بدرالدين حسن قربيصفحات سورية

النظام السوري في سكرات الرحيل

 


بدرالدين حسن قربي

إذا كانت الحكومة التركية مع مجيء حزب العدالة والتنمية عملت لسبب أو آخر وفق سياسة تصفير المشاكل مع جيرانها مما يرفع من كفاءة دورها محلياً وإقليمياً ودولياً، فإنه في المقابل يسجل للنظام السوري على عكس التصفير، سعيه الدؤوب لاختراع المشاكل مع الجيران اعتقاداً منه أنها تملّكه أوراقاً سياسية يلعب بها وتقيه حالة التغيير والزحلقة التي يعيش رعبها منذ التغيير الذي حصل عند الجارة العراقية وخروجه المهين من لبنان. ولئن كان النظام قد نجح أو فشل حسب تدوير الزوايا فيما هو خارجي، فإنه يقيناً حقق فشلاً ذريعاً على صعيد الداخل في التعامل مع أزماته الداخلية وملفاته، وذلك ببقائه في مدارات الحكم الشمولي، ومعاندته إصلاحاً ديمقراطياً حقيقياً تنتقل معه سورية من دولة أمن وقمع واستبداد لتكون دولة أمان وحريات ورخاء، مما جعله في الأشهر الأخيرة يجني علقمه إرادةً شعبية قاطعة ومطالبة بإسقاطه. وعليه فماكان يخاف أن يأتيه من الخارج، خرج إليه من بين يديه ومن خلفه، وطوّقه حبل استبداده وفساده.

عناد النظام وتأخره المديد جداً عن الإصلاحات الداخلية ومواجهة استحقاقاتها بصلف وعنجهية تأخذه عادةً من الصعب إلى الأصعب في سعيه للخروج من أزمته التي لن يخرج منها لسبب في بنيته وغطرسة في تعاطيه مع مشاكله. فاختياره للقبضة الحديدية القامعة في مواجهة التظاهرات الشعبية وإراقة الدماء من الساعات الأولى، وحماقته في تعذيب الأطفال فضلاً عن وقاحة في التعامل مع أهلهم جعلته يغرق في الدماء التي أراقها، وطوقت رقبته أرواح الشهداء حبلاً يضيق عليها يوماً بعد يوم، لتصبح مسألة الرحيل أياماً معدودات هي مابين الموت والدفن، وهي مهما طالت فإنها في العادة قصيرة، فكل آت قريب.

يحاول النظام على الصعيد الخارجي، ويبذل جهداً مضنياً للخروج من حفرة أزمته، وهو على طريقته في اختراع المشاكل وإيجادها يزيد من الحفر مما يوسع أزمته ويعقدها ويستحيل معها خروجه ليبقى فيها. وعليه، فإنه وهو يودّع مايزال مصرّاً على اللعب بالثلاث ورقات، شغب على حدود جولانٍ كان عنها نائماً قرابة أربعين عاماً، وتحريك عمليات عنف وقتل بدأت أخباره تصل إلينا مجدداً في العراق الشقيق والجار مما قيل عن إرسال إرهابيه وشبيحته إليها لإشغال العالم عنه، وثالثها تحريض حليفه حزب الله لعمل شيء على الحدود اللبنانية الإسرائيلية لعلها تخفف عنه ماهو فيه، ورغم حرص حزب الله على حليفه السوري، فإن تعقيدات الوضع اللبناني توجب عليه أن يعدّ كثيراً قبل أن يعمل على مساعدة نظام يغرق بفتح الجبهة مع إسرائيل، مما له من ا لأخطار التي لاتغيب حساباتها عن مثل حزب الله. أما على الصعيد الداخلي، فإن النظام يواصل القمع والقتل للمتظاهرين سلمياً في كافة المدن بزعم المندسّين فيها، وحجته دائماً تسلّمه رسائل مناشدات من أهلها لحمايتهم من العصابات المسلحة وإنقاذهم منها، ولعل آخر هذه الرسائل المفبركة رسالة من أهالي جسر الشغور، فأرسل فرقه الخاصة فأعملت فيها المجازر، وحرقت الزرع وقتلت الحيوانات، واستخدمت الدبابات واللطائرات مما نتج عنه هرب أكثر من عشرة آلاف مواطن إلى تركيا، قالت عنهم أحد الفضائيات السورية أنهم أهالي العصابات وأقرباؤهم. أما ماقيل عن رسالة مفتوحة من الجولان المحتل إلى النظام السوري تطالبه فيها بإرسال الجيش والطائرات والدبابات لإنقاذهم من عصابة مسلحة تسيطر على أراضيهم منذ 44 عاما، وتستنكر مافعله الشهر الماضي حين أرسل لهم ماسمي بمسيرة العودة التي انتهت بمذبحة راح ضحيتها 23 شهيداً بالرصاص الإسرائيلي كان رده عليها بيان إدانة لاغير، وتناشده الرسالة أيضاً: نحن أولى بدبابات الجيش وطائراته وصواريخه من جسر الشغور ودرعا وحمص والمعرّة وبقية المدن السورية التي لم يمض على مناشداتها أيام وأسابيع، ونحن نستصرخكم منذ عقود، فلقد تبين عدم جديتها لأن شرط المناشدة وجود مندسّين، ممن بدورهم غير موجودين إلا في بلدٍ، المتظاهرون فيه يطالبون بحرية مسلوبة وكرامة مفقودة ويريدون إسقاط النظام. لذا فإن المندسين لاوجود لهم البتة في مظاهرات النظام المسيّرة. وأما أنظمها تسييراً ماكان البارحة في دمشق ونداؤها لزعيم حزب الله اللبناني: نصرالله ياحبيب، اضرب اضرب تل أبيب. أما لماذا لايكون نداؤهم لنظامهم ولبشار الأسد نفسه فهذه مسألة أخرى.

إن لرحيل الأنظمة الديكتاتورية سكرات، ولو نجت منها كل الأنظمة فلن ينجو منها نظام قتل من شعبه لا أقل من خمسين ألفاً، ومثلهم من المفقودين والمغيّبين والمعتقلين وأمثال أمثالهم من المنفيين والمهجّرين، ولم يرتو من دمهم بعد، وقد دنا أجله وأزفت ساعة رحيله. فلا عليكم ياعالم أن تتفهموا حركاته على طرف الجولان أو عملياته الإرهابية في العراق أو نداءاته لحزب الله لضرب تل أبيب لعلهم يخففون عنه. ولاعليكم ياأيها السورييون أن تتوقعوا منه تفجير سيارات مفخخة في المدن السورية وفي أماكن التجمعات أو اغتيال بعض الشخصيات العامة أو تفجير أماكن عبادة باعتبارها من أعمال العصابات المسلحة التي يزعمها، ليبرر مذابحه وتوحشه في مواجهة مطالبات شعبية سلمية برحيله، بل لاتستغربوا استعماله الغازات السامّة في وداعكم وهو في سكرات الرحيل.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى