صفحات المستقبل

بطولات” النظام

    عبد الكريم أبا زيد

مرت أحداث على سوريا ولم يُعرها الناس الاهتمام الذي تستحق، وأنا أريد أن أقف عند بعضها وألقي عليه الضوء ليبدو للقارئ على حقيقته العارية: مضحكاً مبكياً في آن واحد!

– وجَّه مفتي سوريا الشيخ حسون، بعد اغتيال الشيخ البوطي، نداءً عاجلاً إلى الأمة الإسلامية داعياً المسلمين إلى التطوع للجهاد دفاعاً عن النظام السوري الذي يتعرض لهجمة شرسة من أعداء الإسلام!

سماحته يدعو أكثر من مليار مسلم في جميع أنحاء العالم للتطوع للجهاد دفاعاً عن النظام “العلماني” الوحيد في العالم العربي الذي يتعرض لعدوان “العصابات الإسلامية السلفية”!

الغريب أننا في سوريا، وبسبب القمع المزمن، خلال أكثر من أربعة عقود، لا يجرؤ أحد على تنبيه سماحته إلى التناقضات المضحكة في هذا التصريح! سماحته يطلب من المسلمين في جميع أنحاء العالم أن يتطوعوا للجهاد في سوريا. انتبهوا: للجهاد ضد العصابات الإسلامية السلفية دفاعاً عن النظام “العلماني” الوحيد في المنطقة.

ولله في خلقه شؤون!

– طلبت الجهات المسؤولة من المواطنين الذين تهدمت بيوتهم أو تضررت بسبب الأعمال الإرهابية التي تقوم بها “العصابات المسلحة”، أن يتقدموا بطلبات تعويض، وسترسل الحكومة لجاناً لتقدير الأضرار ودفع التعويضات المناسبة!

نظام يدمّر بطائراته وصواريخه ومدافعه التي دفعنا ثمنها من لقمة عيشنا لتحرير الجولان، يدمر بها بيوت المواطنين، ويتسبب بقتل أكثر من مئة ألف مواطن وإصابة أكثر من مليون، وتهجير ربع السكان في الداخل وفي بلاد الله الواسعة، ثم يطلب من المواطنين ما سمعتموه!

لقد نسي المسؤولون أن يضيفوا: أما إذا تهدم البيت على رؤوس أصحابه ولم يبق منهم أحد على قيد الحياة، فإن التعويض يؤول إلى من هدمه! فهو أحق به.

– أكد مصدر مسؤول في درعا أن إرهابيي “جبهة النصرة” الذين ينتشرون في منطقة درعا البلد، هم من استهدف مئذنة الجامع العمري!

ونشرت إحدى الصحف السورية أن إرهابيي “جبهة النصرة” فجّروا إحدى مآذن الجامع الأموي الكبير في حلب بكميات من المواد الشديدة الانفجار!

لا أريد أن أدافع عن “جبهة النصرة”، ولا أن أنفي التهمة عنها، بل أزيد فأقول إنها ألحقت أضراراً بسمعة الثورة أكثر مما أفادت، إنما أريد أن أشير إلى أن من يهدم مسجداً أو يقتل مسلماً في داخله فإنه يدخل النار، بحسب الشريعة الإسلامية. “جماعة النصرة” يجاهدون ويستشهدون ليدخلوا الجنة لا ليدخلوا النار، وينسحب هذا على اغتيال الشيخ البوطي في جامع الإيمان بدمشق، فقد كان في إمكانهم، لو أرادوا اغتياله أن يفعلوا ذلك قبل خروجه من المسجد أو بعده، وليس هو في داخله.

فليفتشوا عمَّن وضع المتفجرات داخل مسجد يخضع لرقابة أمنية صارمة!

– صرّح نائب وزير الخارجية السوري أن الرئيس بشار الأسد لن يتنحى، وأن سوريا بدونه، ستغيب عن الخريطة.

السيد نائب الوزير أراد أن يقول إن جميع البيوت والمنشآت والمعامل والمدارس والمستشفيات ودور العبادة والسدود وكل ما هو مرتفع فوق الأرض في سوريا، سيدمَّر بالكامل بالأسلحة التي جمعنا ثمنها من جيوبنا على حساب لقمة عيشنا لتحرير الجولان المحتل منذ حوالى نصف قرن، وكذلك للدفاع عن الشعب والوطن!

إنها جميعاً ستتحول إلى “إرم ذات العماد التي لم يُخلَق مثلها في البلاد”. وسيتوافد السياح من جميع أنحاء العالم ليتفرجوا على بلد كان اسمه سوريا وكان موجوداً على الخريطة!

قبل ذلك بحوالى سنة ونصف سنة، صرح وزير الخارجية السوري في مؤتمر صحافي بأننا “سننسى أن أوروبا موجودة على الخرائط! سأوصي قيادتي بتجميد دخولنا في الشراكة الأوروبية من أجل المتوسط (رُفِضَ الطلب قبل أكثر من سبع سنوات)”. وأضاف: “سنقدم نموذجاً من الديموقراطية غير مسبوق! صنعه السوريون بأيديهم وعبر حوارهم الوطني، ستكون هناك عدالة اجتماعية ومساواة أمام القانون ومحاسبة للمقصرين…!”.

هل يستطيع أحد بعد هذا، أن ينكر أن ما تحدث عنه سيادة الوزير قد تحقق بالكامل؟! وما على ربع سكان سوريا المهجرين في الداخل والخارج إلا أن يعودوا إلى وطنهم ليروا بأم أعينهم ما جرى!

– قبل سنة ونصف سنة تقريباً كان سعر الدولار 44 ليرة سورية، بعد أربعة أشهر ارتفع فوصل إلى 60 ليرة، حينها صرح مسؤول في الحكومة بأن هناك مضاربين يتلاعبون بسعر الصرف! وسنضرب عليهم بيد من حديد، ونعيد الدولار إلى حجمه السابق!

بعد أربعة أشهر أخرى ارتفع الدولار إلى ثمانين ليرة، فصرح حاكم مصرف سوريا المركزي بأن الليرة قوية ولدينا رصيد ضخم من القطع النادر، وسيرى المضاربون بأم أعينهم أننا جادّون في ملاحقتهم، وستعود الليرة السورية إلى أحسن مما كانت عليه!

بعد ثلاثة أشهر ارتفع الدولار إلى مئة ليرة، فصرح رئيس الوزراء بأننا سنُفشِلُ المؤامرة الإمبريالية الصهيونية على الليرة السورية!

ثم قفز الدولار إلى مئة وخمسين ليرة، فصرح حاكم مصرف سوريا المركزي بأن هذه الزيادة وهمية وليس لها علاقة بالقيمة الحقيقية لليرة السورية.

نتمنى على النظام أن يعترف بأن الليرة هبطت وستستمر بالهبوط ليس بسبب المؤامرات، بل بسبب النفقات المتزايدة التي تُصرف على قتل المواطنين وهدم بيوتهم فوق رؤوسهم وتهجيرهم، وإذا كانت الجزائر تفتخر بأنها بلد المليون شهيد، فإن سوريا “تفتخر” بأنها أصبحت بلد الأربعة ملايين “شحَّاد”!

– كثيراً ما يتحدث أنصار النظام في الداخل والخارج عبر القنوات التلفزيونية عن أن النظام صامد! صامد! صامد! ولن تستطيع العصابات المسلحة المأجورة إسقاطه حتى ولو دام الصراع عشر سنين! فعلاً هذه “بطولة” أن يصمد النظام لأكثر من سنتين، أمام “عصابات مسلحة” جاءت من خارج البلاد وأن لا ينهار!

لقد صمدت إيطاليا أمام عصابة آل كابوني سنوات طويلة ثم انتصرت عليها، فَلِمَ لا يصمد النظام السوري وينتصر؟

هل هناك دعاية أكثر غباءً لـ”بطولات” النظام؟!

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى