صفحات المستقبل

خواطر من سوريا : هل انتهى تاريخ العمل بالانسانية ؟

 


الساعة الخامسة و النصف صباحا ً ، لم أنم ليلة الأمس ، و ها هي الشمس ُ تشرق و أنا مازلت ُ أستمع إلى أغنية  “ بحبك يا بلادي” ( عزيز الشافعي و رامي جمال ) و أطالع ُ صور َ بعض الشهداء و أسماء بعض المعتقلين الذين تمّ اعتقالهم على اثر الأحداث الأخيرة في سوريا ، مازلت ُ غير قادرة التفكير ِ بشيء ٍ بذات القوّة التي أفكر ُ فيهم بها ، بعائلاتهم ،بصغارهم أو أهلهم. ماذا عساها أمّ هذا الشهيد أو زوجة تلك المعتقل تفكر الآن و كيف تتلقى كلّ منهنّ  الأصوات التي تهلل و تزغرد لموتهم او اعتقالهم و تناديهم بالمدسوسين و المخربين ؟؟

مازلت ُ غير قادرة ٍ  على على التعامل مع الأمر على أنه ُ واقعيّ ، حصل َ و انتهى ، و لا أنفي أن ّ هذا نفسه ُ يسبب ُ لي أزمة ً بالتعامل مع الأحداث الأخيرة في سوريا ، ففي كلّ خبر ٍ و كلّ تعليق و كلّ صورة و كلّ شيء و كل تفصيل ، أفكر بهم، الشهداء و عوائلهم. أنا أكره بطبيعة الحال التعامل العاطفيّ البحت مع الأمور و لكن هذه المرّة الأمر مختلف ، إنها أرواح ٌ تلك التي تهدر ، أرواح أناس ٍ ما عادت بيننا لتوضح حقيقة خروجها من منازلها للتتظاهر أو تشرح لنا عن الذي صوّب َ رصاصة إلى جسدها. أناس ليست هنا لتدافع عن أنفسها فكيف َ يتمّ اتهامها بأقذر التهم و اطلاق الأحكام ضدها و الموافقة عليها و تبرير قتلها بناء ً على ذلك ؟؟؟ هذه .أناس ٌ رحلت و هناك من يريد منّا التعامل مع رحيلها و كأنها أناس ما وجدت أصلا ً ، و هذا مرفوض.

الأكثر ألما ً في الموضوع هو أنّ  الكثير ، الكثير جدّا ً من المتفرجين يعبّر عن إنزعاجه بأن ّ يوم العطلة الأسبوعيّة في سوريا ، يوم الجمعه ، قد تحوّل إلى يوم للمظاهرات و منعهم من الذهاب في نزهة أو الخروج في زيارة .فهل عساها تراها نجحت هوليود بأن تقنعنا بأنّ الأرواح رخيصة ً إلى هذه الدرجة ؟ و أنّ الذي يموت في المعركة قد يتمكن من النهوض و السير مجددا ً  بعد أن تبتعد عدسة الكاميرا عن تصويره  فلم يعد الموت مشكلة ؟؟؟ أم هي الإنسانيّة التي لطالما راهنت ُ على وجودها ، أنتهت صلاحيّة العمل بها ؟؟

الكثير جدّا ً من الأسئلة و لا أجوبة تملأ الدفاتر الحزينة. إنّ أكثر ما يثير ُ الحزن و الدهشة أنّ هؤلاء الذين يعبرون عن انزعاجهم الشديد و يوافقون وزارة الداخلية بأن تطلق الرصاص الحي على “ المخربين “ هم من أوائل من ينادي بالحريّة و الحقوق و الإنسان في الأحوال العادية ، أوّل من يسارع لكي يشارك بصفحة انقاذ قطّة ٍ من على سطح بناء ٍ أو بالتعاطف مع ضحايا زلزال هنا أو كارثة هناك ، فهم يجدون كلّ ذلك إنسانيّا ً طالما أنّه ُ يختصر على صفحة ٍ في الفيس بوك أو مقالة ٍ على صفحات إحدى الجرائد و لكن عندما يصل الأمر إلى حدود أبوابهم يأبون أن يفتحوا أو أن يكونوا شهودا ً.

فالمسألة لم تعد مجرّد أنك َ مع جهة ضدّ أخرى ، فهذا يحصل فقط في مباريات كرة قدم ٍ، كن بالجهة التي تريد و شجـّع الفريق الذي تريد و لكن و أنت تقوم بذلك حاول أن لا تدوس َ شقائق النعمان الحمراء التي شربت دماء كلّ الشهداء و أزهرت حزينة ً و هي تحاول ُ أن تعبّد الطريق نحو الغد.

الكثير يقول : مجرّد مجموعه مخربين !! هل يعقل أن يكون كلّ المتظاهرين مخربين و مدسوسيين و تتحكم بهم الأيادي الأجنبيّة ؟؟

ثمّ و قبل َ أن نطلق الرصاص ، علينا أن نعرّف مصطلح “ المخربين “ و نعرف جميعنا ما هو تعريف وزارة الداخلية لمصطلح “ المخرّب” كي نكون كلّنا على بيّنة ٍ بمن هم المخربين الذين سيطلق عليهم الرصاص ، و ما هو فعل التخريب الذي سيعاقب عليه بالرصاص ؟

أمّا بالحديث عن العصابات خارجيّة ، و لو كان هذا الكلام صحيحا ً فسأردد ُ ما قلته ُ لإحدى الصديقات منذ ُ أسابيع :

وجود عصابات ٍ تمتلك هذا الكمّ الهائل من الأسلحة داخل البلد يجعل مسؤوليّة مقاضاة الجهات الأمنيّة أكبر من كونها تطلق النار على المتظاهرين و حسب ، فمهمّة أجهزة الأمن أن تمنع هذه العصابات من أن تمتلك هذه الأسلحة  أصلا ً و أن تهدد حياة السكان و المواطنين العزّل منذ البداية وليس َ بعد أن تقتل ما قتلت منهم !!

أنا أطالب بمعاقبة كلّ من تسبب َ بقتل ِ نفس ٍ بغير وجه حق ، سواء من المتظاهرين أو من رجال الأمن ، فهذه أرواح ُ بشر ٍ لا يجب ُ أن تترك للمتاجرة بها من قبل أيّ  جهة كانت : “ جهات ٍ أجنبيّة “ أو “عصابات مسلّحة “ أو مهما كانت التسمية ، كلّ من حمل سلاحه ُ بوجه أعزل و أطلق النار دون َ حق ، يجب ُ أن يعاقب بشدّة  و أن يعاقب كلّ من لا يقوم بواجبه كاملا ً من أجل الكشف و توقيف القتل أيضا ً .

http://www.freesham.com/2011/04/blog-post_10.html

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى