صفحات العالم

الازمة السورية بين طهران و أنقرة


مروة كريدية

مصالح الدول لم تكن يومًا لتقيم وزنًا للجانب الانساني ومآسي الشعوب، بيد انها تتخذ من الجرائم المرتكبة ضدّ الانسانية ذريعة وورقة ضغطٍ للتدخل السياسي والعسكري أحيانًا كما قد تتغاضى عن هذه الجرائم وتغض الطرف عنها ان تعارضت مع تلك المصالح.

وفي وقت سئمت فيه الشعوب من بلطجة حكامها فانتفضت معلنة الرغبة في إعادة سيادة المجتمع على دولته عملت الدول الاقليمية على الانخراط في لعبة المصالح. وبينما جاءت الاصطفافات الدولية واضحة في ليبيا، فحزم المجتمع الدولي أمره وتدخل مباشرة في الشأن الليبي، أخذ الامر منحى آخر في الشأن السوري، حيث ان معظم هذه الدول التي ساهمت في رحيل القذافي لا ترى في الكعكة السورية ما يستوجب التدخل، لاعتبارات جيواستراتيجية واقتصادية كثيرة، أهمها الاخذ بعين الاعتبار جديّة المصالح الاسرائيلية في المنطقة، حيث ان نظام “الاسد” السوري حقق لاسرائيل هدوء البال لعشرات السنين في حفظ حدود شاسعة ومترامية الاطراف من الصعب والعسير جدا ان يحققه اي نظام آخر، مهما بلغت جديته في الحفاظ على هذا التوازن الدقيق القائم على التجميد والتحنيط لمدة قاربت النصف قرن. اما الجانب الاقتصادي فإن الأرصدة السورية في الخارج كما النفط السوري لا تضاهي الليبي بحال من الأحول.

حالة التجميد هذه يراها بعض المحللين بما فيهم الاسرائيليين افضل من السلام مع اسرائيل، الذي ان حصل مع الجانب السوري فإنه لا يضمن الاستقرار للداخل الاسرائيلي كما هو الآن. لأن “الديموقراطية ” التي يسعى اليها الشعب السوري لن تستتب بين ليلة وضحاها، مما يجعل من مرحلة اعادة التوازن بما فيها الاقتصادية علاوة على التموضعات الاقليمة والدولية فترة “قلق” للجانب الاسرائيلي بل ولكل جيران سوريا والمنطقة بأسرها.

وعلى الضفة الشمالية لسوريا برز الدور التركي القوي جدًّا مع بداية الازمة السورية، ليخفت ويتحول الى صراع خفي بعد ان تحركت الورقة العراقية كما الكردية بين طهران وأنقرة، كما ثمة ملفات كثيرة يأخذها الجانب التركي بعين الاعتبار اهمها الملف الكردي والملف المائي والملف النفطي. والسياسة الخارجية التركية التي ترى ان كبح الجماح الايراني ممكن ان يمر عبر الاتفاقات الثنائية الاقتصادية والعسكرية، عرقله الملف النووي الذي ينذر بإيران نووية مما سيحول المنطقة الى حلبة صراع بين النوويتين ايران واسرائيل فيما ستكون تركيا قد عادت الى موقع المتفرج.

وفي ضوء كل الاحتمالات المفتوحة فإن خطر اندلاع حرب “أهلية” أو “طائفية” من شأنه ان يُشعل المنطقة، فتسرب الحرب الى الجوار السوري العراقي والتركي واللبناني، أمر ليس ببعيد في ظل التشابكات العرقية والاثنية والطائفية حيث يرى محللون ان طهران لن تتوانى عن افتعالها وتذكيتها بشتى الوسائل في ظل أذرعها المنتشرة في لبنان والعراق بعد ان تحوّل كلا البلدين الى ساحة لتبادل الرسائل بين طهران “الصفوية ” وانقرة “العثمانية” على حدّ وصفهم مما ينذر بأن الأزمة السورية ستطول حاملة مزيدًا من الدماء وازهاق الأرواح.

فقد حذَّر المدير العام لإدارة شئون تركيا بوزارة الخارجية الإيرانية مصطفى دولتيار امس في تصريحاته لجريدة أيدنلك التركية دول المنطقة وخصوصا تركيا من الوضع في سوريا، مشيرًا إلى أن المشكلة الرئيسية ستظهر بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، لأن المنطقة ستصبح مثل البلقان.

تحذير لا يمكن قرائته بعيدا عن انزعاج ايران من زرع رادار حلف شمال الأطلسي الذي يهدف إلى مواجهة برنامج إيران للصواريخ على الاراضي التركية. كما يُعدّ تهديدا لخطة داوود أوغلو الساعي لجعل بلاده “لاعباً دوليا ” في السياسة العالمية وهو الذي اعرب عن ذلك صراحة عام 2011 لصحيفة الفاينانشيل تايمز عندما أشار الى ضرورة إحاطة تركيا نفسها ب”حزام من الرخاء والاستقرار والأمن” معتبرا ان بلاده ستكون لها رؤية استراتيجية وان الاتراك يكونوا “محايدين أبداً”.

هذه النبرة التركية تراجعت حدتها لدى اوغلوا في محاولة منه لجعل المسؤولية دولية حيث اعتبر السبت المنصرم انها “تقع على عاتق المجتمع الدولي ” عبر “توجيه اكثر الرسائل حزما الى القيادة السورية والقول هذه الوحشية يجب الا تستمر” مكتفيا بالدعوة الى ضرورة ادخال المساعدة المخصصة للمدنيين المتضررين من اعمال العنف الى البلاد.

اما المبادرة العربية فقد تعثرت فيما بدأ المجتمع الدولي إعادة تقدير مواقفه من أجل تهيئة الظروف حيث ابدت الولايات المتحدة رغبتها في تشكيل موقف دولي يضمن نقل السلطة من خلال سحب شرعية بشار الأسد وتغيير بنية النظام دون تعريض الدولة السورية للانهيار لاسيما وانها غير راغبة في اعادة السناريو العراقي. اما ايران فهي مصممة على دعم النظام السوري حتى النهاية حتى وان أدى الأمر الى نشوب حرب.

من جانب آخر فإن الدول الاوروبية لا ترى في المعارضة السورية ما يأهلها لضبط الوضع الداخلي، فيما اتجهت روسيا نحو الحفاظ على آخر حصن لها في المنطقة مستندة الى متانة علاقتها مع عسكر الأسد وايران مما يجعلها تضمن مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية.

وفي ظل كل التشابكات والتعقيدات والأزمة المتفاقمة يبدو ان شباب الثورات غير آبهين بالمصالح الدولية ولا حتى بدبلوماسية المعارضة “الانيقة” بقدر ماهم يعبرون عن رغباتهم الحقيقية في تغيير الديكتاتوريات العجوز حيث ان الشريحة العمرية مابين 25 و35 سنة تسيطر على ديموغرافية الثورات العربية وهم يسعون لاثبات حضورهم ووعيهم في مؤسسات المجتمع المدني الذي تسيطر عليها مافيا العجائز التي تُعمل آلة القتل والتعذيب في رقاب البشر ولم ترحم نسائهم وأطفالهم.

ملاحظة وصلتني صورة بالامس أرفقها لكم، تظهر طفلة من منطقة الحراك لا يتجاوز عمرها السبع سنوات وقد وقفت باكية تحمل لافتة كتب عليها “أغيثوا أطفال حمص ” وبعد مدة قصيرة تحولت الطفلة نفسها الى جثة هامدة جراء القصف. فمن يتحمل مسؤولية انقاذ أطفال لا تعنيهم السلطة شيئا ولا مصالح لهم ولاذنب لهم سوى أنهم كانوا هناك.

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى