق الموضوعي للتطور السياسي والاجتماعي. أما الخلافات الاسمية والشكلانية مهما تنوعت وتعددت أشكالها ومضامينها لن تزيد أوضاع المجتمع والمعارضة إلا تعقيداً وتفتيتاً..وإثارة هذه الخلافات لن يكون إلا عملاً عبثياً يزيد من الفجوة التي هي بالأساس واسعة وعميقة بين المعارضة والشعب والناشطين في ميادين الحرية.ولن يفضي توسّع هذه الفجوة إلا إلى اعتماد قوى الثورة على ذاتها وعلى قياداتها العضويين والميدانيين. لكن الأكثر خطورة هو تمسك المعارضة بآلياتها وأدواتها السياسية، وهذا يحوّلها إلى عقبة أمام الحراك الشعبي، ويؤخر انتصار الثورة،و يعزز الإحباط عند شرائح وفئات اجتماعية واسعة،تراقب الحراك الشعبي وتنتظر اللحظة التي يمكنها فيها أن تشارك به بشكل مباشر. لكن تعثّر المعارضة وأشباهها، وتباطؤ أدائها وتناقض موقفها السياسية، إضافة لارتفاع وتيرة وحجم ومستوى القمع والعنف،واختلاط الأوراق، وزيادة تعقيد المشهد السوري، ساهم في انكفاء فئات واسعة من المجتمع السوري.وبات واضحاً بأنه كلما ازدادت المعارضة تناقضاً..كلما ازدادت عزلة وضعفاً. ومن الواضح بأن كثيراً من الفئات الاجتماعية لم تعد ترى فيها إلا بقايا هياكل سياسية سترمى على مزابل التاريخ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى