صفحات العالم

مقالات حول الموقف الروسي من الثورة السورية 5

 

روسيا… هذا هو الرَّد!

صالح القلاب

المفترض أن كل الأوراق الروسية المتعلقة بالأزمة السورية باتت مكشوفة وأنه لم يعد هناك صاحب عقل، لا يشكو حولاً في بصره ولا في بصيرته، إلا ويعرف أن يدي فلاديمير بوتين ويدي سيرغي لافروف غدت ملطخة بدماء أبناء الشعب السوري أكثر من يدي بشار الأسد ويدي شقيقه ماهر الأسد ويدي صهره آصف شوكت وأيدي باقي القتلة الذين ستكون نهايتهم كنهاية معمر القذافي وكل أعوانه وجلاوزته، الذين استباحوا كل المحرمات، وأذاقوا الشعب الليبي مرارة القهر والويلات على مدى أكثر من أربعين عاماً. كان بعض “البلهاء” لا يصدقون ما تراه عيونهم ويرفضون الاعتراف بأن روسيا، وبالطبع معها إيران، هي التي تخوض هذه المعركة القذرة ضد أبناء الشعب السوري، وأن لافروف هو الذي قاد هذه الحرب البربرية سياسياً وأيضاً عسكرياً وأنه لا أمل بإمكانية تغيير الموقف الروسي ولو بمقدار قيد أنملة وأن زيارة كوفي أنان، الذي من المفترض أنه مندوب الجامعة العربية والأمم المتحدة، اليوم لموسكو ستكون مثلها مثل سابقاتها مجرد سمسرة لحساب بشار الأسد ونظامه. لا يجوز أن يبقى بعض “البلهاء” وبعض الطيبة نواياهم والنظيفة قلوبهم يبحثون عن أثر الذئب بينما الذئب واقف أمامهم ومكشر عن أنيابه، والمفترض أن المترددين والذين تنقصهم الخبرة والمعرفة بألاعيب الأمم ومؤامرات الدول قد اكتشفوا بعد نحو عامٍ ونصف أن معركة بشار الأسد ضد شعبه كانت بالفعل معركة روسيا مع أن لافروف بقي يحاول أن يلعب لعبة الخصم والحكم في الوقت ذاته خلال كل هذه الفترة. لقد تكشفت الأمور، وأصبح كل شيء واضحاً وبخاصة عندما بادرت موسكو إلى استئناف عملية ضخ الأسلحة التي لم تتوقف إلى جيش النظام السوري، وعندما لم تخجل من أن ترسل بوارجها إلى قواعدها البحرية في طرطوس حين كان وزير خارجيتها يستقبل ممثلين لبعض فصائل المعارضة السورية. إن المفترض أنه لم يعد خافياً على أحد أن الشعب السوري منذ اللحظة الأولى لانطلاق ثورته بقي يواجه حلفاً جهنمياً وشيطانياً، يضم بالإضافة الى هذا النظام الذي هو باقي ما تبقى من ظاهرة الأنظمة الديكتاتورية البائسة التي طوى صفحتها التاريخ، روسيا التي لاتزال تحلم باستعادة “أمجاد”! المرحلة الستالينية، وإيران التي يأتي اصطفافها إلى جانب نظام بشار الاسد كاصطفاف طائفي بغيض، ويضم أيضاً للأسف الصين التي لا يُعرَف لماذا ورَّطت نفسها في هذه الورطة، ولماذا اتخذت هذا الموقف المستغرب الذي أفقدها سمعتها الطيبة وأفقدها صداقة العرب الذين كانوا يكنون لها الاحترام والتقدير. إنه من غير الممكن أن تتراجع روسيا عن هذا الموقف المخزي الذي جعل يدي فلاديمير بوتين ملطختين بدماء أطفال سورية، ولهذا فإنّ على العرب الذين يوجعهم وجع الشعب السوري أن يبادروا إلى الرد على هذا الموقف الروسي بما يجعله مكلفاً بأن يجمدوا كل الاتفاقيات الاقتصادية مع هذا البلد “المعادي”، بل وأكثر من هذا أن يطردوا كل سفرائه من عواصمهم. أما أن تبقى الأمور على ما هي عليه الآن، فإن الروس سيواصلون ألاعيبهم لشراء المزيد من الوقت لبشار الأسد ونظامه، وسيواصلون ألاعيب منع مجلس الأمن الدولي من اتخاذ موقف حاسم ورادع إزاء هذه المذبحة المتواصلة والمتصاعدة، ولذلك فإن هذا هو الرد على هذا البلد الذي غدت يداه ملطختين بدماء الأطفال السوريين، والذي هو في حقيقة الأمر الذي أبقى النظام السوري صامداً كل هذه الفترة.

الجريدة

الأربعاء

أنان: يا حصرماً رأيته في موسكو!

    راجح الخوري

لجوء كوفي أنان الى موسكو لإقناعها بممارسة ضغوط تساعد في دفع بشار الأسد الى تطبيق الخطة السداسية تحت طائلة فرض مجلس الأمن عقوبات جديدة على دمشق، يمثل يأساً صريحاً من إمكان التوصل مباشرة الى اتفاق مع الرئيس السوري على هذا الأمر.

لكن أنان وجد نفسه، ويا للمفارقة، أمام معادلة: “يا حصرماً رأيته في موسكو كما أراه في حلب”، بمعنى ان سيرغي لافروف تعمّد عقد مؤتمر صحافي عشية وصول أنان، رفض فيه ممارسة أي ضغوط على الأسد، مؤكداً التمسك ببقائه في السلطة رغم شلالات الدم التي تُغرق البلاد وأكد لافروف رفض موسكو ربط تجديد مدة انتداب المراقبين الدوليين بعقوبات على النظام اذا لم يتوقف عن قصف المدن والأحياء بالأسلحة الثقيلة!

والمثير ان موسكو تتهم الدول الغربية بـ”الابتزاز” لمجرد أنها تحاول ربط التمديد للمراقبين بالعقوبات. ربما لأن موسكو تريد الاستمرار في استخدامهم كورقة تعمية او تمويه على المذابح التي تشهدها سوريا، وخصوصاً أنهم يلازمون فنادقهم منذ شهر حزيران الماضي ولا يسمح النظام لهم حتى بامتلاك هواتف دولية خوفاً من ان يقوموا بتقديم شهاداتهم عن وحشية القتل الذي ينتشر في المدن والأحياء!

كان واضحاً منذ البداية ان النظام وكذلك روسيا يريدان مهمة أنان مجرد قناع لكسب الوقت للحل العسكري الذي شبع فشلاً. والجديد في نظريات لافروف أنه يريد تعديل مهمات المراقبين الذين انتدبوا للإشراف على سحب قوات الجيش تمهيداً للانتقال الى الحل السياسي، الذي كان يعني صراحة ترك السوريين يغيّرون النظام، لتحويلهم نوعاً من لجان ارتباط بين النظام والمعارضة تكلف أيضاً مهمات سياسية عجزت عنها الأمم المتحدة بعد الجامعة العربية، وهذا يعني عملياً ان روسيا تريد ان يتم تمديد انتداب المراقبين لكي يبقوا مجرد شهود زور على ما يجري من المآسي التي تتحمل هي معنوياً وسياسياً وأخلاقياً مسؤولية كبيرة حيالها!

ليس كثيراً اذا قلنا ان كلام لافروف يأتي من خارج المنطق البسيط المتعامي عن عمق الجروح واتساع المشكلة في سوريا، وخصوصاً عندما يقول: “لم نتمكن من إقناع المعارضة بالتخلي عن مطلب تنحية الأسد”، في حين ان المعارضة هي التي عجزت عن إقناع موسكو بالتخلي عن الأسد بعد 16 شهراً من حمامات الدم والمذابح، التي أغرقت سوريا وتؤكد كل يوم سقوط أوهام الحل العسكري الذي ربما لا تزال موسكو مقتنعة به، كما يحاول الأسد إقناع العالم بأنه يقاتل “الارهابيين” لا المواطنين، رغم ان القتال دخل ساحات العاصمة دمشق بما يؤكد ان النظام يتفتت!

النهار

الأربعاء

روسيا والترتيب لمرحلة ما بعد الأسد

عبير بشير

من الواضح أن مياه كثيرة جرت تحت الجسر في الموقف الروسي من الأزمة السورية – رغم ما يحاول القادة الروس الظهور به من دعمهم للنظام الأسدي ووقوفهم بجانبه ومعه، وان تقييم المسؤولين الروس في الغرف المغلقة – في هذه المرحلة – يقول بأنه من شبه المستحيل أن يصمد حليفهم الأسد طويلا في وجه هذه الثورة العاتية والمتنقلة – وبالتالي فإن الدعم الروسي لم يعد أبديا و نهائيا وبأي – ثمن وهو بحد ذاته يعد تحولا كبيرا عن الموقف الروسي المبدئي والصارم تجاه الأزمة السورية.

ولكن هذا لا يعني بأن روسيا ستسارع إلى التخلي عن الأسد. وهذا يسير جنبا إلى جنب مع تأكيد رئيس المجلس الوطني وغيره من رموز المعارضة السورية الذين زاروا روسيا مؤخرا، بأنهم لم يلمسوا تغيرا في الموقف الروسي بخصوص ضرورة تنحي الأسد كممر إلزامي للوصول إلى الحل في سوريا.

وبالعودة إلى جذور الموقف الروسي، سواء روسيا “مديدف” أو روسيا “بوتين” نرى بأن روسيا قررت الذهاب إلى أقصى الحدود في دعمها ودفاعها عن النظام الاسدي – أو بالأحرى دفاعها عن نفسها وعن آخر معاقلها في الشرق الأوسط – وأن الموقف الرسمي والعسكري والإستخباراتي الروسي هو: منع سقوط نظام الأسد بأي ثمن ولو بالقوة -.

ومع عودة – فلاديمير بوتين – إلى الكرملين طرأت مرونة روسية مفاجئة حيال الملف السوري، تجلت بتصريحات شديدة اللهجة وحازمة لبعض المسؤولين الروس – أمام الكاميرات – لجهة مسؤولية النظام السوري عما يجري في سوريا. كان ذلك نوعا من التكتيك المرحلي للرئيس “بوتين” وجوقته السياسية، لامتصاص الغضب العربي والدولي الذي تفجر، جراء الدعم الروسي المطلق للنظام السوري رغم ارتفاع سقف الدم في سوريا.

في الوقت نفسه كان جنرالات الدولة الروسية يغمزون للنظام السوري، للاستمرار في الحل الأمني والعسكري، وخصوصاً مع النجاحات العسكرية النسبية التي حققتها كتائب الأسد آنذاك في المواجهة المفتوحة مع المعارضة المسلحة – الجيش الحر – واقتحامها لحي بابا عمرو، والتي ساهمت إلى حد ما في أن يستعيد نظام الأسد توازنه مؤقتاً.

صحيح بان القادة الروس كانوا يقرون – وما زالوا – بصعوبة الحسم الأمني في سوريا، ولكن كانوا يقدرون بان توجيه النظام لضربات متتالية للثورة المسلحة والثورة الشعبية، سيفت من عضد المعارضة، ويمكن – الدب القطبي – من جلب المعارضة – المترددة – للحوار مع النظام بسقف مطالب معقول – لا يتضمن رحيل الأسد.

كما انه – وفقا للرؤية الروسية – فإن روسيا وإن كانت تقر بأن فتيل الثورة السورية هو صناعة سورية، ولكنها تعتقد أن وقود الثورة هو خارجي وغربي – التمويل والتسليح، والأهم تكبير الراس، وأن الرياح التي تنقل نيران الثورة من مكان إلى آخر هي رياح المؤامرة . و بالتالي فإن تيئيس المجتمع الدولي من سقوط نظام بشار الأسد، سيدفعه للقبول بأرباع الحلول – وليس أنصافها – وسيفرض على المجتمع الدولي إدارة الملف السوري، بدلا من التدخل المباشر فيه والتلويح بالخيار العسكري لحل الأزمة السورية.

الآن، تبرع روسيا في رسم تعقيدات وخطورة الأزمة السورية – شحنات الأسلحة، سفن حربية ترسو قبالة السواحل السورية، طائرات هليكوبتر مقاتلة. الحديث عن حرب أهلية……، وذلك لبث الرعب في قلوب الأسرة الدولية فتنصرف عن التفكير بالتدخل العسكري.

ولكن المجازر البشعة والمتنقلة في سوريا – مجزرة التريمسة وغيرها وغيرها …..، التي تبدو أنها تحرج الساسة الروس، وتدحرج الأمور بوتيرة أسرع نحو قرارات أممية أكثر حزما، ربما تكون من تخطيط وإيعاز الجنرالات الروس المنتشرين في سوريا وتطبيق لإستراتيجية – القوة الهائلة – لسحق المعارضة ودب الهلع في صفوف الأهالي الآمنين.

على كل حال، روسيا تدرك أنها خسرت وتخسر كثيرا من شعبيتها ورصيدها في الدول العربية وفي العالم، لذلك جاءت زيارة بوتين – الأخيرة – لإسرائيل والأراضي الفلسطينية، للدفاع عن موقف بلاده إزاء الأزمات الكبرى – الملف السوري والملف الإيراني، وللتأكيد على أن روسيا ما زالت موضع ترحاب في المنطقة.

وقال بوتين خلال إزاحته للستار عن نصب تذكاري ضخم لجنود الجيش السوفيتي الأحمر الذين هزموا النازية، أقيم في مدينة نتانيا بمشاركة بيريس: أن التحول نحو الديمقراطية في دول الربيع العربي، يجب أن يتم بطريقة متحضرة – في إشارة قوية لسوريا.

وعلى الرغم من أن ” بوتين” حظي باستقبال الملوك في الدولة العبرية وسط عبارات المديح والإطراء المتبادلة، إلا أن الإسرائيليين اشتكوا من أن الروس يستمعون لمخاوفهم من المشروع النووي الإيراني، ولكن لا يفعلون شيئا لكبح جماح الخطر الإيراني. وحاولت إسرائيل إغراء – موسكو – بالطائرات بدون طيار، وبعقود التنقيب عن الغاز قبالة السواحل الإسرائيلية من أجل زحزحة الموقف الروسي الداعم لإيران. فإسرائيل على قناعة بأن تجميد المشروع النووي الإيراني، بوابته التأثير على الموقف الروسي.. و لكن بدون فائدة تذكر.

أما بالنسبة للملف السوري، فقد أعلن “أيهود باراك” أن لا مشكلة ولا هوة بين البلدين بشأن موقفهما من الأزمة السورية – فكلا الطرفين يخشى من مرحلة ما بعد الأسد، ومن وصول الأسلحة الكيماوية السورية إلى يد تنظيمات إسلامية….. فإسرائيل متواطئة مع روسيا لجهة ضرورة الحفاظ على نظام الأسد، لأن الدولة العبرية لا تتصور وصول نظام حكم إلى دمشق أفضل من النظام الحالي والذي حافظ على جبهة الجولان هادئة لعقود من الزمان – مقاومة سياحية.

في المقابل، أغضب – الدب القطبي – الفلسطينيين، بزيارته لحائط المبكى – البراق – وقوله في تصريح منسوب إليه: “هنا نرى التاريخ اليهودي محفوراً فوق حجارة القدس”. واعتبر بعض المسؤولين بأن هذا التصرف هو تزلف رخيص من روسيا بوتين إلى المؤسسة اليهودية، فاق التزلف الأميركي.

وبالعودة إلى الموضوع السوري، والذي تلعب به موسكو حجر الزاوية، فإن صمود الثوار، وتدخلاً عسكرياً دولياً – ناعماً – يدعم الثورة السورية، كما أن تسارع وتيرة الانشقاقات أو الهروب من هياكل النظام السوري، كلها من العناصر المهمة جدا في إنضاج القرار الروسي للترتيب لمرحلة ما بعد الأسد.

المستقبل

السبت

النزول الروسي عن شجرة الأسد؟!

    راجح الخوري

 هل بدأت روسيا النزول خطوة خطوة عن شجرة النظام السوري وبشار الاسد؟

الدافع الى هذا السؤال سؤال آخر: فمن يكون الكسندر اورلوف سفيرها في باريس لكي يجرؤ في هذه الساعات العصيبة، بعد التفجير الذي اقتلع الرأس الامني للنظام السوري، وبعد انتقال المعارك الى داخل دمشق، وبعد انهيار المساعي الدولية للتفاهم في مجلس الأمن، على الإدلاء بتصريحه الذي قال فيه ان “الرئيس الاسد ينوي التنحي بطريقة حضارية”، وهو ما سارعت دمشق الى نفيه.

وهل يمكن ان يقع السفير في هذا التصريح المثير لو لم تكن موسكو تريد ان تبدأ التمهيد للتراجع عن مسارها السياسي الخاسر مع الاسد، الذي سينعكس في النتيجة ضرراً كبيراً على مصالحها وعلاقاتها مع العالمين العربي والاسلامي، وخصوصاً بعدما اكدت التطورات الميدانية استحالة الحل العسكري، لا بل على العكس فالقتال يدور في دمشق والحدود تهوي في ايدي المعارضين؟

قبل الانفجار الذي اقتلع الرأس الامني للنظام كانت الحسابات السورية الروسية في مكان وبعده صارت في مكان آخر. وإنني هنا اكرر القول ان انقلاباً تراجيدياً في المعادلة السيكولوجية للقتال الدائر منذ 16 شهراً قد حصل، وستكون له نتائجه السريعة على العمليات الميدانية. في كلام اوضح كانت المعارضة على اقتناع غير معلن بأن طريقها الى الانتصار طويل وصعب وربما مستحيل دون وقوع البلاد في حرب اهلية سعى النظام جاهداً لارساء مبرراتها.

 الآن حصل انقلاب حاسم في الحوافز والسيكولوجيا فالمقاومة انتقلت الى الهجوم والنظام يذهب الى الدفاع، والدليل ان المعارك تجري في محاذاة قصر المهاجرين وفي وقت صار انشقاق العسكريين مغرياً اكثر بعد سقوط الرؤوس الكبيرة وفي ظل الحديث عن التمكن من استهداف موكب الرئيس الاسد بالنار!

وعندما تصبح المعابر الحدودية السورية مع العراق وتركيا في ايدي المعارضين، فهذا يعني تدفق المزيد من السلاح والمسلحين. اما عندما يمعن النظام في إرسال الدبابات والمروحيات الهجومية الى الاحياء الدمشقية ويدكها بالقذائف، فانه يكون في طريق استعجال الخسارة !

كان مضحكاً لا بل مبكياً، ان يقف روبرت مود ليدعو وسط دوي القنابل التي تنهال على العاصمة دمشق، الى الحوار بين السلطة والمعارضة في وقت سقطت مهمة المراقبين الدوليين الذين لن يحصلوا من مجلس الامن على اكثر من مهلة لترتيب انسحابهم، كما انسحب قبلهم الجنرال السوداني محمد احمد الدابي والمراقبون العرب. وبعدما شبعت مبادرة كوفي انان موتاً يجوز السؤال: هل ضرب العمى الروس الى درجة المقامرة بآخر مصالحهم في المنطقة خدمة لنظام كان حليفاً كبيراً لكن صلاحيته الى انهيار، ام انهم بدأوا التمهيد للنزول عن شجرة الاسد؟!؟

النهار

السبت

السفير الروسي عن إرادة الأسد بالتنحي رسالة للنظام أم تهيئة لمبادرة مختلفة؟

    روزانا بومنصف

حين سئل السفير الروسي في فرنسا الكسندر اورلوف في الحديث الصحافي الذي ادلى به الى اذاعة فرنسا الدولية ما اذا كان يعتقد ان بقاء الرئيس السوري بشار الاسد لم يعد محتملا وان بقاءه بات مسألة وقت ليس الا قال ” انا شخصيا اشاركك الرأي ( متحدثا الى محاوره الفرنسي ) اذ من الصعب ان يبقى( اي الرئيس السوري ) بعد كل ما حصل . على كل هو وافق ” .. وقاطعه المحاور الفرنسي لسؤال آخر اجاب عنه السفير الروسي وعاد ليكمل فكرته التي قوطعت اي انه لم يتجاهل ما اراد قوله في الاساس او غض النظر عنه بعدما تمت مقاطعته كأنما كان رده عفويا على السؤال ، بل هو استعاد الفكرة قائلا ان البيان الختامي للقاء جنيف الذي انعقد في 30 حزيران تحدث عن حكومة انتقالية مكتملة الصلاحيات وان الرئيس الاسد وافق عليه واقترح محاورا للمعارضة على هذا الاساس مستنتجا ان ذلك يعني ان الرئيس السوري مستعد للتنحي انما بطريقة حضارية . واذ سارعت دمشق الى نفي التفسير الروسي لتبني الاسد نتائج لقاء جنيف لم تلبث الخارجية الروسية ان سارعت بدورها الى اعتماد النفي السوري على اساس ان كلام السفير الروسي في باريس قد تم تحريفه اي ان الرئيس السوري لم يوافق على التنحي نظرا لما يمكن ان يتركه ذلك من تداعيات يمكن ان تتسارع بقوة على الارض في سوريا غداة خسارة اركانه في تفجير استهدف مبنى الامن القومي ورحيل آلاف السوريين عن دمشق فضلا عن الانشقاقات الكبيرة في قوى الجيش فتسبب بفوضى هائلة . فهل بدأت اتصالات في الكواليس لتأمين رحيل الاسد ام ان المسألة بدأت عبر ارسال رسائل في هذا الاتجاه خصوصا ان التفجير الذي اودى بأركان النظام وبدء المعارك في شوارع العاصمة وحول المقار الحكومية اعطى مؤشرات بالغة الاهمية عن اتجاهات حاسمة للمعركة؟

يقول مراقبون معنيون ان كلام السفير الروسي في فرنسا كان لافتا من زوايا عدة ابرزها انه ناقض التفسير الذي كان اعطاه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لنتائج لقاء جنيف الذي رأت فيه الولايات المتحدة والغرب تنحيا قسريا للرئيس السوري كما ان كلام السفير الروسي يعني انه ترجم قبول الاسد نتائج لقاء جنيف على غير ما ارادها الرئيس السوري الذي يعتقد كثر انه وافق شفهيا على نتائج اللقاء من اجل كسب الوقت ليس الا وليس لاقتناعه به . كما كان لافتا من حيث اعتقاد السفير الروسي ان لا مستقبل محتملا للرئيس السوري في السلطة وهو ما لقي اهتماما لدى المراقبين حول ما اذا كان ما قاله السفير هو بالون اختبار على اساس ان روسيا تدفع بالرئيس السوري الى تبني هذه الفكرة وبدء العمل على تنفيذها انطلاقا من اقتناع بأنه متى وجدت او بالاحرى متى نضجت هذه الفكرة فان روسيا وحدها ستكون قادرة على تنفيذها فتحفظ بذلك لنفسها دورا يقيها بعض الخسارة التي ستواجهها برحيل الاسد ولا تترك للاميركيين وحدهم ان يرتبوا المرحلة الانتقالية في سوريا وفق مصالحهم .

كما لقي كلام السفير الروسي اهتماما ، ولو بعد نفيه من الخارجية الروسية باعتبار ان النفي لا يعني انتفاء وجود الفكرة اصلا اقله لدى الجانب الروسي او في دوائر القرار الروسية مع احتمال وجود انقسام في الرأي حول هذا الامر انما قد تكون وقعت في التوقيت غير الملائم مع تزامنه وتشييع النظام اركانه العسكريين واعتزامه الانتقام لهم ومحاولة استعادة بعض احياء العاصمة السورية . الا انه ومع الانباء عن ارجاء روسيا تسليم شحنة من المروحيات القتالية الى سوريا كانت اوقفت سابقا عند الشواطئ البريطانية وعادت روسيا وتحدت الغرب في تصميمها على اعادة شحنها الى دمشق، فان هذا الموقف الروسي بدا متجاوزا بكثير من حيث دلالاته الفيتو الروسي والصيني في مجلس الامن على قرار في مجلس الامن يفرض عقوبات على النظام السوري في حال عدم التزامه وقف العنف وسحب آلياته الثقيلة خلال بضعة ايام . اذ ان هذا القرار عمليا لا اهمية كبيرة له في السياق الجاري للاحداث المتسارعة والتي باتت تفرض ايقاعا مختلفا من التعامل الدولي معها يتخطى مسألة الحصول على عقوبات دولية ضد النظام كما يقول الغربيون او انه لا يتناسب مع المخاوف الروسية والصينية من ان تستفيد الدول الغربية من هذا القرار للتدخل في سوريا على غرار ما حصل في ليبيا . اذ ان العقوبات في حال صح ما يرغب فيه الغربيون لم تعد مهمة في اضافة ضغوط اضافية على النظام فيما لم تعد الدول الغربية في حاجة الى اي تدخل من جانبها في ما يجري مع التقدم الذي احرزته المعارضة المسلحة ضد النظام في ضوء الاكتفاء بتقديم المساعدات لها .

لذلك يقول هؤلاء المراقبون ان دلالة الامور باتت عند حد الاقتناع بانه يجب الاعداد لمرحلة رحيل الاسد في حال اراد خروجا لا يزال متاحا كما الاعداد لما بعد هذه المرحلة كون التطورات تتسارع على الارض وباتت اتجاهاتها محسومة النهايات او التوقعات اقله وفق ما تخلص الى ذلك معظم المعلومات والتحليلات المرافقة للوضع في سوريا .

النهار

السبت

سوريا أمام ثلاثة احتمالات في المرحلة المقبلة وروسيا لا تزال تراهن على انتصار الأسد

    اميل خوري

بعدما استخدمت روسيا والصين “الفيتو” للمرة الثالثة في مجلس الأمن الدولي فأسقطتا مشروع قرار يفرض عقوبات على سوريا هل يمكن القول ان لا أمل بعد في التوصل إلى حل سياسي للأزمة المتفاقمة فيها وان الحل العسكري بات الخيار المحتوم ومن ينجح في الحسم يستطيع ان يفرض الحل السياسي؟

يقول ديبلوماسي عربي ان روسيا هي التي تتحمل مسؤولية بلوغ الأزمة السورية هذا الحد من العنف لأنها دأبت منذ البدء على إفشال كل حل سياسي باستخدامها “الفيتو” لاسقاط كل قرار مطروح على مجلس الأمن، والحؤول دون اي تدخل عسكري خارجي ظناً منها انها توفر بموقفها هذا وقتاً كافياً للرئيس الاسد ليحسم الأزمة، وذلك بتكرار القول ان الشعب السوري وحده هو الذي يقرر مصيره.

وظناً منها أيضاً ان نظام الرئيس الاسد المتماسك والمدعوم بجيش قوي منضبط قادر على مواجهة خصومه والانتصار على الثائرين عليه. لكن التطورات العسكرية على الارض لم تحقق لروسيا توقعاتها، بحيث باتت تخشى ان تخسر رهانها في سوريا كما خسرته في ليبيا، وعندها تخرج من آخر موقع لها في المنطقة.

هذا الاعتقاد لروسيا جعلها تعطي نظام الرئيس الاسد مهلة بعد مهلة خلال البحث عن حلول سياسية وكان آخرها خطة انان بنقاطها الست ووضع صيغة نهائية لها في اجتماع جنيف، وقد حظيت هذه الصيغة بموافقة الجميع لكن الخلاف حصل على تفسير بعض بنودها فتعطل تنفيذها. فالمعارضة السورية ومعها الولايات المتحدة الاميركية ودول عربية وغربية أيدت تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد أن يتنحى الرئيس الأسد وتنتقل صلاحياته اليها، في حين رفضت روسيا ومن معها ذلك واصرت على ان يتم تشكيل الحكومة مع وجود الرئيس الاسد لأن ارادة الشعب السوري هي التي تقرر مصيره وليس اي جهة اخرى اعتقاداً منها ان الوقت الذي سيتطلبه تشكيل هذه الحكومة والاتفاق على اختيار اعضائها في تمثيل كل القوى السياسية الاساسية وهي عديدة، يكون الجيش السوري خلال هذا الوقت قد قضى على الجماعات المسلحة التي تسمى ارهابية، وعندها يصبح الحل السياسي وما يتضمن من اصلاحات متاحاً بموافقة المعارضين السوريين المعتدلين الذين لا يطالبون بتغيير الاسد انما بتغيير النظام.

من جهة اخرى، فإن روسيا واميركا لم تتفقا على البديل من النظام ومن الحكم الحالي في سوريا لتطمين روسيا اليه ولا يكون نظاماً ديكتاتورياً ثورياً دينياً ولا يكون “الاخوان المسلمون” على رأسه لئلا يشكل ذلك خطراً على امنها القومي، ولم توافق الولايات المتحدة على مطالب روسيا لحماية مصالحها السياسية والامنية والاقتصادية في المنطقة وخارجها في انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الاميركية، عندها اقتنعت المعارضة السورية المسلحة ان لا حل للازمة الا عسكرياً وان روسيا تراهن على ان نظام الرئيس الاسد سينتصر على هذه المعارضة، وان اقصى ما تقبل به ان يكون ثمن قبولها بتنحي الاسد اختيار البديل منه.

والسؤال المطروح الآن هو: اي من الطرفين سينتصر على الآخر في سوريا ويكون له الحكم ومتى يتم ذلك، وهل تدخل الفوضى الامنية الى سوريا كما دخلت العراق ام تدخل اليها حرب اهلية طويلة المدى كالتي دخلها لبنان ولم تنته الا باتفاق اميركي عربي وبقبول اسرائيلي على تلزيم سوريا لإنهاء تلك الحرب، لأن ايا من الطرفين اللبنانيين المتقاتلين لم يستطع التغلب على الآخر، رغم مرور 15 سنة على بدئها؟

ويعتقد الديبلوماسي العربي ان سوريا تواجه الآن احد الاحتمالات الآتية:

اولا: ان تعيد روسيا النظر في موقفها وتوافق على تنحي الرئيس الاسد شرطا لمباشرة تنفيذ خطة انان اذا شعرت ان رهانها خاسر على حل عسكري يتولاه النظام او ان تظل على موقفها اعتقاداً منها ان الجيش السوري سينتصر على الجماعات المسلحة وهذا ما جعلها لا تغير موقفها حتى الآن.

ثانياً: ان تطول الحرب الاهلية في سوريا بحيث تصبح معرضة للتقسيم، ويكون هذا التقسيم قد بدأ من سوريا بعدما خطط له ان يبدأ من لبنان او من العراق.

ثالثاً: ان تؤدي الحرب الداخلية في سوريا الى اشعال كل المنطقة ولاسيما الدول المجاورة لها وهذه الحرب التي تقف وراءها الدول الكبرى قد لا تنتهي الا باتفاق جديد شبيه باتفاق “سايكس بيكو” يقوم عليه الشرق الاوسط الجديد او العالم الجديد.

ان الاشهر القليلة المقبلة هي التي ترسم خريطة سير الأزمة في سوريا، فإما ينتصر فيها فريق على آخر، واما تسود فوضى مفتوحة على كل الاحتمالات.

النهار

هل هي مؤشرات صفقة سرية بين روسيا وأمريكا وإسرائيل ضد سوريا؟

د. عبد الواسع الحميدي

ما الذي يجعل روسيا تساند نظام الأسد ضد ثورة شعبية؟ لماذا تخلت عن نظام صدام حسين بسهولة على الرغم انه كان من أقوى حلفائها في المنطقة ومرتبطة معه بمصالح اقتصادية بمليارات الدولارات؟ لماذا سلمت نظام القذافي بطريقة غير متوقعة مع أنها كانت لها مصالح اقتصادية كبيرة معه؟…ما الذي تبدل في الموقف الروسي لكي يصمد بجانب بشار الأسد في مواجهة الرأي العام الدولي والعربي والسوري مع أن مصالحها الاقتصادية مع سوريا اقل من مصالحها التي كانت مع العراق وليبيا؟ هل هو فخ وضع لروسيا لكي تخسر ما تبقى لها من ارث الاتحاد السوفيتي في المنطقة العربية؟ إذا كان الأمر كذلك هل السياسة الروسية بهذه السذاجة حتى يبتلعها فخ دون أن تتفطن إليه؟ استبعد هذا الأمر لأن روسيا تدرك العالم الذي تتعامل معه،وليس الساسة الروس مبتدئين لكي يتعثروا في فخ منصوب …ثم الم يكن الأفضل لروسيا لو كانت فعلا تهتم بالشأن السوري وتراعي مصالحها الظاهرة كما نقرأها نحن العرب وفقا لما يسوقه الإعلام الروسي أن تنصح الأسد بسلوك اقرب الطرق وأسهلها لتحقيق تطلعات الشعب السوري بالتغيير بما يكفل بقاء مقدرات سوريا فاعلة وبالذات العسكرية منها؟وتجنيبها مأزق حرب تستنزف مستقبل سوريا كما هو قائم حاليا ؟ الم يكن مثل هذا الموقف كفيل بإبقاء المصالح الروسية مصانة مع النظام السوري الجديد؟

علامات الاستفهام كثيرة حول الموقف الروسي وهذا لا يعني تنزيه مواقف الدول الأخرى وبالذات أمريكا المناهضة لنظام الأسد منذ مدة طويلة فمواقفها معروفة ولا تحتاج الى تفسير لسلوكها الحالي الذي يبدو في ظاهره مساند للثورة السورية وفي باطنه تاريخ طويل من العداء..

في حين أن السلوك الروسي مريب سواء كان ذلك لسوريا كشعب أو لبشار كنظام. فالجميع الآن يحلل من خلال الصورة الظاهرة لكن لا يفترض أن الظاهر في السياسة هو المخادع أو المحتال وهي الغالبة في السياسة الروسية والغربية… دعونا نختبر ذلك، إذا أخذنا الموقف الأمريكي من الثورة المصرية كمقـــــياس يـــمكن البناء عليه لتحليل الموقف الروسي من نظام بشار لوجدنا أن الـــسياسة الأمريكية لم تعاد ثوار مصر بالقدر الذي لم تساند فيه بــــقاء حسني مبارك مع أن هذا الأخير كان من اخلص أصدقائها في المنطقة لكنها دعته إلى تحقيق تطلعات الشعب المصري واستطاعت أن تحتوي المتغير في مصر وتحافظ على مصالحها على الأقل لحد الآن.

لماذا لم تسلك روسيا هذا الطريق مع بشار الأسد إذا كان لها مصالح حقيقية مع الشعب السوري؟ الم اقل أن الموقف الروسي مريب؟ نعم انه مريب لأنه لا يوجد دليل واحد يجعلنا نصدق أن روسيا ستصمد للنهاية مع بشار، أو أن أمريكا ومريديها سينتصرون للثورة.. ألا تجعلنا هذه الريبة نرجح مسالة وجود صفقة سرية بين كل من روسيا والولايات المتحدة وإسرائيل وربما دول أخرى… جوهرها إسقاط نظام الأسد بطريقة تدريجية لا تربك المنطقة ليس خوفا على المنطقة وإنما لإعادة صياغة مصالحهم، إذ أن ترك بشار وحيدا يواجه خيار السقوط الحتمي ستكون له مخاطر جمة،قد تدفعه لاستخدام كل أسلحته لإشعال المنطقة برمتها، والعالم غير مهيأ لهذا المعطى، إذاً فإن مساندة روسيا للأسد ستكون في هذه الحالة ذات بعد ظاهري في حين أنها بالعمق لممارسة دور مزدوج احدهما تقليل مخاطر انزلاق المنطقة عبر التحكم بقرارات النظام السوري من خلال تلك المساندة التي تأتي في وقت تخلى عنه العالم، ولنا أن نتخيل حجم الجميل الذي سيطوق رقبة بشار تجاه روسيا ،الأمر الذي سيتيح للأخيرة توجيه قرارات النظام السوري لأنها ستكون محل ثقته بما يتيح لها تهيئة الأرضية لهبوطه بعد أن تكون غنائم المنطقة قد تم تحديد مآلها ، بالمقابل يقوم الطرف الأخر المعادي ظاهريا لروسيا باحتواء اندفاع الثورة بالصورة التي تمكنه التحكم بطبيعة وشكل النظام البديل .

وإذا لم تكن هناك مقدرة على التحكم بالنظام البديل فإن إفقاده أدوات القوة سيكون هام وحيوي وبالذات العسكرية، عبر تأجيج الصراع بين الطرفين عوض بذلهما جهودا للحل وفقا لتطلعات الشعب السوري بالحرية والعدالة لأن الحل على هذه الطريقة لن يحقق الغرض الذي يسعى له الطرفان روسيا وأمريكا، هل لمستم جهودا للحل؟ لا. لأن المطلوب من وجهة تلك الأطراف ليس تحرر السوريين إنما إضعاف النظام الجديد عبر الزج بالنظام الحالي بمقامرة الحرب المدمرة للجيش السوري وتمزيق النسيج الوطني السوري مع كل قطرة دم تسيل تحت تأثير وهم المساندة الروسية الخادعة التي ستجعل الطرف الآخر يلجأ للتسلح دفاعا عن النفس وبالتالي توسيع دائرة التدمير لسوريا وسيجد من يمد له العون، تخيلوا بعد ذلك أي نظام يستطيع لملمة الجراح وحل التناقضات الداخلية التي أنتجها بالضرورة بشار الأسد ونظامه، بل كيف يمكن تخيل مستقبل نظام بشار بعد كل هذه الدماء؟ وماذا تريد روسيا أن تحققه عبر دعمها نظام الأسد ؟ . أظن أن ما تسعى له روسيا لا يختلف عن ما تطمح له أمريكا وإسرائيل فجميعهم لا يخشون فقط من إغراق المنطقة بأنظمة إسلاموية إنما يحاولون ترتيبها جذريا وفقا لما يحقق مصالحهم.

إن أسوأ الاحتمالات لإمكانية بقاء هذا النظام تعني انه سيكون بقاء الضعيف الهزيل المدان داخليا وخارجيا، ونظام مثل هذا لن يفيد روسيا إطلاقا ولن يفيد سوريا ذاتها.

سوريا جديدة يتم بلورتها بالتواطؤ مع أن بشار يدرك ذلك أو دون أن يدرك، معزولة عن محيطها منشغلة بمشاكلها وجراحها معلقة بالخارج أكثر من تعلقها بعروبتها كما يريد الشعب السوري وكما تطمح ثورته.

قد يخطر سؤال حول موقع إيران من هكذا احتمال؟ أقول انه بالقدر الذي يحضر التأثير الإيراني في سوريا أو على روسيا فإنها بالضرورة ستكون ضمن مواضيع تلك الصفقة.

لا احد ينكر على الشعب السوري ثورته الصادقة التي تكاد تكون الأكثر إلحاحا من مثيلاتها في البلاد العربية، لكن التباسات الموقف الروسي المريبة لا توحي بالبراءة…قد يقول البعض أن مثل هذه الصفقة مستحيلة بالصورة التي ذكرناها ،ثم ما الذي يجعل روسيا تمارس هذا الدور؟ أقول أن روسيا اليوم ليست الاتحاد السوفييتي في الخمسينات أو السبعينات، كما أن مسائل الصفقات السرية في العلاقات الدولية ليست حديثة بل قديمة ومستمرة، هل تتذكرون اتفاقية سايكس بيكو الشهيرة؟ ثم دعونا نستحضر دورها في العراق، وفي ليبيا، فروسيا حاولت أن تكرس في سياستها الخارجية الجانب النفعي فقط القائم على الصفقات السريعة العالية المردودية ذات الطابع السري… الم تستخدم ذلك في العراق؟ الم يحدث في ليبيا؟ اذاً ما الذي يمنع تكراره إذا توفرت المغريات فالمهم بالنسبة للغرب استدراك التحكم بمسار التحولات في المنطقة وسوريا تتيح مثل هذا الاستدراك خاصة إذا استحضرنا نظرية الأقطاب الموجبة والسالبة في العلاقات الدولية، فمن زاوية المصالح الغربية فان تجاذب الأقطاب بين نظام مصر الجديد ونظام سوريا القادم خطر على استراتيجيات الغرب في حين أن التنافر هو الذي سيحقق جزء من تلك الإستراتيجية.

وإذا عدنا إلى مفاجأة الثورة التونسية ثم انتقالها السريع إلى مصر بصورة لم تمكن بعض الأطراف الغربية من فهم المتغير أو التنبؤ به فإن تلك الأطراف حاولت أن تتلافاه في ليبيا واليمن، اذاً كيف سيكون الأمر مع سوريا هل سيشبه اليمن أم ليبيا؟ لاشك انه ليس هذا أو ذاك فسوريا مفتاح في مسار الشرق الأوسط وبالتالي ستطرح تلك الأطراف سؤالها المتوقع ما العمل والبديل المحتمل للأسد هم الإخوان المسلمون. في حين أن الأخوان يحكمون مصر ويهيمنون في تونس، لنتخيل قليــــــلا أو لنفترض أن الأخوان المسلمون اعتلوا هرم السلطة في سوريا وتسلموا جيشا بكامل مقدراته والشعب محتفظ بتعايشه مع اعتلاء إخوان مصر للسلطة كيف سيكون انعكاس ذلك على المنطقة؟ تخيلوا انتم؟ وتخيلوا ردة فعل بعض الدوائر الإقليمية والدولية؟ هل تعتقدون أن الروس لا يخشون الأخوان المسلمون؟ تجربتهم في أفغانستان قريبة وفي الشيشان لا زالت مستمرة … لا أريد أن اذهب في مزيد من الافتراضات لكن أي متابع يلمس أن الموقف الروسي بدأ حالة الهبوط التدريجي فهو الآن يتحدث عن حوار غير مشروط في سوريا وفي الكواليس عن إمكانية إجراء انتخابات وفق اشتراطات بما يعني تنحي الأسد ،ماذا حقق؟ لن أتحدث عن حزب الله وحماس فهما ايضا مرتبطان بما ذكرناه وكلاهما غير مرحب بهما في الغرب وروسيا.

أومن قطعـــياً أن نظام الأسد زائل بالقدر الذي أدرك فيه أن السلوك الروسي ملتبس فلا هو موقف ولا هو دور معلن انه سلوك غامض ستبدأ تجلياته في الفترة القادمة راقبوا السلوك الروسي بدقة.

‘ أستاذ جامعي متخصص في القانون الدولي والعلاقات الدولية

الأحد

موسكو خصماً مباشراً للانتفاضة

بشير هلال

كان رد الفعل الأول للسلطات الروسية على تفجير مبنى الامن القومي في دمشق ومقتل وزير الدفاع ومسؤولين آخرين من أعضاء «خلية الأزمة» وهي الحلقة المقربة من رأس النظام الأسدي، أن أعلنت على لسان نائب وزير خارجيتها ميخائيل بوغدانوف أن بلاده «لن تغيّر موقفها تجاه سورية في مجلس الأمن» بمعنى أنه لن يؤثر في استعدادها لاستخدام حق النقض مرة اخرى ضد مشروع قرار غربي يربط التمديد لمهمة انان وبذل محاولة اخرى لتنفيذ «خطته» بقرار جديد يتضمن تهديداً بفرض عقوبات غير عسكرية على دمشق تحت الفصل السابع إذا لم تنفذ التزاماتها بموجب هذه الخطة.

5وبصرف النظر عن استخدامها اللاحق للفيتو في التصويت الذي كان أُرجئ يوماً اضافياً بناء على طلب أنان الآمل بالتوفيق بين مشروعها والمشروع الغربي باتجاه تنفيذ اتفاق جنيف «على مجموعة من المبادئ والخطوط العامة التي تفتح الطريق أمام انتقال يقوده السوريون»، فإن التعليق الروسي على تفجير دمشق يظهر المدى الذي ذهبت إليه موسكو في المماهاة بين موقفها مما يجري في سورية وبين اعتباره تظهيراً لطبيعة ولنسبة القوى في العلاقة مع الغرب.

وبخلاف التفسير الشائع للموقف الروسي بأنه نتاجُ الخوف من تكرار «الخديعة» الغربية في ليبيا والتي تجسّدت وفق هذا الزعم بتطبيق منحرف للقرار 1973، فإن موسكو كانت تعرف تماماً غائيته عندما اكتفت بالامتناع عن التصويت عليه، رغم اتخاذه تحت الفصل السابع وتضمُّنه عقوبات وحظراً جوياً… بدليل ما قاله لافروف آنذاك: «هناك في الغرب مَن يصوّرون موقف روسيا تجاه الزعيم الليبي معمر القذافي تصويراً خاطئاً، أما الحقيقة فتكمن في كون روسيا تعتقد أن القذافي لا مكانة له في ليبيا جديدة، بينما يمكن أن تخضع بقية الأمور للنقاش» (أنباء موسكو 13/7/2011). ما يُبيِّن أن الأمر لا يتعلق بإصرار موسكو على احترام مبدأ سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها، بمقدار ما يتصل بموقع سورية والنظام الاسدي في منظومة علاقاتها الخارجية في ضوء التغيير الجاري في سياستها العامة منذ إعادة انتخاب بوتين بأكثرية ضعيفة جعلته يكتشف القوة الاحتمالية للمعارضة، وهشاشة وختلان «اصلاحات» سلطته وقراره الهروب إلى أمام عبر إحياء مفهوم «الامبراطورية» وإعادة صوغه، وليس بشبح خوفٍ مقيم من تكرار «الخديعة الليبية». وهو تغيير ناجمٌ عن المسار الذي يتخذه تطور النظام الروسي ذاته.

والحال أن روسيا البوتينية تغدو بعد استخدامها الثالث للفيتو خلال تسعة شهور خصماً مباشراً للانتفاضة السورية، يضاهي في ضرره وعدوانيته النظام السوري ليس بصفتها حاميته المعلنة أولاً ومصدر سلاحه وخبرائه الأمنيين والعسكريين وأجهزة التجسس وجزء من تمويله ثانياً، ولكن أيضاً وخصوصاً بصفتها الحائل الأول دون تظهير إرادة العالم في منع استمرار استفادة النظام من قوته العسكرية والقهرية العارية في صراع غير متكافئ بين السيف والدم. السيف الذي لا يقدم ولا يجيد النظام غير استثماره بكل الصور البربرية الجديرة بفانتازيا أفلام الرعب الأقصى، وليس بالعالم الحقيقي المعولم والمتواصل لبداية الألفية الثالثة. وهو وضعٌ جعل ويجعل كل خطة إقليمية و/ او أممية لخفض منسوب القمع والعنف الثانوي المضاد في سياق البحث عن حل سياسي، وهماً خالصاً. فأي وزنٍ لقرارات او عقوبات لا تتمتع بالقوة الاكراهية لإجماع دولي يختزن رمزياً كل قوة النار والاقتصاد ومعايير العلاقة بالعالم؟

فمن بارانويا المؤامرة الاميركية التي تجعله ينظر الى المعارضة كعميلة لها وإلى هيئات الدفاع عن حقوق الانسان وسائر المنظمات غير الحكومية على انها استطالات وأقنعة للخارج، وإلى وسائل التواصل الحديثة كأدواتٍ لها إلى رهاب التوسع الأطلسي المُهدِّد لغرب الامبراطورية والاسلام السنيّ «الجهادي» والتركي-الطوراني المهدد لجنوبها وأراضيها وثرواتها الخصبة وجزء مهم من موادها الاولية وخزين ذاكرة روسيا العميقة قبل انعتاقها من حكم التتار، غدا منطقياً للبوتينية بوصفها بعثاً لـ «قيصرية مُسفيَتة» ان تجعل من تعطيل العالم جوهر سياستها الجديدة ما يؤدي إلى محاولة استئناف السياسة الدولية من الموقع الذي جسَّدته مبادئ اتفاق يالطا وقسمتها للعالم قبل صوغ علائقه وتوتراته ضمن مفهوم الحرب الباردة.

فبوتين في موقفه من الحلف الأطلسي لا يطلب لـ «إمبراطوريته» شيئاً اقل من يالطا في ظروف لم يحقق فيها نصراً وعملاً مشتركاً واحداً مع الغرب يضاهي هزيمة النازية، بينما يبعث في ملف سورية رماد المفهوم القيصري في بلوغ المياه الدافئة ومبدأ بسط الحماية على الأقليات.

الأخطر بالطبع أنه في استحضاره لوزن روسيا القيصرية والسوفياتية في العالم، يتناسى أن صادراته السياسية والأيديولوجية الوحيدة الممكنة هي تلك المتفرعة عن الاستبداد والأوليغارشية، فيما الفارق في النمو الاقتصادي يجعله اليوم خلف الصين ومجموعة دول البريكس. وهذا يجعل مجمل سياسته الخارجية قائمة على محاولة احتياز جزء من العالم لأنظمة ديكتاتورية مهجنة بشكليات الديموقراطية. وهو ما تنبأ ببعضه بريجنسكي عام 1997 عندما كتب حول استحالة تساكن النزوع الامبراطوري والديموقراطية في روسيا.

بالتالي، فإن موقف روسيا من الانتفاضة السورية لا ينحصر في مشكلة دعمها للنظام الأسدي وإنما أيضاً في تسنّمها ناصية الوصاية عليه وتصليبه بالتقاطع مع ايران في اعادة تركيب النظامين الإقليمي والعالمي. بذلك فهي لا تترك للسوريين إلا الفرصة التي تعتقد خاطئة انهم لا ولن يملكوها وهي فرض تغيير في ميزان القوى على الارض لغياب أي دعم خارجي جدي. ومصدر اعتقادها هذا مبني على احتساب الميزان المذكور بصفته نتاج القوة النارية المنظمة وحدها. وهي بهذا المعنى مسؤولة جزئياً عن تبني النظام الخيار الأمني وسياسة الارض المحروقة وربما التخطيط العام لتنفيذها في ضوء شرعنتها لمقولات «العصابات المسلحة» و «إصلاحية» النظام واستناده المزعوم الى دعم شعبي واسع. بذلك ترعى روسيا أوهاماً خطرة ودامية كإمكانية تشتيت الانتفاضة وضربها عبر غروزني معممة أو حرب أهلية مفتوحة على احتمال إقامة دول طائفية، وتوسيع العنف إلى نطاق إقليمي.

الحياة

الأحد

ما الذي تريده روسيا حقّاً؟

ماهر مسعود

أثار الموقف الروسي حيال الثورة السورية خلافات ونقاشات وتحليلات، تراوحت بين قراءة الموقف على أسس استراتيجية، بما تتضمنه الاستراتيجيا من تفسيرات متشابكة، وقراءته ضمن اعتبارات تكتيكية يمكن التفاوض عليها، إلا أن ما تصبُّ فيه كل تلك التحليلات، هو استعادة روسيا دورها كقوة عظمى في العالم، بمساعدة الصين وتعاون باقي دول بريكس الصاعدة.

استراتيجياً تم التركيز على محاولات روسيا ربط الملف السياسي – الساخن – لسورية الثورة وإيران النووية بـ «الحماية» أو التعطيل الروسي – الصيني، ومحاولة دمج العملية بمفاوضات الدرع الصاروخية الأميركية في أوروبا الشرقية، من دون أن ينسى الروس إمكانية استغلال الأزمة المالية لمنطقة اليورو وآثارها السياسية، أو ينسوا سنة الانتخابات الأميركية المحاطة بأزمة اقتصادية لم تنته بعد، أو تغيير استراتيجيات الحرب في الشرق الأوسط التي اعتمدها أوباما بعد الانسحاب من العراق. ومن جهة الاقتصاد السياسي هناك من أحال الأمر للصراع الاستراتيجي على موارد الطاقة، لا سيما الغاز، في إشارة إلى إحلال خط الأنابيب التابع لغازبروم الروسي محل خط الأنابيب الأميركي نابوكو وما تبع ذلك من امتيازات اقتصادية بتغذية سياسية راجحة، إضافة لقضية آبار الغاز المكتشفة حديثاً في البحر المتوسط والتي يوجد منبعها في مدينة قارة السورية (قرب حمص)، وفق ما تقوله تلك المصادر، وعطفاً على كل ذلك هناك ما يسميه الروس «المقلب الليبي» الذي خرجوا منه خالين الوفاض ومن دون أثمان تذكر.

قراءات أخرى للموقف الروسي لم ترَ الأمر بهذا الحجم وبتلك الأهمية الاستراتيجية، بل انشغلت بتحليلات تكتيكية «شبه تجارية». فالثمن الذي يريده الروس ممكن أن يدفع لهم خليجياً أو أورو – أميركياً وعليه يكون الروس غطاء وواجهة للموقف الغربي الذي يختبئ خلف عنادهم. فالغرب أصلاً لا يريد الحل في سورية ولا يريد سقوط النظام من دون أن يبرز بديل واضح المعالم يضمن الأمن والسلام في المنطقة ويضمن مصالح إسرائيل، ومن ثم الغرب، كما يفعل النظام الحالي.

تأخذ كل تلك التحليلات حيزاً معقولاً من الصواب، إلا أن المشهد المتشابك يغدو أكثر بساطة إذا نظرنا إليه من زاوية أبعد قليلاً، تحتوي ما سبق من دون أن تلغيه، وهي معاداة الروس التاريخية (والصينيين أيضاً) لكل ما يسمى ثورات ديموقراطية في العالم، والتي تقترب اليوم نحو تهديد كياناتهم الهشة داخلياً وغير الديموقراطية أساساً، وفي مرحلة صعود تاريخي لتلك الدول غير مقرون بالديموقراطية والحريات الأساسية لشعوبها. فإذا تذكرنا أن الصين ألغت كلمة مصر على الإنترنت أثناء الثورة المصرية، وأن روسيا تواجه إرهاصات ثورة ضمن دورية مدفيديف وبوتين القيصرية، سندرك أن الدفاع الروسي عن النظام السوري هو دفاع وجودي من الدرجة الأولى يتخطى الدفاع عن المصالح الجزئية أو ردود الفعل العقابية تجاه الغرب. بمعنى آخر، «استراتيجية المصالح» الروسية تعود إلى «استراتيجية المبادئ» وتندرج ضمنها ثم تتفرع منها وليس العكس، ونحن لا نتحدث عن المبادئ بمعنى أخلاقي بل ضمن إطار نظرة روسية إلى العالم؛ معمول عليها منذ عهد النظام الشمولي السوفياتي ويحاول بوتين مدّها بأسباب الحياة؛ ترى في الثورات الشعبية الحديثة أسساً ديموقراطية غربية معادية. ومثال أوروبا الشرقية يبقى حاضراً بكل قوته وتهديده في أعين الساسة الروس، لذلك فإن ما يقوله الروس حول عدم تمسكهم بالأسد شخصياً صحيح، لأن ما يعنيهم هو النظام، والمبدأ الحاكم للنظام، وليس الشخص، لكن الأصح من هذا وذاك هو عداؤهم الكلي والجوهري للثورة السورية وتمسكهم بإفشالها ونزع شرعيتها، ومن خلف ذلك نزع الشرعية عن كل ما يسمى ثورات الربيع العربي، لمصلحة تصوير الثورات باعتبارها تمردات انقلابية مدعومة من الخارج ولخدمته وخدمة مصالحه، ومن دون أن يكون لإرادة الشعوب التواقة للتحرر والخلاص من أنظمتها الديكتاتورية أي اعتبار.

إن ترحيب روسيا بالمنبر الديموقراطي وبهيئة التنسيق من قبله، مقابل نبذها الأساسي للمجلس الوطني الذي ارتبط تمثيله للشارع بتعبيره عن مطالبه الجذرية برحيل الأسد ونظامه عن الحكم، لا يُقرأ إلا ضمن استراتيجية الرؤية الروسية التي تصر على تحويل الثورة إلى قضية تفاوض سياسي ضمن موازين القوى على الأرض في إطار الصراع على السلطة، وهو ما تسميه صراع «الأطراف المتقاتلة»… وقضية تفاوض سياسي دولي مع الغرب لمصلحة تطبيع النظرة الروسية ذاتها بما تحتويه من امتيازات قريبة وبعيدة. كما أن التركيز على المعارضة التي ترفض التدخل الدولي، لا سيما الغربي، قطعياً وبصرف النظر عن الدمار الحاصل والمستمر بوتائر متصاعدة، ليس سوى إضفاء الشرعية على الرؤية الروسية المتطابقة مع رؤية النظام للحل، تلك الرؤية التي تؤكد شرعية النظام وضرورة الحوار السياسي معه ضمن شروطه المفروضة بقوة السلاح الروسي عينه، وليس ضمن شروط الثورة ومعطياتها الجديدة وما أفرزته من قوى معارِضة تعبر عنها.

لذلك كله، لن تغير «روسيا بوتين» موقفها حيال الثورة السورية، فهو موقف مبدئي يتشابه إلى حد بعيد مع موقف الأسد الأب «المبدئي» حيال الصراع العربي – الإسرائيلي، والمعروف بـ «رواية» الســلام العادل والشامل ومبدأ الأرض مقابل السلام. وهو مثله أيضاً يُستفاد منه بمسألتين مهمتين، القمع الداخلي والسيطرة والامتيازات الخارجية، أما نتيجته فهي إبقاء الوضع على ما هو عليه واستمرار الديكتاتورية بإنتاج صروف الحياة، ومن يراهن على تغيير الموقف الروسي اليوم، كمن يراهن على الإصلاح الذي بدأ فيه النظام مع بداية الثورة، لن يجني سوى الخراب والخيبة. وللمناسبة فإن القوى ذاتها التي راهنت على الإصلاح والحوار هي التي صعَّدت مواقفها فاختارت الحل الروسي للأزمة. لكن ما يريده الروس وما يريده النظام خارج عن الميل التاريخي الجديد لشعوب المنطقة وبعيد عن إرادتها، كما أنه لن يجد مصيراً أفضل من «مزبلة التاريخ».

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى