صفحات العالم

شهرزاد الجعفري.. دليل الاستعمار البعثي الى الاستعمار العالمي

وسام سعادة
قد تكون هديل العلي هي الأكثر حيويّة في نصائحها لـ”السيّد الرئيس” في ما كشفه الإختراق الإلكترونيّ الموفّق لبريد الطاغية، لكنّ الظاهرة التي تستحق أن نتوقّف عندها هي شهرزاد بشّار الجعفري، ليس لأنّ النصائح المسداة من جهتها فيها ما يثير العجب أو يكشف الأستار، وإن كانت تؤدّي “واجبها” بشكل دقيق ويقظ، لا هو “حرفيّ” ولا هو “احترافيّ”. إنما أهميّة شهرزاد الجعفري ورسائلها هي في مكان آخر: هذه المستشارة الإعلاميّة للطاغية للعلاقات الخارجية تلخّص لنا، بحيثيتها، جزءاً من التصوّر الذي يتبنّاه هذا النظام عن نفسه وعن الغرب، وعن الطريقة التي يمكنه من خلالها أن يخدع العالم، علّه يفلت من حكم التاريخ القاطع، بإزالته.
بقراءة سريعة لكل المادة الإلكترونيّة المنسوبة إلى الجعفري نستطيع القول انّ هذا النظام يتصوّر أنّ الرأي العام هو “الخاصرة الرخوة” في البلدان الغربية، وبشكل أساسي في أميركا، وأنّ التأثير عليه رهن بسياسة إعلامية ترويجية ناجحة، أي أنّه يمكن “نظريّاً” لأي طاغية من طغاة العالم الثالث أن يرتكب ما شاء من جرائم وفظائع، على أن يحميه طاقم إعلاميّ متستّر عليه، وله منفذ إلى الرأي العام الغربي.
النقطة الثانية وفقاً لهذا التصوّر أنّ التستّر الإعلاميّ على جرائم وفظائع النظام لا يمكن أن تكون بالنفي المطلق، أو بالمبالغة في نسب الصفات الحميدة إلى هذا النظام. أبداً. وظيفياً، يطالب النظام السوريّ شهرزاد الجعفريّ بأن تنصحه بالتالي: عليك كنظام أن تجد ضالتك في أي سياسة إعلامية تعمّم موقفاً ملتبساً، تشكيكياً، توزيعيّاً للتركة الدموية على الجميع في سوريا. عليك كنظام أن تجد ضالتك في أي سياسة إعلامية تعمّم منطقاً من قبيل “كل شيء نسبي في سوريا”، أو “ليس هناك جلاد وضحية في سوريا”، بل أنصاف جلادين متبدّلي المواقع، وأنصاف ضحايا. أكثر من ذلك: عليك كنظام أن تعود فتردّد ما تقوله لك شهرزاد الجعفري. وهكذا، لم يتردّد بشّار الأسد في وصف النظام الذي هو على رأسه بأنّه غير ديموقراطيّ، خلال المقابلة التلفزيونية البائسة التي أجراها قبل أشهر، وهو ما يكفي لنقض زعم “الديموقراطيّة” الذي وجد من تبرّع، سريالياً، لإغداقه على النظام الفئوي الدمويّ في أعلى مراحل دمويّته، التي هي الآن دمويّة الإحتضار.
يتصوّر النظام البعثيّ في سوريا أنّه بمثل شهرزاد الجعفري يمكنه أن يخاطب الغرب، ويتصوّر أنّه بمخاطبة الغرب يمكنه أن يواصل عمليته القمعية شهراً بعد شهر ضدّ أعتى ثورة شعبية تنفجر في وجهه. لكن مهلاً، ما يفعله النظام في كل هذا يعيد التذكير بما كان يفعله ضبّاط أوروبيون كثر في المستعمرات. كان هؤلاء أيضاً، يحاولون التقليل من الطابع الهمجي العنيف لتعاملهم مع السكّان الأصليين وثوراتهم، ويتصوّرون أنّه يمكن التستّر على ذلك بمنطق إظهار أنّ ثورات السكّان الأصليين مشتّتة، ومتطرّفة، ودمويّة، إلخ.
النظام البعثيّ في سوريا هو على نمط هؤلاء الضبّاط في المستعمرات. لكن ضبّاطه ليسوا أوروبيين، بل هم ضبّاط أهليون، فئويون، يحاولون الجمع بين مستحيلين: ادعاء “حماية الأقليّات” في وجه الأكثرية الأهلية الثائرة، وإدعاء أنّ النظام الأقلويّ البعثيّ يشكّل الأكثريّة، التي كانت في أيّام حافظ الأسد “أكثرية 99.99%” وبقيت “أكثرية كاسحة” وفقاً لكذبة الإستفتاء قبل أسابيع. لكن هؤلاء الضبّاط الأهليين يمارسون السياسة الإستعماريّة نفسها، ويتعاملون مع الشعب السوريّ كسكّان أصليين. شهرزاد الجعفري بالتحديد تتعامل مع “شعبها” على أنّه كذلك. تصوّره كشعب بدائيّ ثائر في وجه استعمار تحديثيّ. لا تبرّر للإستعمار البعثيّ أنّه استعمار، لكنها تبرّر له انه تحديثيّ، ومعتدل، وقادر على مخاطبة الغرب الإستعماريّ باللغة التي يفهمها، وهكذا…
وبما أنّ تقسيم العمل قائم، بشّارياً، بين هديل العليّ، التي عينها على التركيبة الداخلية، وشهرزاد الجعفري، عين النظام إلى “العالمية”، فلا يعود النظام بحاجة إلى مخاطبة السكّان الأصليين انفسهم، أي الشعب السوريّ الثائر. ليس هناك مستشارة “إضافيّة” من هذا النوع. ليس هناك؟ ربّما وجد، إنّما بطريقة غير مباشرة! إنّها أسماء الأخرس. المفترض فيها تمثيل “السكّان الأصليين” في بلاط الطاغية. لكن أسماء الأسد ليست الملكة الآتية من الشعب التي تنتصر في لحظة درامية فاصلة لشعبها على زوجها الطاغية.
المستقبل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى