إياد شربجيصفحات المستقبل

المعارضة..كفعل وطني غائب


إياد شربجي

كانت المعارضة تاريخياً وما تزال المحرك الطبيعي لتفعيل أي نظام سياسي وإنعاشه بشكل مستمر، وينسحب هذا الأثر على النواحي الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر في حياة المجتمعات بشكل مباشر.

إن الأنظمة التي تشهد نشاطاً سياسياً معارضاً؛ حقيقياً وفاعلاً، تنتج على الدوام حكومات وسلطات تعمل بالضرورة لصالح المجتمع، ومادمت صناديق الاقتراع هي الحكم في وصول أي تيار سياسي إلى سدّة السلطة، فإن المعادلة هنا تقوم على توازن حتمي، كفته الأولى هي انجازات السلطة، والثانية هي مشروعية الشعب، وإن أي اختلال أو اعتلال في الكفة الأولى سينجم عنه حتماً تغيّر مماثل في الكفة الثانية التي ستقوم في النهاية بحسم الموضوع في أول انتخابات مقبلة، هنا يبرز دور المعارضة التي تعمل على تصحيح التوازن، وإبقاء السلطة تحت اختبار دائم سيدفعها للعمل بأقصى ما تستطيع لإرضاء الجمهور.

أدلف من هذا الاستهلال السريع مباشرة إلى الحالة السورية التي نعيشها اليوم لأقول أنه لو كانت الحياة السياسية ضمن إطار السلطة-المعارضة مفعّلة في البلاد، لما وجدت السلطة نفسها في المأزق التي هي فيه اليوم، إن غياب أي حراك معارض على مدى عقود أنتج حالة من اللاتوازن المجتمعي، نجم عن ركون السلطة إلى حالة من الراحة والسكينة تمتعت بها بسبب غياب أي فعل مناكف ومعارض لسلوكها، وبالتالي وجدت نفسها على الدوام غير مضطرة لإثبات نفسها أمام محكوميها، فهي تحكمهم بقوة الأمر الواقع، ودونما حاجة لأخذ شرعيتها من الجمهور الذي ابتعد كثيراً عن عملية صناعة رجالات الحكم، فتحوّل مع الزمن إلى خصم يصعب إرضاؤه.

لو كتب لربيع دمشق أن يستمرّ بكل ما حمله من زخم، وما كان سينشأ عنه من حراك سياسي واجتماعي واقتصادي، لكان حالنا غير الذي نحن عليه اليوم، وأنا أعتقد هنا أن السلطات السورية تدفع اليوم ثمن وأد ذاك الحراك، فهي فرّغت الشارع من قياداته الفاعلة ومنعته من التشكّل ضمن أطر منتظمة، تأخذ تسميات أحزاب وحركات وتجمعات لها قيادات منتخبة من القواعد، قيادات تأخذ شرعيتها بتمثيل الناس بالطريقة الديمقراطية ذاتها.

نتيجة هذا كله كانت هي ما نشهده اليوم، ولو افترضنا أن الحراك استمر في حينه، فلكان حل الأزمة السورية أسهل بكثير، بكل بساطة كانت السلطات تستطيع التفاوض مع عدة أشخاص هم قادة الأحزاب الكبرى الممثلة للشارع، وتحقق مطالبهم، بدلاً من أن تجد نفسها في مواجه شارع ليس له قيادات تسيطر على تحركاته، شارع لا يتأثّر بأية حسابات أو مناورات سياسية كالتي كانت الأحزاب لتمارسها على قواعدها وتقنعها فيها لأجل مكاسب حققتها.

لكن بعض الدروس لا ينفع الاستفادة منها بعد فوات الأوان.

شبابيك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى