صفحات العالم

الوعد الأميركي حول تسليح الأكراد: إعلان تركي مشكوك بفاعليته/ باسم دباغ

 

 

استمر التوتر بين تركيا والولايات المتحدة في ظلّ إصرار الأخيرة على استمرار تقديم الدعم لقوات حزب “الاتحاد الديمقراطي” (الجناح السوري للعمال الكردستاني) في سورية، رغم انتهاء الحرب عملياً على تنظيم “داعش”، ورغم حديث وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، عن تعهد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خلال المكالمة التي أجراها مع نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، بـ”وقف تقديم السلاح للحزب”، إلا أن فقدان الثقة بدا واضحاً من خلال تصريحات نائب رئيس الوزراء التركي، بكير بوزداغ، أمس الإثنين.

وفي المقابلة التي أجراها مع إحدى القنوات الخاصة التركية الموالية للحكومة، دعا بوزداغ الإدارة الأميركية إلى “اتخاذ خطوات واضحة في إطار وقف تقديم السلاح للاتحاد الديمقراطي”، مضيفاً أن “الولايات المتحدة ستخدع العالم إن لم تتوقف عن تقديم الأسلحة لمليشيات الاتحاد الديمقراطي”. وأوضح قائلا “نحن بحاجة إلى أن نرى انعكاساً ملموساً على الأرض فيما يتعلق بالبيانات”، في إشارة إلى بيان البيت الأبيض حول إبلاغ الرئيس الاميركي لنظيره التركي، حول “قيام واشنطن بتعديل للدعم العسكري للشركاء على الأرض في سورية”.

وبدت تصريحات بوزداع انعكاساً واضحاً لفقدان الثقة بين الجانبين، بعد الوعود الكثيرة التي قطعتها الولايات المتحدة لتركيا ولم تلتزم بها، وكان أكبرها، الوعود التي تناولت انسحاب قوات “الاتحاد الديمقراطي” من منطقة منبج بعد طرد “داعش”، الأمر الذي لم يتم رغم الضغوط التركية الكبيرة.

وعلى الرغم من إعلان وزير الخارجية التركية عن تعهّد الإدارة الأميركية بـ “وقف تقديم السلاح لمليشيات الاتحاد الديمقراطي، التي تمكنت من السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي السورية بدعم من التحالف الدولي ضد داعش”، إلا أن بيان البيت الأبيض حول المكالمة بين الرئيسين، حمل عددا من الإشارات المتناقضة في هذا الأمر.

وبحسب بيان البيت الأبيض، فقد “أكد الجانبان على الشراكة الاستراتيجية بينهما، وعلى التعاون في محاربة جميع التنظيمات الارهابية، مشدّدين على حلّ الأزمة السورية عبر الطرق السياسية بموجب قرار مجلس الأمن 2254، وبدعم المفاوضات بإشراف الأمم المتحدة في جنيف”. وعلى خلاف حديث وزير الخارجية التركي، لم يشر البيان إلى “وقف تقديم السلاح لقوات الاتحاد الديمقراطي أو قوات سورية الديمقراطية”، بل إلى تعديلات منتظرة في الدعم العسكري “لشركائنا على الأرض”، من دون الخوض في هذه التعديلات. أما أردوغان فاكتفى بالتعليق على المكالمة على حسابه على موقع “تويتر”، بالقول “أجرينا مكالمة هاتفية مثمرة مع رئيس الولايات المتحدة ترامب”.

وعلى الرغم من أن الرئاسة التركية لا تشارك، عادة، صورا لمكالمات الرئيس التركي مع زعماء الدول الأخرى، كان من اللافت مشاركة الرئيس التركي لصورة لمكتبه في القصر الرئاسة للعاصمة التركية أنقرة، خلال إجراء المكالمة، صورة حملت العديد من الرسائل. وأظهرت الصورة حضور المكالمة كل من جاووش أوغلو، ورئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان، والمتحدث باسم الرئاسة إبراهيم كالن، ومدير مكتب أردوغان، حسن دوغان، ومستشار الرئاسة حمدي كليتش.

ومن بين رسائل الإصرار التركي على ضرب “العمال” الكردستاني مهما كلف الأمر، ظهرت في المكتب راية الفرقة 57 من الجيش العثماني، التي قتل جميع أفرادها خلال معركة جناق قلعة 1915 (حملة غاليبولي) في الحرب العالمية الأولى (1014 ـ 1918). معركة تمكن خلالها الجيش العثماني من هزم القوات البريطانية والأسترالية والنيوزلندية والفرنسية، التي حاولت احتلال مدينة إسطنبول، إضافة إلى ذلك، ظهر تمثال مصغّر لنصب شهداء 15 يوليو/تموز 2016، الذين سقطوا خلال مقاومة المحاولة الانقلابية.

ورأى مراقبون، أن “بيان البيت الأبيض لا يعني بداية تغيير في الاستراتيجية الأميركية في سورية، المعتمدة بشكل أساسي على تحالفها مع قوات الاتحاد الديمقراطي، لأنه لم يتحدث عن وقف تقديم السلاح، فالمرحلة المقبلة لا تستوجب، بطبيعة الحال، أي تقديم إضافي للأسلحة، خصوصاً أن قوات الاتحاد الديمقراطي تملك ما يكفيها من الأسلحة، ولم تضطر للدخول في معارك حقيقية تستوجب استهلاك السلاح. كما لا تلوح أي معارك حقيقية في الأفق مع داعش، الذي فقد قدرته على المناورة تحت وطأة سلاح الجو الأميركي، الذي تولى معظم مهمة تدمير التنظيم”.

في غضون ذلك، بدت تحركات الإدارة الأميركية، كمحاولة لامتصاص غضب الأتراك، ومنعهم من الانسياق بشكل أكبر نحو المحور الإيراني الروسي، الآخذ بالتبلور في محادثات أستانة وقمة سوتشي، والذي منح أنقرة العديد من المكاسب، في ظل تشدّد واشنطن في منح أي مكاسب على الأرض لحليفتها في حلف شمال الأطلسي، كان أهمها عملية درع الفرات”.

كذلك علم الأميركيون استحالة استمرارهم في سورية دون إرضاء الأتراك، لأن تحالف أنقرة مع كل من واشنطن وموسكو، مع تلويح الرئيس التركي بالتحالف مع النظام السوري ضد الجناح السوري للعمال الكردستاني، قد يحوّل مكاسب واشنطن في سورية خلال الحرب على “داعش” إلى كابوس لن يقل عن الكابوس الأميركي بعد غزو العراق (2003). ومناطق سيطرة “الاتحاد الديمقراطي” والأميركيين تكاد تكون محاصرة بكل من إيران وتركيا وروسيا، وسط موقف عراقي واضح برفض أي فيدرالية في سورية قد تقوي في المستقبل إقليم كردستان العراق.

وما عزز عدم الثقة التركية بالإدارة الأميركية الحالية، هو أن الأخيرة، ورغم المجاملات التي سوّقها ترامب لأردوغان في كل مناسبة، خذلت أنقرة، وبدت إدارة برؤوس عدة في عدد من أزمات المنطقة وكان آخرها أزمة حصار قطر، مع تصرف البيت الأبيض بشكل منفصل عن كل من وزارة الدفاع والخارجية الأميركية، فبينما دعم ترامب دول الحصار على قطر، اتخذت الدفاع والخارجية موقفاً مخالفاً لموقف البيت الأبيض. الأمر الذي تكرر بعد مكالمة ترامب ـ أردوغان.

وبما بدا استمرارا للرسائل المتضاربة، نقلت قناة “سي أن أن” الأميركية عن مسؤولين أميركيين قولهم إن “عدد القوات الأميركية في سورية يصل إلى 2000 فرد، معظمهم من أفراد القوات الخاصة”، مشيرة إلى أن “البنتاغون سيعلن في الأيام القريبة المقبلة بشكلٍ صريح عن عدد العسكريين الأمبركيين في سورية”. وكان ممثل هيئة الأركان المشتركة الأميركية، كينيث ماكينزي، قال في تصريحات سابقة إن “عدد القوات الأميركية في سورية يبلغ نحو 500 فرد”.

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى