صفحات الناس

لبنان يستغيث من النازحين

محمد شبارو

بعد عامين، إستفاقت الدولة اللبنانية على ضرورة التحرك دولياً وعربياً بغية إعلاء الصوت وطلب المساعدة بعد أن فاقت أعداد النازحين السوريين قدرة لبنان على التحمل، إقتصادياً وإجتماعياً وأمنياً.

 المجتمع الدولي والعربي بدوره لم يندفع لنجدة لبنان، بالرغم من الوعود والتعهدات الكثيرة. وزير الخارجية اللبنانية عدنان منصور فضل الدفاع عن النظام السوري بدل طلب المساعدة في تحمّل أعباء النازحين، وخاض معارك دونكيشوتية تحول معها لبنان إلى دولة منبوذة دبلوماسياً.

 الجمعة الماضي، بدأ رئيس الجمهورية ميشال سليمان مساعي جديدة وجدية للدفع إلى تحرك دولي، عبر لقائه سفراء الدول الاعضاء في مجلس الامن الدولي لإطلاق خطة للتعاطي مع ملف النازحين، وفيها خمس نقاط: تقاسم الاعباء المادية والعددية مع لبنان، النظر في امكان تطبيق معايير على الوافدين الجدد، تحسين شروط وقدرات استيعاب النازحين داخل سوريا، حض الدول على الإيفاء بإلتزاماتها المالية، تقديم مساعدات مباشرة الى الحكومة اللبنانية.

 يقول وزير الشؤون الإجتماعية في حكومة تصريف الأعمال وائل أبو فاعور لـ”المدن” إن الخطة تدشين لتحرك دبلوماسي أوسع “لأن الأمر بات يتجاوز حدود قدرة الدولة والمجتمع على التعامل معه  في ظل إزدياد أعداد النازحين وظهور الكثير من التأثيرات السلبية التي كانت متوقعة على المستوى الإقتصادي والإجتماعي والأمني”، ويؤكد أن النقاش مع المجتمع الدولي سيستكمل ويتبعه تحرك على مستوى جامعة الدول العربية ومجلس الأمن والإتحاد الأوروبي بالتزامن مع محاولة تفعيل الإجراءات الداخلية عبر الخلية الأمنية في وزارة الداخلية.

أعداد النازحين الكبيرة التي دفعت الى هذا التحرك، فاقت كل التوقعات وفي ظل التضارب في التقديرات، يكشف أبو فاعور أنه بحسب مديرية الأمن العام، في لبنان نحو مليون ومئتي ألف من التابعية السورية، بين نازحين وعمال، وفئات اخرى ليست في حاجة إلى المساعدة.

هذه الأعداد الضخمة التي تقدر عملياً بنحو 30 % من سكان لبنان، دقت ناقوس الخطر، وان أتى متأخراً بعد دعوات متكررة للتعاطي مع الموضوع من منطلق إنساني وبعقل الدولة، وإنشاء مخيمات تكون تحت رقابة الدولة والأجهزة الأمنية، وتسهل عمليات الإغاثة، إلا أن بعض الأطراف تعاطت مع هذا الموضوع،  بحسب أبو فاعور، بـ”إستغلال واضح، ورفضت بحجة المخاوف الأمنية. واليوم أصبحت المخيمات العشوائية أمراً واقعاً”، ويشير إلى أن النازحين السوريين يقيمون اليوم في 2000 موقع منها عدد كبير من المخيمات العشوائية في كل المناطق. ورغم هذا الواقع ولدى سؤال أبو فاعور عن النقاش بشأن المخيمات؟ يجيب: “لم نصل إلى نتيجة بعد”!.

 في نهاية كانون الثاني الماضي، عقدت قمة في الكويت خصصت للنازحين. تعهدت خلالها الدول المشاركة تقديم 1.5 مليار دولار، إلا أن هذه التعهدات بمعظمها لم يتم الإيفاء بها، لذلك، يلفت أبو فاعور الى ان التحرك اللبناني يأتي نتيجة عدم التجاوب العربي والدولي مع مطالب لبنان المتكررة لتحمّل الأعباء معه،  لكنه يستدرك ان بعض الدول أوفت فعلاً بتعهداتها، ومنها  الكويت والمملكة العربية السعودية.

 الخطة الدبلوماسية التي بدأها سليمان، تأتي في وقت حرج للبنان سياسياً، وسط إرتفاع حدة الإنتقادات العربية والدولية لتورط “حزب الله” في سوريا، من ناحية، ولمواقف وزير الخارجية المتماهية مع النظام السوري والمغيبة لموقف الدولة وخصوصاً مواقف رئيس الجمهورية الواضحة والرافضة لتورط أي فريق في الحرب السورية، هذه المواقف كادت أكثر من مرة ان تورط لبنان رسمياً ودبلوماسياً، وهي على الأقل قضت على ما تبقى للبنان من صورة الدولة السيدة والمستقلة. هذا الواقع لا يخفيه ابو فاعور، ويجزم أن قتال “حزب الله” في سوريا سيؤثر اضافة الى حضور لبنان الدبلوماسي “غير المحبب الذي فيه التصاق كبير بالنظام السوري الى حد يسبق النظام السوري في الدفاع عن نفسه” – في إشارة ضمنية الى مواقف منصور – المؤثر سلباً في امكانية حصول لبنان على المساعدات المطلوبة والدعم الدولي.

 أبو فاعور لا يخفي خطورة هذا الملف على كل الصعد ويعتبره تحدياً ليس للدولة والحكومة فقط بل للبنان ككيان ووطن، لكنه يأسف لأن كل الخطوات التي حصلت بسبب الإنقسام السياسي والتجاذبات ليست على قدر هذا العبء والتحدي. ويؤكد ان المطلوب من الجميع ان يتصرفوا بعقل ومنطق الدولة وليس التجاذبات،  والتعامل مع هذه القضية بأعلى درجات الإنسانية واقل درجات المخاطر على لبنان ومستقبله.

 المجتمع الدولي والعربي أمام مسؤولية تاريخية لتقديم كل الدعم للدولة اللبنانية للمساعدة على تحمل أعباء ملف النازحين إقتصادياً وإجتماعياً، وعدم تحوله إلى قنبلة موقوتة أمنياً، لكن على الأفرقاء السياسيين تقديم ولو حد أدنى من حس المسؤولية، وعدم تصوير لبنان على أنه دولة فاشلة.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى