صفحات الناس

السوريون في تركيا.. عمّال في ضيافة الاستغلال/ نورس يكن

 

 

يعيش في تركيا حوالى 3 ملايين سوري، بحسب الإحصاءات غير الرسمية، في ظلّ اعتراف الحكومة التركية بنجو مليونين فقط، وتعتبرهم ضيوفًا ولا يستفيدون من حقوق اللاجئين المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف. مُعظم المقيمين هم من الحرفيين وأصحاب المهن الحرّة، وهؤلاء يعملون بالأجرة من دون أن يسجّلوا في قوائم العمل الخاصّة بالحكومة التركية.

مع مرور السنوات وانقضاء العام الخامس على بداية دخول السوريين إلى تركيا، بدا أن الأمر يحتاج تنظيمًا أكبر

يتوزّع السوريون على الأراضي التركية كافة، وتعتبر أكثر الولايات التركية اكتظاظًا بهم ولايات (كلس، أورفا، غازي عنتاب، إسطنبول) على الترتيب، إلا أن عددًا لا بأس به يقيم في العاصمة أنقرة، وينتمي في مجمله إلى الطبقة العاملة من الحرفيين وأصحاب المهن الحرة والمشاريع الصغيرة، وتعتبر هذه الطبقة هي الأكثر عرضة للاستغلال، فأبناؤها يعملون بقوت يومهم، ومن لا يعمل منهم اليوم قد تجوع عائلته غدًا أو تُرمى إلى الشارع نهاية الشهر إذا عجز عن سداد إيجار المنزل، الذي بدأ يرتفع بشكل طردي مع زيادة عدد السوريين الوافدين إلى تركيا، والذين في البداية لم يطلبوا إلا المأوى والعمل البسيط بانتظار العودة إلى بلادهم.

لكن مع مرور السنوات وانقضاء العام الخامس على بداية دخول السوريين إلى تركيا، بدا أن الأمر يحتاج تنظيمًا أكبر، وبدأت الأصوات ترتفع كاشفة عن عمليات استغلال من الأتراك للسوريين ومن السوريين أنفسهم، خصوصًا في قطاع “الأزمات”، إن صحّت التسمية، مسببة توترًا في العلاقات بين مدراء المؤسّسات الناشئة بفعل تمويل المنظّمات الدولية، وموظفيهم غير المسجّلين. وسط كل ذلك تعتمد الحكومة التركية سياسة غضّ البصر.

محمد، حرفي خياطة سوري مقيم في أنقرة، وهناك يشكّل السوريون مجتمعًا مغلقًا داخل أحد الأحياء في أطراف العاصمة التركية، والذي يضم أكثر من 80% من السوريين في المدينة. يقول محمد في حديث إلى “جيل”: “ليست لدينا أي حقوق كعمال، هناك تمييز بيننا وبين العامل التركي، أولًا من حيث الأجور، وثانيًا من حيث المعاملة والالتزام. فقد امتنع صاحب مشغل تركي عن دفع أجري بعد أن شغّلني مدّة أسبوع ثم استغنى عنّي”، وهذا الكلام يوافق عليه صافي، وهو أيضًا خيّاط مقيم في إسطنبول، إذ يؤكّد “هناك صعوبات كبيرة في فتح مشاريع صغيرة لنا، ولهذا نحن محكومون بالعمل لدى الأتراك. لا توجد رخص عمل رسمية، وأيضًا لم تشملنا خطّة التجنيس التي تقوم بها الحكومة التركية حتى الآن، كوننا لسنا من حملة الشهادات أو أصحاب المشاريع التجارية”.

في مدينة غازي عنتاب، عاصمة اللجوء السوري في تركيا، تظهر الانتهاكات التي يتعرّض لها العامل السوري جليّة أكثر من غيرها من المناطق الأخرى، وذلك بسبب تنوّع المجتمع هناك، واحتوائه على جميع فئات العمّال السوريين (أياد عاملة، رؤوس أموال، منظّمات، ومؤسّسات تجارية وإعلامية)، هنا، يصف الصحافي نجم الدين النجم، حقوق العامل بـ”شبه المعدومة “، مضيفًا في حديث إلى “جيل”، أن العامل السوري، من أبسط المهن إلى أعقدها ومن السبّاك إلى الصحافي، منتهك الحقوق، ويتعرّض لتعذيب نفسي ومادي وأحيانًا جسدي في بعض الحالات، مستطردًا بالقول: “في المنظّمات يبدو الحال أقل ضررًا، إلا أنها هي الأخرى تفرض نوعًا من الوصاية الفكرية على موظّفيها، فهي تمنعهم مثلًا من الانحياز لطرف ما، أو التعبير عن رأي سياسي على صفحاتهم على فيسبوك”.

المستغرب في كل ما يتعرّض له السوري من انتهاكات في حقوق العمل أنها تمرّ وتسقط بالتقادم مع مرور أيّام اللجوء الطويلة والصعبة، فالحكومة التركية تتّبع سياسة غضّ البصر، التي لها إيجابيات، كالإعفاء من التراخيص والضرائب، لكن أيضًا لا تضمّن حقوق أحد.

من جهتهم، لا يحاول السوريون أنفسهم ضمان حقوق بعضهم بعضا، أي كما يقول المثل الشعبي السوري “دود الخل منه وفيه”، وكل تلك الممارسات التي كانت معروفة في الأروقة الضيّقة والقريبة كشف عنها إضراب عمال راديو روزنة في غازي عنتاب، الذي لفت النظر إلى واقع العمّال وحقوقهم، وطرح العديد من الأسئلة، أبرزها: لماذا يسكت العمّال عن واقع كهذا؟

هنا، يبرّر الصحافي أيهم سلمان، مدير البرامج في راديو روزنة سابقًا، وأحد المشاركين في الإضراب، الأمر بـ”الحاجة “، حيث يقول سلمان في حديث إلى “جيل”، إن ضغط الحاجة يدفع الكثير من المتعلّمين والناشطين للبحث عن فرص عمل، ونظرًا لوجود كم كبير من منظّمات المجتمع المدني في تركيا، يجدون بعض الفرص التي غالبًا ما تكون بعيدة عن اختصاصاتهم، ومع غياب قانون واضح يُنظّم عمل هذه المنظّمات في تركيا، تضيع الحقوق القانونية لموظفيها، وتَسهُل عملية التحكّم بأرزاقهم، فالعقد الأخلاقي أو الشفوي بين مدراء المنظّمات يُمكن أن يُخرق ببساطة، وعند أوّل خلاف، على حدّ قوله.

ولفت سلمان إلى البيئة الخصبة للاستغلال في تركيا، والتي لا تزال مستمرّة بالرغم من الحديث عن إمكانية تجنيس السوريين، حيث يقول: “بالتأكيد هي تحمي من يحملها قانونيًا، ومع ذلك فإن فرص العمل في تركيا قليلة، ما قد يُجبر حتى حملة الجنسية التركية على العمل بدون عقد مع أي منظّمة كانت، لأن رواتب المنظّمات عمومًا أعلى من معدّل الأجور في تركيا”.

في هذه الظروف التي تعيشها سورية لا ينال موضوع حقوق العمال القدر الكافي من الاهتمام، مع وجود قضايا يعتبرها الناس أكثر إلحاحًا، إلا أن وجود السوريين في تركيا يدخل عامه السادس، وهؤلاء المقيمون بلا صفة رسمية حتى الآن، يحتاجون إلى ما ينظّم إقامتهم وأعمالهم وحقوقهم، ويحميهم من خطر التحّول إلى مجتمعات عشوائية وفاشلة داخل المجتمع التركي.

جيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى