صفحات المستقبل

رسالة إلى هيثم مناع


خالد المحاميد

لا أعرف كم عدد الرسائل التي كتبتها إليك وترددت في إرسالها، لأني أعرفك كم قدمت من جهد وتضحيات ليحصل شعبنا على الكرامة والعدالة والحرية، مرة بعد أخرى اكتب إليك معاتبا كصديق ومحب، وفي كل مرة اعجز عن التعبير عن ما أريد إيصاله إليك.

كانت أخر مرة قابلتك فيها في بيت متواضع في حي العباسية بدرعا البلد، وكانت أخر مرة تحدثت فيها إليك بعد استشهاد معن العودات المناضل الحبيب إلى قلوب جميع السوريين، يومها رويت لك وأنا ابكي قصة ذلك الطفل السوري في درعا، حين ذهب لإحضار الخبز، ففضل أن يموت على أن يركع لصورة بشار الأسد.

كانت هذه الصورة أشبه ما تكون بجورنيكا سورية والتي شاهدناها في بابا عمر في حمص، وفي أكثر من مكان في المدن السورية المحاصرة بالدبابات وقوات عصابات الأسد المجرمة،حتى باتت جورنيكا بيكاسو صورة ساذجة أقل من أن تعبر عن جرائم عصابات آل الأسد .

كانت أخر مرة شاهدتك فيها على قناة العالم الطائفية ، ويومها أقسمت أن لا أتابع أخبارك وتصريحاتك، لأن ما أسمعه منك، يؤذيني ويؤذي ملايين السوريين الذين أحبوك في يوم ما.

إن الكثيرين من أبناء شعبنا لا يعرفونك، ولا يعرفون تاريخك النضالي ضد الاستبداد والظلم، وأكثرهم تعرفوا عليك بعد قيام الثورة التي ظللت لمدة عام وأنت تتردد في إطلاق مسمى الثورة عليها، وتصفها بأنها مجرد انتفاضة مثلما يفعل قدري جميل وعلي حيدر، هل تساوي نفسك بهؤلاء الأنذال الجبناء ونحن نعرف مقدار شجاعتك ونبلك وتضحياتك

كنت قد ها تفتك في عام 2003 حين عدت من سوريا خائبا، بعد أن أدركت أن النظام السوري يستحيل إصلاحه ، وقلت لي يومها أن ما رايته وسمعته يجل عن الوصف، وأنه بدون ثورة حقيقية لا يمكن تغيير شيئ في سوريا .

أتذكر بأني اقترحت عليك أن تبدأ بإعلان الثورة، وأن تشرح للسوريين بعد لقائك مع بشار الأسد أن هذا النظام الفاشي يستحيل تغييره من دون ثورة شعبية.

أتذكر أن الحديث طال بيننا، لكني شعرت يومها أنك تستشعر قوة النظام ، وهذا حق ورؤية صائبة، فعصابات آل الأسد تمرنت على توظيف كل شيء ليصب في مصلحة تقديسها كعائلة مقدسة يتوجب على السوريين الخضوع لها والتماهي مع طموحاها التي لم تكن يوما تلتقي مع طموحات وأحلام الشعب السوري.

لقد قلت لي حينذاك بأن ثورة شعبية لابد آتية للتخلص من هذا النظام ، كانت نبوءة حقيقية وصادقة من رجل ثوري واقعي، يدرك ان الظروف التاريخية مهيئة لقيام ثورة .

لكن الثورة يا صديقي ليست مجرد كلام، وكما تعرف فإن الثورات الشعبية لا حدود لطاقتها، فهي تندلع فجأة من دون أي اعتبار للتاريخ والظروف، ولكن كباحثين ندرك طبيعة الثورة ومكوناتها وأسباب اندلاعها في هذا الوقت أو ذاك، وأنت كمنظر ماركسي تدرك أكثر من الآخرين ظروف نشأة هذه الثورة.

ما سوف انتهي إليه هو انك لم تقرا هذه الثورة جيدا، فعلى الرغم من تاريخك النضالي ، ومكوناتك الفكرية، والتزامك الأيديولوجي، لم تستطع فهم هذه الثورة التي لا تعبأ بالنظريات، ولا تحسب حسابا للقوى السياسية، ولا يعنيها التاريخ بما فيه من حمولات وطنية أو قومية أو غير ذلك

هذه ثورة تحرر وطني، ثورة كرامة ضد التعسف والظلم، ثورة ضد الاضطهاد والاستلاب والفساد، ولذلك تجد فيها أخوان مسلمون وشيوعيون وبعثيون وناصريون، سنة وشيعة، كرد وعرب واشوريون ومن جميع المذاهب والتيارات والآعراق .

ستقول لم كل هذا الكلام، فأنا مع الثورة وفي صلبها، وأنا أقول لك نعم أنت في الثورة وفي صلبها حين تعلن بوضوح وقوفك إلى جانبها كثورة تحرر وطني ، وليست مجرد انقلاب لتغيير نظام الحكم .

إن جميع تصريحاتك وأحاديثك تشير إلى أن قناعاتك بان ما يحدث هو مجرد انقلاب على نظام حكم فاسد، وانه يمكن بطريقة سلمية استبدال حاكم بحاكم آخر لإنهاء حالة الفوضى والفساد.

ألم تعد تؤمن بالثورة ، أم هو صحيح ان الروس أغروك برئاسة الوزراء ، وأنك تناضل من أجل المنصب وليس من أجل التغيير ؟

أنا لا اصدق ذلك، لكن حين رايتك على قناة العالم الإيرانية وقناة المنار الطائفية أدركت كم هو مؤثر أن تكون معارضا مسالما تغض النظر عن اغتصاب النساء وقتل الأطفال وسلخ جلودهم وهم أحياء وقتل المتمردين على نظام عصابة آل الأسد من دون محاكمات.

انا أسألك كرجل حقوقي وطبيب، كيف يمكنك ان تجلس على طاولة واحدة مع من اغتصب النساء وقتل الأطفال واختطف وعذب وانتهك جميع المحرمات

أنت الذي تدعوا إلى الحوار، ماذا تقول لرجل اغتصبت ابنته أمام عينية، ماذا تقول لأم حمصية فقدت عقلها وهي تبحث عن خمسة من أطفالها اختطفهم الشبيحة، ماذا ستقول لقتلة معن العودات، وهم يتلذذون في متع الحياة التي توفرها لهم عصابة آل الأسد.

شعبنا يحبك يا صديقي هيثم مناع، يحبك لماضيك، ولكن حين يراك متخاذلا عن مواجهة عصابة آل الأسد فإنه ينسى ماضيك، ويعلن كراهيته لك، فحين يرفع المتظاهرون لافتات تدعوك إلى الصمت ، فهذا يعني انك تخطئ بحق شعبك، وأنك فقدت محبة هذا الشعب.

ستحدثني بالتأكيد عن الفرق بين رؤية المثقف الثوري وبين انفعالات العامة ، انا أقول لك إن هذا مجرد هراء، لقد أثبت شعبنا أنه أكثر وعيا من مثقفيه، وأنه يتقدم عليهم بنضاله ورؤيته، وعليهم أن يلتحقوا بركبه الثائر، وأن يتواضعوا أما قدرات شعبنا وعبقريته وإبداعه.

أقول لك هذا وأنا أرى على شاشة التلفاز عشرات القتلى الذين ضحوا بأنفسهم من اجل ان يأتي لوقت الذي تستطيع انت أو غيرك ان يقول كلمته من دون خوف من الاعتقال والتعذيب ، أليس هؤلاء جديرين بان تعمل من اجل حمايتهم من القتل والإبادة؟؟؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى