صفحات العالم

حكومة العودة من دمشق

 

ساطع نور الدين

 الاشارات ليست كافية بعد، لكنها واضحة تماما.

البلد يتوسل حكمة طبقته السياسية التقليدية،ويطوي صفحة من الجنون التي كادت تودي به الى المجهول. لم يثبت الجيل البديل من تلك الطبقة انه على قدر كاف من الوعي والمسؤولية. كما لم يثبت فريق الثامن من آذار انه مؤهل للحكم.. وهو يستعد للتسليم بهزيمته السورية، التي ختمت فرصة ذهبية حصل عليها خلال السنوات القليلة الماضية لتعزيز مواقعه داخل السلطة والادارة اللبنانيتين.

هكذا يمكن ان تختصر عملية اختيار تمام سلام لرئاسة الحكومة المقبلة، التي يمكن ان تكون حكومة الشراكة الحقيقية الاولى منذ اتفاق الطائف، الذي اكتسب مناعة اضافية، على الرغم من هشاشته، ولم يعد بمقدور القوى السياسية-الطائفية التي تحدته طوال العقود القليلة الماضية ان تفكر باحراقه او باستبداله بمؤتمر تأسيسي.. يسبق حربا اهلية جديدة او يليها.

الرئيس المختار ليس محايدا كما يشاع. هو ينتمي الى بيئة ومدينة وبيت لا يرفض سلاح حزب الله وحركة امل فقط، بل يرفض كل سلاح، وقد كانت له في الماضي صولاته وجولاته ضد السلاح الفلسطيني واليساري.. اما موقفه من النظام السوري، قبل الثورة وبعدها، فالتاريخ شاهد على نموذج لبناني فريد من الخصومة بل وحتى العداء الذي لا يمكن اخفاؤه باللغة المتحفظة التي يستخدمها تمام ، والتي تضاف هي الاخرى الى تلك الشهادة وتمنحها مصداقية اضافية، لم يكن بامكان الرئيس السابق نجيب ميقاتي مثلا ان يكسبها.

هوية الرجل السياسية لا لبس فيها. لكنها تتميز بانها اكثر واقعية وعقلانية، ما يضمن انه لن يعتمد سلوكا او خطابا استفزازيا يشعل نار الفتنة المذهبية المشتعلة اصلا بفضل جميع الذين سبقوه، كما اساسا بفضل الاخرين الذين يقيمون في محيط بيته، بعدما سبق لهم ان وصلوا الى جدرانه الخارجية في السابع من ايار العام 2008.

وبهذا المعنى يكاد يكون اختياره اليوم بمثابة استراحة للمحاربين المذهبيين الذين يشحذون السكاكين على وقع الاخبار الاتية من سوريا.

لكنها في الاصل فترة هدوء عابرة، اشتراها النائب وليد جنبلاط وتقاسمها مع الرئيس نبيه بري واهداها الى الرئيس ميشال سليمان وتولى تسويقها مع بقية الرؤوس الحامية في فريقي 8 و14 آذار، التي ابدت استعدادا للتجاوب والتعاون، باستثناء رأس واحد يعلنها حربا عبثية مفتوحة وفي توقيت غريب جدا، من اجل تغيير نظام بال وفاسد، لكنه، للاسف، لم يفقد حكمته الراسخة، بسبب اداء جميع المعارضين الذين تعاقبوا على مناهضته طوال العقود الخمسة الماضية.

الاهم في هذا السياق ان حكومة الرئيس نجيب ميقاتي هي الاخيرة التي كانت تحظى برضا النظام السوري، على الاقل في اللحظات الاولى للاختيار والتكليف والتشكيل. التباعد الذي حصل خلال مسيرة النأي بالنفس، كان نتيجة طبيعة للثورة السورية لم يكن بامكان الزعيم الطرابلسي ان يرممها او ان يتخطاها، فاضطر الى الخروج باقل قدر ممكن من الخسائر الشخصية.

من الان فصاعدا لن تشكل الحكومات اللبنانية من قبل حلفاء النظام السوري. وهذا تحول جوهري في موازين القوى الداخلية لم يسبق له مثيل منذ منتصف السبعينات. هم شركاء ضروريون في الحكومة الانتقالية المقبلة. بعد ذلك سيكون للبحث صلة، الا اذا تنكروا لذلك الحلف وانكروا وجوده اصلا، او اذا برهن الفريق الاخر انه غير قادر او غير راغب في ارشادهم الى طريق الخلاص الوطني الذي تلوح معالمه من سوريا .

هي هزيمة لفريق 8 آذار الذي يرسل اشارة مهمة الى انه عائد قريبا من دمشق، لانه لا يريد الانتحار، وهو مستعد لملاقاة الاخر في منتصف الطريق..

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى