سعيد لحدوصفحات سورية

توبة الحاج رامي مخلوف

 


سعيد لحدو

(….إإِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا). هكذا ورد في الكتاب الذي أشك أن الحاج التائب حديثاً رامي مخلوف قد قرأ فيه يوماً ولو من قبيل الفضول وتمضية الوقت. ومع ذلك فإن للحاج الجديد خارج مواسم الحج، أن يتباهى بعدد لا يحصى من الحسنات التي هبطت عليه من السماء الآن بعد هذه التوبة النصوحة وقراره المفاجئ بالزهد في متاع الدنيا والتفرغ “للعبادة والأعمال الخيرية الصالحة” وذلك بعد أن تحولت سيئاته كلها إلى حسنات. تلك السيئات التي لا أدعي معرفتها كلها، ومن أين لي أو لأي مواطن سوري عادي أن يعرف تفاصيل مادار ويدور في مكاتب الحاج (قبل أوانه) من اتفاقات وصفقات وأعمال ومشاريع ومناقصات وطبخات وإجراءات وقرارات إقتصادية ذات وجهة واحدة محددة، ومزايدات ومؤامرات مالية وغير مالية تمتد تواريخ ولاداتها على مدى أربعة قرون (أي قبل أن يولد الحاج المذكور نفسه). أما أماكن تلك الولادات فتتوزع مابين قصر الشعب الذي لاحق لأفراد الشعب العاديين، أمثال الداعي، في الاقتراب منه والنظر إليه ولو من بعيد، وبين مكاتب الحاج التائب في مناطقه الحرة وغير الحرة والتي زرعها الحاج الغارق بالمشاريع في كل ناصية شارع وزنكه، بوحي من سلطة العائلة المصونة من كل انتقاد آملاً أن يحل مشكلة البطالة والفقر في وطن مافتئت مشكلة البطالة فيه تتزايد والفقر يوسع دائرة نفوذه مع توسع مشاريع الحاج وتنوعها وتعدد المجالات التي استثمر فيها أول دولار ربحه من المال غير النظيف. وتعود قصة الحاج ،التائب فجأة وبغير مقدمات، إلى بدايات والده صاحب السبق بذلك ليرث الدور كما ورث ابن عمته الرئاسة. وهكذا قدر لهما ولغيرهما من أفراد العائلة المقدسة بخفة وشطارة يحسدون عليها،أن يجمعوا مئات المليارات في سنوات قصيرة (هذا إذا طرحنا منها فترة حكم الأب)، في الوقت الذي تزاحم سورية فيه أكثر الدول فقراً وتأخراً على المراكز السفلى في أية قائمة للتصنيف تصدر عن مؤسسات عالمية رزينة وذات مصداقية.

في إعلان التوبة المدوي للحاج رامي مخلوف قرر ألا تدخل مؤسساته الكثيرة في أية مشاريع جديدة، وكأنه ترك وراءه أي مجال أو فرصة لمشاريع جديدة في سورية. وباعتباره أصبح، بهداية الثورة السورية، من عباد الله الصالحين، قرر أن يسخر كل أرباحه من شركته الأشهر “سيرياتيل للإتصالات” للأعمال الخيرية!!! عله بذلك يصيب أجراً ويكتب له ثواب في الآخرة التي تعجَّلَ كما يبدو في السعي إليها.

الحاج التائب لم يتطرق إلى مشاريعه الأخرى حول العالم، ولا إلى عشرات المليارات التي استولى عليها بقوة القرابة للسلطة من أموال الشعب السوري وقوت يومه. ولا أدري ماحكم الشرع في سارق يقدم بعضاً مما سرقه لأعمال الخير؟؟؟ فقد يكون لدى مشايخ وفقهاء من عيار البوطي وحسون الجواب الشافي على هكذا تساؤل غير بريء.

ولأنني مواطن غير بريء بحكم تساؤلاتي المريبة هذه، سأحاول أن أستشف بعض نوايا الحاج رامي غير البريئة في أعمال الخير المزمع القيام بها. فبالقطع لن يكون لأسر وأبناء أولئك الشياطين والمندسين والعصابات الإرهابية والسلفيين ممن تيسر قتلهم أو اعتقالهم أو من ساكني مخيمات اللجوء على الحدود التركية أي نصيب منها. ذلك لأنهم روَّعوا السكان الآمنين وتجرأوا على قتل أفراد جيشنا الوطني حامي البلاد وأهلها. رغم أنه لم يكن بيدهم سلاح!!! فكيف لو أنهم امتلكوا الدبابات؟؟؟

كما أن هناك شريحة من المواطنين (أو هكذا يفترض أن يكونوا) تحصل على دخلها بصورة أساسية من مهماتها الخاصة في مشاريع وعمليات الحاج التائب وأهل بيته من الأقربين. والآن بعد أن زهدت نفس الحاج رامي بالربح العائد من مشاريعه تلك، لن يكون التخلي عن تلك الشريحة (من المواطنين المفترضين) من أخلاق المؤمن الحميدة. لذلك سيتواصل دعمها بالأموال المخصصة لأعمال الخير وتزويدها، بالإضافة للمكافآت المجزية، بآخر موديلات سيارات الشبح التي تميزوا بركوبها كعلامة مميزة لمكافحة المجموعات الإرهابية المندسَّة . لعلها بذلك تتمكن من إعادة السكينة إلى روح الحاج التائب وأقربائه بعد ثورة الاندساس التي عرفها المجتمع السوري مؤخراً.

جزء هام من تلك الأرباح المخصصة للمشاريع الخيرية من حر مال الحاج رامي لابد وأن يودع في صندوق خاص لمساعدة عائلات شهداء الجولان وجنوب لبنان من المدنيين الذين سيسقطون في المستقبل القريب بنيران العدو الإسرائيلي كإثبات لنظرية الحاج في أن (لا استقرار لإسرائيل بدون استقرار سورية). تلك النظرية التي أوحيت إليه بعد فترة تأمل وخلوة روحية وتصافٍ مع الذات، قبل إعلان التوبة الشهير. ولم يبق على الحاج إلا إثبات صحة نظريته تلك بدفع المزيد من المدنيين عبر الشريط الحدودي “لتحرير الجولان المحتل”. وقد أجرى بعضَ التمارين كمقدمة لذلك. هذا الاكتشاف المثير تم بعد أن وجد الحاج (حتى قبل توبته المدويَّة)، ورفاقه وأنسباؤه مهامَ أخرى للجيش السوري بإرساله إلى شوارع وساحات المدن والبلدات السورية لتجسيد وحدة الجيش والشعب في سابقة تسجل لهم. هذا من جهة. ومن جهة أخرى لحماية جيشنا العقائدي من أية ردة فعل إسرائيلية لضربه.

وبعد …فإننا نتساءل تساؤلاً غير بريء كحال كل السوريين الذين يندر أن تجد من لم يصبه أذىً من أعمال ومشاريع الحاج التائب: هل توبة هذا الحاج المستجد توبة نصوحة؟؟ وهل يعود قرار قبولها لله أم للشعب السوري الذي تنازل عن الكثير الكثير من حقوقه وقرر الآن أن ينتفض لكرامته؟؟؟

سؤال كما ترون غير بريء. ولذلك فهو بحاجة إلى مشايخ وعلماء دين غير أبرياء من أمثال البوطي وحسون لعلهم يجدون له جواباً وفق شرعهم الذي تعلموه ويعلمونه لتلاميذهم من أجل قادم الأيام، إن كان هناك بعد لأيامهم قادم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى