صفحات العالم

اقتصاد سوريا: الوضع الحالي وسيناريوهات للمستقبل

 

 

الاقتصاد السوري قبل الحرب الأهلية

الاقتصاد السوري في مجمله سيتم فحصه هنا، وفقا لمؤشرات الاقتصاد الكلي (الماكرو). وضع الاقتصاد السوري كان سيئا جدا قبل الحرب. حسب معطيات المنتج الاجمالي للفرد (2.750 دولار)، تم وضع سوريا في المرتبة الـ 122 في العالم في سنة 2009. وفي المقابل، كانت نسبة النمو مرتفعة جدا: باستثناء سنة 2003 التي كانت نسبة النمو فيها 1 من مئة، فقد وصلت نسبة النمو السنوية 4 ـ 7 من مئة. نسبة النمو المرتفعة جاءت نتيجة الاصلاح الذي تم اجراؤه في سوريا في بداية القرن الحالي، بمساعدة صندوق النقد الدولي. زاد عدد السكان بنسبة متوسطة بلغت 2.5 من مئة سنويا، لكن متوسط نسبة النمو في قوة العمل كان بطيئا جدا، وحدث انخفاض في نسبة المشاركة في قوة العمل، من 49 من مئة في 2003 إلى 43 من مئة في 2009. نسبة البطالة انخفضت من 11 من مئة في 2003 إلى 8 من مئة في 2009. حجم التجارة الخارجية ارتفع في الأعوام 2003 ـ 2008 إضافة إلى انخفاض في 2009 يمكن أن يعزى للأزمة العالمية ـ برغم أنه لم يكن لها تأثير كبير في الاقتصاد في سوريا.

هناك عدد من الحقائق البارزة تجدر الإشارة إليها تتعلق بالبنية الاقتصادية في سوريا، حسب الفروع الاقتصادية. الحقيقة الأولى؛ هي أن نصيب الزراعة من المنتج المحلي الإجمالي كان 17 من مئة ـ وهي نسبة مرتفعة بالنسبة للاقتصادات الحديثة المتقدمة. هذا المعطى يعزز وجهة النظر التي تقول: برغم تقدم سوريا في الاعوام 2003 ـ 2010، إلا أنها بقيت اقتصادا متخلفا. الحقيقة الثانية؛ هي أن صناعة النفط كانت الفرع البارز من بين فروع التصدير «تقريبا نصف حجم التصدير».

الفروع المتبقية للصادرات المركزية كانت تجارة متعلقة بمستوى مهارة منخفض. الحقيقة الثالثة؛ هي أن نصيب حلب (التي أصبحت مركز المعارك) من الاستهلاك، رأس المال، عدد المؤسسات الصناعية وغيرها بلغ 30 من مئة تقريبا. ونصيب دمشق الكبرى كان 40 في المئة.

كان للعوامل الاقتصادية دور في إشعال المواجهات. برغم أن للإصلاحات التي تم تنفيذها في بداية هذا القرن كان تأثير عام إيجابي في الاقتصاد السوري، فقد كان للفجوات التي انشأتها بين المناطق الريفية والمدنية تأثيرات سلبية. إضافة إلى ذلك، المناخ في سوريا كان متقلبا جدا وزاد العنف المتعلق بالمياه. في الأعوام 2006 ـ 2011 مرت سوريا بفترة طويلة من الجفاف الشديد، أدت إلى أزمات زراعية واقتصادية، وإلى هجرات داخلية للسكان.

من بين التطورات المركزية كانت الأزمات الزراعية في الاعوام 2006 ـ 2009 التي أثرت في نحو 1.3 مليون شخص من السكان في شرق سوريا؛ وفقدان مصدر الرزق والوصول إلى الغذاء الأساسي لنحو 800 ألف نسمة؛ جفاف آخر في 2011 فاقم المشكلة، وحتى نهاية 2011 تأثر من ذلك نحو 2 ـ 3 ملايين نسمة، حيث وجد نحو مليون شخص، حسب تقديرات الأمم المتحدة، أنفسهم يعانون من عدم الأمن الغذائي؛ أكثر من 1.5 مليون نسمة، معظمهم من عمال الزراعة وأصحاب مزارع عائلية، انتقلوا من المناطق الريفية إلى المدن واستوطنوا في مخيمات على مداخل المدن السورية.

الجدول رقم 1 يظهر الزيادة في المنتج المحلي الإجمالي ومكوناته المختلفة في فترة المواجهة. مستوى المنتج المحلي الإجمالي في 2015 وصل إلى 38 من مئة من المنتج المحلي الإجمالي لسنة 2010. نسبة المنتج المحلي الإجمالي من غير النفط كانت 42 من مئة من المنتج المحلي الإجمالي من غير النفط في 2010، في حين المنتج المحلي الإجمالي من النفط وصل إلى 5 من مئة فقط من نسبته في سنة 2010.

حسب تقديرات معهد SCPR فإنه حتى نهاية 2015 كان الفقد في المنتج المحلي الإجمالي 163 مليار دولار، قُدرت خسارة احتياط رأس المال بـ 67 مليار دولار. وطبقا للربع الأول من سنة 2015 فقد وصل احتياط رأس المال إلى 43 من مئة من نسبته في 2010. تقديرات معينة تشير إلى تقلص المنتج المحلي الإجمالي بـ 19 من مئة أخرى سنة 2015 وكذلك 8 من مئة سنة 2016.

التدهور الاقتصادي في السياق الإقليمي

في السنوات 2011 ـ 2014 هبط المنتج المحلي الإجمالي للفرد في سوريا إلى مستوى 55 من مئة من المنتج المحلي الإجمالي للفرد في قطاع غزة، وإلى 11 من مئة من المنتج المحلي الإجمالي للفرد في لبنان.

تغييرات في فروع الاقتصاد

يمكن ملاحظة تغييرات ذات دلالة في تشعبات فروع المنتج المحلي الإجمالي. الفرق الذي تكبد القسم الأكبر من الضرر كان فرع البناء. فحسب التقديرات شكل 66 من مئة من إجمالي قيمة الضرر. فرع المناجم تقلص من 13 من مئة إلى 2 من مئة من المنتج المحلي الإجمالي ـ هذا التغيير يعزى إلى انهيار صناعة النفط. في المقابل ارتفع فرع الزراعة من 17 من مئة إلى 29 من مئة من المنتج المحلي الإجمالي.

الاستهلاك العام الذي ازداد في بداية المواجهات انخفض فيما بعد بصورة دراماتيكية إلى 45 من مئة من نسبته في 2010. رد فعل الاستهلاك الفردي كان فوريا، ومنذ بداية المواجهات وهو في انخفاض، برغم أن ذلك الانخفاض هو بنسبة أقل من الاستهلاك العام. ويصل الاستهلاك اليوم إلى 45 من مئة من نسبته في 2010.

حجم الواردات والصادرات تقلص إلى مستويات منخفضة جدا إلى درجة انهيار كبير في التصدير في فرع النفط. حتى 2010 شكل تصدير النفط 49 من مئة من إجمالي صادرات سوريا. منذ 2012 تحولت سوريا إلى مستوردة للنفط.

سوق العمل والفقر

سوق العمل تكبد خسائر فادحة. حتى نهاية 2015 وصلت نسبة البطالة إلى 53 من مئة، حيث كان 2.6 مليون عامل مشغلين و2.9 مليون عاطلين من العمل. للموازنة، في 2011 حيث كانت المواجهة في بدايتها كان هناك 5.2 مليون عامل مشغلين ونسبة البطالة وصلت إلى 15 من مئة (قبل اندلاع المواجهات كانت النسبة 8 من مئة). حسب تقديرات منظمة «اسكوا» (مجلس دول غرب آسيا لشؤون الاقتصاد والمجتمع والتنمية)، فإنه في 2015 كان هناك 83 من مئة من السكان في سوريا تحت خط الفقر، ومقابل ذلك، في 2010 كان هناك 28 من مئة فقط من السكان يتم اعتبارهم فقراء حسب هذا المقياس. ويقدرون بأن نصف الدخل في الدولة يوجه إلى استهلاك الغذاء.

متغيرات نقدية

التضخم في سوريا كان مرتفعا جدا في فترة الحرب: المتوسط السنوي للتضخم في الإعلام 2010 ـ 2015 وصل إلى 35 من مئة. جدول مؤشر أسعار المستهلك في 2015 كان أعلى بـ 4.5 مرة من مستواه في 2010.

وأكثر بتسع مرات من مستواه في 2005. من ناحية التجارة بالعملة الصعبة هناك أسواق رسمية وأسواق غير رسمية. السعر الرسمي يراوح نحو 250 ليرة سوريا للدولار الأمريكي في 2015، في حين السعر في السوق السوداء راوح نحو 350 ليرة سوريا للدولار. قبل الحرب كان السعر 45 ليرة سوريا للدولار الأمريكي الواحد.

سيناريوهات أساسية للمستقبل

سيناريو 1: استمرار الحرب. استمرار الحرب يعني استمرار التدهور الاقتصادي الذي وصف أعلاه. إذا استمرت المعارك فمن المعقول جدا أن يزداد تقلص المنتج المحلي الإجمالي، والسؤال فقط هو بأي مستوى. المنتج المحلي الإجمالي الحالي وصل إلى 38 من مئة من قيمته في 2010. البنك الدولي توقع أن يكون الانخفاض في 2016 بنسبة 8 من مئة. ومعنى ذلك أن المنتج المحلي الإجمالي لسنة 2016 سيكون 35 من مئة من مستواه في 2010. هذه التقديرات تُبين أن نسبة التقلص في المنتج المحلي تتضاءل. نسبة البطالة استجابت في حينه بسرعة أكبر مقارنة مع مؤشرات اقتصادية أخرى، لكن خلال السنتين الأخيرتين بقيت من دون تغيير.

ليس من شأن ذلك أن يقود إلى تقدير أن استمرار الحرب سيؤدي إلى استمرار المس بالمنتج المحلي الإجمالي، لكن ذلك سيكون بنسبة أكثر اعتدالا. حقيقة أن وتيرة التغيير كانت أقل بصورة كبيرة، تُبين أنه في ظروف معينة، فإن الاقتصاد السوري من شأنه أن يصل حتى إلى توازن (وضع مستقر) منخفض، لكن يبدو أن سوريا لم تصل إلى هذه الحالة بعد. الشروط المطلوبة من أجل أن يصل الاقتصاد الموجود في حالة حرب أهلية إلى وضع مستقر هي ألا تتوسع الحرب إلى مناطق يوجد فيها مستويات عالية من النشاط الاقتصادي، وألا يدمر رأس المال و/أو لا يُتسبب بانخفاض في قوة العمل. شروط كهذه لا توجد في الوقت الحالي في سوريا. حيث أن حلب هي أحد مراكز الحرب الرئيسية. لهذا، طالما استمرت الحرب في عدة جبهات، ومنها مراكز مدن، فيمكن توقع حدوث أضرار إضافية.

إضافة إلى ذلك، ولأن عنصر الاستثمار هبط بدرجة أكثر من باقي العناصر الأخرى في الاقتصاد، فإن المساعدات الخارجية حيوية لبناء حجم رأس المال المطلوب بهدف الوصول إلى وضع مستقر.

على مدى التاريخ هناك أمثلة لاقتصادات كان فيها نسب نمو إيجابية أو صفرية خلال حروب أهلية. مثال تاريخي له صلة باقتصاد مَرّ بفترة طويلة من الحرب الأهلية هو الاقتصاد اللبناني. خلال الحرب الأهلية في لبنان بين 1975 و 1990 حدثت تغييرات في شدة المواجهات، ومراكز المعارك المركزية وفي التدخل الأجنبي، وتبين المعطيات الاحصائية التغييرات التي حدثت للمنتج المحلي الإجمالي على مدى تلك الحرب.

وتبين المعطيات الاحصائية ظهور التقلصات الكبيرة في المنتج المحلي الإجمالي في السنوات الأولى للحرب. منذ بداية الحرب الأهلية وحتى الحرب اللبنانية في 1982 نما الاقتصاد بنسبة ثابتة نسبيا. في 1982 انهار المنتج المحلي الإجمالي مرة أخرى. انسحاب إسرائيل الجزئي في 1985 أشار إلى بداية فترة تطور، في أعقابها جاءت فترة أخرى من النمو السلبي في نهاية الثمانينيات. بعد انتهاء الحرب الأهلية في لبنان في 1990 سجل في الدولة نمو إيجابي ثابت، لكنه وصل إلى مستوى المنتج المحلي الاجمالي ما قبل الحرب فقط بعد 15 سنة (أو 20 سنة، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي).

هذا النموذج يُبين أنه يمكن الوصول إلى مستويات نمو إيجابية، وحتى مستقرة، خلال الحرب، برغم أن نموا كهذا من شأنه أن يكون قصيرا، فإنه في كل الأحوال يحتاج الاقتصاد إلى فترة طويلة للوصول إلى مستوى ما قبل الحرب. من المهم تذكر أنه حتى لو دخلت سوريا إلى «حالة استقرار» فإن وضعها الحالي سيئ بصورة لا سابق لها تقريبا. مستوى الفقر يزيد على 80 من مئة. المنتج المحلي الاجمالي تقلص بأكثر من 60 من مئة، و45 من مئة من السكان هم مُهجرون أو لاجئون.

سيناريو 2: اقتصاد واحد ودولة واحدة. دولة واحدة هي كما يبدو السيناريو الأفضل من ناحية إعادة تأهيل الاقتصاد السوري. إذا تجاهلنا مسألة ما إذا كانت هذه الدولة ستكون دولة علوية، سنية أو فيدرالية علوية ـ سنية. حسب تقديرنا كل واحد من هذه الخيارات الثلاثة سيؤدي إلى إعادة تأهيل الاقتصاد السوري.

من أجل أن نفهم حجم إعادة التأهيل علينا أن نتذكر أنه في نهاية 2015 قُدرت الخسارة الاجمالية للاقتصاد بنحو 255 تريليون دولار. خسارة كهذه تساوي خمسة أضعاف المنتج المحلي عام 2010، أو 13 ضعف المنتج المحلي الحالي.

وكما جاء أعلاه، فان الهبوط في المنتج المحلي الاجمالي نفسه يُقدر بـ 163 مليار دولار، الذي يساوي ثلاثة أضعاف المنتج المحلي الاجمالي عام 2010 أو ثمانية أضعاف المنتج المحلي الاجمالي الحالي.

الخسارة في رأس المال تُقدر بـ 67 مليار دولار (1.3 أضعاف المنتج المحلي الاجمالي عام 2010). التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي يُقدر أن تكاليف إعادة تأهيل البنية التحتية المادية تتراوح بين 100 ـ 200 مليار دولار. الضرر في قوة العمل هو بسبب الهجرة (لاجئون ومهاجرون)، وبانتقال سكان إلى داخل الدولة والموت والجرح نتيجة المعارك. احتياط رأس المال يصل الآن إلى 44 من مئة من مستواه في 2011، وقوة العمل تصل إلى 90 من مئة مما كانت عليه في 2011. مع ذلك، نسبة البطالة هي 53 من مئة، وعدد العمال المشغلين يصل إلى 50 من مئة من عددهم في 2011. بصورة عامة، نسبة رأس المال/ العمل منخفضة عن نسبتها قبل الأزمة. هذا المعطى يتساوق مع حقيقة أن نصيب الفروع كثيفة الرأسمال في المنتج المحلي تقلصت بصورة كبيرة، ومع حقيقة أن الاستثمارات انخفضت بصورة أكبر من أي وقت سابق موازنة مع العناصر الأخرى جميعها في المنتج المحلي الاجمالي. نسبة رأس المال/ العمل يتوقع أن تنخفض أكثر في نهاية الحرب، حيث أن سوق العمل تتجاوب بصورة أسرع من جمع رأس المال، كما أن عودة اللاجئين إذا حدثت، ستساهم في ذلك.

في ظروف كهذه؛ فإن النتيجة الفورية لانتهاء الحرب ستكون كما يبدو انخفاضا في نسبة البطالة وارتفاعا في المنتج المحلي الاجمالي، وانخفاضا أيضا في انتاجية العمل وفي الأجر الحقيقي. من أجل أن ترتفع هذه هناك ضرورة لارتفاع نسبة رأس المال/ عمل. تناسب كهذا يقتضي مستويات عالية من الاستثمار، الذي يبدو أنه سيعتمد على المساعدات الخارجية.

في هذه الأثناء، تساعد الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي ودول أجنبية سوريا بوساطة إعطاء مساعدات لحكومتها أو مساعدة يتم تقديمها بشكل مباشر للمهجرين السوريين واللاجئين وضحايا آخرين من ضحايا النزاع. من المعقول جدًا الافتراض أن هذه المنظمات والحكومات ستواصل الاستثمار وتقديم المساعدات لسوريا أيضا بعد انتهاء الحرب. كما أنه يتوقع أن تطلب سوريا مساعدة من صندوق النقد الدولي ومن البنك الدولي. ومع ذلك، فإن حجم المساعدة التي تم تقديمها حتى الآن كان محدودا وغير كافٍ. على خلفية حقيقة أن المساعدات الخارجية تتعلق بالنوايا الحسنة للمانحين وبالظروف السياسية والاقتصادية، يبدو أنه ستمر فترة زمنية إلى أن يستطيع الاقتصاد السوري تجنيد الموارد المطلوبة له من أجل المهمة الكبيرة التي تتمثل بإعادة الإعمار.

هناك تأثير سلبي آخر للحرب التي لها تداعيات قاسية على المدى البعيد، هو انخفاض انتاجية العمل كنتيجة لفقدان سنوات تعليمية وسنوات عمل. نسبة الفقر في سوريا في الوقت الحالي أكثر من 80 من مئة، وهناك الكثير من الأطفال يعانون من انعدام الأمن الغذائي. خلافا لخسارة رأس المال ـ فإن إنتاجية العمل صعبة التأهيل. من المنطقي الافتراض أن جيل الأطفال الذين عانوا من سنوات الحرب سيظل جيلا أقل إنتاجية.

التوقعات للمدى البعيد لصندوق النقد الدولي بشأن إعادة تأهيل اقتصاد سوريا تنطلق من فرضية أنه سيتم التوصل إلى اتفاق سلام، وسيتم تشكيل حكومة جديدة حتى نهاية 2017، وأن الظروف ستُمكن المستثمرين والمانحين الدوليين من المشاركة بشكل آمن في جهود إعادة إعمار الدولة. تحليل صندوق النقد الدولي يشير إلى أنه «إذا افترضنا أن فترة إعادة إعمار سوريا بعد الحرب ستبدأ في 2018 وأن اقتصادها سينمو بمعدل 4.5 من مئة، فستحتاج الدولة نحو 20 سنة من أجل الوصول إلى مستوى إنتاجها المحلي الذي كان قبل اندلاع الحرب… وذلك شريطة أن تنجح الدولة في إعادة تأهيل قدرتها الانتاجية بشكل سريع، وكذلك مستويات رأس المال البشري، وأن تعمل كمنطقة سيادية من دون تشويشات».

سيناريو 3: تعدد الدول والاقتصادات. من أجل مناقشة سيناريو تعدد الدول والاقتصادات سنعرض تحليلا للموارد الاقتصادية للمناطق المختلفة والهيئات السياسية التي ستسيطر عليها، إلى جانب العلاقات التجارية لكل منطقة. إن تحليلا كهذا يمكنه أن يساعد في تحديد أي المناطق ستنجح في الاقتصاد وستتحول إلى دول يسود فيها حكم ذاتي.

الحكومة تسيطر على دمشق الكبرى وعلى خط الساحل. كانت دمشق تضم 40 من مئة من معظم الموارد الاقتصادية الإنتاجية قبل الحرب. وخط الساحل هو المنطقة التي تكبدت أقل مستوى ضرر أثناء الحرب. كذلك في المناطق التي تقع تحت سيطرة الحكومة يعيش 55 ـ 70 من مئة من إجمالي سكان سوريا. كما يوجد لحكومة سوريا علاقات تجارية مع روسيا وإيران، وتتلقى مساعدات من الأمم المتحدة وإيران.

في سيناريو تعدد الدول يمكن التخمين بأنها ستحصل على مساعدة من دول ومنظمات أخرى. لهذا، في الظروف القائمة وعلى فرض ألا تحدث هناك معارك أخرى، فإن الأجزاء التي تقع تحت سيطرة الحكومة يمكنها أن تتعافى وتنمو.

في مقابل ذلك، إذا كانت أغلبية المناطق التي توجد فيها حقول نفط، بقيت خارج سيطرة الحكومة، فحينها ستكون عملية إعادة الإعمار طويلة موازنة بسيناريو اقتصاد واحد وموحد. صحيح أن منطقة حلب أصابها دمار كبير، لكن نظرا لأنها قبل الحرب كان نصيبها يقدر بـ 30 من مئة من إجمالي المنتج، فإن السيطرة عليها لها تداعيات مهمة من ناحية الحكومة.

تنظيم الدولة الإسلامية يسيطر على مناطق واسعة في سوريا والعراق (برغم أن هذه المناطق تقلصت مؤخرا)، لكن السكان في نطاق سيطرتها عددهم قليل جدا. فمن جهة هي تسيطر على أغلبية المناطق التي توجد فيها حقول النفط، وهذه هي مصادر دخلها. ولكن من الجهة الأخرى، فإن مصادر النفط هي موارد قابلة للنفاد، ولا يوجد لداعش علاقات تجارية رسمية مع أي كيان آخر (برغم أن حجم التجارة التي يديرها هذا التنظيم بشكل سري، غير واضح)، وهو يقوم ببيع نفطه بأسعار أقل من السعر العالمي. وتشير التقديرات إلى أن الدخل اليومي لداعش من صناعة النفط يراوح حول الثلاثة ملايين دولار تقريبا. وأن قيمة مخزون النفط لدى التنظيم يراوح بين 1.3 ـ 2 مليار دولار. مصادر دخل أخرى للتنظيم تشمل الضرائب وابتزاز السكان: إن سلبية هذه الطريقة بالنسبة لداعش هي أنها تضر بصورة كبيرة بمحفزات الاستثمار، وحقيقة أنها أدت إلى انخفاض انتاجية قوة العمل، لأن العمال الحرفيين يميلون إلى الهرب من المناطق التي تقع تحت سيطرة داعش.

مصدر آخر هو الحفريات وبيع وسائل فنية وثقافية: برغم أنه من الصعب جدا تقدير الدخل الذي توفره هذه الصناعة.

المصدر الثالث هو الاختطاف بهدف الحصول على الفدية: يُقدر الدخل من الفدية بين 20 ـ 45 مليون دولار في سنة 2014. إن هذا النوع من النشاطات من شأنه أن يؤدي إلى التدخل العسكري الأجنبي يكون مدمرا للاقتصاد.

برغم أن الدولة الإسلامية لا تحصل على أية مساعدة رسمية من المنظمات الدولية، وبرغم أنها تواجه حظرا ومقاطعة وعقوبات، فإن لديها شبكة لتجنيد الأموال وهي تتلقى الهبات. هناك تقديرات تشير إلى أن التنظيم جمع 40 مليون دولار في أعوام 2013 ـ 2014 من متبرعين في الدول الغنية بالنفط مثل العربية السعودية وقطر والكويت. لقد صادق التنظيم على ميزانية تبلغ 2 مليار دولار لسنة 2015، وهي تشمل إضافة متوقعة تبلغ 52 مليون دولار لتغطية تكاليف عمليات في العراق وسوريا. والاستنتاج هو أن اقتصاد تنظيم الدولة الإسلامية يمتاز بارتباط كبير بموارد قابلة للنفاد على المدى المتوسط والطويل. وتجدر الإشارة إلى أن كميات النفط بدأت بالتقلص حتى قبل اندلاع الحرب. وفي المقابل، فقد داعش السيطرة على مناطق كبيرة يوجد فيها مواد ثقافية وفنية، الاختطاف بهدف الحصول على الفدية يكتنفه خطر التدخل الأجنبي، والضرائب وأموال الابتزاز تجر خلفها استثمارات أقل وتؤدي إلى هرب الأيدي العاملة الماهرة. بناء على ذلك إذا امتنعت الدولة الإسلامية عن التصادم مع كيانات أخرى، فربما سيكون بإمكانها البقاء على المدى القصير، لكن إذا لم تعقد معاهدات وعلاقات تجارية ولم تنشئ صناعات تقليدية وتحث الأشخاص على العمل والاستثمار، فمن المعقول الافتراض أن لا تبقى في المدى البعيد.

الأكراد يسيطرون على معظم الحدود الشمالية مع تركيا. في الجزء الشرقي من الحدود توجد محافظة الحسكة الغنية نسبيا بآبار النفط وزراعة الحبوب. لقد اقتبس سان داغر، مراسل الـ «وول ستريت جورنال»، عن مصادر رسمية في الحسكة التي يسيطر عليها PYD الكردي، التي قالت إن آبار النفط في تلك المنطقة أنتجت 40 ألف برميل يوميا في نهاية 2014، وقد تم بيع النفط لقبائل عربية محلية بسعر 15 دولارا للبرميل. ومع ذلك، فإن الأكراد يواجهون الحرب من قبل داعش في الحسكة، فقد عقدوا اتفاقات مع الـ بي.كي.كي في تركيا ومع الحكومة المحلية لكردستان العراق كي.آر.جي. وهم يواجهون معارضة شديدة من قبل تركيا. وهناك من يدعي أنه توجد لهم علاقة مع نظام الأسد مكنتهم من السيطرة على الحدود الشمالية وعلى العلاقة التجارية معه.

في هذه الظروف يبدو أن الأكراد متعلقين بموارد النفط التي لن تكفي على المدى الطويل، والزراعة التي تتعرض لتغيرات مناخية متقلبة، وكذلك بقاء نظام الأسد وعدم تدخل تركيا مثلما حدث في آب/ أغسطس وأيلول/سبتمبر 2016. هذه الظروف تعطي إمكانية للبقاء على المدى القصير. ولكنها تقتضي تغييرات هيكلية وامتناعا عن مواجهة مستقبلية على المدى الطويل.

البيانات الاقتصادية فيما يتعلق بالهيئة القيادية للمعارضة (ناشيونال كواليشن فور سيريان ريفليوشن اوبوزيشن فورسيس) يصعب الحصول عليها.

المناطق المسيطر عليها من قبل جيش سوريا الحر ليست غنية بالموارد الطبيعية، ويبدو أن تنظيمات المتمردين مرتبطة بدرجة كبيرة بالمساعدات الخارجية. لهذا، إذا لم يتوسعوا فمن المعقول الافتراض أن يستمروا في الاعتماد على المساعدات الخارجية.

ويمكن الافتراض أن تستمر حكومات أجنبية في تقديم المساعدة لهم، لكن من أجل البقاء على المدى البعيد سيكون عليهم إيجاد مصادر دخل ذاتية.

الاستنتاجات

يتطلب اقتصاد سوريا عشرات السنين من أجل أن يتعافى ويعود إلى وضعه الذي كان قبل الحرب. جزء من الأضرار يبدو غير قابل للإصلاح ـ أشخاص هربوا من الدولة ولن يعودوا، سنوات من التعليم والثقافة التي فُقدت، والضرر الذي أصاب رأس المال المادي ورأس المال البشري هو ضرر كبير جدا إلى درجة أنه يحتاج إلى مئات مليارات الدولارات من أجل إصلاحه.

صندوق النقد الدولي يُقدر أن إعادة الإعمار سحتاج إلى عشرين سنة. معنى الأمر أنه في أفضل الحالات فإن سوريا تحتاج إلى فترة طويلة جدا من أجل أن ترجع إلى الوضع (السيئ جدا) الذي كان سائدا فيها قبل الحرب الأهلية.

افتراض معقول آخر هو أن سوريا موحدة هي الإمكانية الأفضل بدرجة كبيرة من سوريا مقسمة، على الأقل من ناحية إعادة تأهيل الاقتصاد. وكذلك فإن تلك الأجزاء التي ستنفصل عن سوريا وستُقاطع من دول العالم مثل تنظيم الدولة الإسلامية، لن تحصل بسهولة على المساعدات الدولية.

ألون ريغر وعيران يشيف

٭ بروفيسور في جامعة تل أبيب ومستشار للمصرف المركزي في إنكلترا وبنك إسرائيل

القدس العربي

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى