صفحات العالم

خيارات الولايات المتحدة بشأن سوريا: الفعل مقابل اللافعل


مايكل سينغ

مع فشل خطة عنان والحصيلة المدنية المتزايدة للقتال في سوريا أوردت التقارير أن إدارة أوباما تدرس اتخاذ خطوات أكثر فعالية لإجبار الرئيس السوري بشار الأسد على التنحي. وفي حين تنطوي معظم الخيارات على مخاطر، إلا أن اللافعل ينطوي على نفس القدر من المخاطر. ولتحقيق أهدافها السياسية في سوريا وزيادة الخيارات المتاحة يجب على إدارة أوباما اتخاذ خطوات للتغلب على العقبات الكائنة أمام مخاطر اتخاذ إجراء دولي أكثر جرأة والحد من المخاطر المرتبطة بمثل ذلك الإجراء.

الأهداف السياسية

لا تمثل الانتفاضة السورية بالنسبة للولايات المتحدة مجرد أزمة إنسانية يجب معالجتها بل فرصة استراتيجية يجب اقتناصها. فقد ساعد نظام الأسد – الحليف الوحيد لإيران في الشرق الأوسط – الجماعات الإرهابية والمقاتلين الأجانب وسعى إلى زعزعة استقرار لبنان. ورغم أن النظام اللاحق قد يعترض على المصالح الأمريكية في بعض المناطق، إلا أنه من غير المرجح أن يكون حليفاً مقرباً لطهران أو مجموعات الوكلاء الإيرانيين مثل «حزب الله».

ولهذه الأسباب دعا الرئيس أوباما منذ أكثر من عام إلى تنحي الأسد. بيد أنه منذ ذلك الحين أثبتت الولايات المتحدة عدم قدرتها أو عدم رغبتها في إجبار الأسد على التنحي فعلياً، وعلاوة على ذلك يبدو أن واشنطن قد تراجعت عن هذا الهدف السياسي، وذلك على سبيل المثال بدعمها ما يطلق عليه خطة عنان، التي لا تدعو بوضوح إلى تنحي الأسد. إن عدم قدرة واشنطن أو عدم رغبتها في إجبار الأسد على الرحيل عن سوريا فضلاً عن أهدافها المتغيرة تمثل تهديداً لمصداقية الولايات المتحدة والتصور السائد حول قوة أمريكا في المنطقة.

العقبات

بالنسبة لجميع المكاسب التي يمكن أن تتحقق من النجاح في إسقاط الأسد في سوريا، فإن المنهج الأمريكي الأكثر فعالية ينطوي أيضاً على مخاطر:

أولاً، لدى إدارة أوباما قلق من تفاقم العنف وعدم الاستقرار في سوريا، والذي قد يستمر حتى بعد سقوط الأسد وقد يمتد إلى البلدان المجاورة.

ثانياً، يشعر المسؤولون الأمريكيون بقلق حيال تشرذم المعارضة السورية وتداعيات ذلك على حكومة ما بعد الأسد. فعلى عكس «المجلس الوطني الانتقالي» في ليبيا الذي اتخذ من ليبيا مقراً له عقب تحرير بنغازي ووضعَ جدول أعمال مشترك وبعث برسالة متسقة بشكل ملحوظ حتى سقوط القذافي، أُرغمت المعارضة السورية على أن تنشئ مقراً لها خارج البلاد وعجزت عن التوحد حول برنامج أو قيادة واحدة. وفيما يتعلق بـ «الجيش السوري الحر» وغيره من عناصر المعارضة المسلحة، هناك مخاوف مبررة من أن أهدافهم ومصالحهم النهائية قد تختلف بشكل كبير عن أهداف واشنطن ومصالحها، فضلاً عن عدم وجود سيطرة جيدة على الأسلحة التي يتم تزويدهم بها، كما أن الميليشيات ربما تكون مترددة في نزع أسلحتها والتنازل عن السلطة للمدنيين في حالة الإطاحة بالأسد في النهاية. لقد اتسم تاريخ سوريا ما قبل الأسد بثورات شابها تبادل سريع لإطلاق النيران نفذتها شخصيات عسكرية، وإن تجنب العودة إلى ذلك السيناريو يمثل أهمية جوهرية لمستقبل سوريا.

ثالثاً، تشعر واشنطن بالقلق حيال الدعم الدولي لخطوات أكثر فعالية في سوريا. فعلى غرار ما حدث في ليبيا، فضلت إدارة أوباما عدم تصدَّر الجهود الدولية بشأن سوريا، بل انتظار قيام توافق دولي والإذعان لقيادة الشركاء الإقليميين والدوليين. لكن على عكس ما حدث في ليبيا، كان هذا الإجماع صعب المنال. وفي حين تركز الانتباه على حق النقض الروسي القوي ضد العقوبات التي فرضها مجلس الأمن – ناهيك عن التدخل العسكري – فإن موسكو ليست العقبة الوحيدة أمام اتخاذ منهج أكثر جرأة. لم يعد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي لعب دوراً محورياً في توجيه الدعم نحو التدخل في ليبيا موجوداً في السلطة، كما أن الاتحاد الأوروبي غارق في أزمة اقتصادية، مما لا يترك أي مجال سوى للسوريين أنفسهم لقيادة مشاركة غربية أكبر في خلع الأسد.

وفي حين أن هذه المخاطر ليست بسيطة، إلا أن اللافعل يحمل في طياته تبعات خطيرة كذلك. فبدلاً من فصل الأسد عن إيران و«حزب الله»، ساعد القتال على تورط كلا الطرفين بشكل أكثر عمقاً، مما يشكل مخاطر إضفاء طابع إقليمي على الصراع. كما أن إحدى أشد المخاوف التي كانت تخشاها واشنطن وحرصت على تجنبها – وهي انتشار النزاع إلى الدول المجاورة – أصبحت أمراً واقعاً مع حدوث مصادمات في كل من لبنان وتركيا. كما أن الجهود الأمريكية الحليمة لإقناع روسيا بدعم العقوبات الدولية لم تحقق سوى نتائج محدودة للغاية وعملت في الوقت ذاته على استهلاك وقتاً قيِّماً.

الخيارات السياسية

في المرحلة اللاحقة يجب على إدارة أوباما أن تعيد التزامها القوي بهدفها الأصلي المتمثل في إجبار الأسد على التنحي. واتخاذ موقف واضح حول هذه النقطة يضمن أن من يدعمون الأسد في سوريا والمنطقة سوف يواجهون عواقب هذا الدعم و[عليهم أن لا يعتمدوا على اتفاق دبلوماسي يحمي مصالحهم وامتيازاتهم. وفي سبيل تحقيق تقدم نحو إنجاز هذا الهدف، يجب على الولايات المتحدة أن تعمل على تقليص العقبات أمام إجراء أكثر جرأة وفعالية:

1.الاستمرار في زيادة الضغط الدبلوماسي والاقتصادي. يجب على واشنطن ألا تخفف من أهدافها السياسية أو توفر طوق نجاة لنظام الأسد، فقط من أجل الحصول على الدعم الروسي، مع الاستمرار في الجهود الرامية لتأمين استصدار قرار بفرض عقوبات من قبل مجلس الأمن الدولي.و من غير المرجح من الناحية الواقعية أن نشهد تحولاً استراتيجياً في منهج روسيا تجاه الأزمة السورية في هذه المرحلة، حيث ترى موسكو أن دمشق تمثل إحدى المعاقل القليلة المتبقية للنفوذ الروسي في منطقة رئيسية. ومن ثم يجب على واشنطن التأكيد على جهودها الدبلوماسية لزيادة العقوبات خارج إطار الأمم المتحدة إلى أقصى حد ممكن، وهو ما حث عليه وزير الخزانة الأمريكي تيموثي غيثنر في اجتماع عقد مؤخراً في اسطنبول. إلا أن العقوبات يجب ألا تمثل سوى عنصراً واحداً من جهد أوسع نطاقاً للضغط على الأسد، حيث أظهر التاريخ قدرة النظم العنيدة على مقاومة الضغوطات الدبلوماسية والاقتصادية الشاملة.

2. دعم خصوم الأسد في سوريا بقوة. يجب على واشنطن أن تتخذ خطوات لتقوية المعارضة السورية والتغلب على الشكوك بشأن موثوقيتها مع تركيز هذه الجهود في مجالين: أولاً، يجب تشجيع المعارضة المدنية – المطلوبة كشرط للحصول على مساعدات دولية – على التوحد وراء قيادة مشتركة وبرنامج مشترك يقوم على التعددية ويعزز الحريات المدنية، كما يجب تزويدها بأي مساعدات دولية مطلوبة. ثانياً، يجب إجراء فحص شامل للعناصر المشتتة التي تتكون منها المعارضة المسلحة بما في ذلك من خلال اتصالات أوسع نطاقاً مع مسؤولين غربيين، ومن يكون منهم محل ثقة يجب تزويده ليس فقط بالسلاح ولكن بالاستخبارات والتدريب على القيادة والتحكم والمعدات. ويجب أن تكون هذه المساعدات مشروطة بإخضاع الميليشيات أنفسها للمعارضة المدنية.

3.قيادة المشاورات بشأن التدخل الدولي. مع قدرة روسيا والصين على منع استصدار تفويض من مجلس الأمن للتدخل في سوريا ومع تطلع الحلفاء الإقليميين إلى اضطلاع واشنطن بدور قيادي، سوف تحتاج الولايات المتحدة إلى قيادة المناقشات بين الحلفاء حول احتمالية التدخل العسكري في سوريا إذا ما فشلت التدابير الأخرى في التأثير على نظام الأسد. ويجب أن يكون للتدخل العسكري في سوريا هدفين: أولاً، إقامة منطقة عازلة أو «آمنة» على طول الحدود السورية لحماية المشردين ومنع انتشار العنف إلى البلدان المجاورة، على نحو يحول دون تحول الأزمة السورية إلى حريق إقليمي هائل؛ وثانياً، حرمان الأسد من موارده الأكثر فتكاً ودعم قوات المعارضة السورية الأصلية من خلال فرض حظر الطيران ومنع القيادة و/أو مناطق الحجر البحري. ورغم أن هذا التدخل قد يكون غير ضروري في النهاية، إلا أن التخطيط الآن لتلك الإجراءات وبناء الدعم الدولي لها سوف يضمن توافر خيارات عسكرية قابلة للتنفيذ لواشنطن في حالة الاحتياج إليها. وبالإضافة إلى ذلك، قد يؤثر هذا التخطيط – بما في ذلك إنهاء البيانات القاطعة من جانب الولايات المتحدة ومنظمة حلف شمال الأطلسي التي تنفي دراسة مثل ذلك التدخل – على حسابات الأسد وأنصاره في سوريا، وكذلك روسيا التي قد تجد أن دعم العقوبات الدولية أفضل من البديل المتمثل في التدخل الدولي.

مايكل سينغ هو المدير الإداري لمعهد واشنطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى