صفحات سوريةطريف الخياط

المعارضة السورية… لوحة بائسة!


 طريف الخياط

يصف بعض الكتاب الثورة السورية بأنها «يتيمة» إذا ما قورنت بثورات الربيع العربي الأخرى. ففي حين نجحت الثورة التونسية والمصرية بسبب تحييد الجيش، وثورة اليمن بحل سياسي عبر وساطة وضغوط سعودية، وحسمت الثورة الليبية بتدخل عسكري للناتو وتسليح الثوار، بعد انشقاقات كبيرة ومتسارعة في نظام القذافي شكلت نواة المجلس الانتقالي الليبي، فإن الثورة السورية وجدت نفسها ضمن تعقيدات عرقية وطائفية وتوازنات إقليمية ودولية، في مواجهة نظام متماسك من حيث بنيته الأمنية و العسكرية.

يتمتع النظام السوري بدعم مالي وعسكري من إيران وروسيا وخلفهما الصين، في حين لا تتلقى الثورة السورية سوى دعما كلاميا سياسيا وماليا محدودا إذا ما قورن مع احتياجاتها والموارد المتوافرة للنظام، ما فرض عليها تحديات لم تواجه الثورات الأخرى، وأهمها مطالبتها بتشكيل جسم سياسي متناسق ومتوازن وقادر على إدارة الثورة والمرحلة الانتقالية، مؤلف من قوى سياسية مهمشة وأخرى ناشئة، لم تمتلك الوقت الكافي للتقارب ولم تعتد أصلا على العمل المشترك. حالة «اليتم» المذكورة يقصد بها عدم تبلور صيغة لدعم دولي جاد يرجح كفة الثورة، لكن هل يمكن تبرئة ساحة المعارضة من هذا «اليتم»؟

لعل الكثير من المحللين السياسيين يتفقون اليوم على أن توحيد المعارضة معجزة كبرى، مردها إلى أن جسمي المعارضة الرئيسيين، هيئة التنسيق الوطنية والمجلس الوطني السوري، منذ تبلور أدوارهما في الحياة السياسية للثورة السورية، لم يكفوا عن كيل الاتهامات لبعضهم في أجواء تنافسية. وتشكل قضايا طلب التدخل الأجنبي ودعم الجيش السوري الحر التي يتبناها المجلس نقاطا خلافية معلنة، و يعتبر المجلس الهيئة منخفضة الشعبية، ويتهمها بالتقارب مع أعداء الثورة كإيران وروسيا، واعتماد نبرة منخفضة لإسقاط النظام عبر حل سياسي طويل الأمد، لا يضع تنحي الأسد ضمن أولياته، وتتهم الهيئة التي تعتبر نفسها ممثلة اليسار- المجلس بسيطرة جماعة الإخوان والمتطرفين الإسلاميين عليه، وكان فشل الاتفاق الذي جمعهما تحت رعاية الجامعة العربية في أواخر ديسمبرمن العام الماضي نقطة فاصلة، رسخت بعدها الهيئة معارضة المجلس قبل معارضة النظام. على الأقل ذلك ما يعبر عنه الخطاب الإعلامي لكلا الطرفين، دون الخوض بتفاصيل السجال المفرغ بينهما وخلفياته السياسية التاريخية والأيديولوجية والدينية وامتداداتها الاجتماعية. ومع استطالة أمد الثورة وانكشاف الطرفين من الدعم الشعبي، الذي وجد نفسه هو الآخر «يتيما» بلا هيئات سياسية واعية أو دعم دولي جاد، تشكلت مناخات مناسبة لعمليات تفريخ متتالية لتنظيمات معارضة هزيلة تفتقر إلى الرؤى والتأثير، أضافت لطخات رديئة إلى لوحة المعارضة البائسة.

يغيب اليوم عن الساحة السورية تيار سياسي منظم وفاعل، يتمتع بشعبية واسعة واحترام المجموعات العسكرية المعارضة وعلاقات دولية متوازنة بين الكتلتين الشرقية والغربية، ليشكل محورا يستقطب – بما يقدمه من قيمة مضافة – جميع الأطراف السياسية للمعارضة، عبر قوته الناعمة و أوراق الضغط التي يمتلكها. وفي حين يشار إلى المجلس الوطني على أنه العنوان العريض للمعارضة، يبدو أن هذا العنوان معتل بأزماته الداخلية، ولا يملك طرقا معبدة تسهل الوصول إليه. والهيئة بدورها فقدت بريقها، بعد انسحاب العديد من الشخصيات الرئيسية والمعروفة بتاريخها النضالي، لتشكل تلك الأخيرة المنبر الديموقراطي السوري. يرفض المنبر اعتبار نفسه منافسا للهيئات السياسية الأقدم، ويعرف نفسه كـ «ساحة لبناء التوافقات والمشتركات بين السوريين من أطياف سياسية عديدة» حسب وصف د. حازم نهار أحد قيادييه. تبدو فرص المنبر منعدمة في التوفيق بين الهيئة والمجلس، وفرصته الوحيدة تتمثل باستقطاب الحراك المدني وإعادة تنظيمه، والتي بدورها تبدو مهمة صعبة خصوصا أنه يتكون من شخصيات علمانية في مواجهة شارع تزداد أسلمته يوما بعد يوم. حتى أن سقف التوقعات من المنبر بدأ ينخفض كما يعتقد بعض أعضائه البارزين، ومن بينهم ميشيل كيلو الذي حذر أخيرا من تحول المنبر إلى دكان جديد من دكاكين المعارضة، حسب وصفه.

أمام هذا المشهد السياسي الهزيل، يبدو أن الجامعة العربية حاولت تقريب وجهات النظر بين الشخصيات الأبرز للمعارضة بعيدا عن تشكيلاتها السياسية، من خلال توجيهها دعوات شخصية لحضور مؤتمر توحيد المعارضة السورية منتصف شهر مايو الفائت تحت رعايتها، ما أثار حساسية الهيئة والمجلس، فرُفضت الدعوة وأٌجل المؤتمر. حتى الآن، قدمت المعارضة السورية خدمات جليلة للنظام، بدءا بالهيئة التي يصفها بمعارضة الداخل الشريفة، مرورا بالمجلس الذي يعتبره جزءا من مؤامرة متخلية وحليفا للاستعمار والرجعية حسب توصيف الأدبيات البعثية، وانتهاء بالتركيبات المرتبكة الاخرى، ما أمّن للنظام مساحة مريحة للمناورة تجعله مطمئنا لرداءة الأداء السياسي لمعارضيه، الذين انشغلوا بإدارة حرب إعلامية ضد بعضهم بشكل منفصل عن الوقائع ومجريات الحراك الثوري على الأرض. لقد حصل الأسوأ إذ انقسمت المعارضة تبعا لتجاذبات السياسة الدولية والإقليمية، وبدا توحيدها معجزة، لكننا يجب أن نتذكر دائما أن انطلاق الثورة السورية وامتدادها الأفقي على جميع المحافظات كان بحد ذاته معجزة. السوريون شعب مر فيه الكثير من الأنبياء ويتقن صنع المعجزات، سيمضي في ثورته وحيدا حتى يكتمل التحرير.

*نقلاً عن “الرأي” الكويتية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى