صفحات الثقافة

هل هناك قواعد أم أن الشعر كما كتب أنسي الحاج فوق القوانين؟

 

قصيـدة النثـر قصائـد وأجيـال وطريـق الحريـة

زهرة مروة

الكتّاب والقراء جبرا ابراهيم جبرا والماغوط وتوفيق صايغ وألبير أديب ومثلهم العديد من شعراء العرب، كتبوا شعرا حرا، لكن لم يطلقوا عليه اسم قصيدة النثر، لكن أول من كتب شعرا حرا مطلقا على هذا الشعر اسم «قصيدة النثر»، هو الشاعر أنسي الحاج، واعتبر العرب هذا الأمر تجديفاً لأنه بحسب مفهومهم الخاص، القصيدة يجب أن تكون موزونة مقفاة.

ومن هنا بدأت تطرح فكرة «قصيدة النثر» في العالم العربي، ومن أبرز الصراعات التي ساعدت في «تشريع» قصيدة النثر العربية، هي الصراعات بين مجلة شعر ومجلة الآداب.

بعد أن شرعت قصيدة النثر، بدأت تتناوب عليها الأجيال. فأتى جيل السبعينيات والثمانينيات مع يوسف بزي ويحيى جابر وسركون بولص وبسام حجار… ليضيف عليها روحا جديدة… وصولا الى جيلنا الحاضر. السؤال الذي يطرح نفسه: كم نوع قصيدة نثر أصبح لدينا منذ ولادة تلك الأخيرة الى أيامنا هذه؟ وما هي التغييرات التي طرأت على هذه القصيدة؟ ناقشنا هذه الأسئلة مع عدد من الشعراء والنقاد الذين ينتمون الى الأجيال المختلفة.

بعضهم اعتبر أن قصيدة النثر مرت بمراحل، وتطورت من حيث الأسلوب بعد تأثرها بالشعر الغربي وخاصة الفرنسي، لكن برأيهم ان الشعر هو قوام على الايديولوجيا أو الحرفة، وما من طريقة معينة أو جاهزة للكتابة. والبعض الآخر اعتبر أن قصيدة النثر طوّرت معها النثر العربي عامة، وانتقلت من كونها «اكتشافا استفزازياً» في الخمسينيات، ثم باتت في الستينيات عنوانا لمعركة «التجديد» و«التأصيل»، ثم باتت في السبعينيات مطرحاً «للتثوير».. أصرّ البعض الآخر على أن الحرية المطلقة في الشعر هي سيف ذو حدين، وخاصة في غياب النقد الجدي في أيامنا هذه.

أنسي الحاج: معاصرة التجارب الحديثة

الشاعر أنسي الحاج تكلم عن تطور الشعر الذي حصل مباشرة بعد شعراء السبعينيات والثمانينيات، وأننا أصبحنا متجهين أكثر الى معاصرة التجارب الشعرية الغربية الحديثة، وخاصة مع قصيدة بول شاوول التي تشبه الشعراء الفرنسيين الحديثين، كذلك مع قصائد عباس بيضون التي هي أقرب الى الشعر الغربي الحديث.

ويعود الحاج ويستدرك أن هذه التصنيفات تفترق في التسمية وتلتقي في المفهوم واللغة الشعرية. وان الشعر هو القاسم المشترك بين كل هذه المفاهيم والمدارس. «والشعر الخالد لا يمتحن معدنه من خلال المفاهيم، ولكن يمتحن من خلال تجاوب القارئ معه أو عدم تجاوبه، وهذا التجاوب يبقى سراً من الأسرار. الشعر ليس صناعة، لكن هذا لا يعني أنه ما من صناعة في الشعر، ولكن الصفة الغالبة هي للشعر لا لمفهوم الشعر».

ومثال على ذلك، نظّر الشاعر أنسي الحاج في مفهوم لقصيدة النثر وطبق ذلك في كتاب «لن»، ثم عاد واخترق هذه النظريات. فمن ضمن القواعد التي وضعها الشاعر لقصيدة النثر العربية، أن تكون قصيرة، لكنه عاد واخترق هذا المفهوم وكتب قصائد طويلة في كتاب «لن» نفسه. من هنا يعتقد الحاج أن الشعر لا يضبط نفسه بأيديولوجيا أو قوانين معينة، انما يضبط نفسه وإيقاعه بإنتاج نفسه. «الشعر هو اندماج منتهى الشعور في منتهى التعبير».

اذاً الشعر هو فوق الايديولوجيا والحرفة، مقولة باتت تطبق بعد جيل السبعينيات، وصولا الى جيلنا هذا، الذي تحرر كليا من الايديولوجيا والقوانين الشعرية، لكن هذا التحرر قد يكون إيجابيا، من ناحية حرية التعبير والانطلاق شعريا، كما أيضا قد يكون سلبيا وقد يجر معه العديد من الشعراء المستسهلين أو الدخيلين على الشعر، وخاصة في غياب النقد الصارم كما هي الحال في أيامنا هذه. وهذا ما أثنى عليه بعض النقاد، الذين يعتبرون أنه يجب على الناقد أن يكون مكرسا للأدباء ومسؤولا عن المجرى الأدبي، وتقع عليه مسؤولية غربلة كل شيء. وفي المقابل، يجب ألا يفوته أي كتاب مهم.

أي يجب أن يتوزع النقاد على كل المراكز الثقافية وعلى الصحف والمجلات التي تعنى بالأدب، وعلى الجامعات، وعلى دور النشر بحيث يجب أن توظف تلك الأخيرة لجان قراء للمخطوطات، وألا تنشر أي كتاب إلا بعد موافقة هذه اللجان. وكذلك على الصحف ألا توظف ألا الناقد المشهود له. وعلى الجامعات ألا تسلم مسؤولية التعليم إلا لأساتذة دائمي العمل على أنفسهم.

غياب النقد والاهتمام بالشعر وبشعراء الجيل الجديد، أثنى عليه أيضا الشاعر محمد علي فرحات، الذي يعتبر أنه انصبّ الاهتمام على قصيدة النثر العربية أثناء ولادتها الرسمية مع أدونيس وأنسي الحاج ومحمد الماغوط وتوفيق صايغ وغيرهم، في أواخر خمسينيات القرن الماضي، «وتجلى الاهتمام في قراءة هذه القصيدة وفي نقدها، بالمفرد وبالجملة، أي بقراءة قصيدة بعينها أو بقراءة الظاهرة عبر قصائد لشعراء متنوعين». ويعتبر فرحات أن الآن – بخلاف ما كان سائدا في السابق – ما من نقد لقصيدة النثر على رغم وفرتها في المكتبة العربية، «كل ما في الأمر أننا نقرأ انطباعات في الصحف ودراسات داخل أسوار الجامعات، وهي كلها تفتقد النقاش الحي الذي يستقطب القارئ والناقد والشاعر».

ويربط فرحات غياب النقد الجدي في أيامنا هذه، بتراجع قراءة الشعر عالميا، وبتراجع اهتمام القارئ العربي نفسه بالشعر الذي كان أرقى الفنون العربية اللغوية، وبتراجع القراءة بوجه عام…

وبرأي فرحات، اننا نحتاج الى ناقد أو مجموعة نقاد لغربلة قصائد النثر العربية الجديدة، وتصنيفها، وعلينا ان نكتشف الجواهر في هذا السيل الذي لا ينتهي من نتاج الشعر، «خصوصا لدى الشباب الذي تصدمنا حيويته ويصطدم هو بأن حيويته لا تلقى صدى لدى الجماعة الثقافية العربية. إني متأكد بأن لدينا شعراء ممتازين وبأن قصيدة النثر العربية تطورت، ولا برهان على تأكيدي. أطلب البرهان من نقاد أفترض اهتمامهم بهذه القصيدة».

شعر النثر

نعود الى أجيال قصيدة النثر ومدارسها المتعددة. فالشاعر والناقد عبده وازن يعتقد أنه لم يبقَ هناك قصيدة نثر واحدة، وأصبحت هذه القصيدة قصائد ومدرستها أصبحت مدارس منذ أن انفتحت على شعريات ما بعد الحداثة. «قصيدة النثر لم تعد قائمة بصفتها مقولة جاهزة أو محددة بمعايير أو مقاييس راسخة». وبرأي وازن أن قصيدة النثر تحررت من هذه المعايير أو الشروط وتخطتها في أفق شعري نثري، يتجلى في أنواع عدة من الكتابة الشعرية المتمردة على الشروط التي قالت بها سوزان برنار في كتابها التاريخي وهي: الإيجاز، الكثافة والمجانية.

«انني أفضل اليوم تسمية شعر النثر أو الشعر الحر في مفهومه النثري. لكنني لا أعترض على كتابة قصيدة نثر في صيغتها الثابتة. الشعر الآن تحرر من القيود والحدود والمهم أن يكون شعراً، برؤياه وجمالياته العالية».

الصحافية صباح زوين بدورها تشارك وازن الرأي وتعتبر أن الشعر تحرر من القيود وانطلق بحرية، وهذه الحرية برأيها هي أحيانا مبتذلة أدبيا، «كانت قصيدة النثر في تلك الفترة الخمسينية الستينية، ولا تزال حتى اليوم، تتنقل بين النص الملآن، النص النثري – الشعري، والشكل العمودي و«الأبيض» لقصيدة غير أفقية، قصيرة كانت أم طويلة. وفي السبعينيات تطورت هذه القصيدة الى امتحان أبعد مع جهوزية هذا النوع من الشعر المفتوح الى ما لا نهاية على حرية التصرف والصياغة».

وبرأي زوين أن هذا الامتحان النثري الذي أكمله شعراء الثمانينيات، والذي تراوح بين «بياض» الصفحة والنص الملآن أوصل معظم الشعراء في تلك الحقبتين السبعينية والثمانينية (وصولاً الى انسداد الأفق في معظم فترة التسعينيات والألفية الجديدة)، الى اعتماد إما النص «العقلاني» والمباشر، وإما النص والقصيدة العمودية الشكل لكتابة اليوميات «في تفاصيل باهتة من حيث قلة شاعريتها». وبرأي زوين ان هذه القصيدة، أوصلت الشعر الى الفراغ التام. «وأحياناً كثيرة، أضحوا في النهاية يكتبون «قصيدة» يظنونها نثراً لكنها أقرب الى المقالة الصحافية أو الى أي خبر من الأخبار الصحافية المتفرقة».

وتضيف زوين بأن قصيدة النثر ليست أي كتابة وانها لا تستوعب أي نثر كان. «أصبحت قصيدة النثر مع البعض وعاءً لكل ما أمكن من ثرثرات سطحية».

وأضافت صباح زوين بأنها قالت في أكثر مقالة وفي أكثر من حوار على مدى سنوات ولا تزال، إن قصيدة النثر لا تصبح قصيدة إن لم ترتكز على الإيقاع قبل كل شيء، وعلى الصورة أساساً. «قصيدة النثر ليست ثرثرة نثرية. انها بنية شعرية صرفة في صيغة نثرية لها أصولها وعلى الشاعر أن يحددها».

لقيطة جذابة

الشاعر والصحافي يوسف بزي يعتبر أنه في أواخر الخمسينيات، بدت قصيدة النثر اقتراحا أو اكتشافا استفزازياً وخطرا على معنى الشعر وكتابته، ثم باتت في الستينيات عنوانا لمعركة «التجديد» و«التأصيل»، ثم باتت في السبعينيات مطرحاً «للتثوير»، لكنها صارت في الثمانينيات منطلقاً «لتعميم» الشعرية. «في الثمانينيات، تركت قصيدة النثر تلك المعركة وراءها غير مبالية بشهادة الشرعية، أي أنها أصبحت لقيطة غير مبالية بصفتها تلك. كانت في تلك اللحظة لقيطة أخاذة وجذابة لم يعد يهمها الأصل والنسب والحسب. لقد تبناها أصلا الآتون الى الكتابة بنزق متمرد ومن عصيان وجودي ومضطرب وقد ضاقوا ذرعاً من كل أشكال البطريركية الثقافية ومن النزعة الأصولية للحداثة وما قبل الحداثة».

وبرأي بزي أنه من الممكن أن يكون هذا التحقيب لبنانياً أكثر مما هو مصري أو سوري أو عراقي، ذلك أن ممانعة قصيدة النثر في لبنان كانت أضعف مما هي عليه في الدول العربية الأخرى. ومردّ ذلك برأيه يعود الى ميل الثقافة اللبنانية للأخذ بما هو أجنبي بتقبل أكثر.

ويضيف الشاعر والصحافي يوسف بزي أن قوة قصيدة النثر لم تأتِ فقط من تراكم تجاربها وشدة تنوع صيغها، لكن تحصلت لها هذه القوة من تطوير النثر ومعنى النثر نفسه. «ادعاء أقل بالشعر والشعرية وانتباه أكبر للتألق اللغوي وجعل ذلك في خدمة معاشرة الزمن، يمكن هنا القول عن بعد بيولوجي محسوس للكلمة.

الكلمة لم تعد سماوية أو متعالية أو مفارقة للتجربة. بات الشعراء لأول مرة ليسوا أنبياء».

وقصيدة النثر حررت العديد من أشكال الكتابة ومن بينها الرواية على حد قول يوسف بزي: «قصيدة النثر من غير أن تدري ربما حررت حتى فن الرواية نفسه، بل أبعد من ذلك حررت خصومها من شعراء القصيدة الحرة أو التفعيلة».

وعن الجيل الأخير يقول بزي: «الجيل الأخير في قصيدة النثر يؤكد رسوخ هذا الضرب من فن القصيدة وقدرتها على مجاراة الحساسيات الجديدة في التفكير في نمط العيش وفي وسائط التواصل وفي اللغة المتداولة. حرية قصيدة النثر تتيح للشعراء الجدد أن يخونوها ويخونوا كل أساليبها السابقة دون أن يشعروا بالخيانة أصلاً».

أجيال

الشاعرة خاتون سلمى تعتبر أن قصيدة النثر أو «البناء الشعري المتحرّر من قيود الأوزان» يُدعَّم فقط عبر الوحدة العضوية بين المعنى واللفظ ليشدّ من أزرهما الإيقاع أو الجرس الموسيقي الذي يولّد نفسه بنفسه. وأن هذا البناء لا يأتي من متخيَّل بل من التصاقٍ تام بالحتمية الزمنية وما قد يستلزمه التعبير عنها من صيغ تناسبها.

وبرأي سلمى، لكل جيل واقعه الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وانتقاءاته الثقافية، «وعليه يأتي الشعر فعل مباغتة ومرآة قادرة على أن تعكس وعي الفرد على مستوى التجربة الذاتية والتجربة الجماعية».

اذاً برأي خاتون سلمى، لا تبعية للرواد، بل كل جيل هو حر مستقل ولا يعكس إلا واقعه وليس بالضرورة أن يكون كلام النقاد ناضحا بالحقيقة التامة للواقع الشعري: «الشعر نتاج واقعه. وهذا ما فعله الروّاد من قبل وهذا ما قد يفعله كل جيل وفق واقعه. وقد يتوقف النقد عند جيل ما لكي يسلمه شعلة الريادة. ولكن هذا لا يعني أن ما يقوله النقّاد هو الحقيقة الكاملة دائمًا. فكم من شعراء مبتكري نبرات مختلفة لم يحظوا بهذه التسمية التكريمية».

ومثالا على خصوصية كل شاعر ولا تبعيّته لأحد، تقول سلمى ان تحرر والت ويتمان من التبعية للشعر الإنكليزي الكلاسيكي جاء نتيجة وعيه التام لخصوصية الواقع الأميركي آنذاك، «ونضيف الى ذلك إدغار آلن بو الذي وجد في الغيب واللامألوف والمرعب مناخًا يلبّي رغبة التحرر.

وتعتقد خاتون سلمى أن الشعر اليوم لم يعد مقتصرا على قصيدة النثر بل كل الأعمال الإبداعية الجديدة قد تنضح شعراً ومخيلة خصبة وإبداعية أكثر من الشعر نفسه: «ما يتم التعبير عنه شعريًا اليوم مرتبط بالإيقاع السريع للأحداث وبالتجارب الإبداعية ذات الإمكانات التقنية الهائلة، كالأفلام السينمائية التي استطاعت أن تحيي قصائد بصرية ذات قدرة على تحفيز الفكر في بعديه المتخيل والتأويلي. على سبيل المثال، إن مشاهدة رواية تولستوي «آنا كارنينا» التي أنتجت سينمائيًا في فترات زمنية مختلفة، وكان آخرها في العام الفائت، تكشف عن تطور إبداعي عبر مقدرة المخيلة الإنسانية وما بوسع الأدوات التقنية الحديثة في الابتكار».

أخيرا نختم مع الشاعر ايلي عبده الذي ينتمي الى شعراء الـ2010، ويحدثنا عبدو عن زملائه شعراء الجيل الجديد الذين يجدون أنفسهم اليوم «وحيدين يلهثون وراء الأفكار والصور الاستعارات المُغايرة، يلتقطون يأسهم من الشوارع والوجوه والتفاصيل الخفية، يسجلون قصائدهم في الخفاء ويودعونها الأدراج. على عكس الأجيال التي سبقتهم والتي كانت تملك حوامل معرفية صحافية لتصنع منها نجوماً وقامات شعرية».

لكن يعود عبدو ويعتبر هذا الأمر صحياً جداً، وأنه من حسن حظ الجيل الجديد أنه «فرديٌّ» و«هامشيٌّ»، كونه لم يجد منبرا كمجلة شعر لتسطو على تجربته عبر القولبة والنمذجة.

وبرأي الشاعر الشاب ايلي عبده أن شعراء قصيدة النثر الستينيين مثل أنسي الحاج وأدونيس أوقعوا قصيدة النثر بالأسلبة الصلبة، وحوّلوها إلى مدارس وحدود وقوانين، «هي الهاربة أساساً من انضباط الوزن، في الحقيقة، كنا ضحايا خديعة ماكرة أوهمتنا أن هناك تفجيراً في اللغة وتمرّداً على البُنى الشعرية التقليدية ليتّضح لاحقاً أن التفجير هو تراكيب جاهزة تجترُّ ذاتها دون جدوى، أمَّا التمرّد الذي ربط نفسه بالحداثة، فسرعان ما تحول إلى شعر متحفي مُضجر».

ويضيف ايلي عبدو قائلا ان الرّعيل الأول لقصيدة النثر لم يكتب قصيدة مميزة وخارقة، كل ما في الأمر أن هذه القصيدة جاءت بعد عقود من تراكم قصيدة التّفعيلة الرديئة، فالقيمة هُنا تُكتسب بالسّلب مما مضى وليس بالإيجاب مما سيأتي. «لقد استبدل هؤلاء قاموساً جامداً بقاموس جامد آخر، وإذا كان المأخذ الأول على قصيدة التفعيلة ان شعراءها (دون تعميم) يتوسلون التهويمات اللغوية الخالية من لحم الواقع ودمه، فإن رعيل قصيدة النثر الأول استمروا بذلك لكن بقوالب تجريبية أكثر جرأة وبغطاء تنظيري جعل من قواعد سوزان برنار وصايا مقدسة».

في المقابل، يثني ايلي عبدو على أهمية قصيدة الماغوط ودورها في تحرير قصائد الجيل الذي أتى بعدها: «محمد الماغوط حلّق خارج السرب من شعراء الرعيل الأول معتمداً في كتاباته الأولى لغة حية تنبض خارج القاموسية الجامدة، مما ترك المجال رحباً لشعراء الجيل الثاني كي تنفتح تجاربهم على الواقع وتتداخل اللغة بالتفاصيل والأحداث والوقائع. شعراء الجيل الثاني فتحوا أبواب قصيدة النثر على مصراعيها عبر خلق تنويعات أسلوبية مختلفة».

وعن الجيل الجديد يقول عبدو إنه خلطَ كل التجارب السابقة رأساً على عقب، «مستعيداً، ذاته ليس عبر ثورة تنظيرية كما ادّعى الأوائل، وإنما عبر ثورات فردية لا يلحظها أحد. لم يعد الهدف خلق أسلوب جديد في كتابة القصيدة والثأر من الأساليب السابقة. باتت القصيدة مسرحاً لعرض التناقضات الفردية والانكسارات والهزائم. قدم الجيل الجديد اليوميّ على القاموسيّ».

ويعتبر عبدو أنه مع شعراء الجيل الجديد تصالحت القصيدة مع اللحظة التي تكتب فيها، لغةً ومناخاً. «اللحظة الآن هي لحظة الثورات بكل ما تحمل من لغة وخيال. الكثير من الشعراء الشباب نزل إلى ميادين التظاهر ليجسر المسافة بينه وبين قصيدته».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى