صفحات سورية

تفعيل العمل المعارض السوري في الخارج داخل المجلس الوطني و خارجه هو ضروره وطنيه..


د. فراس الديري

بعد مايقرب ثمانية اشهر من انطلاق ثورة الكرامه انحصر العمل المعارض السوري الخارجي في محاور تبدو هياكلها شبه واضحه بينما همشت القواعد الشعبيه و عزلت لا سيما وان واقع العلاقه تاريخياً بين المعارضه السوريه و القاعده الشعبيه مفقوده اصلاً. و سبب ذلك ضعف المعارضه و عدم وجود قاعده شعبيه فاعله بفعل النظام في زمن الخوف الذي كسرته ثوره أذار المجيده. و يمكن القول اليوم بان اعظم الانجازات التاريخيه  لثوره آذار على المجتمع و الشخصيه السوريه هو نزعها لحاجز الخوف. وبذلك تفعيل قدرة المواطن و الشارع السوري لتقويم اي خروج عن المصلحه الوطنيه من قبل اي حاكم في المستقبل.

في بداية الثوره تفاجأ السوريون اكثر من غيرهم بوقع الثوره و الاحداث العظام التي تلت . لم يصدق اغلب السوريون ما كانوا يشهدونه من كتابه جديده للتاريخ السوري المعاصر امام ام اعينهم. و بين نشوه العزه و الخوف من المجهول و صدمه الحدث العظيم ازداد السوريون تعجباً و راحوا بعد فتره من الزمن يحاولون الاستفاقه من هذا الحلم او الكابوس او الخرافه و يبحثون عن هويتهم و كيانهم و شخصيتهم و اصواتهم التي طمسها فيهم و لهم نظام فاسد مستبد طائفي  عبر قرابة النصف قرن. و بينما هم في بحثهم هذا ضاعت عليهم الحسبه لدرجه ان بعضهم يمكن تشبيهه بمن يحرق دولارآ في العتمه ليبحث عن قرش سقط في مكان آخر..!

و بدون الدخول في تفاصيل الانقسامات و الانحيازات التي حصلت و سقوط الاقنعه الذي مازال مستمراً فأن العمل السوري الاجتماعي و السياسي المعارض بدأ يبحث عن نفسه. و بدلا من أن يكون هناك تنظيمات واحزاب تبحث عن قاعده شعبيه كان هناك قاعده تبحث عن تنظيم. و بدى المشهد و كأن السوري مستعد ان يلبس اي شيئ حتى لو كان ذلك الشيئ ليس من حجمه او لجنسه او حتى لا يلوق له و بدى بعد ان لبس البعض و بقي آخرون عراة و كأنك في كرنفال لا يعرف احد ما يفعله الاخر و لكنهم جميعاً يسيرون بنفس الاتجاه و بين التائه و المستدل لا احد يدري الى اين المسير المهم الكل ملبوك و يعتقد أنه يحقق شيئ ما.

و جمعيه بعد جمعيه و اجتماع بعد اجتماع و مجلس بعد مجلس و بين دخلاء ومندسيين و بين الفيسبك و يوتيوب و بين الجزيره و العربيه و أنصاف المعارضيين و المعارضات ولقاء بعد لقاء في كل بلاد المهجر دخل الحابل بالنابل و صار الكوكتيل على كيفك و ضاعت الطاسه. و من انطاليا واحد الى أنطاكيا اثنين الى دوحه واحد الى انقره فاستنطبول فالقاهره تمخض الرحم السوري من خلال ولاده قيصريه لحمل خارج الرحم عن طفل ناقص الخَلقْ اسمه المجلس الوطني السوري.

اما في الداخل كان الثوار يقدمون التضحيات  الغاليه و من التنسيقيات الى مجالس الثوره و هيأتها ولد الرحم الطاهر في سوريا الام ابناً نعلق عليه امالاً جسام أسمه الجيش السوري الحر. كلنا امل بأن يتعايش الطفلان باخوه و تفاهم لخدمه سوريا الام. مع اننا نخاف على الجيش الحر من تدخلات و سياسات المجلس و تحكمه بقراراته و إيراداته و أن لا يسيس الجيش الحر لمصلحه إيه حركه سياسيه و ان يظل “حراً” بكل ما للكلمه من معنى خلال هذه المرحله و مرحله ما بعد سقوط النظام.

هذا على المستويين الداخلي و الخارجي السوريين. اما المواقف الدوليه فتبلورت حول الدعم الغربي للثوره و الموقف السلبي منها من قبل روسيا و الصين. و اقليمياً فجاءت تركيا ببطئ شديد لجانب الثوره و بقيت أيران و حلفاءها اللبنانيون من جانب النظام السوري. و أما المارد العربي العملاق ..! فقد تمخض بقرارت الجامعه العربيه المعروفه للجميع و لن ادخل في تفاصيلها.

لنعود الى المعارضه السوريه في الخارج و على المستوى الشعبي فإنها بدت و كانها خريط و خربريط و بدات تأخذ نموذجاً يمكن قراءته او تمييزه فلم يعد هنا كرنفال و لكن هناك بعض المنظمات التي تعقد الجلسات و الاجتماعات لتقدم اخر الاخبار و لتشعر المواطن السوري بانها تقدم له ولثورته و بالنيابه عنه كل الخدمات الاعلاميه و السياسيه و الدعائيه عند مراكز القرار حتى وصل الحد بان يلقب احد البارزيين في هذه المنظمات في شيكاغو “بأعظم قادة الثوره في الخارج ” مع شديد تحفظنا و رفضنا لهذه الأساليب .  و تأتي للجاليت هذه المنظمات بممثليين عن المعارضه من المجلس الوطني السوري ليقدموا له اخر الاخبار و يَدّعوّ عليه اخر الانتصارات و الانجازات و يغسلوا دماغ الساذجيين بنظريات غاندي و سجوب استمرار سلمية الثوره و غيرها و يجيبوا على الاسئله كما يشاؤون و يكذبون فيهز الساذجون رؤوسهم تاييداً و يصفقون لهؤلاء الابطال المغاوير ثم يقوموا لجمع التبرعات باسم الثوره و شهداءها و يأخذ المحاضريين حصصهم من المبالغ المجموعه و يعودون من حيث جاؤا او يذهبو ليعيدوا نفس التمثيليه على مجموعه اخرى من الجاليه السوريه في مكان اخر و كانهم سرك جوال . واصبح لهم في كل بلد متعهديين كما للفنانيين والفنانات متعهدون في بقاع الارض فمنهم من يتعهد فيفي عبدو او نانسي عجرم و منهم من يتعهد ملهم جويجاتي و كلبه فكتور الذان ضحيا بالكثير من “وقتهما الخاص” للنظام و الثوره على حد سواء. ..! و حقيقه حضور حفل لفيفي عبدو او نانسي عجرم أريح بكثير من حضور محاضره لملهم الجويجاتي يكفيك انك تخرج مفرفش من حفل فيفي او نانسي و تخرج مهزوز البدن في محاضره جويجاتي و كلبه فكتور.

وأما على مستوى القضايا الساخنه و المطروحه هل سيكون هناك حمايه للمواطننين العزل ؟ وهل سيكون هناك منطقه حظر جوي او منطقه عازله؟  و متى سيصبح التدخل الخارجي واقع لا ملاذ منه  ليخلصنا و يخلص شعبنا و وطننا من هذا النظام المجرم؟ كل هذه التساؤلات تبقى مهمه كونها تحدد سرعه سقوط النظام الى حد ما.

 في تقديري الشخصي فان المواطن السوري في الخارج هُمش و همشت معه كل المنظمات التي تدعي انها قويه قادره على التأثير على مركز القرار السياسي و الدبلوماسي و العسكري. و مع هذا التهميش اصبح بتقديري اي عمل ليس له صله مباشره بالداخل عمل ضعيف ليس ذو فاعليه. وإن من يدعي من الهيئآت السوريه في المهجر ان له تأثير في الوقت الحالي على الوضع فيما يخص المسأله السوريه فهو واهم حتى لو كانت صلته مباشره بالمجلس الوطني السوري و اليكم الأسباب :

١. استحواذ مجموعه ضيقه على القرار داخل المجلس وهذه المجموعه تتخذ قرارها بمعزل عن رأي الاعضاء داخل المجلس فكيف ستستمع لمن خارجه؟

٢. انتقل المجلس الوطني بعد ان ” منح الشرعيه” من ان يكون مبني على أسس قاعده شعبيه الى كونه ابتعد و راح يحلق بعيداً فلا قيمه للمعارض السوري في الخارج ما لم يكن مرتبط او يركب على جناح المجلس. و مثالاً على ذلك عدم معرفة أعضاء المجلس باجتماعاته و فعالياته حتى لو كانت في مدنهم.

٣. انتقلت قياده المجلس الى مرحله يعتقد المجلس انها متقدمه في صلاتها مع مراكز القرار في الغرب و تركيا تحديداً و نسيت القاعده. فمن يلتقي جوبيه و أوغلو  لا يهمه ابو محمد او ابو اسكندر مواطن سوري معارض له رأي في غرب كندا او جنوب نيوزيلاندا. هذا السلوك في الانفصال عن القاعده سيدفعون ثمنه بعد سقوط النظام في الداخل.

٤. ان قياده المجلس تعلم ان قرار الشان السوري لايصدر من القاعده و لذلك لابأس بتهميشها و الاستمرار بالهروله خلف من تعول عليهم في مراكز القرار الغربيه والاقليميه.

٥. الدعم المادي يبدوا لم يعد مشكله عند المجلس و مراكز القرار و اصحاب المصالح الغربيه و الإقليميه كفيلين بدفع الفواتيير. و لذلك سيتعلم بسرعه اعضاء المجلس من اين تأكل الكتف. و تصبح تبرعات الجاليات السوريه قطره في بحر.

على المستوى الدولي و الاقليمي يتعذر ان يكون للجاليات السوريه المعارضه دور طالما همشها المجلس اضافه الى ذلك:

١. إن القرارت الدوليه و الإقليميه تراعي مصالح  القوى العظمى قبل ان تراعي مصالح المعارضه و جالياتها او حتى الشعب السوري.

٢. كلما يرتفع و يكبر مستوى المد في القضيه السوريه كلما يقل عكسياً دور و رأي المعارض السوري في الخارج.

٣. سيكون دور المعارض السوري محدداً بما تقرره له القوى الإقليميه و الدوليه التي تدفع الفاتوره ما دام المجلس الوطني ضعيف الأراده.

ان الحسم في سوريا سياتي من ثلاث محاور   وأي شي غيرها فهو تبع لها لاغير او تكميل صوره او إكمال عدد:

١. استمرار الثوره في الداخل بما في ذلك الرد على الأجرام بحزم من خلال آليه ردع عسكريه كالجيش السوري الحر على سبيل المثال لا الحصر.

٢. جاهزية القرار و الإراده  الدوليه لوقف المذابح و اسقاط النظام و هذا قد يصل لحد التدخل العسكري اذا تناسب و مصالح تلك القوى.

٣. تفكك النظام او إنقلابه  من الداخل او بفعل العوامل السابقه.

و بما ان الجاليات السوريه لا تستطيع لا مباشره و لا من خلال منظماتها الوهميه التأثير بشكل محسوس بهذه المحاور الثلاث فاني ارى أن عمل الجاليات السوريه يجب ان يقوم على اساس :

١. دعم الداخل بلا شروط او حدود اذا كان ذلك ممكناً فإن الداخل هو الذي سيسقط النظام.

٢. دعم الداخل لانه يجب ان يحكم سوريا بعد سقوط النظام و يجب تمكينه من ذلك .

٣. عدم التخلي عن المجلس الوطني مع كل التحفظات حيث انه ليس هناك بديل و دعمه بضمانات إلتزامه الخط الوطني الداعم للحراك في الداخل و متطلباته و توجهاته.

٤. دعم الجيش السوري الحر “مباشره”. و ليس من خلال المجلس الوطني على وضعه و تشكيلته الحاليه.  مباشرة ان امكن هذا لانه اليد الحاميه و الضاربه للثوره.

 ٥. عدم التخلي عن المجلس الوطني و دعمه بضمانات دعمه المطلق للجيش السوري الحر و بدون فرض شروط سياسيه على هذا الجيش.

٦. دعم المجلس الوطني السوري للتأثير ضمن امكانياته المحدوده على مراكز القرار و ملاحظته و رقابتة حتى لا يصبح اداه لمراكز القرار الاجنبيه و العربيه و يعكس اجنداتها و ان لا يصبح اداه موسيقيه يُعزف عليها بدلاً من ان يكون له دور في التلحين و الانتاج على الرغم من قناعتي في عدم قدرته اداره الأوركسترا لوحده.

٧. البدء في بناء هيئه او هيئات تنميه و تطوير جاهزه للتنفيذ على الارض في الداخل فور سقوط النظام بعيده عن المجلس الوطني او العمل السياسي الحالي.

٨. اشراك و توعية الجيل الجديد في عمليه البناء و التنميه.

٩. الضغط على المجلس للوطني السوري لتنظيم و تنظيف بيته الداخلي و الابتعاد عن وأبعاد المشكوك باجنداتهم عن منظمات و تشكيلات الجاليات و فعالياتها.

قد يكون طبيعياً بُعد القياده عن القواعد في هذه المرحله بسبب اعباء العمل السياسي و الدبلوماسي و التنظيمي ولكن يجب ان لايكون ذلك مقبولاً و لا عذر فيه . و مع أن الفجوه بين الاثنين كانت و لا تزال عميقه لعدم و جود قواعد عريضه اصلاً قبل الثوره و عدم وجود معارضه مشرفه و منظمه عبر نصف قرن من الزمان. فإن من اهم واجبات المعارضه متمثله بالمجلس الوطني التواصل و شد الفجوات و بناء الجسور و التعامل بشفافيه مع القواعد إذا ارادت النجاح حالياً  او في المرحله الانتقاليه بعد سقوط النظام و التمهيد لقيام دوله مؤسسات حديثه و ديمقراطيه.

١٠. انني اعتقد بأن الوقت قد حان للوطنيين من ذوي الفكر و العقل التداول و تبادل الاراء و الافكار للبدأ بتأسيس احزاب جديده قادره  لأخذ مواقعها و سد الثغرات في الجسم السياسي و الاجتماعي السوري عند سقوط النظام. أحزاب مبنيه على أسس تعدديه ديمقراطيه تتناسب و تطلعات الشعب في بناء دوله حضاريه.

١١. و لايفوتنا ان نذكر ان الوقت مناسب حالياً للبدأ بالتثقيف الجماهيري المبرمج لتجنب الإجتثاثات و الأحقاد و الانتقامات المبنيه على الجهل و الثأر  و المخالفه للمصلحه الوطنيه  العليا و البدء للتجهيز لمؤتمر مصالحه وطنيه يدعى له و يعقد قبل سقوط النظام و تتخذ فيه القرارت لترسخ قرارته في مؤتمر مصالحه وطني بعد سقوط النظام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى