صفحات المستقبل

إلى اخوتي


 هنادي زحلوط

صباح الخير يا جبال العلويين صباح الخير يا صالح العلي، يا صلاح جديد، يا ابراهيم ماخوس، ويا جدي وستي..

بأرض هذا الساحل تربيت وسقيت شتول التبغ بعمر الرابعة، وقضيت مع أمي وقتا طويلا ويداي في الطين الذي نحن جميعا منه، كان لي شرف أن أكون فلاحة لربع قرن، تعمدت فيه بماء نهر الصنوبر، ونهر الكبير الشمالي، ونبع الماء الذي كنت أستحم فيه صغيرة يوم لم يكن لدينا بئر ماء أمام بيتنا..

أتذكر أبي هذا الصباح، كان يقطف التين صباحا من شجرة صغيرة بـ “الحاكورة”، ويأتي ببعض الفليفلة والبصل ويفطر على ثمرة بندورة مغمسة بدم ذرف منه، لنحيا، ونكبر، ونتعلم…

أبي الذي كان يكابر، وينكر انني في السجن، ويقول لهم: ابنتي حرة

!أبي الذي فارق الحياة وانا في السجن وكان آخر ما قاله لاخوتي: لا تدعوها وحدها!

أتذكر أمي وركوة القهوة صباح كل يوم تفرح بقضائه معي، توقظني والفرح يملأ عينيها، أنا بقربها، ترى هل كانت تعلم أنه سيأتي يوم قريب تحرم فيه من رؤيتي، وأموت أنا في حرقة غيابها!

أتذكر أمي، الفلاحة، والخياطة، والأمية التي تعلمت القراءة والكتابة معي، المرأة التي من زجاج، ملأتها الحياة ألما شفيفا، فكنا الورود التي امتصت اوكسجينها، وماءها، وكبرنا لتضمر، وتضمر!

أتذكر أصدقاء أبي، كنا نجلس سوية عوائل معذبة نستظل من الشمس ظهرا، ويسردون لنا حكايا مقاومتهم للفرنسيين، والقصف الهمجي سنة 67، إلى أن عايشت بنفسي كيف أصبحت علبة المحارم حلما في أوائل الثمانينات!

أتذكر تحلّق فتيات حارتنا حول سيارة البائع المتجول لشراء الاكسسوارات، وتلهف الصبيان لشراء الكرات الملونة، ونزهاتنا في الوادي قرب منزلنا، نصنع الكاتو ونهرب إلى البرية، نختبىء من المطر تحت الصخرة ذاتها هناك، ما أبعدها الآن، يا مطر!

سيول تجتاح اذني، كلام طائفي بغيض كثير، يا بحر خذني واغسلني، ليس العلويون سوى أناس بسطاء، ككل السوريين البسطاء، واقعون نحن تحت رهاب الاضطهاد، مدوا لنا أيديكم لنخرج سويا إلى الحقل الوطني المقفر منذ أربعين عاما..

العلويون، كما كل السوريين في قلبي، كل سوري يجرح تنزف معه روحي، ولا أدري متى يقتلني هذا النظام كما قتل اخوتي..لكنني أريد أن أحيا لأن بلادي في قلبي ساعدوني أرجوكم

من أجل سورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى