صفحات العالم

أوباما والموقف الاميركي من الازمة السورية –مقالات مختارة-

 

 

 

أوباما وقوة أميركا الناعمة/ د. مصطفى اللباد

يفصلنا عام واحد عن انتهاء الولاية الثانية والأخيرة للرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي أثار الجدل وملأ الدنيا وشغل الناس في الشرق الأوسط والعالم. يعتقد البعض في أميركا والعالم أن الرئيس الأميركي الأسمر النحيل، المبتسم الضحوك، قد أعاد الاعتبار للقوة الأميركية الناعمة وأفلح بأدنى قدر من الخسائر في إخراج أميركا من أوحال المنطقة تمهيداً لإعادة التموضع والتركيز شرقاً في مواجهة الصين البازغة.

وعلى وجاهة ذلك الافتراض، يبدو الأمر صعباً عند تقييم ولايتيه الرئاسيتين وفقاً لنظرية «القوة الناعمة» الرائجة، بسبب صعوبة القياس العلمي للنجاح أو الفشل بحسب النظرية المذكورة. وبرغم ذلك، تبدو سياسات أوباما الخارجية حيال المنطقة والعالم مكتملة المعالم والقسمات، بحيث يمكن استخدامها كمعيار لقياس النجاح المفترض لأوباما من عدمه. وإذ أمضى أوباما سبع سنوات يجرب خياراته، من مناشدة العالم الإسلامي من جامعة القاهرة العام 2009 ومحاولاته الضغط الناعم من دون فائدة على الديكتاتوريات الحاكمة في الشرق الأوسط باتجاه نظم سياسية أكثر تعددية، إلى تعثره الفاضح في دفع عملية التسوية الفلسطينية ـ الإسرائيلية، وانتهاءً برهانه الفاشل على جماعة «الإخوان المسلمين» أثناء انتفاضات «الربيع العربي».

برغم تشكيل «التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب» بقيادة أميركا قبل أكثر من عام، فما زال «تنظيم داعش» يتمدد على مساحات معتبرة من أراضي سوريا والعراق. وفي حين ينتظر حلفاء واشنطن التقليديون في المنطقة موعد خروج أوباما من المكتب البيضاوي بفارغ الصبر، تسابق إيران الزمن لضمان تمريره الاتفاق النووي الناجز في فيينا عبر الكونغرس خلال الشهر المقبل، حتى وإن تطلب الأمر استخدامه «الفيتو» الرئاسي ضد أغلبية معارضة محتملة للاتفاق في الكونغرس. يقتضي الإنصاف القول إن أوباما أفلح في تنويع علاقات بلاده الإقليمية عبر الاتفاق النووي مع إيران، ونجح إلى حد ما في إدارة أزمات المنطقة. لكن الأكثر أهمية من الإنصاف ملاحظة أن كلا الأمرين: التوازنات الإقليمية وإدارة الأزمات، يتعلقان بمفاهيم الجيو ـ سياسة أكثر بكثير من ارتباطهما بمفاهيم «القوة الناعمة» ذائعة الانتشار في الأدبيات السياسية حول العالم.

أوباما وبوش وأزمات المنطقة

ما زالت أزمات المنطقة المخضبة بالدم من ليبيا إلى سوريا إلى اليمن مشرعة على المزيد من الدم، برغم حديث التسويات الإقليمية الرائج. لم ينجح أوباما في أي قضية من قضايا المنطقة سوى في حل أزمة الملف النووي الإيراني سلمياً، الذي يعد إنجازه الخارجي الأبرز في فترتيه الرئاسيتين.

ومن حسن حظ أوباما أن المقارنة تنعقد زمنياً بينه وبين سلفه الرئيس السابق جورج دبليو بوش، في هذه الحالة فقط يخرج أوباما على قلة إنجازاته رابحاً. أفرط بوش في استعمال الآلة العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، حيث خاض حربين ضاريتين في أفغانستان أولاً والعراق ثانياً.

كما أن تلويحه المتواصل بتوجيه ضربات عسكرية إلى دول أخرى في المنطقة والعالم، ساهم إلى حد كبير في عسكرة العلاقات الدولية. أفلحت إدارة بوش الإبن في الهبوط بالرصيد المعنوي والرمزي لأميركا إلى ما دون الصفر، بحيث اختزلت سياسته أسباب القوة الأميركية إلى مجرد استعمال الأسلحة الفتاكة المتطورة من دون القدرة على تحقيق مكاسب سياسية واضحة.

فقط في هذا الإطار يمكن رؤية نجاح أوباما النسبي مقارنة مع بوش الإبن؛ من حيث امتناعه عن الاستخدام المفرط للآلة العسكرية، لكن أيضاً من دون نجاح يذكر في حل قضايا وأزمات المنطقة. وحتى على صعيد النظم الحاكمة في المنطقة، فلم نشهد تغييرات دراماتيكية نحو الأفضل في دول «الربيع العربي» وخارجها، على ما بشر به أوباما وإدارته، حيث بقيت النظم السياسية الشرق أوسطية على جوهرها الشمولي مع نجاحها في إعادة إنتاج نفسها برغم ضغوطه الناعمة.

أوباما ونظرية «القوة الناعمة»

دشن أستاذ العلوم السياسية الأميركي جوزيف ناي نظرية «القوة الناعمة»، التي دخلت تاريخ العلاقات الدولية من أوسع أبوابه، باعتبارها النظرية الأكثر انتشاراً في المحافل الأكاديمية والسياسية منذ عقد على الأقل. تتحدد مراكز الدول في النظام الدولي طبقاً لنظرية «القوة الناعمة» عبر قياس مجموعة من العوامل الصلبة مثل: القدرات الدفاعية والعسكرية ومؤشرات الاقتصاد والتكنولوجيا والتعاون الدولي، ومجموعة أخرى من العوامل الثابتة مثل المساحة الجغرافية وعدد السكان، فضلاً عن رصد وتحليل خصائص النظام السياسي والمجتمعي للدولة مثل الديموقراطية واللغة والثقافة والتاريخ.

وكما يتضح عند جوزيف ناي، فإن عناصر القوة الصلبة مثل القدرات الدفاعية والاقتصادية والتكنولوجيا والتعاون الدولي يمكن قياسها وفقاً لبيانات إحصائية متوافرة يتم جمعها على أسس معلومة، مثلما يمكن التوصل إلى معرفة العوامل الثابتة (المساحة الجغرافية للدول المختلفة وعدد السكان فيها) بعملية بحث بسيطة للغاية على الإنترنت، بينما تستعصي القوة الناعمة على القياس.

ومرد ذلك إلى أن العناصر المعيارية مثل خصائص النظام السياسي والمجتمعي، والديموقراطية وجاذبيتها، لا يمكن قياسها وفقاً لبيانات إحصائية، كما أن عامل اللغة وتأثيرها على الرأي العام وتوجيه الرسائل الثقافية حول العالم كعناصر وأدوات للنظرية، تعد أمثلة واضحة على عدم إمكانية القياس المذكور.

تولي نظرية «القوة الناعمة» اهتماماً خاصاً للرأي العام خارج حدود الدولة إقليمياً ودولياً، وطبقاً لجوزيف ناي، فإن الديبلوماسية العامة هي الطريقة التي تدير بها دولة ما قوتها الناعمة، لكنها تعود فتعجز عن تعيين نطاق وقدرات هذه القوة في تغيير الواقع على الأرض. وفي مقابل القوة الصلبة التي تسعى لفرض الأمر الواقع بالوسائل المباشرة والتقليدية؛ فإن القوة الناعمة تروم الوصول لذات الأهداف ولكن عبر الإقناع والتأثير الفكري.

وفي حين أن مجال عمل القوة الصلبة المفضل هو الأمر الواقع المحسوس، فإن «القوة الناعمة» تحل في الصور وتتجسد في الرموز. بمعنى أن القوة الصلبة تستعمل القدرات العسكرية والاقتصادية للوصول إلى أهدافها، في مقابل «القوة الناعمة» التي ترتكز أساساً على القيم الثقافية كوسيلة للوصول إلى تلك الأهداف. وفي النهاية، فإن القوة الصلبة تتوجه إلى الحكومات وتتصارع معها، مثلما تتوجه «القوة الناعمة» إلى المجتمع وقطاعاته لاجتذابهم.

مرة أخرى يغيب عنصر القياس المعياري المحدد والمعرَّف بدقة. وحتى إذا عرفنا معايير إحصائية محسوسة تدخل في عداد القوة الناعمة مثل أن الولايات المتحدة تُعد أكبر منتج في العالم للأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية، وأنها تمتلك وحدها الشطر الأكبر من المواقع على شبكة الإنترنت، وأنها البلد الأول المفضل للمهاجرين من كل أنحاء العالم، فلا يمكن برغم ذلك عقد مقارنة لعناصرها المعيارية مع عناصر القوة الصلبة التي يمكن حسابها بدقة متناهية.

سردية «القوة الناعمة»

تشكل العوامل المذكورة أعلاه مجتمعة الأساس الموضوعي لقوة أميركية ناعمة وغير منكورة لم يخترعها باراك أوباما من العدم، إلا أنه لم يفلح في إبرازها جوهرياً من خلال سياساته في المنطقة والعالم كأساس لقياس نجاحه المفترض أو فشله.

ارتكز أوباما في نجاحه الخارجي الوحيد (الملف النووي الإيراني) بالأساس على توازنات القوى الإقليمية، عبر محاولته تنويع تحالفات أميركا الإقليمية وتثبيت اصطفافين إقليميين في مواجهة بعضهما بعضاً لتنساب المصالح الأميركية فيما بينهما. وهي أسس ومفاهيم تتعلق بالجيو – سياسة أكثر بكثير من ارتباطها بمفاهيم «القوة الناعمة،» تلك التي يُنسب لأوباما نجاحه في تعزيزها في المنطقة وحول العالم.

لذلك سيخرج باراك أوباما من مكتبه البيضاوي والبيت الأبيض بعد عام من الآن، ورصيده من النجاحات محدود، سواء في المنطقة أو في أميركا ذاتها. وحتى الاتفاق النووي مع إيران غير مضمون البقاء من بعده، بسبب مجموعات الضغط التي تعارض أي اتفاق مع إيران بغض النظر عن مضمونه.

يتحكم إطاران في قرارات أي رئيس أميركي، سواء كان أوباما أو غيره، وهما إجراء التوازن بين مجموعات المصالح النافذة في بلاده من ناحية، وإعادة تثبيت مصالح أميركا حول العالم من ناحية أخرى.

هكذا يرتبط التوازن الداخلي الأميركي بميكانيزمات السيطرة الداخلية (اقتصادياً وسياسياً وإعلامياً) والعمل وفقاً لمقتضياتها، أما تثبيت المصالح حول العالم فيرتكز بالأساس على الحقائق الجيوسياسية المعتمدة أميركياً منذ قرن على الأقل عند رسم السياسات الخارجية، وهي سياسة لم يخرج أوباما بالطبع عن إطاريها المعلومين طيلة فترتيه الرئاسيتين.

ربما تكون تجربة أوباما الرئاسية ومحدودية نتائجها الفعــلية، دافعاً لإعادة النظر في فرضيات جوزيف ناي عن «القوة الناعمة»، ليتم توصيفها بما يليق بها باعتبارها سردية متماسكة وليست نظرية بأي حال من الأحوال!

السفير

 

 

 

واشنطن تكره الثورات/ حسين عبد الحسين

في مقابلة بثتها شبكة الراديو الاميركية شبه الرسمية “بي بي اس”، قال السفير الاميركي السابق في روسيا روبرت ماكفول انه اثناء حضوره دروة الالعاب الاولمبية في سوتشي الروسية في شباط (فبراير) ٢٠١٤، بلغه ان الرئيس الاوكراني فيكتور يانيكوفيتش فرّ من قصر الرئاسة في العاصمة كييف.

وتابع ماكفول، الذي أيدت بلاده موقف ثوار اوكرانيا ضد يانيكوفيتش، انه شعر بخيبة الأمل بسبب الفرار الرئاسي لأنه كان يعمل على التوصل لاتفاق بين الطرفين يقضي بانتقال سلمي ومنظّم للسلطة من الرئيس الى معارضيه، وانه كان يرغب في بقاء الرئيس الاوكراني في منصبه حتى اتمام العملية الانتقالية بهدف تفادي الفوضى التي توقعتها واشنطن، ووقعت بالفعل على اثر عملية الفرار، حسب الديبلوماسي الاميركي السابق.

تمسك الولايات المتحدة بالرئيس الاوكراني الفار تتطابق وتمسكها بالرئيس السوري بشار الأسد، الذي آثر — بدلا من الفرار — الانخراط في حرب دموية مازالت مندلعة منذ اربع سنوات ولا يبدو انها ستتوقف في المستقبل القريب. في الحالتين، يتشابه التمسك الاميركي بمؤسسات الدولة والسعي للحفاظ عليها لتسيير مرحلة ما بعد التغيير والابقاء على الأمن مستتباً.

والفكرة الاميركية للتمسك بمؤسسات الدول التي تشهد تغييرات ولدت بعد ان تكون اجماع اميركي ان قيام سلطات الاحتلال الاميركية بحلّ الجيش العراقي في العام ٢٠٠٣ كانت بمثابة الخطأ الفادح. لكن على الرغم من الاجماع، تبقى السيناريوات الاميركية البديلة لحل الجيش العراقي غائبة. مثلا، أي جزء من الجيش العراقي كان على الاميركيين الابقاء عليه؟ فجيش صدام حسين النظامي عانى ضعفا كبيرا على اثر انتهاء الحرب مع ايران وخوف صدام من ابطال هذا الجيش في مرحلة ما بعد الحرب، فراح يقضي عليهم الواحد تلو الآخر ابتداء من شقيق زوجته وابن خاله عدنان خيرالله، الذي قضى في “حادثة” تحطم مروحيته. وبديلا عن الجيش، استند صدام الى “الحرس الجمهوري”، وحتى هذا الاخير تم تقسيمه الى وحدات ذهبية وغير ذهبية، بقيت متنافرة فيما بينها وتسعى كل منها للحصول على حظوة الرئيس الراحل وعلى تحطيم منافسيها. والى الجيش والحرس برز “فدائيو صدام” و”الجيش الشعبي” التابع لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم.

بعد فرار صدام من بغداد، لم يكن واضحا من هي القوات الامنية الوطنية التي يمكن الاستناد اليها لمنع الفوضى، ولم يكن معلوما من في سلم التراتبية، من غير البعثيين الخمسين الذين طاردتهم أميركا، يمكن ان يصدر اي أوامر لاي قوات أمنية، واذا ما تحرك الجيش، لم يكن مفهوما اذا كان يمكن لصدام — الفار حتى ذلك الوقت — استعادة سيطرته عليه، او تحريك قطعات موالية له ضد هذا الجيش والدخول بمواجهة مسلحة.

وكما في الحالة العراقية، كذلك في الحالة السورية، من غير المفهوم اي من المؤسسات يمكن للسوريين الركون اليها لو خرج بشار الأسد وأقرب المقربين منه يوما من الحكم. هل يركن السوريون الى الاستخبارات العسكرية؟ ام الاستخبارات الجوية؟ هل تبقى الفرقة الرابعة متماسكة ومستعدة لضبط الأمن في حال خروج ماهر الأسد من الحكم؟

الدرس الذي فات الاميركيين في العراق ان لا مؤسسات في الجمهوريات الديكتاتورية، وان المؤسسات تنهار برحيل رأس الهرم، وانه كان من شبه المستحيل اخراج صدام والابقاء على جيشه، كما هو من سابع المستحيلات الابقاء على مؤسسات تعمل بانتظام في حال خروج الأسد، فالمؤسسات التي تعتقد واشنطن انه ممكن الحفاظ عليها هي المؤسسات الفاسدة نفسها التي دفعت الشعب للثورة عليها والمطالبة برحيل رئيسها ورحيلها.

قد تكون مصر، حيث المؤسسة العسكرية دولة مستقلة وقائمة بذاتها ومنفصلة عن الشعب ومؤسساته وهمومه، هي البلد الوحيد حيث أمكن التغيير في الرئاسة مع ضمان الجيش لاستمرار الدولة. وواشنطن لم تطلب خروج الرئيس السابق حسني مبارك الا بعد تشاورها مع الجيش المصري، الذي فرض عمر سليمان نائبا ليقرأ الاستقالة، ثم تسلم الحكم بعده، ثم استند بعض الضباط الى الحكومة المنتخبة حديثا للاطاحة بالضباط ممن تلوا مبارك، ثم انقلبوا على الحكومة نفسها التي اقسموا اليمين امامها، فاستولوا على الحكم مجددا، واعادوا مصر الى حيث كانت قبل خروج مبارك من الحكم.

في عطلة نهاية الاسبوع، كان الرئيس باراك أوباما يستمتع بلعب الغولف في جزيرة مارثاز فينيارد حيث يقضي عطلته السنوية. لم تقلقه المجازر التي كانت تقع في دوما. استمرار المؤسسات هو العنوان الوحيد الذي تقبله اميركا لأي عملية تغييرية، من اوكرانيا وسوريا الى مصر. بعد تجربة العراق، صارت أميركا تكره التغيير وتعارض الثورات.

المدن

 

 

 

 

 

لماذا لا يريد أوباما هزيمة “داعش”؟/راجح الخوري

لماذا تعجز أميركا التي سحقت جيش صدام حسين في تسعة أيام عام ٢٠٠٣ عن وقف تقدم “داعش” على رغم مرور عام على قيام الائتلاف الدولي لمحاربة الإرهاب الذي يضم اربعين دولة، ولماذا لم تَظهر بعد أي فاعلية للغارات على “داعش” بعد قرار تركيا فتح قواعدها أمام الطيران الأميركي؟

السؤال الأكثر إلحاحاً: هل تريد الإدارة الأميركية فعلاً الحاق الهزيمة سريعاً بـ”داعش” أم انها ستمضي في استثماره سياسياً عبر ايجاد المزيد من الفوضى والعنف في المنطقة، ومالياً بعدما تبيّن ان شركات السلاح الأميركية هي المستفيد الأكبر منه؟

في إحدى جلسات الإستماع التي عقدتها لجنة الدفاع والشؤون الخارجية في الكونغرس سأل جون ماكين: لماذا لا تلقي المقاتلات الاميركية حمولتها من القذائف غالباً عندما تحلق فوق مراكز “داعش” في العراق، وهل صحيح ان القيادة الأميركية تمنع أحياناً طيران الدول الحليفة من قصف الإرهابيين؟

دعونا من كل ما قالته هيلاري كلينتون عن أميركا وصناعة الإرهاب في سوريا والعراق، وتعالوا نتأمل في الوقائع الميدانية للحرب الاميركية على “داعش”، التي لم تكن لتُعلن قبل ذبح الصحافي جيمس فولي والتي لم تعطِ أي نتيجة بعد إعلانها، وهذا ما يعطي صدقية لسلسلة من التقارير التي تتحدث عن ان الإدارة الاميركية لا تريد حسم الحرب على “داعش” وأن باراك اوباما يعتقد ضمناً أن الفوز سريعاً على هذا التنظيم سيكون من دون فائدة لا بل انه قد يؤدي الى نتائج سلبية!

صحيفة “التلغراف” البريطانية حاولت ان ترد على هذه الأسئلة فوجدت ان أوباما بات ينظر الى “داعش” على انه جزء من معادلة متعددة الطرف تضم في العراق والى حد ما في سوريا، كلاً من السنّة والشيعة والأكراد والإيرانيين المتدخلين.

وسط هذه المعادلة يحرص أوباما على عدم دعم العشائر السنيّة التي سبق لها ان هزمت “القاعدة” عام ٢٠٠٨، لئلا يغضب الإيرانيين، الذين تهافت على الاتفاق النووي معهم والذين يتدخلون في العراق وسوريا لمقاتلة “داعش”، لكن أوباما لا يندفع في دعم ‘الحشد الشعبي” الشيعي، لكي لا يعطي “داعش” حججاً إضافية لاستجلاب المزيد من السنّة الى صفوفه، لأن الصراع يجنح الى مطبّات مذهبية وخصوصاً بعد التجاوزات التي حصلت ضد المناطق السنّية التي تم تحريرها.

في سوريا تبدو الرؤية الأميركية متناقضة تماماً، فواشنطن لا ترغب في سقوط سريع لنظام الأسد كي لا يملأ “داعش” الفراغ، لكنها لا تريد هزيمة سريعة لـ”داعش” كي لا يتغوّل النظام أكثر ضد المعارضة وتستفيد روسيا وايران.

أضف الى كل هذا ان هناك شركات أميركية تحقق أرباحاً هائلة من وراء هذه الحرب كما يؤكّد موقع “دايلي بيست”!

النهار

 

 

 

“الفصام” يتمدد من واشنطن إلى سوريا/ اسعد حيدر

يتعمق “الفصام” السياسي بعد الاتفاق النووي في فيينا. فالمرشد آية الله علي خامنئي، والمتشددون، واقعون في قلب “جاروشة” المعرفة الكاملة، بأنه ليس في وسعهم رفض الاتفاق النووي ومفاعيله الشعبية الإيجابية من جهة، ومن جهة أخرى أن كل يوم يقترب من تنفيذ الاتفاق يُنتج خسارتهم أكثر من نقطة في الداخل، في وقت يتقدم فيه العد العكسي لانتخابات مجلسي النواب والخبراء.

أمام هذا المأزق، وعدم إمكانية صدور تصاريح رافضة للاتفاق من جانب جنرالات “الحرس الثوري” والمتشددين، لجأ المرشد إلى استنهاض الشعور الثوري عبر التأكيد على “رفض النفوذ” الأميركي. قال المرشد : “تصوروا وفق أوهامهم أنهم سيجدون طريقاً عبر الاتفاق للتغلغل في إيران. لن نسمح بالتغلغل الاقتصادي ولا السياسي والثقافي الأميركي”. وأضاف خامنئي: “البريطانييون أساتذة في إثارة الخلافات (المذهبية) والأميركيون تلامذتهم”.

ميدانياً ماذا حصل ويحصل؟

في طهران رُفع العلم الأميركي لأول مرة منذ الثورة عام 1979، خلال افتتاح وانتهاء مهرجان “فجر السينمائي” في آب/أغسطس 2015 -السينما والمهرجان ليسا عملاً ثقافياً حسب خامنئي.

رئيس المركز الوطني للسجاد الإيراني حميد كاركر أعلن أن “وفداً أميركياً تجارياً سيزور طهران في نهاية كانون الثاني/يناير من العام القادم، أي بعد انتهاء مهلة تنفيذ الاتفاق. الطريف في الإعلان أن الوفد يتشكل من تجار وإعلاميين وباحثين وكتاب أميركيين. طبعاً لم يقل المسؤول، لماذا الوفد يضم إعلاميين وباحثين وكتاب، وهو وفد تجاري متخصص بالسجاد؟. وأخيراً كشف الإعلان: “الأميركيون استوردوا هذا العام سجاداً بمبلغ 80 مليون دولار”.

أصبح معروفاً أن العلاقات الديبلوماسية ستعاد بين بريطانيا وإيران، وهكذا سيرتفع العلم البريطاني في طهران. أما أحدث التحولات مع الإنكليز “أساتذة الأميركيين” في بث الخلافات المذهبية الشيعية-السنية، فهي أن وزيرالخارجية البريطاني فيليب هاموند، هو الذي سيتولى فتح السفارة، وربما رفع العلم البريطاني، ومن ثم سيلتقي المسؤولين الإيرانيين الأحد المقبل، ولم يعرف بعد إذا ما كان سيلتقي خامنئي.

تبقى سوريا محور الحركة والخطاب الإيراني؛ من الواضح أن المرشد لن يتخلَ عن سوريا-الأسد مهما كلفته، لأنه يعتقد أن خسارة الأسد خسارة استراتيجة لإيران. بعد الاتفاق النووي وجد خامنئي عبر سوريا مدخلاً للهجوم على أميركا، فاتهمها بمحاولة “تقسيم العراق وسوريا”، وأنه “لن يسمح بذلك”.

ميدانياً إيران تتعاون مع أميركا في العراق مهما تم نفي هذا التعاون. ومن طبيعة الوجود المشترك في أرض تعيش حالة حربية، أن تتعاون الأجهزة الأمنية وتنسق فيما بينها ميدانياً، حتى لا يقع أي اشتباك نيران صديقة. فإذا كانت إيران تتعاون مع أميركا ميدانياً، وتعرف أن الأميركيين يريدون تقسيم العراق، فلماذا تصمت على مخططهم وتسمح لهم بتنفيذه؟

ما لا يقوله المرشد يقوله “رجاله”، ومن أبرزهم مستشاره للشؤون الخارجية علي ولايتي، الذي وصف “العلاقات مع سوريا بأنها استراتيجية.. وأن من واجب إيران دعم سوريا، لأن هذه العلاقة هي العمود الفقري لسلسلة العلاقات مع العراق ولبنان وفلسطين ولا معنى للمقاومة بلا هذه العلاقة”. أما مستشار القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية اللواء يحيى صفوي، الذي كما يبدو قد زار سوريا ولبنان، فيقول: “السوريون يقاتلون منذ خمس سنوات، وقد خسروا 100 ألف قتيل”، أي أنه يشير إلى خسائر النظام، ولا يعترف بخسائر المدنيين والمعارضة التي تصل إلى 200 ألف قتيل، إلى جانب 9 ملايين نازح.

هذا الكلام المبرمج لم يعد يقنع الشرائح المدنية في إيران، والأخطر أن نمو مشاعر عدائية ضد العرب، ترتكز إلى أساطير وخرافات تاريخية تجسدت مؤخراً، في أغنية عنوانها “اقتل عربياً”.

المفكر الإصلاحي والأستاذ الجامعي صادق زيبا كلام، أشار إلى أن حكومة روحاني تشكل عنواناً ضخماً لتعمق “الفصام” بين السلطة والشرائح الشعبية وخاصةً المدنية منها. المعروف أن زيبا كلام، قد يكون أجرأ مفكر إيراني، وهو في كل مرة يوجه رسالة إلى السلطات يُحدث هزة قوية جداً، إلى درجة أن النظام الأمني لا يعتقله، حتى لا تقع ردود فعل شعبية واسعة وخطيرة، خاصة في الأوساط الطلابية. في هذه الرسالة التي وزعت مثل النار في الهشيم، في مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن نشرها موقع “خبر أونلاين”، قال زيبا كلام موجهاً كلامه إلى وزير الخارجية جواد ظريف، الذي قام بجولة في العراق ولبنان وسوريا: “لماذا قلنا عن الربيع العربي الصحوة الإسلامية، وفي سوريا اعتبرناها مؤامرة مشبوهة وخطيرة من الاستكبار والصهيونية؟ هل لأن سوريا كانت تسمح لنا بإرسال السلاح إلى حزب الله فجعلنا دمشق محور المقاومة؟”. أضاف زيبا كلام: “العلويين يشكلون 12 في المئة، وهم يحكمون الغالبية السنية، وهي 80 بالمئة، بالقهر والقمع. كيف تتوقعون منا أن ندعم هذه الأقلية مقابل الأكثرية، وكيف ستحترمنا النخبة السياسية والثقافية والمفكرين والكتاب إذا اتخذنا هذا الموقف؟”. وتابع: “يا معالي الوزير ظريف هل تنكرون قمع النظام السوري للفلسطينيين؟ انظروا إلى أوضاع الفلسطينيين المأساوية في مخيم اليرموك، وقولوا مجدداً إن دمشق محور المقاومة”. وأضاف: “لو لم يخاطب الأسد شعبه بلغة الرصاص لما أصبح البلد مسرحاً لداعش وسائر المتطرفين”. و”لو دعمنا الحوثيين وهم أقلية لا نعتبر ذلك طائفية، أما إذا دعم الآخرون السنة فنتهمهم بالطائفية. يا سيادة الوزير التفت للمصالح القومية الإيرانية، وأعد النظر في سياستنا الخارجية”.

من المبكر جداً أن يتمكن الوزير ظريف، من تغيير سياسة إيران، لأن الرئيس حسن روحاني ما زال ضعيفاً. ويجب انتظار ربيع 2016 لمعرفة ما إذا كانت إيران ستعرف أخيراً الربيع الذي انتزع منها عام 2009.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى