صفحات الناس

عن الانتخابات الرئاسية في سورية

 

 

 

الحاجة صبيحة وأبو عنتر يقترعان/ إيلي عبدو

تحول صندوق إقتراع الإنتخابات الرئاسية في حلب، للتصويت على سحب الجنسية من الرئيس السوري بشار الأسد، وفق شريط فيديو بثه “المرصد السوري لحقوق الإنسان” رداً على ما أسماه “مهزلة” الإنتخابات في سوريا. وكتب على الصندوق الذي طلي باللون بالأحمر: “هل توافق على سحب الجنسية من المجرم بشار؟” ليتوافد المواطنون إلى وضع أوراق كتب عليها موقفهم في الصندوق.

لم يكن هذا الشريط الوحيد الذي جرى تداوله في مواقع وصفحات المعارضة للتعبير عن رفض خطوة الإنتخابات واعتبارها غير شرعية. فقد استعاد معارضون مقاطع ساخرة من الدراما السورية يظهر في إحداها الممثل ناجي جبر “أبو عنتر”، ويحيل نفسه، بشكل كاريكاتوري ناقد، إلى السلطة الإستبدادية التي تسخر من شعبها عبر تزوير الإنتخابات. المقطع المأخوذ من مسلسل “الأصدقاء”، وتداوله الناشطون بكثافة، معبرين فيه عن رؤيتهم لما يجري في سوريا تحت تسمية “انتخابات ديموقراطية”.

وإلى جانب مقاطع الفيديو، أطلق الناشطون المعارضون هاشتاغ “إنتخبوا القاتل”، ونشرو صوراً تظهر أطفالاً رفعوا لافتات كتب عليها “إنتخبوا من قتل الطفولة” و”إنتخبوا من قتل أمي”، إضافة إلى عدد من الصور التي تظهر ضحايا القصف النظامي على حلب ومدن سورية أخرى. كما سعى الناشطون إلى نقل أحوال الشارع السوري المقاطع للإنتخابات، إذ كتبت إحدى الصفحات “شوارع ‫‏دمشق خالية من المارة، وإقبال ضعيف جداً على المراكز الانتخابية”.

كما تم إجبار الموظفين على الإنتخاب وقد وردت أنباء عن نية لتجميعهم للخروج بمسيرة مؤيدة إستكمالاً لانتخابات الدم”. فيما كتبت صفحة ثانية “من يرغب أن يكون شريكاً في سفك دماء شهداء ودماء الشعب السوري، فليذهب للمشاركة في الإنتخابات”. وتداولت الصفحات الموالية صورة لافتة كتب عليها: “صوتك يساوي دم الشهيد، صوتك يساوي دم المعتقل، صوتك يساوي تهجير عائلة”.

في المقابل، تشاركت الصفحات المؤيدة في “فايسبوك” صورة الرئيس السوري بشار الأسد لحظة إدلائه بصوته في إحدى مدارس دمشق. الصورة التي بدت فيها زوجة الأسد أيضاً، جرى استخدامها من قبل مناصري النظام كوسيلة لتشجيع الناس على المشاركة بالإنتخابات. وللغرض ذاته، أطلق هاشتاغ “إنتخبو الأسد” فكتب أحدهم: “يهددنا التكفيريون بالقذائف. لن نخشاهم، وسننزل جميعا للإنتخاب”. فيما أعلن آخر الإنتصار “ببركة دماء الشهداء ودموع أمهاتم”.

وبهدف تدعيم حملة الثقة بالإنتخابات، أطلق الموالون أيضاً هاشتاغ “سوريا تنتخب”. وبثت صور مختلفة تظهر السوريون وهم يدلون بأصواتهم في عدد من المدن والمناطق السورية. في حين نشرت صفحة “الوعد الصادق” المؤيدة، صور من مطار دمشق الدولي تظهر أعدداً من المتوافدين من الخارج للمشاركة في الإنتخابات. كما تداول مناصرو الأسد صورة سيدة عجوز تدعى “صبيحة”، تتحضر للإدلاء بصوتها، في إشارة إلى إصرار جميع الشرائح المجتمعية على المشاركة في العملية الإنتخابية.

المدن

 

 

 

“الديكتوقراطية” في سوريا/ جاد مطر

موقع “NOW” جمع شهادات من طلاب وموظفين وجنود عن أساليب ترغيب وترهيب يتّبعها النظام لإرغام المواطنين على المشاركة في الانتخابات

الأسد يُدلي بصوته في مركز اقتراع في حي المالكي وسط دمشق.(سانا)

“اتصلوا بي من القطعة، وسجّلوا معلومات عنّي وأبلغوني أنهم سيقترعون بورقة بإسمي …”، هكذا روى أحد الجنود في قوات النظام السوري كيف اقترع لمصلحة بشار الأسد دون أن يذهب حتى إلى “مسرحية” الانتخابات.

حسام لم يذهب لتقديم امتحاناته الجامعية. “فعناصر أمن النظام ربطوا الدخول الى قاعة الامتحان بالتصويت لبشار الأسد”، قال الطالب الجامعي، مشيراً إلى أنه فضل الرسوب على الاقتراع للقاتل.

وعلى الرغم من أن بقاء بشار الأسد رئيساً للنظام السوري لولاية ثالثة حُسِم، وكان غياب، حتى شكلي، للمرشحين الآخرين ماهر الحجار وحسان النوري، فإنّ النظام ابتكر أساليب عدة – عدا القبضة الأمنية المباشرة – لجعل الناخبين في المناطق الخاضعة لسيطرته ينتخبون الأسد حصراً، ما حوّل الديمقراطية إلى “ديكتوقراطية”.

تحدث عبر مندوبيه إلى شهود عيان من سوريين – بعضهم ناشط سابق ضد النظام – في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في دمشق وحلب وحمص وحماه، وصولاً إلى الساحل السوري، حيث الغالبية العلويّة. الخوف من الاعتقال إذا لم يشاركوا في الانتخابات، كان القاسم المشترك بينهم. وقد أوضح “زياد” القاطن في دمشق أنّ “شبيحة النظام” هددوا الناس وفق معادلة تقضي بأن من لا يشارك في الانتخابات والمهرجانات الانتخابية للأسد هو “مع الإرهاب والتكفيريين”، وهذا يعني تلفيق أي تهمة له واعتقاله.

وتحدّث شاب عشريني، عن بدء عمليات “انتساب” جديدة إلى حزب البعث بين الطلاب، وأنه في حمص تحديداً، لا يتورع الجنود على الحواجز من بيع صور الأسد بخمسين ليرة سورية للصورة الواحدة.

ويؤكد ناشط في أعمال الإغاثة من الغوطة أن مجموعات “حزب الله” والميليشيات العراقية، شاركت في حملة الأسد ورفع صوره. وأفاد موظّف حكومي أنّ الموظفين منعوا من الإجازات يوم الانتخابات الرئاسية، ونقلوا في حافلات إلى مراكز الاقتراع. أما الطلاب فحُددت امتحاناتهم في اليوم نفسه لضمان اقتراعهم للأسد في المراكز الانتخابية داخل الجامعات”.

في هذا السياق، يهزأ شاب سوري (26 عاماً) من إحدى مدن الساحل السوري ذات الغالبية العلوية، من الانتخابات، وقال لموقع “NOW” ضاحكاً: “نعم انتخابات حرّة، لكنك مجبر على أن تنتخب، وأن تنتخب بشار حصراً”، مضيفاً: “أرأيت؟ إنها انتخابات نزيهة”!.

الشاب طلب عدم الكشف عن أي معلومات عنه خوفاً من أي انتقام، خصوصاً أن “هنا (في الساحل)، الناس يعبدون بشار، بل إن بعضهم يطالب أن يكون للشهداء (من الطائفة العلوية) حق التصويت بالانتخابات، وهذا سيحصل في غالب الظن”، مردفاً: “هذه ديكتوقراطية وليس ديمقراطية”.

وأضاف: “الأجواء هنا احتفالية كما كانت في لبنان يوم الانتخاب. لا مسيرات انتخابية إلا لبشار”، قائلاً: “النظام ليس بحاجة لأي إجراءات لإجبار الناس هنا على انتخاب بشار، أما في دمشق مثلاً، فيتم تهديد الناس برزقهم ووظائفهم”.

دمشق وريفها

حسام (25 عاماً – طالب جامعي) أكد لـ”NOW” أن الموظّفين “نقلوا في حافلات إلى أقرب مركز اقتراع، ومن غير المستبعد أن يستخدموا في مسيرات تأييد لاحقاً”. وأضاف أن “أي مواطن كان يعبر أي حاجز للنظام يوم الانتخاب وإصبعه لا يحمل صباغ الانتخابات (دليل التصويت)، أُجبر على التوجّه إلى أقرب مركز اقتراع للمشاركة”.

وأكد حسام أنه لم يشارك في الانتخابات، مضيفاً: “الأسد سينجح ولا يحتاج إلى صوتي أو صوت أي منا”. وأشار إلى أنه ألغى المواد التي يصادف يوم الامتحان فيها يوم الانتخاب، مردفاً: “سيكون علي التزام المنزل وعدم التنقل لنحو أسبوعين، خصوصاً أنني اعتقلت مرتين في السابق”.

موظفة في القطاع الخاص تسكن في منطقة المالكي الراقية، أكدت أن “الشبيحة جالوا على المحال، حتى في الأحياء الراقية مثل المالكي والحمرا وأبو رمانة، وألصقوا فيها صوراً لبشار، وبالطبع لن يجرؤ أحد على إزالتها”، مضيفة أن “اللافتات المنتشرة في شوارع دمشق دعماً للأسد فُرضت على أصحاب المؤسسات”.

ولفتت في حديثها إلى “NOW”، إلى أن “المصرف المركزي أجبر كل المصارف على تخصيص مبالغ دعم للانتخابات”، علماً أن المصرف المركزي “رفض إعطاء المصارف إثباتات رسمية على تلقيه هذه المبالغ، بل منحها مجرد وصل مالي من دون أن تعرف المصارف وجهة صرف هذه المبالغ”.

وتحدثت عن “مشاركة ميليشيات حزب الله والعراقيين في الحملة الانتخابية للأسد”، مضيفة أن “الأوقح هم العراقيون الذين يسألونك باستفزاز حين تعبر حواجزهم: أين الصورة؟ في إشارة إلى صورة الأسد اذا لم تكن ملصقة على زجاج السيارة كإعلان ولاء للنظام”.

طالب جامعي يسكن حي الميدان، أكد لـ”NOW” حوادث إجبار الناس على تعليق صور وشعارات التأييد للأسد في كل دمشق، وتحدث عن مشهد كان شاهداً عليه حين “دخل أحد الشبيحة إلى محل فيه صورة معلقة لبشار، ورغم ذلك طلب من صاحبه أن يزوره في المركز الأمني ليعطيه صورة أجمل”!

حمص

أورهان طالب جامعي يسكن في حمص، تحدّث لـ”NOW” عن ظاهرة جديدة في المدينة: “على حواجز النظام، يفرض عليك الجندي أخذ صورة لبشار، وبعد عظة يلقيها عن الانتخابات وكونها واجباً وطنياً، يطلب منك 50 ليرة سورية ثمناً للصورة”.

وكشف أن الضغوطات لإجبار الناس على الإنتخاب تمارس بشتى الوسائل، قائلاً: “على سبيل المثال، إذا كانت لديك معاملة رسمية، فسيتم إبلاغك أن إنجازها رهن بانتخابك بشار، لكن الضغط الأكبر يقع على الطلاب الذين يتم إبلاغهم عند تسلم بطاقات المشاركة في الامتحانات أنهم سيمنعون من تقديم الامتحانات إذا لم ينتخبوا”.

عبادة (23 عاماً) وهو طالب جامعي يسكن أيضاً في حمص كشف عن حملات لإعادة ضم الطلاب إلى حزب البعث”، موضحاً: “قائد الفرقة الحزبية في إحدى كليات جامعتي، اتصل بصديقي وأبلغه بضرورة مراجعة الفرقة ضمن الكلية لتثبيت عضويته في الحزب قبل 3 حزيران”.

حلب

يارا وهي طالبة في “جامعة الثورة” في مدينة حلب أكدت لـ”NOW” أن “الاعتقالات العشوائية على الحواجز طالت كل من هناك شك في ولائه للأسد”، وتوقعت إجبار الطلاب على الانتخاب “خصوصاً أن الشبيحة يدخلون بأسلحتهم إلى الحرم الجامعي”.

ونفت أن يكون هناك إرغام على الانتساب للبعث لكن الترغيب موجود إذ “من ينتسب للحزب، يحصل على راتب وامتيازات أهمها هوية حزبية تخوّل صاحبها صلاحية المرور عبر الحواجز من دون تفتيش، وأن يصبح صاحب نفوذ وخارج المحاسبة”.

حماه

شاب مؤيد للثورة ويعيش في مدينة حماه أكد لموقع “NOW” أن حماه “تشهد حالياً تشديداً أمنياً كبيراً في الشوارع وعلى مداخل ومخارج المدينة خوفاً من أي عمليات يقوم بها الجيش الحر”. وأشار إلى أن محافظ حماه غسان خلف أصدر قراراً بمنع غياب أي مدرس أو موظف يوم الثالث من حزيران مهما كان العذر مع التهديد بالفصل.

الجيش

تحدث جندي في إحدى الفرق الخاصة في جيش النظام إلى “NOW” مشدداً على عدم ذكر إسمه أو حتى مدينته، قائلاً: “نحن في الجيش صوّتنا لبشار بشكل إجباري شئنا أو أبينا”. وقال إن “في كل قطعة عسكرية يقيمون احتفالات “بالروح بالدم نفديك يا بشار”، ويحضرون صندوق الاقتراع ونقترع جميعاً بالدم لبشار”.

وأضاف الجندي الذي خاض معارك ضد الثوار في كل من درعا ودمشق وحمص أنه في إجازة نتيجة إصابة، مردفاً: “مع ذلك اتصلوا بي من القطعة، وسجلوا معلومات عني وأبلغوني أنهم سيقترعون بورقة بإسمي”. وتابع: “طبعاً صوتي لبشار. في الجيش يعتبرون أننا عبيد ولا قرار لنا”.

موقع لبنان ناو

 

 

 

الأسباب النفسية لـ”الزحف المقدّس” إلى “انتخابات” الأسد/ جابـر بكـر

أدهشت مشاهد الناخبين السوريين في 39 بلداً من بلاد الاغتراب واللجوء مُوالي النظام قبل معارضيه. غبطة النظام ظهرت جلية في تقارير التلفزيون الرسمي. وصف الحدث “بالزحف المقدّس” و”الصورة الأسطورية”، وكاميراته تجول بين الناخبين ملتقطة الوجوه والخيارات.

هكذا جهاراً نهاراً نقل التلفاز بصمات بالدم لبشار الأسد من بلاد يقطنها مئات آلاف اللاجئين السوريين. في لبنان كان “الكرنفال الجماهيري” بحسب السفارة السورية في انتخاب استمر ليومين. وفي لبنان أيضاً أكثر من مليون ونصف المليون لاجئ سوري. ومن المملكة الأردنية “كانت الجموع التي لم تأبه لخيار طرد السفير”، وفيها أيضاً تجاوز عدد اللاجئين السوريين المليون لاجئ.

جرى الحديث عن أكثر من 200 ألف ناخب في تلك البلاد جميعاً. ولكن لماذا ينتخب هؤلاء؟ وكيف لهم أن يختاروا من دمر البلاد ليحافظ على كرسيه فقط؟ ومنهم من ذهب الى التخوين والمطالبة بإعادة الناخبين إلى سوريا. فهؤلاء لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فلماذا يختبئون في بلاد اللجوء؟

وقبل الخوض في بحث سبب ما حدث أو بأقل تقدير السبب النفسي لما حدث، يتوجب التنويه إلى افتقار الجميع إلى معلومات أكيدة تبرهن أن كل من انتخب سوري، وأن كل سوري وُجد هناك كان لأجل الانتخاب. ومن ثم نخوض في “الميكانيزمات النفسية” التي لا يمكن دراسة حالة الإقبال على الانتخابات في لبنان أو الأردن بمعزل عن معرفتها، بحسب تصريح المحللة النفسية هنادي الشوا.

“رُهاب”

“الرهاب الذي يعيشه السوري منذ عقود لا يمكن التخلّص منه بين ليلة وضحاها”، بهذا يمكن اختصار المشهد الاجتماعي النفسي العام لدى السوريين اليوم، بحسب تحليل عزام أمين، المتخصص بعلم النفس الاجتماعي، والذي أكد بأن “الرهاب لا يقتصر على المعارضين الخائفين على حياتهم وما تبقى لهم من ذويهم، ولكنه أيضاً أصاب الموالين الذين شاهدوا عنف النظام ومدى إجرامه وقدرته على اختراق كل القيم والأخلاق”.

حالات الخوف الناتجة عن القتل والتدمير ومقاطع الفيديو المسربة لعمليات القتل والتعذيب حتى الموت، تستحيل بعد حين حالة رُهاب عام يكرّس خوف السوريين القديم من الدولة الأمنية التي ما زالت تعيش معهم بوجدانهم. هذا العمق النفسي، برأي أمين، هو ما دفع “هؤلاء للنزول إلى السفارات وفي الداخل، كما دفعهم يوماً ما للدبكة على أنغام الحفلات البعثية سابقاً وفي مناسبات تجديد البيعات والاستفتاءات رغم أن أحداً لم يطلب منهم هذه المبالغة في التعبير عن العشق للنظام ورأس هرمه”.

داخل الأراضي السورية التي تخضع لسيطرة النظام، “الحفلة” ملوّنة بمزيد من الاستعراض للخنوع والرضا والقبول والعشق وإعلان الطاعة، التي يقسّمها أمين إلى قسمين. الأول “الطاعة المباشرة، وهو ما يعبَّر عنه بالعامية “بالصرماية” أي الطلب من الموظفين الانتخاب بصيغة الترهيب لا الترغيب”، أما القسم الثاني وهو ما يمكن تسميته “بالقوة الناعمة” أي الطاعة غير المباشرة، والتي تعطي الفرد نوعاً من الحرية الوهمية مقابل الطاعة التي يبديها للنظام.

أسئلة

ما سبق يصبّ بما سيلحق من أسئلة يتوجب الوقوف عندها كونها تجيب بذاتها على السبب النفسي لما حدث، بحسب الشوا. “فلا يخفى على أحد أن الميكانيزمات النفسية تحددها الحاجات البيولوجية والنفسية ثم الاجتماعية، الحاجة إلى الأمان تُعتبر الحاجة الثانية من حيث أهميتها. فأين هو الأمان عند هؤلاء النازحين المهددين اليوم من أكثر من جهة؟”.

المسألة بالنسبة للمحللة النفسية تحتاج إلى موضوعية لكي نسعى الى البحث عن بدائل أكثر أمناً واستقراراً لهؤلاء الناس الذي عاشوا أربع سنوات من الذل والاغتراب عوض لومهم واتهامهم بالخيانة”.

تختم الشوا “حتى وإن لم نتفق معهم لا يمكننا بحال من الأحوال أن نقرر عنهم طالما أننا لا نتقاسم معهم همومهم اليومية.

 

 

 

مذبحة انتخاب الأسد/ صادق عبد الرحمن

خلافاً لالتزام جميع أنصاره بتوجيهاته عندما أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية، يبدو وكأن أنصار الأسد لم ينصاعوا هذه المرة لتوجيهاته بعدم إطلاق الرصاص ابتهاجاً بالنصر. فقد تحولت جميع المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري إلى ما يشبه جبهة حرب مفتوحة؛ ملايين الطلقات في الهواء من مختلف صنوف الأسلحة. والحصيلة عشرات القتلى والجرحى معظمهم أنصار الأسد.

تحدثت السلطات السورية عن تسعة قتلى وخمسين جريحاً، في مختلف أنحاء البلاد نتيجة الرصاص العشوائي. في حين قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن الحصيلة كانت عشرة شهداء ومائتي جريح، أغلبهم في طرطوس واللاذقية ودمشق. إلا أن الأرقام الحقيقية هي أعلى مما تم توثيقه أو الاعتراف به. ولم يتحدث أحد عن المدنيين الذين أصيبوا بالعشرات، في ريف الساحل السوري على وجه الخصوص. بعضهم لم يصب فقط برصاص بنادق خفيفة، بل برشاشات ثقيلة، أصلت نيرانها، بشكل غير مباشر، عشرات القرى في الجرود والجبال هناك. لقد كانت تلك مذبحة.

وعلى الرغم من آلام عشرات العائلات المنكوبة جراء أفراح الفوز العظيم بولاية “دستورية ثالثة”، فإن الأفراح لم تتوقف؛ حيث نظمت الحفلات وحلقات الدبكة الشعبية، في أغلب مدن وأرياف الساحل السوري في اليوم التالي. وإذا كانت السلطات قد عملت على استبدال الرصاص بالمفرقعات والألعاب النارية، فإن ذلك لم يمنع توقف إطلاق الرصاص تماماً، وحلت مصائب جديدة على عائلات جديدة.

يبدو تصديق توجيهات الأسد لأنصاره، بعدم إطلاق الرصاص ابتهاجاً، غير واردٍ على الإطلاق. فقد كانت الاستجابة مطلقة عند إعلان الأسد ترشحه إلى الانتخابات الرئاسية. كما تؤكده حقيقة أن إطلاق الرصاص الكثيف، بدأ قبل الإعلان عن النتائج بنصف ساعة أو أكثر في بعض المناطق. فضلاً عن ذلك فإنه كان يمكن معاقبة أولئك الذين استمروا في إطلاق الرصاص بعد توجيهات الأسد. ولم يحدث على الإطلاق. وبينما كانت بعض العائلات مشغولة بدفن أو معالجة جراح أبنائها، كان الآخرون بمن فيهم مطلقو الرصاص يواصلون احتفالاتهم، وكأن شيئاً لم يكن.

لا شك أن جميع الأنظمة المستبدة تعمِّدُ طغيانها بدماء خصومها وأنصارها في الوقت نفسه، وهو ما يفعله النظام السوري منذ ثلاث سنوات. وفي الحقيقة منذ ما يزيد على أربعة عقود. و”جمهورية الأسد الجديدة” تبدأ مشوارها بسفك دماء أنصارها، على يد مقاتليها أنفسهم.

أياً يكن الأمر، وسواء كان ذلك متعمداً، أم نتيجة لطبيعة نظام الأسد وتركيبته، فإن النظام السوري يعلن انتصاره على جمهوره قبل خصومه. ويبدو أولئك الذين فقدوا أرواح أحبتهم، أو تعرضوا لإصابات وإعاقات جراء رصاص الفرح العشوائي، أداة هذا الإعلان. ويبدو صمت البيئة المحلية وعجزها إزاء هذه التصرفات، تدشيناً لاستعادة الأسد الإبن هيمنته المطلقة، كما كانت عليه هيمنة الأسد الأب على أنصاره وجمهوره في تسعينيات القرن المنصرم. حينها كان شبيحة “آل الأسد” يطلقون الرصاص ويمارسون السطو في وضح النهار، على الأشخاص أنفسهم الذين لا يوفرون مناسبة لتمجيد القائد الأسد والاحتفاء به.

على موقع التواصل الإجتماعي “فيسبوك”، وفي الأحاديث العابرة، يشير كثيرٌون من أنصار النظام السوري، وأولئك الخاضعون رغم أنوفهم لسلطته بمرارة وغضبٍ لما جرى. فينتقدون أفعال هؤلاء “الزعران” و”البلطجية” و”المراهقين الجهلة”، متوجين عباراتهم وانتقاداتهم بجملٍ من قبيل “أعان الله القائد الأسد على شعبه الأحمق”. هكذا تكتمل صورة الهيمنة والخضوع المطلق للطاغية. فالجميع يعرف أن هؤلاء القتلة هم جنود الأسد، الذي لا يريد ولا يقدر على ضبط تصرفاتهم. هو فقط يبدو قادراً على محاصرة وقتل وسحق من يطالبون بتنحيه عن السلطة، وإذلال خصومه الدوليين مهما بلغت قوتهم.

مع إعلان انتصار الأسد، انتشرت صورة على شبكة الإنترنت، يتداولها أنصار النظام السوري، ويظهر فيها بشار الأسد جالساً على كرسيه، فيما ينحني الرئيس الأميركي باراك أوباما لتقبيل حذائه. هذه الصورة الكاريكاتورية البلهاء، إلى جانب الرضا والاستسلام لتراجيديا الموت المفتوح الذي يتسبب به نظام الأسد، هي تكثيف لصعود نزعة ثأرية مريضة. هذا الصعود الذي قد يكون صعوداً أخيراً يعقبه انهيار شامل. كما يمكن أن يكون تدشيناً لزمن جديد من هيمنة “سوريا الأسد”.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى