صفحات العالم

النظام السوري والجامعة العربية مَن يقبض على الآخر؟!


غازي دحمان ـ دمشق

أفادت تسريبات إعلامية من دمشق أن السلطات السورية تدرس إمكانية استقبال وفد من الجامعة العربية في محاولة لاستدراك فرصة يبدو أنها تقدم لدمشق طوق نجاة مهم للخروج من الأزمة، أو تمنحها وقتاً إضافياً تعتقد السلطات أنه ضروري لها في هذا الوقت.

وحسب ما سُرّب فإن دمشق، التي أبدت نوعاً من التشدد الظاهري تجاه التحرك العربي، قرأت المشهد بشكل عملي واكتشفت إمكانية تحقيق اختراقات مهمة فيه لمصلحتها ترتكز على جملة من المعطيات:

1 ـ إمكانية تدوير الزوايا الحادة في المبادرة العربية ما قد يسهل تمييع هذه المبادرة عبر التحفظ على بعض النقاط فيها أو إضافة بعض المطالب، التي قد تبدو بالشكل العام تمس قضايا سيادية، من دون أن تتعارض مع جوهر المبادرة، مثل قبول الحوار مع المعارضة ولكن على الأراضي السورية، وهنا تقدر السلطات أن الرفض سيأتي من المعارضة الممثلة بالمجلس الوطني السوري، وقد تستطيع دمشق إقناع بعض أطراف المعارضة الداخلية، وهي متعددة ومتباينة في مواقفها من النظام.

2 ـ إدراك دمشق حالة الانقسام العربي الحادة تجاه الوضع السوري وتباين المواقف بخصوص القرارات الواجب اتخاذها، واستغلال حالة التردد لدى بعض الأطراف التي تبني مواقفها انطلاقاً من تقديرها بأن النظام يسير بالأمور إلى حافة الهاوية مع إدراكها بأن النظام يضع الشعب السوري رهينة مقابل إخراجه من الأزمة تحت أي ظرف.

3 ـ من الواضح أن أطرافاً عربية، ويُشار هنا إلى مصر بالتحديد وأمين عام الجامعة العربية، لعبا أدواراً سلبية، كان من نتيجتها تحييد أي دور للمجلس الوطني السوري ومنع تواصل هذا المجلس مع رئاسة الجامعة وعدم إطلاعه بالتالي على طبيعة التحرك العربي ومضمونه، الأمر الذي نتج عنه رد فعل متوتر من قبل المجلس الذي سارع إلى رفض المبادرة من دون تقديم المبررات الكافية، على الأقل من الناحية الشكلية، وهو الأمر الذي من الواضح أن السلطات السورية ستستثمره لمصلحتها.

من الواضح أن النظام في سوريا لا زال يرتكز على الموقف الروسي والذي لا يزال يمنحه حتى اللحظة هامشاً من المناورة أمام الضغوط العربية والدولية التي يواجهها، وإن بدا أن هذا الهامش بات يضيق، خصوصاً وأن معلومات أفادت بأن الرئاسة الروسية أعطت مدة شهر واحد بعد استخدام الفيتو لكي تنهي السلطات السورية الأزمة، أو على الأقل تخفف من حدتها وزخمها.

وقد سعى النظام إلى ترجمة هذا الأمر على أرض الواقع من خلال ضغطه العنيف على حركة الثورة عبر اجتياح المناطق الساخنة ومحاولة إخضاعها، بغض النظر عن الكلفة الإنسانية وفاتورة الدم التي قد تسببها، ويراهن النظام على إمكانية إنهاء الثورة بعد أن تم حصر زخمها في مناطق جغرافية معينة يقع أغلبها تحت نطاق انتشار قواته العسكرية والأمنية.

لكن الأمور على الأرض لا تسير وفق هوى النظام وتصوراته، وقد أثبتت وقائع الثورة السورية أنه ما أن يتمكن النظام من السيطرة على منطقة احتجاج معينة حتى تتصدر منطقة جديدة قيادة الحراك بما يشبه دائرة مغلقة من الفعل ورد الفعل لا يبدو أنها في طريقها إلى الحسم، الأمر الذي يشكل حاضنة خطيرة لتوليد المزيد من الاحتمالات السيئة على المشهد السوري برمته.

في المحصلة، ومن خلال ردود فعل الشارع السوري السلبية تجاه الحراك العربي، ثمة مؤشرات بأن الجامعة، ونتيجة الانقسام بين أطرافها، وحالة التردد والحذر الشديد لدى أطراف عربية أخرى، وقعت ضحية واقعها، وأنها في طريقها إلى الخروج نهائياً من دائرة الفعل تجاه الأزمة السورية، وهي تعطي فرصة مهمة للنظام السوري لتفكيك آليات القوة الممكنة في الحراك العربي وتمييعها، وإن لم يكن تجييرها لمصلحته.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى