صفحات سورية

أجنحة المعارضة السورية… ماذا يجمع بينها وماذا يفرّق؟


الطاهر ابرهيم

ما يقال من أن الامانة العامة للمجلس الوطني السوري المعارض ترفض انضمام هيئة التنسيق ومعارضين آخرين الى المجلس، ليس صحيحا على اطلاقه، وإن كان لا يخلو من بعض الصحة.

بعد مدينة اسطنبول، بدأ معارضون سوريون يتوافدون إلى القاهرة تلبية لطلب الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي لاختيار قيادة لهم للمشاركة في اجتراح حل لأزمتهم مع النظام السوري. كما هو معلوم، ومع أن المطلوب هو نفسه عند معارضة الداخل السوري وعند معارضة الخارج، وهو رحيل النظام الذي جثم على سوريا قرابة نصف قرن، إلا أنهما تختلفان في مقاربة الحل للقضية السورية. وخلافا لما يعلنه قادة معارضة الداخل، تصر معارضة الخارج على أنه ليس هناك من حل إلا رحيل هذا النظام، وفورا، وذلك تساوقا مع مطلب الشارع السوري المتظاهر الذي يتفنن في أهازيجه بما يريد، وهو ليس أقل من رحيل النظام.

أولا: لا نعتقد أن هناك خلافا عميقا بين المجلس الوطني وهيئة التنسيق في ما يتعلق بالهدف الرئيس لكل منهما، فكلا الطرفين يريد من النظام الحاكم أن يرحل، وإن كانت هيئة التنسيق تغلف هذه الرغبة بما تسميه “تخلي النظام عن الحل الأمني”، والكل يعرف أن النظام سوف   يصبح خارج الحكم في اليوم التالي لتخليه عن الحل الأمني. هيئة التنسيق التي يعيش معظم  أعضائها داخل سوريا لا تستطيع أن تصرح برحيل النظام، وإلا فعلى من يصرح بذلك أن يغادر القطر كي لا يعتقل. هذه المشكلة غير موجودة عند المجلس الوطني، إذ أن أعضاءه يعيشون خارج القطر، ومن هم موجودون  داخل سوريا، لا تعرف السلطة أسماءهم. هذا الفرق دعا تنسيقيات الداخل الثورية إلى تأييد المجلس الوطني عندما رفعت لافتات مكتوبا عليها “المجلس الوطني يمثلني” (في كل قرية وفي كل حي لجنة تنسيق خاصة).

ثانيا: ليس صحيحا على إطلاقه، وإن كان لا يخلو من بعض الصحة، ما يقال من أن الأمانة العامة للمجلس الوطني ترفض انضمام هيئة التنسيق ومعارضين آخرين إلى المجلس الوطني. فعلى الأقل، إن جماعة الإخوان المسلمين، وهي مكون أساسي في المجلس الوطني، سعت دائما، خصوصا في عهد مراقبها العام السابق علي صدر الدين البيانوني للعمل على تجميع المعارضين للنظام السوري في جبهة واحدة منذ أن أعلنت عن “ميثاق الشرف” في أيار عام 2001. رفْض الأمانة العامة للمجلس الوطني الذي أشرنا إليه، ألمح إليه المعارض السوري البارز منذر خدام رئيس ما سمي في حينه “مؤتمر مثقفي سميراميس” الذي عقد قبل أشهر، وذلك في مقال نشرته “النهار” اللبنانية تحت عنوان “ماذا يجري في القاهرة بين المعارضتين السوريتين؟” (29/11/2011). فإذا لم يكن ما زعمه خدام صحيحا كلُّه، فليس هناك “دخان من دون نار”.

لو عدنا الى الوراء قليلا عندما سارعت مجموعة شبابية في المنفى إلى تأسيس المجلس الوطني الأول في اسطنبول في15 أيلول الماضي، وكان مجموع عدد أعضائه في حدود70 عضوا. انتظر هؤلاء المؤسسون “تنسيقيات” الثوار في الداخل أن تبادر إلى رفع لافتات أثناء التظاهرات تعلن تأييدها للمجلس الوطني. لكن ذلك لم يحصل، لأن الأسماء المعلن عنها لم يكن فيها إلا القليل ممن هم معروفون بتاريخهم المعارض للنظام السوري، خصوصا ان الإخوان المسلمين، الفصيل المعارض الأبرز للنظام السوري خارج سوريا، لم يكونوا قد شاركوا بعد في المجلس الجديد، رغم أن قلة ممن شملتهم قائمة تشكيل المجلس كانت من خلفية إخوانية، لكنهم كانوا قد تركوا الإخوان. ما جعل أعضاء في المجلس الوطني الأول يتصلون بقيادة الإخوان المسلمين، الذين اشترطوا إعادة تشكيل المجلس من جديد على أسس غير تلك التي تم تشكيل مجلس 15 أيلول عليها، شرط أن يحتوي المجلس المزمع إنشاؤه مختلف أطياف المعارضة.

بدون الدخول في التفاصيل، تمت إضافة بعض أطياف من معارضة الخارج وليس كلها. إذ لا يزال العديد من الشخصيات المعارضة المهمة الإسلامية والليبرالية واليسارية خارج إطار المجلس الوطني بسبب حرص المجموعة الشبابية على عدم إشراك تلك الشخصيات كي تبقى لهم الحصة الكبيرة في المجلس.  وقد قدم الإخوان المسلمون تنازلات مهمة، ورضوا بحصة لا تكافئ حجمهم في معارضة الخارج، في سبيل الوصول إلى مجلس وطني عريض يكون واجهة للمعارضة. وهي تضحية تحسب للإخوان المسلمين السوريين. استطرادا نحن نزعم أنه لو لم يرد اسم الإخوان المسلمين في التشكيل الذي أعلن عن مكونات المجلس الوطني ما رأينا ذلك الكم الكبير من اللافتات ترفع في جمعة:”المجلس الوطني يمثلني”، وذلك لم يحصل عندما أعلن عن تشكيل مجلس 15 أيلول الماضي في اسطنبول.

لكن إذا كان يحسب للإخوان المسلمين تنازلهم عن جزء من حصتهم للآخرين للوصول إلى مجلس وطني موحد، فإن جناحاً نافذا في قيادة الإخوان المسلمين قام بإقصاء رموز مهمة في الإخوان عن عضوية المجلس الوطني. كما احتكرت القيادة لنفسها عضوية الأمانة العامة وعضوية المكتب التنفيذي. وقد نأى المراقب العام للإخوان رياض الشقفة بنفسه عن المشاركة في عضوية المجلس الوطني تاركا ذلك للحريصين عليها.

ثالثا: نعتقد أن نجاح مكونات المجلس الوطني في الوصول إلى صيغة عددية للمجلس جعلت طرفا معينا نال حصة الأسد، حريصا على عدم إضافة أعضاء جدد إلى مكونات المجلس من هيئة التنسيق أو من خارجها حتى لا يختل تفوق حصة ذلك الطرف في المجلس. هذا الرفض لا علاقة له بكون هيئة التنسيق متهمة بأنها على علاقة مع النظام الحاكم في سوريا. نحن هنا قد لا ننفي وجود أعضاء في معارضة الداخل لهم خيوط اتصال مع أطراف في النظام، لكن أولئك قلة. غير أن أكثرية المعارضين في الداخل من الذين أدمنوا الدخول إلى معتقلات النظام، نالهم من الأذى ما الله به عليم، وسرحوا من وظائفهم، ومنعوا الخروج من سوريا، حتى للاستشفاء.

إذا كان الطرف الذي يرفض دخول آخرين من معارضة الداخل إلى المجلس الوطني بحجة علاقة مزعومة للمرفوضين بالنظام، فما حجة هؤلاء وهم يرفضون التحاق شخصيات مهمة وطنية وإسلامية وكتاب معارضين بالمجلس الوطني؟ يبقى أننا نرفض اللغة التخوينية التي درج عليها البعض، لسبب أو لآخر.

(عضو بارز في حركة الإخوان المسلمين السوريين في الخارج)

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى