صفحات الثقافة

خوان فيليب هيريرا أمير شعراء أميركا الجديد: مخاطبة جمهور آخر… مقهور مهمل مجروح منسي

 

 

 

ترجمة وتقديم فوزي محيدلي

كطفل تعلم خوان فيليب هيريرا حب الشعر من خلال غنائه للثورة المكسيكية مع والدته، المزارعة المهاجرة الى كاليفورنيا: «إعتادت استظهار القصائد بعفوية. قد يثير قريحتها شيء، فتنفجر بتلاوة قصيدة تتذكرها من ايام الطفولة وقد عبرت شقيقتي، وجدتي ووالدتي الحدود الى إيل باسو تاكساس».

خوان فيليب هو اول اميركي من اصول لاتينية مكسيكية يغدو امير شعراء الولايات المتحدة. اما سبب انتقاء القيم على مكتبة الكونغرس لهيريرا هو ان قصائده «تمجد الأداء التعبيري، التقاليد والتواريخ كما يتمتع بوجهة نظر بل منظور ثقافي خاص وهذه تشكل جميعها جزءاً حيوياً من هويتنا الأميركية الأوسع».

أما ما قاله هيريرا لدى سماعه النبأ: «هذا شرف ضخم بالنسبة لي لعائلتي، وأهلي الذين أتوا الى هذا الشمال قبل وبعد الثورة المكسيكية لعام 1910 ـ هذا التشريف اكبر مني». ويضيف هيريرا «يبدو الزمن الآن يتطور باتجاه اصوات الملونين. الأصوات كلها مهمة، ومع ذلك يبدو ان اصحاب البشرة المختلفة لديهم الكثير ليقولوه، لا سيما اذا تقصيت شعر الشباب. انه يزخر بالعديد من الاسئلة والعديد من الاهتمامات بخصوص الهجرة ومسائل الأمان ما يمكن تسميتها اسئلة كبيرة. كل ذلك يغزل في الهواء والارجاء».

آراء النقاد وأهل الأدب

من جهته قال ستيفن بارت في النيويورك تايمز «في رسمه لبروفايل هيريرا» حلم العديد من الشعراء منذ ستينات القرن العشرين بفن هجين جديد، جزء فيه شفوي، جزء مكتوب، جزء انكليزي اللغة، جزء من شيء آخر: فن منزرع أو متأسس في الهوية الإثنية، تمده بالطاقة العزة الجماعية، ومع ذلك هو فردي بما لا يقاس. حاول العديد من الشعراء على خلق فن كهذا هيريرا اول من نجح».

من جهتها قالت الرئيسة السابقة للجمعية الوطنية للمنح الفنية دانا غيولا، «هيريرا هو اول امير شعراء انبثق شعره من التقاليد الشفوية الجديدة التي عملت على احداث نقلة في الشعر الاميركي على مدار ربع القرن الأخير. بمقدوره كتابة شعر تقليدي على الورقة لكن الكثير من اشعاره مصممة للأداء الشفوي. عمله ادائي، وشعبي، ضمن هذا النطاق فان هيريرا يتحدث بقوة الى الشعراء والجمهور الأصغر سناً.

وتضيف غيويا ان امير الشعراء الجديد «ينظر الى العالم ليس من الأعلى الى الاسفل لكن من الاسفل صوب الأعلى. وهذه ميزة ظهرت لدى هذا الشاعر قبل اكثر من 30 سنة في مجموعته الشعرية المسماة «منافي الرغبة» حين تكلم فيها عن «فكرة أخرى عن الجمهور: المقهور، المهمل، المجروح، المنسي، الحالم..»

وهناك اراء لنقاد وشعراء آخرين ابدوا الاطراء ذاته على شعره واهتماماته المترامية، ما يجعله حاضن تأثيرات من وولت ويتمان الى سيزار فاليجو، من حركة التشيكانو الى حركة «البيت».

من جهته، اشاد فرانسيسكو آراغون، مدير الآداب اللاتينية في جامعة نوتردام بالطاقة وبالتجريب في شعره، «التنوع في شعره يحبس الأنفاس. ليس من استراتيجية شعرية لم يستغلها. في العمق شعريته خاصة بالاداء لكن مستثمرة، في التعاطف مع الناس والمواطنين الذين يحتلون قصيدته.

وثمة رأي ايضا لجنيفر بنكا، الرئيسة التنفيذية لأكاديمية الشعراء الأميركيين تؤكد فيه ان هيريرا ليس بالغنائي الحالم، المنعزل داخل برج عاجي، «خوان فيليب هو شخص يؤمن ان الشعر يمكن ان يصنع الفرق في حياة ومجتمعات الناس. وسيمد هيريرا دور امير الشعر بالحماسة والجاذبية ما سيمنح بلا شك اهتماما جديداً وأوسع في الشعر بين الناس، ومن كل الأعمار».

مع ان موقع امير الشعراء تشريفي الى حد ما، الا ان من يحتله له الحرية في استعمال المنبر الموجود في مكتبة الكونغرس لتحقيق المبادرات التي يحبها.

استيقظوا

يعرف هيريرا مسبقاً المواضيع التي سيركز عليها

«أنا هنا لأشجع الآخرين على الكلام، ان يتكلموا بل ويتكلموا بصوت عال ويدونوا اصواتهم وقصص عائلاتهم وروح الدعابة لديهم مع اهتماماتهم ومخاوفهم العميقة فضلا عن طريقة تكلمهم لغاتهم الخاصة. اريد تشجيع الناس فعل ذلك مستعينين بالوسيط المذهل المسمى شعراً».

في أحدث مجموعاته الشعرية «تاكسي السنغال»، يدور حول اطفال عالقين في عنف السودان، يصرخ هيريرا بشكل متواتر «استيقظوا! استيقظوا!! استيقظوا» وهذه عبارة اثيرة على قلبه.

«الاستيقاظ اكبر شيء. أنا شاعر سياسي ـ لنقل شاعراً انسانياً، شاعر يهتم ببلوى الناس الذين يعانون. اذا كان للكلمات ان تساعد، عندها هذا ما انا مقدم على استعماله».

لمن لم يألفوا بعد شعره، يوصي هيريرا البدء بمجموعته «ضاحكاً بصوت مرتفع، اطير»، ديوان كتبه عام 1998 في كل من الانكليزية والاسبانية لليافعين. يعلق قائلا، «مارست فيه الكثير من العمل التجريبي. الهمني بيكاسو ذلك، وقضينا وقتاً ممتعاً. يا لها من طائرة ورقية بثلاثة الاف لون. وهيريرا المهتم بثقافات السكان الأصليين انهى فترة من سنتين في امارة شعر كاليفورنيا وهو يعلم في جامعة واشنطن. ستبدأ امارة شعره التي حمل رقم 21، ضمن التراتبية مع من قبله، حين يشارك في الخامس من ايلول بمهرجان الكتاب الوطني ليقدم ف 15 منه قراءات في شعر في مكتبة الكونغرس. وهو إذ أُعلن أميراً في 10 حزيران الشاعر تشارلز رايت فإنه سيستمر في منصبه حتى آخر عام 2016.

نشر هيريرا أكثر من 28 كتاباً بين الشعر، والروايات الشعرية وكتب الأطفال. مجموعاته تزيد «على الدزينة» بما في ذلك «نصف العالم في النور»، مجموعة من شعر التفعيلة والشعر الحر حازت جائزة «حلقة نقاد الكتاب الوطني». عمل ممثلاً، كاتباً مسرحياً، وموسيقياً.

الشعر بالنسبة إليه «طريقة لحيازة حياة من دون حدود» والشعر أيضاً كما قال لصحيفة لوس أنجلوس تايمز «بمقدوره إخبارنا بما يجري في حياتنا، ليس فقط حياتنا الشخصية لكن الاجتماعية والسياسية أيضاً»، وله في أهمية تعاطي الشعر مع الناس قوله «هذه الأيام من الجيد أن تكون داخل المجتمع، أن توقظ نفسك داخل الحشد وتمتزج مع الناس على الأرصفة، مترو الأنفاق والكافتيريات. ومن هنا فإن تدريسي لعملية الكتابة (التعبيرية) تبقيني على اتصال بجذور الأشياء: أصوات جديدة، تجارب جديدة وطرق جديدة للتأمل في الحياة والكوكب. كلاهما أساسي».

مقابلة بعد الجائزة

قال الشاعر هيريرا ميتشيل دين بعد نيله الجائزة في 10 حزيران «أنه لأمر جيد، إنه أمر جيد». لكنه بالطبع لم يكتف بذلك بل أضاف «بمقدار ما ننهمك بل نتفاعل مع المجتمع، بمقدار ما ننال من جوائز الريادة، بعدها ستأتي لحظة لن نحظى فيها بأي ريادات… أو لربما سيكون هناك دائماً ريادات وبدايات». قلة في أميركا يتكلمون عن الشعر كمملكة الإمكانية اللانهائية. الشعر بالنسبة للكثيرين في بلاد العم سام ما زال ينمّطه على أنه مادة البرج العاجي غير المتيسرة البلوغ، التي يدرسها الأكاديميون وتفرض على طلاب الثانويات. وحتى مبلغ الخمسة وثلاثين ألف دولار لمنصب أمير شعراء أميركا تظهر عدم الاهتمام العام بهذا النوع من الفن.

لكن الأمر مع هيريرا ليس بهذه القتامة، فالشعراء برأيه ليسوا طالبي عزلة، «نحن نسّاك طبعاً، نعيش في غرف صغيرة ونبقى في تلك الغرف الساعات الطوال يومياً، شهرياً، سنوياً. لكننا نحب في المقابل أيضاً التجوال في الأرجاء ونرمي أنفسنا داخل مستوعبات شحن البندورة، متجولين حولها مبقّعين بلطخاتها.

إذن التجوال، بمعنى المشي، وحتى التعرف على بقية العالم يشكل جزءاً مكملاً لعمليته الفنية، «أعشق الأسواق، أحب محطات القطارات. أحب التواجد داخل القطارات، كما أحب المطارات. أحب السير في الشارع وقلمي بيدي، أكتب، فأكتب، فأكتب. أهوى دخول معارض الرسم والتصوير الفوتوغرافي، ديغا، مونيه، آندي وارهول، أحب دخول تلك المعارض». إلى جانب ما استفاد من مسيرة والدته جاء هيريرا الصبي إلى الشعر عن طريق كورس مدرسته الحكومية التي أمدت ابن الثانية عشرة، والمتحدث أساساً بالإسبانية، بالشجاعة الشخصية لاعتلاء خشبة المسرح والانخراط في الأداء الإنشادي.

يقول أن الشعر أعطاه صوتاً «لكنني أعطيت في المقابل صوتي إلى الشعر. قصائده من مثل «دم على العجلة» و»187 سبباً لعدم تمكن المكسيكيين من عبور الحدود» غالباً ما تعتبر بيانات غضب على وضع ذوي الأصول المكسيكية، وبالطبع يظهر العنف داخل أشعار كهذه.

 

أول ما شهد هيريرا الشاعر ألن غينسبيرغ في جامعة ستانفورد في سبعينات القرن الماضي وشعر بالرهبة من احتلال شخص وجسد غينسبيرغ للغرفة. حين يتكلم عن غينسبيرغ يظهر وكأنه يتحدث عن معبود، «لم يكن يتراجع، لم يكن يخجل… لم يكن خائفاً من جسده، من إخبارنا عن جسده، ما كان يمتنع عن عرض ما لا يعرض في المجتمع (كان مثلياً)…».

كان غينسبيرغ حسب هيريرا «صائباً في كون القصيدة احد أنفاس العقل أو الخاطر. وبرأيي كل كلمة تعتمد على كيفية تنفس عقلك».

الشعر بالنسبة إليه «واحد من أوسع وأجمل الطرق وأكثرها حميمية للمشاركة في الحياة العامة». هو يعمد إلى تشبيه الشعر بـ»نوع من لغة الحلم التي امتلكناها منذ قرون»، لذا حين نتحدث شعرياً أو نكتب قصيدة حول ما يجري، مشكلة أو مسألة تواجه مجتمعنا، يطرق الناس سامعين».

الشعر يحمل نفوذاً لا تؤمنه التقارير أو المنشورات الموزعة. وهو ليس لديه وهم أن الشعر سيغير المجتمع في حركة ماحقة لكن «العدل والتغيير قد يحلان في تلك الثواني الخمس التي يربح فيها المستمع من خلال الإنصات إلى تبصر ما».

 

لطالما انفتحت القصيدة على البيزنس

[يوماً بعد يوم نغدو مخالفين

أكثر للقانون

ومع ذلك شجرة الدراق

لم تزل ترتفع

وترمي إلى الأرض ثمراً وغيره

العصافير تأكلها فيما الدواري تتشاجر

صحراؤنا

تحترق بالزبالة والمخدرات

وهي تتنفس أيضاً

مطلقة الكروم والصبار

تُمرّر القوانين بقوانين ذات جدران علمية

زنازين اعتقال، زوج

مع الإبن

الزوجة

والإبنة التي

تزوجت مواطناً (أميركياً)

تبقيا في الوراء محطمتين مجرّحتين

ومن دون مكياج في الشقة

لتمررا اليوم

وألعاب البازيل

قانون آخر ثم

مكسيكي آخر

هندي

الروح المنفية

هجرة، سماء

يصار إلى جزّ العشب من ثم

ينفخ بعيداً بآلة، الأرصفة فارغة

نظيفة والزعيم الصقر الأحمر الكتفين

يحدق

إلى الأسفل

من قبة خشبية مهجورة

حقل فارغ.

الكل مغمور بالنور

وكل يوم يتغير هذا قليلاً

البارحة المتشرد

الذي بلا أوراق رسمية

رحل إلى دنفر على متن باص «الطلب الأغبر»

حيث لا يدققون معك بخصوص الأوراق

سائرون مشتغلون

تحت جنح الظلام الفضي

سائرون مشتغلون

لنحلّ بعقولنا

أمور حياتنا

 

[خمسة اتجاهات إلى منزلي

  1. عُد إلى تلال الغلال الصفراء حيث الكلام المُكسّر عن الأناقة.
  2. إصعد إلى باب الجنفيص، السرير المضبوب فُرد باتجاه الغيمات.
  3. تحت التراب، ثمة نملة تكتب برشاقة حاكم الولاية.
  4. أنفخ، أنفخ يا «صقر الذيل الأحمر» في كمك المخبأ أسرار صحرائك.
  5. صرت تقريباً هناك، بلا اسم، بلا جسد، هيا إذهب الآن.
  6. قلت أنا خمسة، كما يقول الغيتار ستة.

 

[دعني أخبرك ما تجلبه القصيدة

قبل أن تبتعد أكثر،

دعني أخبرك ما تجلبه القصيدة،

أولاً عليك معرفة السر، ليس من قصيدة

للتكلم عنها، إنها طريقة لحيازة حياة من دون حدود،

أجل، الأمر بهذه السهولة، أقصد القصيدة، تخيلني أخبرك هذا،

بدلاً من التعرض يوماً إثر يوم لشفرة الحلاقة، حسناً،

إصدار الأحكام عليك، التعرض لكل البرونز المتكتك، لسترة جلدية

تحتويك، للذهاب إلى مول الأزياء العصرية، مثلاً،

من الخارج تعتقد أنك تسليت،

حين تدخل، تتغير الأمور، تدهمك الدهشة

تشعر بمرارة فمك، تعطش، يتسلل البرد إلى ساقيك

واقفاً بسكون وسط معمعة عاصفة، القصيدة، بالطبع

لطالما انفتحت بدورها عل البيزنيس، فيما عدا، كما يمكنك أن ترى،

إنه ليس بالتحديد البيزنيس ما يشدّ روحك

إلى الحياة المنبهة، هناك بمقدورك الاستحمام، يمكنك اللعب،

ويمكننا حتى الانضمام إلى حلقة القيل والقال غشاوة الضباب الضباب، المقصود،

الضباب يغدو أساسياً بالنسبة لوجودك.

المستقبل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى