صفحات سورية

هل هناك جهات قويّة ومتنفّذة لا تريد انتصار الثورة السوريّة؟/ عماد بوظو

كان الانطباع السائد عند الآلاف من الشباب السوريّين مع بدايات الربيع العربي أنّ مجرّد وجود تجمّعات بشريّة كبيرة واعتصامات بالساحات في المدن والبلدات، يعتبر سببا كافيا للضغط على النظام الديكتاتوري للسير في عمليّة التغيير المنشودة، لتصبح سوريا دولة ديمقراطيّة مثل أغلبيّة دول العالم.

وكان هؤلاء الشباب يظنّون أنّه في هذا العصر لم يعد بإمكان الأنظمة القمعيّة ارتكاب الجرائم الّتي اعتادت القيام بها في العهود السابقة، مع سيطرة مفاهيم حقوق الإنسان والديمقراطيّة‪، وكذلك مع وجود وسائل الاتّصال والتواصل الحديثة، التي جعلت من الممكن نقل الأخبار عبر العالم لحظة بلحظة. وقد ساعد على تكوين هذا الانطباع ما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن، وكيف خضعت أنظمة ديكتاتورية لرغبات الشعب المسلّح بسلميّته وشجاعته، وكذلك ما حدث في لبنان قبل سنوات قليلة عندما خرجت قوّات النظام السوري ومخابراتها، نتيجة المظاهرات الّتي عمّت البلد بعد اغتيال رفيق الحريري. خرج هؤلاء الشباب السوريون الشجعان مسلّحين بموبايلاتهم التي توثّق المظاهرات، وهم يظنون بأنهم سيمنعون النظام من ارتكاب جرائمه المعهودة، خوفاً من أن يراها العالم وتكون دليلا ضدّه في المحاكم الدوليّة، والذي حدث أنّ أغلبيّة هؤلاء الشباب دفعوا حياتهم ثمن حسن ظنّهم في العالم الّذي يعيشون فيه.

بعد كل هذه السنوات ومع متابعة تطوّرات المواقف الدوليّة، خاصّة الغربيّة من الثورة السوريّة، هناك من يتساءل هل كل ما حدث كان عفويّا؟ أم أنّ هناك من قام بكل ما يستطيع لإفشال هذه الثورة ومنعها من تحقيق أهدافها ببناء سوريا الديمقراطيّة.

في العام الأول من الثورة كان الانطباع السائد أن الموقف الغربي الضعيف والسلبي، مجرّد رد فعل على مضاعفات غزو العراق ورفض دول الغرب التورّط بمغامرات خارجيّة أخرى غير محسوبة، وفي السنوات الّتي تلتها ومع وصول جرائم النظام السوري لدرجة غير مسبوقة، قال كثيرون إنّ دول الغرب لديها أولويّة إبرام الصفقة النوويّة مع إيران، ولا تريد إفسادها بمواقف استفزازيّة في سوريا، وبعد توقيع الاتفاقيّة أصبحت الحجّة الجديدة هي التنظيمات المتطرّفة، واليوم هناك من يقول إنّ الموقف الغربي خلال كل هذه السنوات كان ثابتا لمنع انتصار الثورة وبذرائع مختلفة يتمّ اختلاقها حسب المرحلة. مع الوقت تراكمت التساؤلات، لماذا رفض الرئيس الأمريكي توصيات رئيس الأركان ورئيس المخابرات ووزير الدفاع ووزيرة الخارجيّة مجتمعين بدعم الثورة السوريّة في سنتها الأولى، ثمّ كيف تراجع بعد الخطّ الأحمر الّذي وضعه حول استخدام السلاح الكيماوي؟ وما ترتّب عليه من تراجع هيبة الولايات المتّحدة في العالم. لماذا أحال رئيس الوزراء البريطاني قرار التدخّل في سوريا بعد استخدام الأسلحة الكيماويّة للبرلمان، وهو يعلم سلفا أنّه لن ينال الموافقة؟ لماذا لا تقوم الدول الأخرى كفرنسا وبعض دول الأقليم بالتصرّف منفردة ولو بالحدود الدنيا لدعم الشعب السوري، كما تدعم روسيا وإيران النظام السوري؟ لماذا يسمح كبار القادة العسكريّين الغربيّين ومسؤولي المخابرات بأن يتخذوا مواقف محرجة مع الصحافيّين وأثناء الاستجوابات ببرلماناتهم، بدون أن يستطيعوا إعطاء إجابات شافية أو مقنعة حول السياسة الغربيّة في الموضوع السوري؟ لماذا لم يترتّب على احتجاج واستقالة الكثير من المسؤولين الأمريكيّين، خاصّة كل من استلم أو اقترب من الموضوع السوري أي تغيير على هذه السياسة أو حتى إعادة للنظر فيها؟ كيف يقول قادة الغرب عاماً بعد عام أنّه لا توجد لديهم استراتيجيّة محدّدة بخصوص سوريا؟

تميّزت المأساة السوريّة عن سواها بأنّها حسب رأي كل خبراء القانون الدولي وقضاة جرائم الحرب، أنّها أكبر ملفّ موثّق لجرائم ضدّ الإنسانيّة على مرّ التاريخ. ارتكبها النظام السوري ولا يمكن مقارنتها بالحرب العالميّة الثانية من حيث التوثيق أو رواندا أو كوسوفو.. ورغم ذلك فقد تمّ تجاهلها تماما.

من حيث الخطابات والبيانات الإعلاميّة يمكن اعتبار المواقف الغربيّة مؤيّدة للشعب السوري، ولكن إذا كانت الخطابات هي المقياس، فروسيا وإيران تقولان أنّهما لا تتمسّكان بالأسد، وأنّ أولويّتهما هي مصلحة الشعب السوري، لكنّ سلوكهما هو الّذي يعبّر عن حقيقة موقفهما: الأسد أو لا أحد. السمعة البالغة السوء لعائلة الأسد تجعل من الصعب على أي طرف الدفاع عنها علنيّا، ولذلك لا نستطيع الحكم على موقف أي طرف من خلال بياناته، بل من خلال أفعاله. لن ينسى السوريّون السنوات الأولى وجرائم النظام الكبرى والمترافقة مع الجسور الجويّة الّتي وفّرتها روسيا وإيران لنقل الأسلحة والمرتزقة، لدعم النظام وما قابلها من طرف «أصدقاء الشعب السوري» من.. معدّات غير فتّاكة، حتّى أن البعض يقول إنه في كل مرّة قالت فيها دول الغرب إنّها ستزوّد الجيش الحر بالأسلحة كان الهدف الحقيقي منها هو التحكّم بحجم ونوعيّة الأسلحة الّتي ستقدّمها أطراف إقليميّة أخرى، بما يضمن عدم خسارة نظام الأسد.

أمّا برنامج تدريب المعارضة «المعتدلة» فقد ولّد خيبة أمل كبيرة لمن تأمّل منه تغييرا في الموقف الأمريكي والغربي من الموضوع السوري، أعلن عن البرنامج ونال موافقة الكونغرس في سبتمبر 2014 وأنّ الولايات المتّحدة ستقوم بتدريب خمسة عشر ألف مقاتل للمعارضة السوريّة، وتمّ رصد خمسمئة مليون دولار، لهذا المشروع، تمّ تأجيل البرنامج شهرا تلو الشهر لفترة طويلة، ثمّ وتحت ضغط المواقف الإقليميّة والدوليّة ابتدأ البرنامج وبدأت الشروط التعجيزيّة مع انخفاض أعداد المتدرّبين لتمضي أشهر أخرى لينتهي البرنامج بعد عام من بدايته بتدريب 54 شخص! تمّ إرسالهم بكل بساطة إلى الداخل السوري ومناطق غير آمنة، ومن دون أي حماية لتحصل إشكالات بينهم وبين تشكيلات إسلاميّة ليتمّ إيقاف البرنامج نهائيّا. ما أدى إلى تساءل الكثيرين، هل كان مشروع تدريب المعارضة السورية المسلحة جديّا؟ ومن المواقف أو المصادفات أنّه كان يتمّ الإعلان عن مساعدات غربيّة إنسانيّة للسوريّين في كل مرّة يحدث فيها انهيار لليرة السوريّة، وهم يعلمون تماما أن أي مساعدة تأتي إلى الداخل السوري تنتهي مباشرة بيد نظام الأسد. ومن الأمور اللافتة أيضا بعد هذه السنوات أنّه في كل مرّة يرتكب فيها النظام السوري مجزرة أو جريمة كبرى ضدّ الإنسانيّة تسارع كامل دول الغرب وحلف شمال الأطلسي لتأكيد عدم نيّتهما التدخّل في سوريا. بطريقة تبدو وكأنّها رسالة تطمين لنظام الأسد، وهذا الموضوع حدث عشرات المرّات، مثله مثل نفي نيّة إقامة حظر جوّي أو منطقة آمنة، اليوم أراح العالم نفسه تماما من موضوع النظام السوري، ولم يعد يتحدّث سوى عن «داعش». إذا كانت المواقف المعلنة للدول الغربيّة هي تأييد مطالب الثورة السوريّة، رغم أنّ أفعالها لا تدل على ذلك، إلا أنّ الإعلام الغربي كان بواد آخر أيضاً. فكل القنوات الغربيّة الناطقة باللغة العربيّة، كانت لا تخفي تأييدها للنظام السوري بدرجات مختلفة. منها من ينتقي فقط الأخبار الّتي تناسب النظام السوري وحلفاءه الروس والإيرانيّين، ومنها من يتصيّد أخبار التنظيمات المتطرّفة ويلصقها بالثورة السوريّة، حتّى أنّ لمراسلي بعض هذه القنوات علاقة بأجهزة الأمن السوري. وفي مؤتمر جنيف الثاني حضر أحد مراسلي هذه المحطّات مع وفد النظام السوري في الطائرة نفسها وقضى كل وقته في المؤتمر معهم! هذه ليست محطّات خاصّة بل حكوميّة تموّلها الحكومات الغربيّة لإيصال وجهات نظرها للشعوب العربيّة. كنّا نظنّ في البداية أنّ هناك تيّارا عونيا أو إيرانيا يتحكّم بالإعلام الغربي الناطق بالعربيّة، لكن ليس لدى هذه الأطراف كل هذه القوّة للتمرّد على السياسات الرسميّة والمعلنة لدول الغرب. وإذا انتقلنا للمحطّات الغربيّة المحليّة، فلن نجد سوى تجاهل للموضوع السوري وعند التعرّض لهذا الموضوع نرى انتقائيّة عند اختيار الأحداث، وتجاهل بعضها، ومن ثم التركيز على بعضها الآخر، بما يخدم سياسة تجاهل كل الكوارث الّتي تحدث في سوريا. لذلك ليس من المستغرب أن يتساءل السوريّين: هل هناك جهات قويّة ومتنفّذة لا تريد إنتصار الثورة السوريّة؟

ومع هذا، بعد كل هذه السنوات، وبعد أن أصبح واضحا أن الشعب السوري لن يتراجع مهما بلغ الثمن، سيدرك الجميع أن إيقاف عجلة الزمن مستحيلة، مهما كانت قوّة الأطراف الّتي تسعى لذلك.

٭ كاتب سوري

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى