صفحات العالم

سوريا بدأت رحلة التقسيم النهائي/ سعد محيو

هل دق نفير بدء العمل لتحويل تقسيم سورية النظري إلى واقع عملي على الأرض؟

بيان الـ 14 فصيلاً عسكرياً إسلامياً في سورية، الخاص بالانفصال عن الإئتلاف الوطني السوري، يوحي بذلك.

لماذا؟

لأن هذه الخطوة ستسدد ضربة قوية لكل الجهود التي تبذل حالياً لجمع النظام والمعارضة السوريين إلى طاولة مفاوضات واحدة في مؤتمر جنيف-2. هذا علاوة على أنها ستهمّش إلى حد بعيد دور القوى الوطنية والعلمانية والاسلامية المعتدلة التي لاتزال تتمسك بوحدة الوطن  والهوية الوطنية السوريين.

الملفت في بيان الـ14 كان وجود فصائل قوية تابعة للائتلاف ولهيئة أركان الجيش الحر، مثل لواء التوحيد ولواء الإسلام وصقور الشام. وهذا بالطبع سيضعف الإئتلاف وحكومته المؤقتة أكثر مما هو ضعيف الآن سياسياً وميدانياً، لصالح الأطراف المسلحة السنيّة المتشددة.

وهذا رأي يؤيده نواه بونسي، من مركز مجموعة الأزمات الدولية، الذي يعتقد هو الآخر أن “صعود قوة المجموعات السلفية السورية المسلحة المتشددة، كانت توازنه في السابق أمال الثوار الوطنيين السوريين بالدعم العسكري الغربي، بما في ذلك احتمال توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري. لكن الآن، ومع ابتعاد فرص الضربة العسكرية وتراجع وعود تسليح المعارضة المعتدلة بالعتاد المتطور المضاد للطائرات والمدرعات، لم يعد ثمة دافع لباقي الفصائل الإسلامية المسلحة كي تتخذ مواقف معتدلة”.

لكن، على رغم اتفاق الـ14 فصيلاً إسلامياً مسلحاً على إسقاط الشرعية عن الإئتلاف السوري، إلا أنه يجب عدم القفز إلى استنتاجات سريعة حول احتمال تحوّل هذه الفصائل إلى جبهة واحدة ذات برنامج سياسي واحد. إذ لايستبعد أن ينفرط عقد هذا التحالف الجديد في وقت قريب، خاصة إذا ما تعرّض لواء التوحيد وبقية الألوية المنتمية إلى الائتلاف إلى ضغوط من المملكة السعودية ودول خليجية أخرى تمولّها.

ولوحظ في هذا السياق أن بعض المجموعات المسلحة المهمة في الائتلاف، مثل أحفاد الرسول، لم توقِّع على البيان، وكذا فعلت المجموعات المسلحة في جنوب سورية. وثمة غائب آخر هو تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” المرتبط بالقاعدة، الأمر الذي كان مؤشراً على مدى العزلة التي بات يعيشها هذا التنظيم حتى بين الفصائل الإسلامية.

الآن، في حال استمر انحسار دور ونفوذ القوى الوطنية والإسلامية المعتدلة المعارضة لصالح المنظمات الإسلامية المتشددة، كما يحدث الآن، فسيؤدي ذلك في خاتمة المطاف إلى انهيار نهائي لمفهوم الهوية الوطنية السورية، ومعها بالطبع الهوية القومية العربية، لصالح هويات طائفية ومذهبية وإثنية، ماسيجعل من الصعب للغاية إعادة بناء الدولة السورية الواحدة.

وهذا سيفتح الباب ليس فقط أمام استمرار الحرب الأهلية السورية لسنوات عدة أخرى، بل أيضاً إلى “صوملة” البلاد، حيث سيجهد كل فصيل أصولي إسلامي إلى فرض صيغته الإيديولوجية الدينية على المناطق الحغرافية التي يسيطر عليها، هذا في حين تستمر الحرب المذهبية بين الأصوليين السنّة و”الأصوليين” الأمنيين العلويين.

ويلفت هنا إلى ما جاء في خطاب الرئيس الأميركي أوباما الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي تحدث فيه للمرة الأولى عن “ضرورة توفير الضمانات للأقلية العلوية والأقليات الأخرى” في أي تسوية مقبلة. فهل ستدق هذه الإشارة جرس بدء العمل لتقسيم سورية عملياً إلى دويلات، حتى لو اتخذ هذا التقسيم لبوس الفيدرالية أو ضمان حقوق الأقليات؟

كما ثمة سؤال آخر: في حال استقر الاستقطاب الراهن في سورية على هذين المعسكرين: الأصولية السنّية المتشددة والأصولية الأمنية العلوية المتصلبة، من دون وجود قوى وطنية وسيطة أو معتدلة قابلة للحوار والتسويات، فهل سيكون العراق ولبنان بمنأى عن احتمال انتقال هذا الاستقطاب الطائفي إليهما؟

  الانتقال سيكون حتمياً في الواقع، ما لم تنجح النخب السياسية في كلا البلدين في بلورة مشاريع الوفاق الوطني الراهنة إلى برامج سياسية قابلة للتطبيق على الأرض بالسرعة اللازمة، لأن نزعات الاستقطاب والتقسيم في سورية تتغذى، كما هو معروف، من توجهات إقليمية ودولية حادة تنشط لـ”تناتش” منطقة الشرق الأوسط، ولإعادة بناء النظام الأمني الإقليمي فيها على أسس دويلات طائفية تابعة لها.

 صعود التيارات الإسلامية المتشددة وتراجع التيارات الوطنية والإسلامية المعتدلة في دمشق، يجب أن يدق نواقيس الخطر بقوة في بغداد وبيروت: فحين تبدأ سورية في الضرب على دف التقسيم، لن يستطيع العراق ولا لبنان تجنّب الرقص على أنغام هذا الخيار الدموي.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى