صفحات العالم

تراجع الرهان على الانتخابات الاميركية مفصلاً للتغيير


والحرب غدت طويلة من دون سقف في الأزمة السورية

    روزانا بومنصف

لا يوافق زوار لبنان من الديبلوماسيين الاجانب على احتمال ان تمتد الحرب في سوريا مدة موازية للحرب في لبنان اي خمسة عشر عاماً او اقل قليلا، ويربطون نفي هذا الاحتمال بثقة لديهم بان المجتمع المدني اي الغربي لا يمكنه احتمال سقوط هذا العدد من القتلى يوميا في سوريا والذي يتجاوز معدل المئة وخمسين قتيلا. وكذلك يفعل عدد لا بأس به من السياسيين والمراقبين في لبنان في نفي مثل هذا الاحتمال. لكن ثمة ترجيح بات قويا وشبه عام، بأن تدوم هذه الحرب لمدة طويلة انما من دون تحديد موعد  لانتهائها. والنتيجة المباشرة لهذا الترجيح هو اطاحة او تراجع الآمال التي علقت على الانتخابات  الرئاسية الاميركية كموعد اساسي لاحتمال بدء العد العكسي للعمل على ملف الحرب في سوريا، اما في اتجاه صفقة بين الولايات المتحدة وروسيا تشمل الدول الاقليمية أيضاً او في اتجاه قرار بالحسم من خلال تقديم دعم للمعارضة السورية او ما شابه. اذ ان ربط تطورات  الملف السوري بالاستحقاق الاميركي يجري منذ الربيع الماضي، خصوصاً لدى اوساط ديبلوماسية عربية وغربية. وقبل اسابيع معدودة من موعد هذه الانتخابات في نهاية الاسبوع الاول من الشهر المقبل، خبت هذه الآمال الى درجة كبيرة ولم تعد الانتخابات الاميركية تلك المحطة المفصلية التي سيكون الملف السوري  بعدها غير ما قبلها بغض النظر عمن سيفوز في هذه الانتخابات علما ان باب المفاجآت يبقى مفتوحاً. ووفقاً لمعلومات مصادر مطلعة فان الاسباب الكامنة وراء اسقاط الرهان على الانتخابات الاميركية تتصل بجملة أمور من بينها في درجة اساسية ان لا قرار اميركيا ولا رغبة في التورط عسكرياً في سوريا على رغم حماسة الجمهوريين اكثر من الديموقراطيين لعمل ما في سوريا. اذ ان اي قرار من هذا النوع لن تنتهي مفاعيله في اسابيع او اشهر قليلة في حين ان الاستحقاقات الاميركية الداخلية لا تنتهي مع موعد انتخابات الكونغرس الاميركي بعد سنتين. ويثار ذلك من اجل دحض الاعتقاد بان الرئيس الاميركي يمكن ان يكون اكثر تحرراً في ولايته الثانية إذا اعيد انتخاب باراك اوباما، الاّ ان ذلك لن يكون  في حال حصوله في اتجاه قرارات يرتقبها كثر من مثل التدخل العسكري في سوريا على رغم الانتقادات له بعدم الاقدام على خطوات جريئة في الموضوع السوري، علماً ان احتمال تفاوض اوباما مع  روسيا بعد الانتخابات على جملة قضايا ومسائل تهم الطرفين، وقد تكون سوريا من بينها امر غير مستبعد، لكنه غير مرئي في المعطيات الراهنة، وفقاً لما يقول المعنيون. اما في حال  حصول مفاجأة بفوز المرشح الجمهوري فان المسألة قد تمتد فترة أطول ان في اتجاه التفاهم مع الروس أو أي خطوة اخرى.

 ويستند بعض الاوساط الى حادث سقوط قذائف على تركيا قبل ايام قليلة والذي استنفر مواقف دولية عدة صبت كلها في اطار ضرورة ضبط النفس من جانب تركيا جنباً الى جنب مع استمرار وجود رغبة واضحة في عدم نشوء نزاع بين تركيا وسوريا او النظام السوري نظراً الى ان اتساع رقعة النزاع من الداخل السوري يمكن ان تتسبب بحرب اقليمية لا احد يريدها راهناً لا من نزاع حدودي بين تركيا وسوريا ولا من ضربة اسرائيلية على المنشآت النووية الايرانية. فالبيت الابيض والاتحاد الاوروبي اعلنا وقوفهما مع تركيا في الاجراءات المتخذة لمنع انتهاك اراضيها، لكن بدا واضحاً ان حلف “الناتو” الذي تنخرط فيه تركيا لن يتحرك راهناً من اجل دعمها. لذلك فان ما حصل كان مؤشراً على استمرار وجود قرار بعدم التدخل في سوريا على رغم حال الترقب التي ادى اليها هذا الحادث، ثم تكراره في اليومين الاخيرين، من احتمالات او ذرائع قد يفتح عليها، واهمها التدخل العسكري في شكل ما في الوضع السوري من اجل المساهمة في انهاء الحرب فيها، في حين ان تركيا تفادت حتى الآن ومنذ اندلاع الحرب في سوريا التدخل منفردة فيها ودون غطاء دولي من الامم المتحدة او من “الناتو”. ومن الصعب ان يتغير هذا الموقف الدولي اذ استمرت الحرب في سوريا محصورة في داخلها ولم تتخط حدودها الى الدول المجاورة على نحو خطير ومهدد للسلم في المنطقة على رغم تأثر دول الجوار السوري كلبنان والاردن وتركيا والعراق بهذه الحرب. وتذكر هذه الاوساط بتحذير الرئيس الاميركي النظام السوري في موضوع اسلحته الكيماوية على اساس ان استخدامها هو خط احمر لن  تقبل واشنطن بتخطيه مما ترك المجال للاستنتاج بأن ما تحت هذا السقف لن يحرك الولايات المتحدة.

وتقول هذه الاوساط ان عملية الرصد لمواقف كل الأفرقاء المعنيين بالحرب في سوريا التي أجراها الموفد الدولي الى سوريا الاخضر الابرهيمي أظهرت عدم تطور مواقف الافرقاء على الارض في اتجاه الرغبة في التنازل او التفاهم  على حل. وتستند هذه الاوساط الى حالة الانكار المقصودة التي يصر عليها النظام السوري من خلال رفض وصف ما يحصل في سوريا، الاّ بالعمليات الارهابية بحيث كرر وزير الخارجية السوري وليد المعلم في الكلمة التي القاها امام الجمعية العمومية للامم المتحدة الاسبوع الماضي كلمة “ارهاب” 25 مرة  في سبيل محاولة اقناع المجتمع الدولي بأنه لا يواجه ثورة على حكم يدوم منذ 40 عاما بل يواجه ارهاباً تحاربه كل دول العالم. ولا يقل تعنت النظام السوري عن رفض معارضيه لحل معه عن تعنت القوى الاقليمية والدولية الداعمة حيث كرر المسؤولون الروس في الاونة الاخيرة المواقف نفسها الداعمة، للنظام من دون اي تغيير يذكر. وهو الامر الذي دفع بالمسؤولين الغربيين الذين كانوا يكررون على اثر لقاءات مع مسؤولين روس بانهم  يلمسون تغييراً او تقدماً قابلاً للتطوير في الموضوع السوري الى التحفظ عن ابداء مثل هذه التعليقات وعدم ذكرها على الاطلاق منذ بعض الوقت بعدما ظهرت مبالغات وحتى اخطاء ان لم يكن خفة ايضا  في تقدير الموقف الروسي وابعاده. لكن لا يجوز الاستهانة، كما تقول هذه الاوساط، بالرهانات على القدرة على مواصلة الحرب والصمود فيها ولا ايضاً على التورط الواضح الاقليمي والدولي في الحرب. ولذلك فانه في انتظار بروز ما يمكن ان يغير في هذا المنحى، فان احدا لا يملك سوى ترك الأمور على غاربها في سوريا حتى تفرض الارض واقعاً مختلفاً او تنضج مواقف الافرقاء بالاقتناع بالوصول الى طريق مسدود.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى