صفحات الناس

قوارب الهجرة الأمميّة تمخر البحار/ بيار هاسكي

 

 

عائلات ينهشها القلق على متن مراكب، معبِّرون مجرمون يسلطون السيف عليها ويمسكون بمصيرها، حدود توصد أمامها على وقع تعاظم مشاعر اللفظ وعدم التسامح، وحكومات يحرجها عدد الغرقى على أبواب بلدانها… هذه الأزمة لا تدور فصولها في المتوسط، بل هي من مآسي المهاجرين في آسيا، وتحديداً مآسي المهاجرين الروهينجا الخالفين وراءهم بورما (ميانمار).

وتزامن الأزمتين في المتوسط وجنوب شرقي آسيا، هو مرآة الطابع الدولي لظاهرة الهجرة – وهي ظاهرة وثيقة الصلة بدول «الجنوب»، وشبكات المعبرين هي صنو الشركات المتعدّدة الجنسية (وفي كتابهما «مهربو البشر»، يصف أندريا دي نيكولا وجيامباولو موزوميسي تهريب البشر بـ «البيزنيس»، وهو قطاع أعمال تبلغ أرباحه بلايين الدولارات. والمعبِّرون يقعون في قبضة السلطات في وقت ينجو المديرون). والسبيل الى حلّ الأزمتين ليس عسكرياً ولا وطنياً (حل المشكلة على المستوى الوطني في بلد المنشأ). والمصير الذي يلقاه الروهينجا ينّبه الى أن الكراهية تنتشر في كل مكان، وتجلو في صورة راهب بوذي بورماني (ميانماري) يشنّ حملة كراهية على الروهينجا – وهي أقلية مسلمة تُسمى أحياناً «غجر الشرق الأقصى» -، ويصليها العداء والعنف. وفي بورما، تحرم الأقلية هذه من المواطنة، ويتعاظم التمييز ضدها. لذا، يسلك آلاف من أبنائها طريق الهجرة. ولا يشغل مصير الروهينجا أحداً في بورما، ولا حتى حائزة جائزة نوبل للسلام، أونغ سو تشي. وصمت المعارضة الذائعة الصيت عما يجري في بلادها خلال المرحلة الانتقالية الى الديموقراطية، ثقيل. وثمة أوجه شبه بين الرد الجماعي على الأزمتين في أوروبا وجنوب آسيا. فأوروبا لم تقتنص فرصة أزمة المهاجرين لترسيخ طابعها النموذجي أمام أبنائها الذين تفتر حماستهم إزاء مشروعها. وموقف جنوب شرقي آسيا غير متماسك. فالحكومات لم تحرك ساكناً قبل العثور على مقبرة مهاجرين فارقوا الحياة وهم في الأسر، في الأراضي التايلندية، وقبل أن تنتشر صور سفن مليئة بالفقراء. وعقدت دول منظمة أمم جنوب شرقي آسيا (آسيان)، اجتماعاً طارئاً في بانكوك لبحث الأزمة، ولكنها لم تتناول أوضاع الروهينجا ولم يرد اسم هذه الأقلية في البيان النهائي. فهذه الدول سعت الى تجنّب إحراج بورما، على رغم أن سياساتها هي وراء الأزمة. وبدأت القوات البحرية المحلية في هذه المنطقة، عمليات إنقاذ بحري. ولكن الى اليوم، لم يبحث في مصير الناجين. وفي آسيا كما في المتوسط – أو على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك – ليس في الإمكان ثني شاب يسعى الى حياة أفضل عن الهجرة. فـ «الجدران» التي تشيد على الحدود و «تنبت» هناك، غير قادرة على ردعهم. ولا يثنيهم عن المغامرة خطر الموت على الطريق الى مكان مزدهر أسطوري السمات، ولا التعامل مع أثرياء خسروا بحبوحتهم ويخشون «منافسة» القادمين من بعيد. وفي هذا العالم الذي يفتقر الى حوكمة ناجعة، تخفق الأمم المتحدة في جبه التحديات، وهي تخسر شيئاً فشيئاً صفتها الجامعة والمتّحدة. ولم تعد ثمة إدارة جماعية للأزمات. ولا أحد يسعه ضمان ألا يضطهد الروهينجا أو ألا يسجن الأريتريون، ولا الحؤول دون هجرة هذه الأقلية وأبناء هذا الشعب الأفريقي، إذ يتعذر البقاء في مسقط رأسهم وتوقّع مستقبل لا يغيب عنه الأمل. وفي الأثناء، حركة السفن الشعبية الأممية تخوض البحار وتسعى وراء الفرص.

* كاتب، عن «لوبس» الفرنسية، 4/6/2015، إعداد منال نحاس

الحياة

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى