صفحات المستقبل

عنصرية في زواريب حي السلم

 

ليال حدّاد

المشهد لا يحتمل الكثير من الالتباس ولا التأويل. كل شيء واضح. أساساً، لا يسعى أحد لتخبئته أو تجميله: “معك ركاب سوريين؟ نزال وليه، وما تفكر ترجع ع الشغل قبل ما يرجعوا المخطوفين من سوريا”. لا يقول العامل السوري شيئاً. يبتسم فقط. يصل الفان الثاني. يتم إنزال الركاب السوريين منه بالقوة. أو أنها ليست قوة، فالعمال لم يقاوموا. رضخوا بسهولة لأوامر أهالي المخطوفين اللبنانيين في أعزاز. هذا ما حصل طيلة الأسبوع الماضي في الضاحية الجنوبية لبيروت، قبل أن يعلن الأهالي تعليق تحركهم ضد العمال، والاستعداد للتحرك ضد الأتراك!

تفاصيل صغيرة تجعل من القصة أكثر حزناً: إجبار سائق فان سوري على العودة إلى منزله من دون أي راكب، الحكم على جنسية ركاب الفانات من خلال شكلهم، دعوة البعض إلى تصعيد إضافي ضد السوريين في المنطقة، تعابير الخيبة والمرارة على وجوه السوريين.. حصل كل ذلك وأهالي المخطوفين يرددون: “نحن مش عنصريين بس بدنا أهلنا..”.

عند هذه النقطة تنتهي القصة، أقله بالنسبة لأهالي المخطوفين الذين يدركون أكثر من أي شخص آخر أن لعب دور الجلاد لن يعيد لهم أحباءهم. ويدركون أن هؤلاء الفقراء لا علاقة لهم بخطف الزوار بل أكثر من ذلك، إن حياتهم أو موتهم في بيروت لا يندرج في إطار أولويات الخاطفين. لكن من يهتم؟

في قلب الضاحية، في أكثر الساعات الصباحية ازدحاماً، وفي أكثر الأحياء فقراً، حصل ذلك. بدا المشهد لوهلة سريالياً. مارة يصفقون وضحايا يعترفون مسبقاً بالهزيمة. يهمس أحد العمال: منقعد بلا أكل، المهم نضل طيبين. الحياة بأي ثمن هي كل ما يريده هؤلاء الهاربون من الجحيم السوري.

يقول سوري وهو يعطي أوراقه الثبوتية لأحد “القبضايات”: بالضاحية؟ يا حيف. هذه الـ”يا حيف” وحدها تعكس العلاقة الملتبسة بين الضاحية والسوريين منذ انطلاق الثورة، ثم مع خطف الحجاج الأحد عشر. العلاقة التي تتفجر بأبشع الصور. لكن، مجدداً من يهتم؟ كل شيء كان مباحاً، والضحية ضحية مثالية. السوري الهارب من الموت المحتم في بلده السوري، والذي يدرك أن لا مكان آخر يذهب إليه. السوري الذي لن يخرج من الضاحية رغم العنصرية التي تحاصره من الجهات الأربع. هذا السوري نفسه الذي يعرف أن الزمن الآن ليس زمنه في لبنان، وأن العنصرية ضده تحصل بتجاهل سياسي وأمني، في الضاحية وخارجها. وهذا ربما ما يعرفه جيداً أهالي المخطوفين، فاستسهلوا الضحية هذه المرة، ونفذت الحرب ضد السوريين بنجاح كبير، ومن دون أي تدخل أمني، رسمي أو حزبي.

انتهت الهستيريا الجماعية في الضاحية بعد أسبوع، ليعود الجميع بعدها إلى بيته. وحدهم المخطوفون لم يعودوا. فحفلات الجنون العنصري تحصل تحت سماء هذا الوطن.. وتنتهي تحت هذه السماء نفسها. أما خلف الحدود، عند الخاطفين تحديداً، فحسابات أخرى لا تمرّ تفاصيلها حتماً في زواريب حي السلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى