صفحات العالم

نهاية اللعبة السورية


ويليام رو

تُواصل الانتفاضة السورية زخمها المتصاعد ضد نظام الأسد للشهر الثامن عشر على التوالي، ومع ذلك ما زال النظام في مكانه يرفض السقوط، أو التنحي، فيما نظم الحالات الأخرى للربيع العربي مثل تونس ومصر وليبيا واليمن سقطت سريعاً بوتائر متفاوتة. ولكن بشار استطاع الاستمرار في السلطة بفعل الدعم الروسي والصيني، وأيضاً بسبب تشتت المعارضة وعدم تماسكها، فالنظام يمتلك من الأسلحة ما يستطيع به سحق المعارضة، إذ يتوفر على الدبابات والطائرات والمدفعية الثقيلة وآليات أخرى تفتقدها المعارضة، كما أن جهازه الأمني الذي يتكئ عليه في إدارة الأزمة وقمع المعارضة ما زال قائماً ولم يتعرض للاهتزاز إلا قليلاً. غير أن ذلك كله لم يمنع المتحدث باسم البيت الأبيض من التصريح مؤخراً بأن أيام الأسد “باتت معدودة” لتدخل بذلك معركة السيطرة على سوريا مراحلها الأخيرة التي تشي بأنها ستكون قاسية ومؤلمة قبل أن يرحل الأسد، ولاسيما أن الآمال المعلقة على الحل الدبلوماسي التي كانت تقول بتفاوض النظام والمعارضة للبحث عن تسوية سياسية وانتقال سلمي للسلطة باتت اليوم بعيدة المنال وشبه مستحيلة، ويزيد من هذا البعد للحل الدبلوماسي استقالة المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، كوفي عنان، من مهامه بعد محاولات فاشلة للتقريب بين الطرفين واجتراح حل سلمي للأزمة. ومع أن المبعوث الجديد الأخضر إبراهيمي يتمتع بتجربة كبيرة في المجال الدبلوماسي، وله سجل حافل من النجاحات في ميدان الوساطات الدولية وحل الأزمات، إلا أنه من غير المرجح أن يتمكن من فك تعقيدات الأزمة السورية.

فالصراع في سوريا أوغل في العنف بحيث لم يعد هناك مجال لعقد التسويات والتوصل إلى حلول سلمية، فنظام بشار الأسد قتل الآلاف من المدنيين الأبرياء، ونكل بالمواطنين السوريين إلى درجة لن يُسمح له أبداً بالبقاء ضمن أي ترتيب للمرحلة المقبلة. وحتى عندما حاول كوفي عنان تجسير الهوة بين طرفي الصراع والتوصل إلى أرضية مشتركة ينطلق منها لتسهيل عملية انتقال السلطة فشل في ذلك بشكل لا لبس فيه. كما أن المعارضة التي راهن النظام على تراجعها في الأيام والأسابيع الأولى للثورة ما زالت تقاتل القوات الحكومية بشراسة أكبر من السابق وقد استطاعت البقاء طيلة الشهور الماضية من القمع والتنكيل، ولذا فمن غير المرجح أن ترفع المعارضة الراية البيضاء بعدما اشتد عودها وقويت شوكتها، بالإضافة إلى ما حققته في الشهور الأخيرة من مكاسب ميدانية تمثلت في السيطرة على مناطق مهمة داخل سوريا لتصبح أكثر قدرة على مضايقة النظام وتكبيده الخسائر. ولعل النقطة المفصلية التي صبت في صالح المعارضة هي الهجوم النوعي الذي استهدف خلية إدارة الأزمة التابعة للنظام والقضاء على عدد من كبار المسؤولين في ضربة واحدة، ففي 18 يوليو الماضي انفجرت قنبلة داخل مبنى الأمن القومي وسط دمشق لتقتل وزير الدفاع داوود راجحة، ومدير خلية إدارة الأزمة، حسن تركماني، بالإضافة إلى آصف شوكت، نائب وزير الدفاع، وزوج شقيقة الأسد. وهذا الهجوم كان بمثابة الضربة القاصمة للنظام وكانت له تداعيات سياسية لا تخطئها العين، فقد كشف عن قدرة المعارضة على اختراق الدائرة المقربة من النظام والدخول إلى مبنى في دمشق يفترض أنه محوط بحراسة مشددة، بل وقتل كبار المسؤولين الأمنيين المقربين من عائلة الأسد. ومن الناحية السياسية قد يمثل الهجوم لحظة مفصلية تشجع باقي أركان النظام على الانشقاق والانضمام إلى صفوف المعارضة بعدما بدأت ركائز النظام تتهاوى وظهرت الشقوق والتصدعات على جداره، وهو بالفعل ما شهدناه في الفترة الأخيرة مع توالي الانشقاقات الأمنية والسياسية التي كان آخرها انشقاق رئيس الوزراء، رياض حجاب.

واليوم ومع توالي التطورات الميدانية وتصاعد ضربات المعارضة بات التركيز الدولي منصباً على مستقبل سوريا ما بعد الأسد، وهو اهتمام مبرر بالنظر إلى عدم وضوح الرؤية بعد الأسد والطريقة التي ستدار بها سوريا عقب سقوط النظام. فالانقسام في صفوف المعارضة والصراعات التي بدأ بعضها يطفو إلى السطح بين أطيافها المختلفة يجعل من الصعب التنبؤ بمن سيحكم البلاد ويتولى مسؤولية الإدارة، فهناك المعارضة الإسلامية الناشطة بقوة في هذه اللحظة، بالإضافة إلى بعض العناصر الخارجية التي انضمت إلى المعركة، كما أن الأشهر الطويلة من القمع والتدمير تثير مخاوف حقيقية من احتمال الدخول في صراع طائفي تغذيه مشاعر الانتقام وتصفية الحسابات، ولاسيما في ظل التقارير التي تشير إلى قيام بعض عناصر المعارضة المسلحة على الأرض بإعدام أطراف موالية للنظام وإجراء محاكمات عشوائية تنتهي في الغالب بإعدام المحسوبين على النظام. بل يذهب البعض الآخر إلى التنبؤ بانقسام سوريا إلى دويلات، أو كيانات طائفية، وكل هذه التكهنات غير المؤكدة أثرت على سياسات القوى العالمية تجاه سوريا، فروسيا المتخوفة من اندلاع العنف والفوضى في سوريا وتأثير ذلك على أقلياتها المسلمة في المناطق الملحقة بالاتحاد الروسي عارضت القرارات الأممية الداعية إلى تنحي الأسد، أو التي تمهد الطريق لذلك. أما في واشنطن فقد عبرت إدارة أوباما أكثر من مرة عن خيبتها لاستمرار قمع المدنيين وفشل المجتمع الدولي في التحرك والتوافق على حل ينهي معاناة السوريين، ولكنها أيضاً تعي الصعاب التي تواجهها المعارضة في ظل انقسامها الواضح وعدم القدرة على تحديد ملامح سوريا المستقبل. وعلى رغم تواصل المسؤولين الأميركيين مع المعارضة السورية في الخارج وتشديدهم على عدم السماح بدخول عناصر خارجية إلى سوريا للقتال، إلا أنهم لا يستطيعون تحديد، على وجه اليقين، من سيمسك الحكم في سوريا، ولعل ذلك ما يفسر بعض التردد في الدفع بعمل عسكري في سوريا قد يوصل جماعات متطرفة إلى السلطة، ولذا يتم التأكيد دائماً في الأوساط الأميركية والدولية أيضاً على انتقال ديمقراطي للسلطة يشرف عليه السوريون أنفسهم يقود سوريا إلى ديمقراطية وتعددية تحترم حقوق جميع المواطنين.

وحتى بالنسبة للذين يغريهم النموذج الليبي فإن من المهم توضيح أن الحالتين مختلفتان، ففي الوقت الذي حظي فيه التدخل العسكري في ليبيا بإجماع دولي داخل الأمم المتحدة، ترفض روسيا والصين الانضمام إلى الغرب في التوافق حول سوريا، رافضتين الحديث عن أي تدخل عسكري، كما أن الولايات المتحدة التي وفرت مساعدات إنسانية وغير عسكرية للمعارضة السورية ترفض الدعوات المطالبة باتخاذ خطوات أكبر والاتجاه نحو تسليح المعارضة.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى