صفحات الناس

اليرموك: الغذاء كلاب وقطط/ متولي أبو ناصر

أعلنت الفتوى التي كان الناس  ينتظرونها منذ شهر. على منبر جامع فلسطين في مخيم اليرموك المحاصر منذ تسعين يوماً حصاراً كلياً، وبعد فقدان الطعام من المخيم ومن المناطق المحيطة به ولا سيما الحجر الأسود ويلدا والبويضة ومخيم سبينه وقدم عسالي، أجازت الفتوى التي أطلقها بعض شيوخ تلك المناطق أكل القطط و الحمير والكلاب من قبل المحاصرين في هذه المناطق بعد أن بلغوا مرحلة الاضطرار المفضي الى الهلاك.

من لا يعرف سكان هذه المناطق؟ هم الفقراء والمنسيون والبؤساء من أبناء الجولان النازح ومن الفلسطينيين المنكوبين منذ أكثر من ستين عاماً. شاركوا مع أول صرخة حرية في الحميدية والأمويين باب شرقي والميدان، فنالهم نصيب من كل سياسات النظام العقابية بما في ذلك الحصار الكلي.

منذ شهر تقريباً كانت ستخرج هذه الفتوى الى النور لولا وجود بعض المؤن التي كان الناس يحتفظون بها قبل بدأ الحصار، وبسبب اعتمادهم على تناول أوراق الشجر القليلة في المخيم ويلدا كغذاء وعلاج لتليين المعدة التي أنهكها العدس المجروش ولتعويض النقص في الفيتامينات التي يتطلبها الجسم. لكنه فصل الخريف وظلم السماء.

 الجميع ينتظر فصل الخريف لأن على بوابته يبدأ فصل الخصب والحياة، إلا أبناء المنطقة الجنوبية لأقدم عاصمة في التاريخ، كانوا يصلون كي لا يأتي، يبست أوراق الشجر ويبست معها تلك الأمعاء الخاوية والأفواه الجافة إلا من الأمل بمستقبلٍ لا ظلم فيه.

ذبحت أول ثلاثة كلاب في مخيم اليرموك. كانت الزاد الوحيد لأبٍ تنبأ منذ شهر أن هذا اليوم لا محال قادم، وأنه حتى الحيوانات سوف تنفق بسبب الجوع وأن النظام لن يرفع الحصار ولو جزئياً عن المخيم حتى يستسلم من فيه، أو يفنى من بداخله، وأنه سوف يأتي يوم نحتفظ فيها “بجثث شهدائنا لنطعم أولادنا من لحمهم”.

يقول أبو حمزة، أحد شباب الجيش الحر لـ “المدن”، “الوضع ما عاد يحتمل والناس شوي ثانية رح توكل بعضها من الجوع. ويضيف “هو هيك النظام بدو، نحنا مطولين بالنا وما عم نقصف اماكن المدنيين بقلب العاصمة، نحن منتحمل بس الأطفال ما بتتحمل، والكل متفق هون إذا الحصار ما بيرفع رح نضرب على جنب وطرف وما عاد كتير مهم مين بيموت”.

وختم حديثه قائلاً “الناس يلي قاعدة بحضن النظام ما عم بتحس فينا بالأصل، ولا تقلي مدنيين، صارلنا على ها الوضع أشهر، وهون كمان في مدنيين وفوق القصف اليومي كمان جوع، وبعدين ليش بالأساس في حيوانات حتى نوكلها”.

أما سامر ابو مصعب، فاستحضر بتهكم ذاكرته أثناء خوضه لحرب المخيمات في لبنان قائلاً : “زمان أكلنا الحيوانات هذا مو جديد علينا، الجديد أنو معنا أطفال، والشغلة الثانية الجديدة أنو هون رجعنا لزمن المبادلة”.

وشرح ما يعنيه قائلاً “أول البارحة بدلت 3 كياس برغل بدجاجة، يعني هي مو دجاجة دجاجة، يعني جاجة مساوية رجيم، بتعرف أنو حقها كلفت تقريباً 2500 ليرة سورية و حقوا الرجل يلي باعني ياها أنو يطلب هذا السعر، هو من فلاحين يلدا ويلي عندو  كم وحدة، يعني ثروة هاي الأيام”. وعن أكل الحيوانات قال أبو مصعب “العالم بفتوى أو من دون فتوى كانت رح توكل أي شي”.

الفتوى خرجت الى النور بعد يوم واحد من زيارة مبعوث الرئيس الفلسطيني، عباس زكي، لدمشق لبحث الأوضاع الإنسانية التي تعيشها مخيمات سوريا ومن ضمنها اليرموك المحاصر.

زكي صرح بما مفاده أن بعض المجموعات المسلحة التي تحارب النظام في سوريا تريد تدمير المخيمات كشاهد على ما ارتكبه العدو الإسرائيلي بحق شعبنا، وأن المخيمات تعيش حالة مأساوية بسبب بعض الميليشيات المسلحة التي لها أجندات تتقاطع مع المصالح الإسرائيلية، وأن الجيش السوري يرفض دخول المخيمات كي لا تكون هناك جرائم مفتعلة باسم الجيش.

سبق كلام زكي تصريح آخر، ولكن أكثر قسوة لعضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية، المناضلة ليلى خالد، بررت فيه حصار المخيم بأن الذين يقاتلون هناك هم أفغان وأجانب و ليسوا سوريين أو فلسطينيين، وأنه لا وجود إلا لأعداد قليلة من اللاجئين.

ألا يعلم زكي وخالد أن غالبية قواعد و كوادر فتح والشعبية لم يخرجوا من المخيم. ألا يعلم الرئيس الفلسطيني، أن فتح قدمت اثنين من أعضائها في قيادة إقليم سوريا شهداء على يد النظام السوري، أحدهم عضو مجلس ثوري من أبناء مخيم اليرموك.

في المقابل، يعلم أبناء المخيمات في سوريا جيداً ماذا قدمت الفصائل ولا سيما السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير.

في أول زيارة للجنة التنفيذية للمنظمة وأثناء وجودها في القصر الرئاسي السوري، كان المخيم يقصف من قبل النظام بصواريخ أرض – أرض وهذا قبل دخول “الميلشيات المسلحة”، واستشهد يوها 21 شاباً وامرأة وطفل.

في الزيارة الثانية للوفد وأثناء اجتماعهم مع القيادة السورية، حوصر المخيم جزئياً. وفي الزيارة الثالثة عندما وزعت المنظمة ما قيمته 1500 ليرة سورية لكل عائلة أي ما قيمته شراء كيلو برغل واحد في هذه الأيام داخل المخيم، حوصر المخيم حصاراً كلياً. و بعد الزيارة الأخيرة تخرج فتوى أكل الحيوانات.

هل هي مصادفات، أم أنها مصالح السياسة والسياسيين. ما يحدث من تغيرات في المواقف الأخيرة يدلل على أن هناك صفقات كبيرة تحدث تحت الطاولة.

القيادة العامة مرابطة على الخط الأول وقبل قوات النظام في حصار المدنيين في جنوب دمشق، وفتح الانتفاضة وبمساندة جزء من عشيرة الشمالنة تحاصر مخيمات الحسينية وسبينة والسيدة زينب. وشاركت بفاعلية في دخول مخيم الحسينية وقتل اللاجئين هناك. و”حماس” تتجه مرة أخرى الى أحضان النظام ودمشق تشترط استثناء رئيس الحركة، خالد مشعل من المعادلة. أما الجهاد الإسلامي فيستثنى من المعادلة لأنه مشغول بمناسك الحج، بينما الناس في جنوب دمشق وتحديداً في مخيم اليرموك الأهالي صامدون وبانتظار فتوى قادمة قد تجيز هذه المرة أكل لحم موتاهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى