صفحات العالم

حجب الفضائيات السورية


عبد الباري عطوان

حجبت ادارتا ‘عرب سات’ و’نايل سات’ يوم امس بث القنوات السورية بصفة نهائية تطبيقا لقرار صدر عن وزراء خارجية الدول العربية قبل شهرين تقريبا، في اطار الجهود المبذولة لعزل النظام السوري بعد تجميد عضوية بلاده في جامعة الدول العربية.

وزارة الاعلام السورية اصدرت بيانا ادانت فيه هذا الحجب، واعتبرته انحيازا مباشرا للمشروع المعادي لسورية، وطالبت الجهات المعنية بالتراجع عنه.

ومن المفارقة ان من اتخذ قرار حجب القنوات الفضائية السورية استند الى ‘انتهاك’ هذه القنوات لميثاق الشرف الاعلامي الذي اقره وزراء الاعلام العرب قبل سبع سنوات، وبإيعاز من وزراء الداخلية وإعدادهم بهدف ‘ترهيب’ قناة الجزيرة الفضائية في حينها، وكان وزير الاعلام السوري من اكبر الداعمين لهذا الميثاق، ولم يعترض عليه الا وزير الاعلام اللبناني.

القنوات الفضائية السورية بائسة على الصعيد المهني، ومشاهدتها محدودة للغاية، بالمقارنة مع اكثر من 800 محطة تلفزيونية عربية تزدحم بها اقمار ‘نايل سات’ و’عرب سات’، ومعظمها ينتهك هذا الميثاق وليست لها علاقة بالشرف، الاعلامي كان ام الاخلاقي.

‘ ‘ ‘

حجب القنوات السورية، وفي زمن تندلع فيه ثورات ربيع عربي تطالب بالديمقراطية والحريات التعبيرية، يشكل تناقضا كبيرا مع هذه الثورات واهدافها، مع تسليمنا بكل الحجج التي تساق حول دموية النظام السوري وديكتاتوريته وقمعه، بل وسحقه للمنتفضين ضده والمطالبين بالحرية والتغيير الديمقراطي.

نحن هنا لا ندافع عن النظام السوري، ولا عن قنواته التي تبرر القتل وسفك الدماء، وانما نعارض مبدأ الحجب ومصادرة الرأي الآخر مهما اختلفنا معه، طالما انه يلتزم بالمعايير الاخلاقية والقانونية.

صحيح ان بعض القنوات الفضائية السورية خرجت عن هذه المعايير في بعض الاحيان، ونهشت الاعراض، وشككت في ذمم اشخاص، وهي لهذه الاسباب وغيرها فقدت مصداقيتها امام معظم السوريين، ناهيك عن العرب، ولم يعد يشاهدها او يتابع اكاذيبها الا فئة قليلة. ولا ابالغ اذا قلت ان الكثيرين من انصار النظام نفسه باتوا يبحثون عن الحقيقة في قنوات فضائية اخرى.

ادرك جيدا ان البعض قد لا يتفهم ما نقول، وسيقفز الى استخلاص نتائج عديدة من بينها اننا ندافع عن هذه القنوات، ونعارض حجبها لأننا نؤيد النظام السوري، وردنا على هؤلاء بسيط وهو ان صحيفتنا هذه محجوبة منذ 15 عاما في سورية، وموقعنا الالكتروني محجوب ايضا، لاننا لم نتوقف مطلقا عن انتقاد انتهاك هذا النظام للحريات وعدم احترامه لحقوق الانسان، وممارسته ابشع انواع التعذيب ضد مواطنيه قبل معارضيه.

واضيف الى ذلك بالقول ان دولا عربية عديدة تحظر دخول ‘القدس العربي’،على رأسها المملكة العربية السعودية التي تزود المعارضة السورية المطالبة بالتغيير الديمقراطي بالسلاح والمال، وحذت حذوها مملكة البحرين لأننا انتقدنا قمع المتظاهرين في ميدان اللؤلؤة، وهو القمع الذي ادانه بقسوة تقرير القاضي بسيوني، وقالت السلطات البحرينية انها تقر بكل ما ورد فيه من انتهاكات وستعمل على معالجتها.

صحيفتنا لم تنتهك ميثاق الشرف الاعلامي العربي، وإلاّ لما دخلت معظم الدول العربية الموقعة على هذا الميثاق، ولما استمر موقعها الالكتروني في متناول المتصفحين يوميا.

فنحن نحتكم الى قوانين النشر، والسبّ والقذف في الدول الاوروبية التي تصدر منها، وهي شديدة القسوة مع من يخالفها.

‘ ‘ ‘

قنوات فضائية عربية عديدة تنتهك هذا الميثاق، وتفبرك الاخبار والصور، ولا احد يحاسبها او ينتقدها لأنها تغرّد داخل السرب، وتوظف كل امكانياتها الهائلة في خدمة أجندتها وهناك امثلة عديدة وموثقة في هذا الاطار.

النظام السوري لم يكن حملا وديعا مطلقا، وارتكب مجازر عديدة في الماضي ضد معارضيه، اشهرها مجزرة ‘حماة’، ومع ذلك كان حليفا وثيقا للدول التي انقلبت عليه، وهي دول لم تنشر اجهزة إعلامها خبرا واحدا، ولو بجملة مختصرة في ذيل صحيفة غير مقروءة عن مجزرة حماة هذه.

لا نريد من احد ان يذكرنا بمجازر هذا النظام قديمها وحديثها، ولكن اعلام هذا النظام البائس لا يواجه بالحجب، وانما من خلال اعلام مهني مضاد مدعوم بالحقائق الموثقة، والمهنية العالية، وفتح ابوابه امام الرأي الآخر.

نعترف ان رأينا هذا، وفي مثل هذا التوقيت، يبدو صوتا ناشزا في ظل عملية الاستقطاب السياسي والطائفي والاعلامي التي تسود المنطقة العربية حاليا، ولكن لن يرهبنا مطلقا اولئك الذين لا يحــــترمون الرأي الآخر، ويرون الوجه الواحد من الحقيقة، ويستخدمون الاساليب نفسها القمعية والمتخلفة التي يستخدمها النظام السوري ضد معارضيه، من سبّ وقذف ونهش في الاعراض والذمم.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى