صفحات العالم

لأن الجعفري لا يفهم


طارق الحميد

كلما تحدث بشار الجعفري مندوب النظام الأسدي في الأمم المتحدة، يتساءل المرء: هل يعي هذا الرجل ما يقول؟ وهل يدرك ما يحدث أمامه على الأرض في سوريا؟ أم أن الرغبة في الدفاع عن الطاغية الأسد قد أعمته عن رؤية الحقائق، وما يحدث بحق السوريين؟

فأمس شن الجعفري هجوما على السعودية وقطر، واتهمهما بما سماه دعم الإرهاب في سوريا، مضيفا أن السعودية وقطر ليستا بالنموذج الذي يحتذى به حتى تقوما بتقديم مشروع ضد النظام الأسدي في الأمم المتحدة. والحقيقة التي لا يفهمها الجعفري، وكثيرون مثله من المضللين والمتفذلكين، على شاكلة هيكل وفهمي هويدي، وآخرين، أنه طالما ارتضت تلك الأنظمة التي على شاكلة الأسد أن تكون جمهوريات فعليها أن تحترم مفهوم الجمهوريات أساسا، هذا أولا. والأمر الآخر هو أن كل المطلوب من الأسد، ومنذ اندلاع الثورة، هو وقف آلة القتل، فهل هذه صعبة على الفهم؟

فالقصة في سوريا هي قصة نظام مدجج بالسلاح، ومدعوم من إيران، النموذج الأسوأ فعليا في المنطقة، ومثلها روسيا، حيث تدعمان الطاغية الأسد، ومنذ اندلاع الثورة كانت سلمية مائة في المائة، لم يحمل الثوار فيها السلاح، بينما كان الطاغية هو من يقوم بالقتل والتدمير والتفجير، والاعتقال التعسفي. كان نظام الأسد يهدم المنازل، وييتم الأطفال، ويقتلهم، مثلما يقتل النساء. وكتبنا، وكتب غيرنا، بأن الحل الأمني والقتل لا ينفعان، لكن الأسد نفسه كان يصف الثوار السوريين بالجراثيم، وكانت قواته تقتلهم بدم بارد، واليوم يأتي الجعفري ليقول إن السعودية ليست النموذج الذي يحتذى به!

السعودية لا تقتل أبناءها، ولم تقتل حتى من هم مغرر بهم من قبل إيران والنظام الأسدي الذي هدد باستخدامهم من قبل، في القطيف، بل إن السعودية تمارس ضبط نفس مذهلا، على الرغم من حمل هؤلاء للسلاح، وإلقائهم القنابل، ومنذ فترة ليست بالقصيرة، وذلك بمحاولة لرفع الضغط عن النظام الأسدي، وتنفيذا لأجندات إيرانية. وعلى الرغم من ذلك فإن الرياض تمارس ضبط نفس كبيرا، بينما نجد أن النظام الأسدي يمارس القتل بحق المدنيين، وبشكل مستمر، وممنهج، منذ سبعة عشر شهرا.

وعندما نقول إن الجعفري لا يفهم، أو إنه يمارس التضليل عمدا، فهناك ما يناقض كل ما قاله، ومن خلال تصريحات مسؤولي الطاغية أنفسهم، فبينما كان الجعفري يتهم السعودية وقطر بدعم ما سماه «إرهابا» في سوريا كان نائب رئيس وزراء النظام الأسدي يصرح، وفي نفس اليوم، من موسكو قائلا بضرورة الجلوس على طاولة الحوار الآن بين النظام الأسدي والمعارضة، وهو الحوار الذي كان يعطله الأسد. فكيف يمكن فهم ذلك، فالجعفري يقول إن ما يحدث ببلاده إرهاب، بينما نائب رئيس وزراء الطاغية يقول تعالوا للحوار!

وعليه فإن ما لا يريد الجعفري فهمه، وأمثاله من أعوان الطاغية، أن كل المطلوب الآن في سوريا هو إيقاف آلة القتل الأسدية، ومحاسبة القتلى، وأولهم الأسد، على مقتل 20 ألف سوري، بلا ذنب، لتطوى صفحة أسوأ نظام عرفته منطقتنا منذ أربعين عاما، وهو ما سيتحقق قريبا، وهذا ما تقوله الحقائق على الأرض، وليس ما يهذي به الجعفري في يويورك من هراء.

الشرق الوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى