صفحات العالم

الطائفية والطائفية المضادة/ جهاد الرنتيسي

 

 

نزعة “الانتقام” زاوية مظلمة، في دوافع جماعة الإخوان المسلمين، للاستحواذ على السلطة، قد تظهر في تراكمات السلوك اليومي، لتعبر عن “العقل الباطن” لأفراد الجماعة، وسياساتها، وقلما تطفو على سطح الخطاب الإعلامي، والأدبيات المتداولة.

في زهو انتصارهم على شركائهم، في ائتلاف قوى المعارضة، واحتفاظهم بالحكومة المؤقتة، خرج إخوان سوريا، عن قاعدة إخفاء الزوايا المعتمة، مثلما فعلت حركة حماس، لدى استيلائها على قطاع غزة، وإخوان مصر، في طريقة تعاطيهم، مع القوى العلمانية، خلال وجودهم في السلطة.

رئيس مكتبهم الإعلامي عمر مشوح، كشف عن ما يتجاوز “الزاوية المعتمة” إلى “الثقب الأسود” حين عبر بوضوح، عن حنين الجماعة، لبدايات الصراع الطائفي، مع نظام الأسد الأب، بتأكيده على رغبة جماعته، في استعادة الدور، الذي كانت تقوم به، قبل خروجها القسري من سوريا، في ثمانينات القرن الماضي.

التصريح يعزز حالة القلق، التي انتابت طيفاً واسعاً، من المعارضة السورية، في أجواء الخلاف، حول جدوى ومخاطر التجديد، لرئاسة أحمد طعمة، في مرحلة حرجة، من الازمة السورية، المشرعة أبوابها على المجهول.

الحديث عن النصف الأول من الثمانينيات، نبش لذاكرة أجيال سورية، عايشت الفترة، التي شهدت خروج الصراع، بين النظام الاستبدادي وقوى المجتمع، عن مساره ومآلاته المفترضة، وتوفر الحاضنة السياسية والاجتماعية، لفرز طائفي، قطع شوطاً واسعاً، في نخر بنية المجتمع السوري، وأضعاف مناعته.

فقد شن الأسد الأب، حرب الدفاع عن سلطته، على أرضية مواجهة قوة طائفية، تعيق التطور المنشود، وتهدد استقرار البلاد، دون أن يخلو الأمر من اتهامات موجهة لجهات خارجية، ورد الطرف الآخر، بفعل دموي، يدفع باتجاه المزيد من تعميق البعد الطائفي للصراع.

يعي الذين عايشوا تلك الفترة جيداً، انها كانت بعض المقدمات، التي هيأت المناخات لزمن “داعش” و”النصرة” وأبقت على تداخلات فكرية، بين التنظيمين والجماعة الأم، مما يدفعهم للتعامل بحذر، مع مستقبل الدولة والمجتمع السوريين، في حال هيمنة الاخوان المسلمين على مقدراتهما.

وانطلاقاً من هذا الوعي، تبدو استعادة الجماعة لوجودها، في الداخل السوري، أقرب إلى مرحلة جديدة من المواجهة، بين القوى العلمانية وجماعة الإخوان المسلمين، على أسس شبيهة، بالتي كانت قائمة، في زمن مضى.

ولاتساع حضور الجماعة، في المشهد السياسي السوري، محاذيره على علاقة المعارضة السورية، مع بعدها الإقليمي، الرافض للتعاطي مع الجماعة الأم وامتداداتها، على ضوء أدائها السياسي، خلال فترة ما عرف بالربيع العربي.

التقاط إخوان سوريا لحالة اللاحسم، التي يمر بها الصراع، بين المعارضة والنظام، وحالة التجاذب الاقليمي، والانشغال الدولي، بالحرب على داعش، وإحباطات المعارضة، والبناء عليها باعتبارها حقائق لا تتغير، يوسع هامش انزلاق جديد، نحو تعميق الأزمة السورية، وتشتيت جهود حلها، وإدامة عذابات السوريين، مما يتطلب من القوى الأكثر حيوية، المسارعة للإمساك بزمام المبادرة، وتغيير الوجهة، كي لا يستمر الدوران في حلقة الطائفية والطائفية المضادة.

موقع 24

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى