سميح إيديز
قُضي الأمر بالنسبة إلى بشار الأسد وعائلته. هذا ما يشير إليه بوضوح تفجير مبنى الأمن القومي. الاعتقاد العام هو أنه لولا بعض المساعدة من الداخل، لما استطاع الفاعلون التسلّل إلى تلك المنطقة التي تخضع لحراسة أمنية مشدّدة.
نظراً إلى الاضطرابات في البلاد، قد لا نعرف أبداً الوقائع خلف هذا الهجوم الذي سدّد ضربة قويّة لإدارة الأسد. لكن من الواضح أن هناك أعضاء في النظام البعثي يشعرون أنه لا يمكن أن تستمرّ الأمور على هذا النحو.
تُظهر الانشقاقات الأخيرة لمسؤولين رفيعي المستوى تململاً متزايداً لدى النخبة الحاكمة. ولذلك يجب ألا نسقط من حساباتنا احتمال حدوث انقلاب داخل القصر الرئاسي في الأيام أو الأسابيع المقبلة. في الواقع، قد تكون هذه النتيجة الأفضل لسوريا التي تتّجه مباشرةً نحو حرب أهلية شاملة تدور حول خطوط مذهبية. من شأن ترتيب يؤدّي إلى التخلّص من الأسد إنما يبقي على هيكلية الدولة الحالية أن يسهّل الانتقال إلى إدارة جديدة ومستقلّة، من أجل تفادي الفوضى الكاملة في ذلك البلد. لا نعرف بعد إذا كان هذا الانقلاب سيحدث أو يمكن أن يحدث. لكن البدائل قاتمة، لا سيما أنه بات واضحاً أنه لن يكون هناك تدخّل خارجي لوقف حمام الدماء.
ليس صعباً أن نتخيّل أن العلويين والسنّة يتسلّحون الآن، في وضع يذكّر بما شهدته يوغوسلافيا السابقة قبل عقدَين. إذا انهار النظام مثل بيت من ورق، من الواضح أن سوريا ستصبح لقمة سائغة فيما تتنافس مجموعات مختلفة على السلطة.
وبما أنها ستكون حرباً أهلية دموية تغذّيها الانقسامات المذهبية، سوف تنتقل حكماً إلى بلدان أخرى في المنطقة، وعلى رأسها لبنان. ثم هناك البعد الدولي، حيث سيدعم كل من الغرب وروسيا مجموعات مختلفة، ويتحوّل النزاع حرباً بالوكالة بينهما.
وسوف تتلقّى تركيا أيضاً ضربة قوية ومباشرة ليس فقط عبر مواجهة تحدّيات أمنية كبرى، إنما أيضاً من خلال المشكلات الاجتماعية نظراً إلى العدد الكبير من العلويين في هذا البلد الذين سيتعاطفون بالتأكيد مع أبناء دينهم في سوريا. والتعاطف العلني الذي أظهرته حكومة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان مع السنّة في المنطقة سوف يزيد الأمور تعقيداً بالنسبة إلى تركيا إذا لم تغيّر الحكومة مسارها.
قال أردوغان في موسكو بعد لقائه الرئيس بوتين يوم الأربعاء الماضي إنه يجب ألاّ يحصل تدخّل خارجي في سوريا حيث ينبغي احترام إرادة الشعب. لكن معنى “إرادة الشعب” يختلف بين بلد وآخر في هذه المرحلة. فمن وجهة نظر موسكو، وبعض البلدان الغربية بالتأكيد، تعني إرادة الشعب حكم الأكثرية السنّية، وقيام نظام ذي ميول إسلامية قوية، وذي نزعة انتقامية أيضاً.
وهكذا، المشكلة التي يواجهها “حزب العدالة والتنمية” هي أنه إذا لم يظهر في دمشق نظامٌ يحترم إرادة الشعب بما يحمي الأقلّيتيَن العلوية والمسيحية، وكذلك العلمانيين، لن تنعم سوريا بالاستقرار. ولذلك يبدو أن “التدخّل الخارجي” ضروري في نهاية المطاف في صنع سوريا الجديدة، على الرغم من معارضة أردوغان له.
بعبارة أخرى، من أجل قيام سوريا جديدة ومستقرّة، يجب أن تكون ثمرة نوع من التعاون الدولي. فمن غير المرجّح أن يحقّق السوريون أنفسهم ذلك، نظراً إلى الأحداث الدموية في البلاد.
على تركيا أن تقف الآن في الوسط، وتنتهج سياسة خارجية لا تنمّ عن تفضيلات مذهبية، بل تهدف إلى تحقيق الاستقرار من خلال التعاون مع كل المذاهب والعقائد والإتنيات. وإلا ستستمرّ في زجّ نفسها في أوضاع لا تُحمد عقباها في المدى الطويل.
“حريت” التركية ترجمة نسرين ناضر
النهار
