صفحات العالم

الحسم في سوريا يستعصي على طرفَي النزاع

 

ربى كبّارة

تبدو الازمة السورية، رغم دمويتها الرهيبة والدمار الهائل والنزوح الكثيف، مرشحة للاستمرار شهورا ان لم يكن سنوات. فالحلّ العسكري مستعصٍ مع فشل النظام في الحسم وفق وقائع الاشهر الاثنين والعشرين الماضية ومع عجز الثورة المسلحة عن الاطاحة به طالما ان المجتمع الدولي يحجب عنها الوسائل الضرورية. اما الحل السياسي، الذي تنكّب لتحقيقه الموفد الدولي العربي الاخضر الابراهيمي، فيبدو بعيد المنال لأن التوافق الدولي على عنوان “المرحلة الانتقالية” اصطدم بالخلاف على مضمونها.

ومع هاتين الاستحالتين اللتين تفتحان الوضع السوري على مدى زمني غير محدد يبقى مجلس الامن الدولي عاجزاً عن اصدار قرار بوقف العنف تحت الفصل السابع بسبب حق النقض الذي سبق لروسيا والصين ان مارستاه ثلاث مرات بهدف حماية النظام وبانتظار التوصل الى صفقة متكاملة لتقاسم النفوذ مع الولايات المتحدة في منطقة الشرق الاوسط وما بعدها.

فغياب الموقف الدولي الموحد من المرحلة الانتقالية، التي نص عليها إعلان جنيف الذي تم التوصل إليه في شهر حزيران الماضي، يحول دون التوصل الى حل سياسي يجمع بين رؤيتين: لا حلّ بوجود الاسد وفق الغرب ومعظم العرب والثوار، ولا ينطلق الحل من دونه وفق حلفائه من ايران الى روسيا.

وقد شمل التشاؤم من التوصل الى حل سياسي أبرز المروجين له. فروسيا الداعمة الرئيسية للنظام توقعت مؤخرا ان يطول النزاع لان “لا افق بعد لأي تسوية سياسية” كما اعلن وزير خارجيتها سيرغي لافروف الذي حمّل المعارضة المسوؤلية باعتبار تمسكها بتنحي الاسد “عقبة رئيسية امام التوصل الى حل سلمي”.

كما ان الامم المتحدة وبعد اجتماع امينها العام بان كي مون مع الابراهيمي، رأت أن “لا افق كبيرا لحل ديبلوماسي”. حتى ان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل الذي تدعم بلاده الثوار وتتشدد في ضرورة تنحية الاسد أسقط امكانية حل الازمة سياسيا اذ “لا يمكن تصور حلّ من خلال المفاوضات” مع رئيس يدمر بلاده وتاريخه وشعبه.

اما الحسم العسكري فيبدو مستبعدا لكلا الطرفين. فالنظام عاجز عن فرضه رغم وقوع اكثر من ستين الف ضحية ونزوح ملايين السوريين والدمار الهائل، وقد انكفأ للحفاظ على دمشق العاصمة لرمزيتها فيما لم يتمكن فعليا من استعادة حلب او حمص حيث يتبادل الكرّ والفرّ مع الثوار الذين يسيطرون على معظم الاراضي.

كما ان الثوار لن ينجحوا في القضاء عليه نهائيا طالما ان المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الاميركية، لم يؤمن لهم منطقة حظر جوي او اسلحة نوعية تمكنهم من مواجهة مدفعية النظام وقواته الجوية متذرعا بحجج واهية منها تشتّت المعارضة وعدم تبلور النظام البديل والخوف من “الجهاديين”، خشية تكرار التجربة الليبية، او بسبب غياب صمّام أمان هو الجيش كما كان عليه الوضع في مصر.

بذلك يتناسى الغرب ان قيام منطقة آمنة على الاراضي السورية يسمح بعودة المعارضة من الخارج وتشكيلها حكومة انتقالية بما يقوي صلاتها بالداخل ويضع حدا لاتهامها بالتبعية لدول غربية او خليجية. كما يتناسى الغرب انه كلما طال الصراع المسلّح تزايد تقاطر الاصوليين على سوريا باعتبارها ارض جهاد.

ويلفت معارض سوري مواكب لوقائع الاحداث، الى مدى تضخيم حجم وفعالية “جبهة النصرة” مثلا. فقد ادرجتها الولايات المتحدة على لوائح الارهاب وباتت التغطية الاعلامية الغربية تركّز على قوتها فيما ينضوي فعليا تحت جناحها العديد ممن ليسوا “جهاديين” بل مجرد ثوار سوريين. ويعزو السبب الى وفرة امكاناتها العسكرية والمادّية الواسعة مقابل ما هو متوفر بأيدي “الجيش السوري الحر”.

ويروي المعارض السوري ان الاسلحة تصل الى “الجيش الحر” بالقطّارة وهو يعوض عن قّلتها بغنائمه من الجيش النظامي. كذلك صعوبة توفير المساعدات الانسانية سواء الغذائية او وسائل التدفئة مثلا للمنتشرين قرب الحدود اللبنانية- السورية او في مخيم الزعتري على الاراضي الاردنية كما في المخيمات التي اقامتها تركيا في مناطقها الحدودية. اما رواتب الثوار فحدّث ولا حرج، لقد مضى عليهم حاليا اربعة اشهر من دون رواتب على الرغم من ان راتب الجندي لا يتعدى 150 دولاراً شهرياً. اما عن المنشقين من الجيش النظامي الذين لا يريدون القتال والذين لجأوا الى دول الجوار فقد باتوا ينصحون نظراءهم الراغبين في الخروج من سوريا بالبقاء فيها حتى لا يعانوا مذلّة الاستجداء.

ويعرب المصدر نفسه عن خشيته من ان تكون الولايات المتحدة تستخدم سوريا في اطار سياسة مكافحة الارهاب. فبقاء النظام يستدرج الجهاديين ومناعته العسكرية التي ما زالت فعالة بالدعم الايراني والروسي قد تقضي عليهم تباعا بغض النظر عن كمية الدم السوري المهدور. ويتساءل هل يصل الامر بهم لاحقا الى مكافأة الاسد وتعويمه؟، خصوصا ان الامم المتحدة تستمر بتعزيز موارد النظام المالية رغم العقوبات الاميركية والاوروبية. ويشير الى تخصيص المنظمة الدولية مؤخرا اكثر من نصف مليار دولار لتوزيعها على بعض الوزارات في الاشهر المقبلة.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى