صفحات سورية

التقاعس الدولي عن إغاثة السوريّين/ عبد الكريم بدرخان

 

بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2139 بالإجماع، استبشر السوريون خيراً، وتفاءلوا بأن المساعدات الإنسانية سوف تصل إلى جميع المتضرّرين، بدءاً من المناطق المحاصرة، مروراً بالمناطق المحرّرة، وانتهاءً بالمناطق الخاضعة لسيطرة قوات النظام. لكنْ، وبعد شهر ونصف من صدور القرار، لم يحدثْ تغيير ملموس على الأرض، في ما يتعلق بتقديم المساعدات الإنسانية، على الرغم من أن القرار كان واضحاً وصريحاً بضرورة فتح ممرات إنسانية آمنة، وتسهيل مرور قوافل الإغاثة عبر خطوط النزاع (cross-lines) وعبر الحدود (cross-borders)، حيث نصّ القرار، في الفقرة السابعة، على أن مجلس الأمن “يشجّع على مواصلة التعاون بين الأمم المتحدة والوكالات المتخصّصة التابعة لها، وجميع الأطراف المعنية، بما في ذلك منظمات المجتمع المدني السورية، من أجل تيسير إمكانية وصول المساعدة وتقديمها في كامل الأراضي السورية”. أي أنّ الأمم المتحدة غير ملتزمة بالعمل عن طريق النظام السوري ومؤسساته فقط، بل يمكنها العمل مع جميع الجهات الدولية والمنظمات غير الحكومية، بما فيها المؤسسات التابعة للمعارضة السورية والجمعيات الأهلية السورية. لكنْ، وعلى الرغم من وضوح القرار، لم يتغيّر شيء، وعندما قدّم الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، تقريره إلى مجلس الأمن الدولي يوم 24 مارس/ آذار الماضي، راح يحمّل “طرفي النزاع” مسؤولية عدم وصول المساعدات الإنسانية. وخرجتْ بعده المفوّضة السامية للشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، فاليري آموس، لتضع المسؤولية على “طرفي النزاع” أيضاً. صحيح أن الحياد مبدأ أساسي من المبادئ التي نصّ عليها ميثاق الأمم المتحدة، لكن، أرجو أنْ لا يصل بنا الحياد إلى المساواة بين الجلّاد والضحيّة.

يقول برنامج الأغذية العالمي (WFP)، التابع للأمم المتحدة، إنه قدم مساعدات غذائية لأربعة ملايين سوري في مارس/ آذار الماضي، وهذا إنجاز كبير يستحقّ كل الشكر والتقدير، لكنّ مكاتب الأمم المتحدة موجودة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وتوزع المساعدات بالتعاون مع الهلال الأحمر العربي السوري الذي أصبح اليوم وزارةً مستقلّة تتبع رئيس الوزراء السوري، وبالتالي، تذهب المساعدات إلى الجيش العربي السوري، وإلى ميليشيات الشبيحة المتحالفة معه، وبعدها إلى مؤيدي النظام القاطنين في مناطق بعيدة عن الاشتباكات، وإنْ بقيَ شيءٌ من المساعدات،  فإنه يُوزّع على النازحين المقيمين في المدارس، في دمشق وطرطوس واللاذقية، بينما تُحرم المناطقُ المحررة من المساعدات الإنسانية، علماً أنها المناطق الأكثر تضرّراً وحاجة، وفقَ إحصائيات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية.

وتنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2139، الذي نصّ على ضرورة تسيير القوافل الإغاثية عبر الحدود، قامت الأمم المتحدة عبر وكالتيها: مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، وبرنامج الأغذية العالمي (WFP)، بتسيير قافلة إغاثية من تركيا إلى محافظة الحسكة، عبر معبر نصيبين ـ القامشلي، يوم 21 مارس/ آذار الماضي، علماً أن محافظة الحسكة أقل المحافظات الشمالية دماراً وتضرّراً، وقد جرى تسليم المساعدات تحت إشراف فرع الأمن العسكري في المحافظة، لتذهب الإغاثة إلى ميليشيات الشبيحة وميليشيات حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD)، المتحالف مع نظام بشار الأسد. وفي المقابل، لم تقم الأمم المتحدة بتسيير قوافل إغاثية عبر الحدود التركية للوصول إلى المحتاجين في باقي المحافظات الشمالية: الرقة وحلب وإدلب واللاذقية، على الرغم من عدم وجود أي صعوبات لتحقيق ذلك.

وللإشارة إلى تقاعس المجتمع الدولي الكبير، في ما يتعلّق بالكارثة الإنسانية في سورية، لا بدّ لنا أنْ نتذكّر حالات شبيهة بالحالة السورية، لم تكنْ الأمم المتحدة متقاعسةً فيها إلى هذه الدرحة. فمثلاً في حرب يوغسلافيا، تأخّرَ التدخلُ العسكري الدولي ثلاث سنوات، لكنّ التدخل الإنساني لم يتأخرْ مطلقاً، بل كان حاضراً منذ العام الأول للحرب، حيث صدر القراران 764 و770 عن مجلس الأمن الدولي عام 1992 تحت الفصل السابع، ونصّا على فتح ممرات إنسانية تحت حماية قوات حفظ السلام الدولية. وكان القرار الأشهر تحييد مطار سراييفو (تحت الفصل السابع)، ووضعه تحت حماية الأمم المتحدة لاستخدامه للأغراض الإنسانية فقط. كان للكارثة الإنسانية في سورية أن تكون أقلّ فظاعةً لو صدر قرار بتحييد مطار دمشق الدولي عن النزاع واستخدامه لإيصال المساعدات الإنسانية فقط.

يقول المجتمع الدولي، بما فيه الأمم المتحدة والدول الكبرى، إن المشكلة في سورية هي كثرة الكتائب المقاتلة، من دون أن يكون لها قيادة مركزية واحدة ليتمّ التعامل معها، وهذا صحيح، لكن الحالة السورية ليستْ فريدة من نوعها، ففي حرب السودان في الثمانينات، كان الوضع العسكري مشابهاً له في سورية، من حيث وجود عشرات الكتائب المقاتلة، ويومها اتفقت الأمم المتحدة مع الكتائب المقاتلة، واحدةً واحدة، ونتجَ عن الاتفاق “عملية شريان الحياة في السودان” عام 1989، والتي نصتْ على تحييد مجرى نهر النيل، وتحويله ممراً إنسانياً يُستخدم لنقل المساعدات والوصول إلى المناطق كافة في السودان، وقد بقيتْ الاتفاقية ساريةً لأكثر من عقد.

وبعد حرب يوليو/ تموز عام 2006 بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، صدر قرار مجلس الأمن 1701، والذي كلّف قوات الأمم المتحدة في لبنان بتأمين الممرات الإنسانية لتقديم المساعدات للمتضررين، لكن إسرائيل رفضتْ تطبيق القرار، وهنا يبدو أن النظامين الوحيدين الخارجين عن أي شرعية دولية، هما النظام الإسرائيلي ونظام الأسد في سورية.

وفي النهاية، كان المجتمع الدولي يتحجّج دائماً بعدم وجود قرار من مجلس الأمن بخصوص المساعدات الإنسانية في سورية، لكن مع صدور القرار 2139، الواضح والصريح، لا ينقص الأمم المتحدة ووكالاتها سوى تنفيذ القرار، من دون أي خوف من نظام الأسد وإرهابه، فالواجب الإنساني يسمو على المواقف السياسية والنزاعات المسلحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى