صفحات الثقافة

الحرب بالسيارات المفخخة/ محمد الحجيري

بعد تفجير بئر العبد، ثم تفجير الرويس في الضاحية الجنوبية، صرت أتجول في شوارع بيروت كأني أتسلل تسللاً، وفي لحظة شرود، أتخيلني متفحماً في سيارتي. تملكني هذا الشعور، كأن شيطاناً يطاردني في الشارع، أو يقف في وجه بصيرتي. ربما هو القلق والتوتر اللذان أفرزتهما التصريحات السياسية والأمنية في الأسابيع الأخيرة. ربما هي صور أطفال الغوطة الشرقية القتلى بغاز السارين، والأشد رعباً اولئك الأطفال الذين كانوا يلفظون أنفاسهم الاخيرة أمام الكاميرا.

لم أكن قد باشرت الكتابة عن ذاكرة السيارات المفخخة في ربوع “سويسرا الشرق” حين ورد خبر يقول: “انباء عن وقوع انفجارين كبيرين هزّا مدينة طرابلس”. اقعشّر بدني قبل أن أرى المشاهد التلفزيونية. شعرتُ بالرهبة من السيارات المحترقة والجثث المتفحمة والأشلاء المتناثرة والمباني المتصدعة، كأن المكان انقلب رأساً على عقب. انحدرت الدمعة من عيني حين سمعتُ أحد الأشخاص يتحدث عن احتراق ثلاثة من أحفاده داخل “فان” لحظة الانفجار. اقشعرّ بدني أكثر من جملة “عرقنة لبنان” التي باتت رائجة أكثر في السنوات الأخيرة، ويبشّرنا بها المحللون والسياسيون، مع العلم أن لبنان سبق العراق بعقود في صناعة الموت والقتل بالسيارات المفخخة. سفارة العراق في بيروت كانت من ضحايا السيارات المفخخة، وقد قتلت فيها بلقيس زوجة الشاعر السوري نزار قباني الذي رثاها كثيراً.

لا تختلف “اللبننة” كثيراً عن “العرقنة”. فالسيارات المفخخة في لبنان استهدفت شخصيات سياسية وأمنية وحزبية وسفارات وأسواقاً تجارية وصالات سينما وثكناً عسكرية ومباني سكنية ومكاتب اعلامية وأحياء شعبية ومتنزهات ومصلين ومساجد وصحافيين وفنادق وسيارات تاكسي. الملاحظ أن السيارات المفخخة بمختلف أنواع المتفجرات والعبوات والمسامير والشظايا المعدنية الحادة، تشكل وسيلة من وسائل القتل الجماعي والتطويع السياسي للجماعات والأحزاب والشخصيات السياسية. في معظم الأحيان يكون مرسل السيارات المفخخة غير مهتم بالأشخاص الذين يُقتلون، سواء أكانوا من الأطفال أو الشيوخ أو النساء. يهمّه القتل أولاً وأخيراً، ولا يرى في البشر والأحياء السكنية إلا مجرد تفاصيل. في بعض المرات لا يرى مرسل السيارات المفخخة في الزعماء والقادة إلا مجرد أشكال يجب إزالتها واستئصالها.

الترويع والتدجين

والحال أنني حين عدت إلى أرشيف السيارات المفخخة في موقع “ديوان الذاكرة اللبنانية” الذي يديره لقمان سليم، وفي زاوية “الحرب بالسيارات المفخخة، القتل خلسة”، لاحظتُ من تواريخها وأمكنة حدوثها والمواقف التي أحاطت بها، أنه يمكن قراءة الرسائل التي كانت تحملها، وأوجه الصراعات في لبنان. معظم السيارات المنفجرة كان هدفها الترويع والتدجين، أو هي طريقة للتخلص من الخصوم خلسةً، وفي نوع من الإبادة الجماعية. ما حصل أيام الحرب يحصل اليوم، ومنذ محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة عام 2004، سواء من حيث الاجراءات والاتهامات وصولاً إلى الأمن الذاتي. ربما اختلف المشهد الكلامي قليلاً اليوم، فراجت كلمات مثل “تكفيري” وما شابه.

السيارات المفخخة ليست وليدة اليوم أو البارحة في لبنان، بل يعود تاريخها إلى عام 1976، عندما جرت محاولة اغتيال الزعيم الدرزي كمال جنبلاط أمام منزله في المصيطبة، وفجّرت سيارة مفخخة أمام منزل عبد المجيد الرافعي، البعثي العراقي والطرابلسي في 26 كانون الثاني 1976. في ذلك العام عنونت مجلة “الحوادث” فوق خبر صغير “حذار السيارات المتفجرة”، وكتبت “عمدت أكثرية السياسيين في نطاق بيروت إلى تكليف أشخاص ينتمون إليهم بالمرابطة أمام منازلهم ومنع السيارات الغريبة من الوقوف حول هذه المنازل خوفاً من أن تصل اليهم موجة السيارات المتفحرة”. كلمة “موجة” التي وردت في الخبر الى جانب كلمة “مسلسل” لا تزال سائدة حتى الآن.

على طريق فلسطين

منذ “حرب السنتين” (1975 – 1976) تحولت السيارات المفخخة رسائل أو اداة من أدوات القتل الفردي والجماعي، وحتى “العادي” و”الشامل”، وباتت جزءاً من صراعات الدول الإقليمية على أرض لبنان، بل جزءاً من صراع الجماعات اللبنانية الموالية للأغيار والأحلاف. يمكن رصد أحوال السيارات الأولى المفخخة في أنها كانت في إطار الصراع الفلسطيني – الفلسطيني، أو الفلسطيني – العرفاتي (أتباع ياسر عرفات) في مواجهة الفلسطيني – السوري (وغيره)، والجبريلي (أتباع أحمد جبريل). كانت بعض المنظمات الفلسطينية المختلفة المتقاتلة والمتناقضة و”المتصارعة”، تواجه بعضها بالحروب أكثر مما تواجه إسرائيل. لقد كانت قادرة على توجيه الرسائل بشتى الوسائل القاتلة في ما بينها. ففي 13 آب 1978 حصل انفجار في مبنى للمنظمات الفلسطينية في منطقة الفاكهاني ذهب ضحيته عشرات القتلى. وعام 1979 زادت وتيرة السيارات المفخخة، فجاء في تقرير الصحف “مع مغيب شمس الاثنين 22 كانون الثاني 1979، انضم علي حسن سلامة، “أبو حسن” و8 آخرون الى قافلة الشهداء على طريق فلسطين، حيت اغتالتهم يد العدو الاسرائيلي في قلب بيروت، بعملية تفجير لاسلكي لسيارة ملغمة كانت متوقفة على جانب الطريق غير بعيد عن بيته في محلة الصنوبرة – فردان”. آنذاك لم يكن النظام السوري الأسدي والمنظمات الفلسطينية وحدها من يستعمل السيارات المفخخة لصيد الشخصيات أو اغتيالها أو للقتل الجماعي، فإسرائيل عبر أدواتها وعملائها استعملت هذه الطريقة للاغتيالات السياسية والأمنية وقتلت بعض الشخصيات الفلسطينية واللبنانية، مثل جهاد جبريل (نجل الأمين العام لـ”الجبهة الشعبية – القيادة العامة” احمد جبريل) عام 2002 في منطقة تلة الخياط. كما قتلت أيضاً الأخوين مجذوب في صيدا (ينتميان إلى تنظيم “الجهاد الاسلامي”) عام 2006، عدا بعض التفجيرات التي وضعتها اسرائيل في الضاحية الجنوبية وطاولت عناصر من “حزب الله”.

وكر الصراعات الدولية

اذا كان النصف الثاني من السبعينات شهد موجة تفجيرات طاولت الفلسطينيين وجماعة “الحركة الوطنية”، فسرعان ما انتقلت الموجة لتطاول بعض الزعماء المسيحيين. كان يكفي الخلاف مع النظام الأسدي لتعيش بعض المناطق اللبنانية “مسلسل” التفجيرات بالسيارات المفخخة. ففي 4 حزيران 1979 نجا رئيس حزب الكتائب بيار الجميل، من محاولة لاغتياله بعبوة ناسفة فجِّرت لاسلكياً، عند مفترق عجلتون على أوتوستراد نهر الكلب. واستُهدِفَ الرئيس بشير الجميل في 23 شباط في تفجير لاسلكي أدى إلى مصرع طفلته وسائقه ومرافقيه. وفي 12 آذار 1980 جرى تفجير سيارة ملغومة لاسلكياً في الدورة، مستهدفةً الرئيس كميل شمعون الذي قُتل مرافقه ونجا هو من محاولة الاغتيال. في اليوم التالي استهدف شمعون أيضاً بسيارة مفخخة في منطقة أخرى. وفي 30 تموز انفجرت سيارة قرب منزل بشير الجميل.

عام 1981 بدأت موجة جديدة من الصراعات السياسية، بين اليسار اللبناني وحركة “أمل” الشيعية، وبين النظام الأسدي السوري والنظام الصدّامي العراقي، الى جانب أنظمة أخرى. وصلت التفجيرات إلى مناطق مثل صيدا والجامعة العربية والحمراء والكولا وسن الفيل. لكن التفجير الأبرز كان في تدمير السفارة العراقية في 15 كانون الأول. عام 1982 كان مفصلياً في تاريخ لبنان. ففي بدايته كانت بيروت على موعد مع محاولة اغتيال الزعيم الدرزي وليد جنبلاط في منطقة الصنائع، وقد قُتل مرافقه، وكتبت احدى الصحف “ان محاولة اغتياله (جنبلاط) كشفت المؤامرة التي تنفَّذ على أرض لبنان وتستهدف وحدة لبنان وأرضه وشعبه”. حصلت تفجيرات في مختلف المناطق: في الزوق والمعاملتين وطرابلس وبحمدون ورأس بيروت ومرجعيون. ومن عناوين الصحف عام 1982 “مسلسل السيارات المفخخة مستمر”. يلاحظ أيضاً من خلال الوقائع الميدانية أن التفجيرات زادت بقوة عام 1983، وشملت مختلف المناطق اللبنانية من الحمراء الى انطلياس والسعديات وشتورا وطاولت السفارة الاميركية في عين المريسة والحرس الثوري الإيراني في بعلبك ومسجد البقار ومستشفى البيسار في طرابلس ومرأب السمرلاند في بيروت، عدا التفجيرات التي طاولت الجيشين الاميركي والفرنسي في بيروت والإسرائيلي في صور. ربما كان سبب زيادة التفجيرات عام 1983، تفكك الدولة تفككاً كاملاً عام 1982 بعد الاجتياح الاسرائيلي، وازدياد حدة الصراعات والحروب الصغيرة والكبيرة من الجبل الى المناطق الأخرى. هذا الى جانب صراع الأمم، أيام كان لبنان وكراً لكل أجهزة المخابرات العالمية والعربية والمحلية، قبل بروز ما يسمّى تصدير الثورة الايرانية وبدء الصراع الأميركي – الايراني، والأميركي – السوري على الارض اللبنانية.

عام 1984 خفّت نسبياً حدّة السيارات المفخخة. أبرز الأعمال الإجرامية كانت محاولة اغتيال الرئيس سليم الحص في 6 أيلول. عام 1985 عادت وتيرة التفجيرات الى الارتفاع، فجرت محاولة اغتيال رئيس التنظيم الناصري مصطفى سعد في صيدا، فقُتلت ابنته ناتاشا في الانفجار. وجرت محاولة اغتيال السيد محمد حسين فضل الله في بئر العبد فقُتل العشرات في الانفجار. المحاولة الخامسة لاغتيال الرئيس شمعون جرت في 12 تشرين الثاني 1985 عندما استهدفت شاحنة مفخخة مقر “الجبهة اللبنانية” في دير مار جرجس – عوكر. ويلاحظ في تلك السنة ان السيارات المفخخة بدأت تتركز في مدينة طرابلس في زمن “حركة التوحيد الاسلامي”، وصراع المحاور في هذه المدينة التي بدأت محاولة تدجينها من النظام السوري. الضاحية الجنوبية شهدت تفجيرات في زمن العداء بين حركة “امل” و”حزب الله”، اذ حصلت تفجيرات في حي ماضي والرويس. للتذكير أيضاً، فقد حصل انفجار في الميناء قرب طرابلس في 20 حزيران، فأدى الى مقتل 50 شخصاً وجرح 110 في أمسية عيد الفطر السعيد.

في النصف الثاني من الثمانينات انتشرت موجة السيارات المفخخة بقوة في المناطق المسيحية شرق بيروت. في 7 كانون الثاني 1987، تعرض الرئيس كميل شمعون لمحاولة اغتيال هي السادسة، بواسطة سيارة مفخخة فجِّرت أثناء مرور موكبه على كورنيش النهر، وقد أصيب شمعون بجرح طفيف. استمرت التفجيرات بوتيرة كبيرة عام 1988. جاءت تلك الموجة في إطار الصراع المسيحي – المسيحي، أو التيار المسيحي الموالي لسوريا بزعامة ايلي حبيقة، في مقابل التيار المسيحي المعارض لسوريا (مع التذكير بأن حبيقة ذهب ضحية سيارة مفخخة عام 2002 في منطقة بعبدا). فبعد انفجار سيارة مفخخة قرب منطقة النهر في 22 حزيران 1988، قال بيان لـ”القوات اللبنانية” “ان اليد التي وضعت هذه السيارة المفخخة هي نفسها التي وضعت سيارة الرميل وقبلها الكثير من العبوات التي ضربت الأحياء الآمنة في المناطق الحرة، بقصد خلق حال من الإرباك في صفوف المواطنين وقتل اكبر عدد ممكن من الابرياء”.

النظام الأسدي

مع نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، كان لبنان على موعد مع اغتيالات جديدة بالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة التي طاولت مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد والرئيس رينه معوض، إضافة إلى محاولة اغتيال النائب ميشال المر. كان يكفي أن يعترض حسن خالد على سلوك النظام السوري ليقضي مع كثيرين في سيارة مفخخة. وكان يكفي رينه معوض أن يفكر قليلاً في طريقة سياسية ولبنانية، ليتحول مجرد اشلاء تناثرت على اشجار حديقة الصنائع في بيروت. وقد تعامل النظام السوري مع مقتله كأنه حادثة عابرة أو حادثة سير، فسارع إلى تعيين بديل له قبل أن تنتهي مراسم دفنه.

البارز في الكلام على موجات السيارات المفخخة جملتان سائدتان: “هاجس السيارات المفخخة يلاحق المواطنين” و”الأجهزة تتوصل إلى خيوط”. الهاجس نفسه ظل يتكرر، وبقيت الخيوط مجرد خيوط، من دون التوصل الى ما يحدّ من مسلسل الرعب المتنقل، مع أن القاتل معلوم – مجهول في الوقت نفسه. في التصريحات، الجانب الأكبر من الاتهامات كانت موجهة إلى “يد الغدر” و”إسرائيل”، إضافة إلى اتهام أطراف يريدون “إثارة الفتنة”. لم يكن الانقسام السياسي والطائفي اللبناني في منأى من تبادل الاتهامات.

إذا كان لبنان عاش استراحة بين عامي 1990 و2004، تخللتها بعض التفجيرات بالسيارات المفخخة، مثل اغتيال حبيقة عام 2002 في منطقة بعبدا، والأخوين شحادة في صيدا، فإن لبنان ما بعد عام 2005 بدا يعيش حرباً جديدة بالسيارات المفخخة والاغتيالات، طاولت فريقاً بعينه من المعارضين للنظام السوري وسياسته، باستنثاء التفجير الذي طال صالح العريضي أحد المقرّبين من النائب طلال ارسلان. الاغتيالات بالسيارات المفخخة أخذت منحى متصاعدا بدءاً باغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14/2/2005 في انفجار ضخم في منطقة سان جورج في بيروت. قتل في الانفجار 19 شخصاً من العابرين والمشائين، كما جرح الوزير اللبناني باسل فليحان الذي توفى في ما بعد. ثم بدأت سلسلة من الاغتيالات السياسية، التي طاولت قوى 14 آذار وحدها. وبالرغم مما أثاره اغتيال الحريري من تداعيات وردود فعل مهمة، من أبرزها جلاء القوات السورية عن لبنان، استمر مسلسل الاغتيالات السياسية مستهدفاً العديد من الرموز المعارضة للنظام السوري. منهم الصحافي والكاتب سمير قصير، والقيادي اليساري جورج حاوي، ومحاولة فاشلة لاغتيال وزير الدفاع اللبناني إلياس المر، وإصابة الإعلامية اللبنانية مي شدياق المناوئة للسياسة السورية، بجروح تسببت ببتر ساقها ويدها بعد تفجير سيارتها في جونية، ثم اغتيال النائب والصحافي جبران تويني المعروف بمواقفه المعارضة لسوريا.

كان واضحاً أن ازدياد وتيرة الصراع السياسي في لبنان، وخصوصاً في مرحلة إقرار المحكمة الدولية، زاد وتيرة التفجيرات بالسيارات المفخخة، مع فرق أن سيارات ما بعد عام 2005 اتسمت بدقة الأهداف المدروسة. ففي 13/6/2007 اغتيل النائب وليد عيدو بتفجير سيارته في بيروت، ما أودى به وبنجله الأكبر وأربعة آخرين، منهم لاعبان في نادي “النجمة” الرياضي. ثم جرى اغتيال النائب عن حزب “الكتائب” أنطوان غانم، في انفجار سيارة مفخخة في منطقة سن الفيل في شرق بيروت. ومع اغتيال مدير العمليات في الجيش اللبناني اللواء فرنسوا الحاج في انفجار ضخم بمنطقة بعبدا، جرى أول استهداف للمؤسسة العسكرية. أتى الاغتيال بعد أسابيع من انتهاء العمليات العسكرية في نهر البارد، ومع بدء الحديث عن احتمال تعيين الحاج قائداً للجيش. في 15/12/2008 اغتيل النقيب في قوى الأمن الداخلي وسام عيد الذي اضطلع بدور كبير في مساعدة لجنة التحقيق الدولية الخاصة باغتيال الحريري. وفي 19/10/2012 جاء دور رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي العميد وسام الحسن في الأشرفية في بيروت، فاغتيل بعد كشفه عن مخطط الوزير ميشال سماحة واللواء السوري علي مملوك. كان المخطط يقضي بتوزيع عبوات ناسفة في مناطق لبنانية بهدف زعزعة الاستقرار واثارة الفتن الطائفية.

أخيراً، مع تفجير بئر العبد الذي اقتصرت اضراره على الجرحى والممتلكات، ثم تفجير الرويس المرعب الذي كسر هالة الأمن الأسطوري لـ”حزب الله” في مربّعه الأمني. سريعاً انتقل الرعب إلى طرابلس أمام مسجديها وما يحمله التفجيران الكبيران هناك من دلالات ومعان. كأن لبنان دخل موجة جديدة من صناعة الموت الجماعي، وفصلاً جديداً من الحرب بالسيارات المفخخة. إنها الحرب الأشد فتكاً وقتلاً للمواطنين والعابرين والأبرياء. ويزيد من وتيرة الرعب والضياع في تفسير حوادث السيارات المفخخة، ضياع الجماعات اللبنانية سواء في خطبها السياسية أو في ولاءاتها الإقليمية. فـ”حزب الله” المنغمس في الحرب السورية قال إنه يقاتل في حرب استباقية لحماية ظهر “المقاومة”، أي من سوريا التي كلفته حتى الآن مئات المقاتلين في القصير وحمص ودمشق. لكن تلك الحرب “الاستباقية” قادت السيارات المفخخة الى قلب مربّعه الأمني، حيث قتل العشرات من الأبرياء. اتهم السيد حسن نصرالله “التكفيريين” بالتفجير ووعد بملاحقتهم في عقر دارهم، واتهمت كتلة نوابه “مخابرات عربية دنيئة” بالتفجير. بعد أيام على هذه الاتهامات، ضربت السيارات المفخخة مسجدين في طرابلس، يخطب فيهما شيوخ من الدعاة إلى نصرة الثورة السورية. الدعاة هؤلاء ممن يسمّيهم نصرالله “تكفيريين”. على هذا، ضاعت بوصلة التفسيرات وباتت أقرب إلى التبصير والضرب في الرمل. لكن الواضح أن لبنان عاد إلى “المربّع الأول” كما يقال، وعاد طيف ميشال سماحة إلى الواجهة.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى