صفحات العالم

مقالات تناولت سقوط يبرود

يبرود: نقطة التقاء بين دمشق وحمص

تقع مدينة يبرود وسط جبال القلمون المتاخمة لجبال لبنان الشرقية، وضمن واد يفصل التقاء الهضبة الثالثة بالهضبة الثانية من سلسلة جبال القلمون والمحاطة من غالبية جهاتها بجبال شاهقة، أبرزها مار مارون والجرد الشرقي لسلسلة الجبال السورية.

وتبرز أهمية يبرود في أنها تقع على بعد اقل من عشرة كيلومترات من طريق دمشق ـ حمص، حيث أنها تقع على بعد 80 كيلومترا شمالي دمشق، و80 كيلومتراً جنوبي حمص.

وتتبع منطقة يبرود إدارياً محافظة ريف دمشق.

وتضم منطقة يبرود إضافة إلى مدينة يبرود كمركز منطقة إداري، قرى وبلدات عدة مجاورة للمدينة، وهي رأس العين، رأس المعرة، عسال الورد، الجبة، الصرخة، ويتبع لها أيضا قسم من مزارع ريما الفاصلة بين مدينتي يبرود والنبك.

وشهدت يبرود نهضة صناعية وعمرانية وسياحية وتجارية ضخمة منذ نهاية الثمانينيات في القرن الماضي وحتى العام 2010 حولتها من بلدة صغيرة إلى مدينة، تعتبر ثاني أكبر المدن الصناعية في سوريا حسب إحصاءات وزارة الصناعة السورية وإتحاد غرف التجارة السورية.

ماذا يعني سقوط يبرود؟/ علي منتش

تقع مدينة يبرود في محافظة ريف دمشق، وتبعد عن العاصمة السورية دمشق حوالي 80 كلم شمالاً، وعن مدينة حمص 80 كلم جنوباً. هي مدينة متمركزة في قلب سلسلة جبال القلمون الحدودية مع لبنان. يحدها كل من بلدات فليطة ورأس العين ورأس المعرة، عسال الورد والجبّة والصرخة. عدد سكان يبرود يبلغ نحو 80 ألف نسمة، وفق تقديرات تعود الى ما قبل الحرب السورية ومأساة اللجوء. تبعد يبرود نحو 20 كلم عن الحدود اللبنانية، التي تفصلها عنها بلدة فليطة السورية.

سيطرت المعارضة السورية على مدينة يبرود والمناطق القريبة منها قبل نحو سنتين، الا ان ذلك لم يؤد الى اشتباكات في تلك المدينة وكذلك حدث في معظم مدن جبال القلمون، حيث كان هناك نوع من الاتفاق الضمني بين الجيش السوري والمعارضة المسلحة بعدم قيام قوات الاخيرة باستهداف اوتوستراد دمشق حمص المتاخم لمدن في القلمون كـ”قارّة، في مقابل عدم استهداف الطيران السوري لمراكز المسلحين المعارضين.

ومن قارّة نفسها، بدأ الجيش السوري معركة جبال القلمون في 14 تشرين الثاني الماضي، إذ تمكن من السيطرة عليها وبعدها سيطرَ على كل من بلدة دير عطية ومدينة النبك، في ما سميَّ المرحلة الاولى من معركة القلمون، ومن ثم استؤنفت معارك “المرحلة الثانية” في منتصف شهر شباط الماضي، اذ سيطر الجيش السوري على كل من السحل والجراجير ومزارع ريما المتاخمة لمدينة يبرود، اضافة الى عدد من التلال المشرفة عليها.

يقول الخبير بالشؤون السورية فابريس بالانش، ان “يبرود التي تقع على بعد اقل من عشرة كلم من طريق دمشق-حمص تمثل تهديدا لامن هذا المحور وهي كانت منطلقاً لمقاتلي المعارضة الذين كانوا يشنون من هذه المدينة هجمات على القرى الموالية للنظام وصولا الى تهديد دمشق من جهة الشمال.

ويرى في حديث مع “وكالة الصحافة الفرنسية” انه “باستعادة السيطرة على يبرود، يستعد الجيش السوري لاغلاق الحدود اللبنانية في شكل كامل بحيث ينعدم اي دور لبلدة عرسال، وهذا الامر يريح حزب الله، كما ان النظام يستطيع بذلك التركيز على الدفاع في جنوب دمشق (محافظتا درعا والقنيطرة على الحدود الاردنية) المهدد على الدوام بهجمات المعارضين”.

مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبد الرحمن، يقول لـ”النهار” ان “المؤشرات كانت واضحة منذ وصول القوات المهاجمة التي يقودها حزب الله الى تخوم يبرود بان المدينة ستسقط، لكن ليس بهذه السرعة، وقد يكون سبب السقوط هو كثافة الغارات التي شنها الطيران السوري اضافة الى قطع كل الامدادات عن المقاتلين المعارضين”.

ويشيرعبد الرحمن الى ان “الخسائر البشرية للمعارضة في معركة مدينة يبرود كبيرة جداً، لكن هناك تكتماً شديداً حول الموضوع، اذ ان بعض قيادات جبهة النصرة مصرّة على نفي سقوط يبرود رغم البث المباشر من هناك وهذا امر مستغرب”.

المنفذ الوحيد

العميد المتقاعد وهبي قاطيشا يقول لـ”النهار” ان “اهمية سقوط يبرود في يدّ الجيش السوري وحزب الله بالنسبة للنظام تكمن في انها المنفذ الوحيد من عرسال الى جبال القلمون، كما ان يبرود احدى المدن والقرى التي تتحكم بالطريق السريع،

كذلك يمكن لحزب الله القول انه سيطر على المنطقة التي تأتي منها السيارات المفخخة الى لبنان واقفل الطريق بين يبرود وعرسال، لكن هنا يطرح سؤال: هل تأتي السيارات المفخخة فقط من يبرود ؟”.

وفي رأيه، “لا تأثير لسقوط يبرود على العاصمة دمشق، فهذه المدينة بعيدة عن العاصمة نحو 60 كلم، وتاليا ليست هي من يشكل خطراً عليها، اما المعارك الحقيقية فهي تخاض في حمص وحلب ودرعا”.

كما يرى ان “النظام لم يرد سقوط يبرود لانه يريد اشعال فتنة في لبنان عبر السيارات المفخخة التي تنطلق من يبرود وتنفجر في المناطق اللبانية، لكنه في النهاية خضع لضغوط حزب الله، الذي يمكن اعتباره المستفيد الاول مع اللبنانيين بوقف السيارات المفخخة اذا حصل”.

ويشكك قاطيشا في امكانية بقاء الجيش السوري في مدينة يبرود “انها معارك كرّ وفرّ، والجيوش النظامية لا يمكنها الصمود في المدن، لذلك لا يمكن القول ان النظام سيطر على يبرود الى الابد”. وتخوف من وصول المسلحين من يبرود الى عرسال، “لان هؤلاء حاقدون على من اخرجهم من بلدهم ومدينتهم، لذلك سيسعون الى خوض معارك مع حزب الله، في البقاع مثلاً او في مناطق اخرى”.

بدوره، يقسّم العميد المتقاعد امين حطيط اهمية سيطرة الجيش السوري على يبرود الى ثلاثة عناوين: “الاول عسكري يتعلّق بقدرات القوة المهاجمة التي استعملت خليط بين ما يسمّى مرونة الخرق وبين القوة النارية الهائلة، كذلك يتعلق العنوان الاول بتأثير سقوط يبرود على المناطق المحيطة، اذ ان المعارضة جعلت غرف العمليات الميدانية لمنطقة ريف دمشق في يبرود “.

اما العنوان الثاني وفق حطيط فهو “العنوان الاستراتيجي، فأولا بالسيطرة على يبرود استطاع النظام ربط منطقة الثقل الاستراتيجي اي العاصمة دمشق بمنطقة طرطوس اي بالمياه (البحر). وثانياً يستطيع النظام سحب اعداد كبيرة من القوات الاحتياطية المكلفة حماية دمشق لتشارك في معارك مناطق اخرى لان الخطر عن دمشق قد زال. وثالثا ان المقاتلين المعارضين لم يعد لديهم امل اي ان قتالهم لم يعد من اجل النصر بل من اجل تخفيف الخسائر”.

اما العنوان الثالث فيتعلق بـ”تأثير لبنان وتأثره، اذ ان سقوط يبرود يعني فصل لبنان عن الداخل السوري. اضف الى ذلك تراجع نسبة السيارات المفخخة المتجهة من سوريا الى لبنان الى حد كبير، لكن هناك سلبية واحدة على لبنان هي تدفق اعداد كبيرة من المسلحين الى داخل الاراضي اللبنانية الامر الذي سيؤدي الى مشاكل”.

في المحصلة، يبدو سقوط يبرود محطة من محطات الكر والفر في الحرب السورية بالنسبة لبعض المراقبين، فيما يرى بعض آخر ان هذا السقوط يحمل رمزية معنوية كبيرة في المعركة المستمرة ويؤسس لتحول كبير في ميزان القوى. يبقى ان سقوط يبرود يخلف اسئلة كثيرة من مثيل: من سيسكن يبرود من اهلها المهجرين ومتى يعودون؟ وهل إقفال “مصنع السيارات المفخخة” كفيل بلجم الاخطار عن لبنان ام ان تدفق الاعداد الكبيرة من المقاتلين الى تخوم الاراضي اللبنانية يقول شيئاً آخر؟ .

«القصير 2» و«الغوطة 2» و«جنيف 2»

ماذا تعني هزيمة المسلحين في يبرود؟/ خليل حرب

ماذا جرى في يبرود؟ ولماذا تقهقر مسلحو المعارضة بأسرع مما توقع كثيرون؟ وما معنى دخول الجيش السوري المدينة التي ظلت توصف بأنها من قلاع المسلحين الحصينة، فإذا بها تتساقط بين ليلة وضحاها في لحظة مفارقة زمنية في ما يسمى «الذكرى الثالثة للثورة السورية»؟

وكيف يمكن قراءة معركة يبرود ربطاً بما جرى في القصير في حزيران الماضي، وبالتطورات العسكرية المحتملة في الغوطة الشرقية، وتداعيات هذا التقدم العسكري للجيش على مسيرة «جنيف 2» المتعثرة، وعلى الخيوط السياسية للمشهد في دمشق؟

وإذا كان من الصعب رسم صورة واضحة الملامح لما جرى خلال الساعات الـ48 الماضية في يبرود، واستخلاص معانيها الكاملة، إلا أن بالإمكان رصد مجموعة أحداث ونتائج لهذه اللحظة التي يراها كثيرون «إستراتيجية».

أول ما يمكن أن يقال إن ما جرى في يبرود يستكمل تقريباً انهاء «معركة قطع الشريان اللبناني». لكن الرسائل التي تخرج من دخان الاشتباكات في القلمون، يصل صداها الى ابعد من الخاصرة اللبنانية الرخوة… ربما نحو دمشق وواشنطن الى جانب الرياض والدوحة.

لكن ما هي هذه القيمة «الإستراتيجية» لما جرى في يبرود في هذه اللحظة؟. إذا كان مراقبون اعتبروا أن النظام السوري مر بثلاث مراحل اساسية في عمر الأزمة المفتوحة منذ ثلاثة أعوام، هي «الدفاع» ثم «الصمود» ثم «الهجوم»، فإن معركة القصير في الخامس من حزيران العام 2013، شكلت بداية انتهاء «مرحلة الصمود» من جانب النظام، والانتقال الى «مرحلة الهجوم». وبهذا المعنى، فإن معركة يبرود، تشكل نقطة الذروة في هذا الهجوم حتى الآن، لأنها الأكثر تعقيداً جغرافياً وعسكرياً حيث يصل ارتفاع بعض جبال القلمون الى ما بين 1400 متر و1650 متراً، فيما تجعلها تضاريسها شبيهة بالجبال الأفغانية التي أنهكت عبر التاريخ جيوشاً جرارة.

لكن الفصائل المعارضة، هُزمت بسهولة نسبية، ونزلت أو انسحبت من الجبال لسبب أو لآخر، من بينها، كما تشي الاتهامات المتبادلة عبر «تويتر»، التخاذل والتقاعس والخيانات… الى جانب القوة النارية للمهاجمين (تفاصيل صفحة14).

وبالإضافة الى ذلك، فإن من معاني يبرود، الاقتراب بشكل حاسم نحو إنهاء المفاعيل اللبنانية للأزمة السورية بالمعنى الأوسع للكلمة، وبمعنى آخر «قطع الشريان اللبناني» الذي يغذي نار الصراع السوري عبر الحدود، على خطين متوازيين: الحصن – الزارة وصولاً الى وادي خالد، ويبرود فليطة وصولاً الى عرسال، ما يعني أيضاً أن «ثنائية يبرود عرسال» قد انكسرت في أحد جزئيها، وهو ما يجعل التساؤل الكبير مشروعاً: كيف سيتم التعامل الآن مع عرسال في بُعدها اللبناني بعد سقوط «ظهيرها التكاملي التبادلي» في يبرود؟

ماذا أيضاً بشأن يبرود؟. هذه المدينة الحدودية هي صلة الوصل بين ما تبقى من المنطقة الوسطى ودمشق العاصمة. ويبرود أيضاً هي «عاصمة التذخير» والتسليح من القلمون باتجاه دمشق… وخيوطها تمتد بعيداً وصولاً الى مسلحي الغوطة وفصائلها في جوبر وحرستا ودوما، ما قد يشكل ضربة مؤذية لاحتمالات «معركة الغوطة 2» التي راجت التكهنات بشأنها في الأسابيع الأخيرة، بعد معارك الغوطة الكبرى في تشرين الثاني الماضي.

وإذا كان الجيش السوري و«حزب الله» قد تمكنا من دخول يبرود، فإن هناك بعض النقاط المتفرقة التي ما زالت تحت سيطرة المسلحين حول المدينة مثل فليطة، رأس المعرة، رنكوس، عسال الورد، وادي بردى، حوش العرب، تلفيتا، الرحيبة والناصرية بالإضافة الى الزبداني. لكن مصدراً مطلعاً على المشهد الميداني قال لـ«السفير» إن «مسألة صمود مسلحي المعارضة في هذه القرى، باتت مسألة وجهة نظر لا أكثر، وإن المعنى الواقعي الذي تنتجه هزيمة يبرود، يجعل خوض معارك كبرى في بلدات متناثرة، شبه مستحيل، خاصة اذا استفاد الجيش السوري وحزب الله، من 5 عوامل متوفرة حتى الآن».

وعدد المصدر هذه العوامل:

1- عامل الهزيمة النفسية التراجعية للخصم.

2- عدم الثقة والتفكك بين المجموعات المعارضة نفسها.

3- قوة الدفع المعنوي للخصم (الجيش و«حزب الله»)

4- قوة النار.

5- يبرود هي غرفة العمليات المركزية لكل القلمون، وتمثل «عاصمة التحكم» مثلما كانت القصير «عاصمة تحكم».

لكل هذه الأسباب، يقول المصدر، فإن التدحرج من يبرود سوف يستمر،علماً أن هناك قوى أساسية في فصائل المسلحين كانت تجري اتصالات مباشرة بالجيش و«حزب الله» تعبيراً عن الرغبة بالتوصل الى تسوية، وفق منطق المصالحات التي ترعاها الدولة السورية في مناطق اخرى.

وإذا كان الميدان العسكري بنموذجه «اليبرودي» مهم، إلا أن نموذج مصالحات المعضمية وبرزة، لا يقل أهمية، وهو المعيار المتدحرج الذي بات بالإمكان البناء عليه في العديد من مناطق الجغرافيا السورية. وبهذا المعنى، فإن معركة يبرود قد تعزز منطق الراغبين بالمصالحة في أكثر من منطقة ملتهبة بعدما بدا واضحاً أن المتضررين من «المصالحات» تنظيمات مثل «داعش» و«النصرة» و«الكتيبة الخضراء».

وفي حين تشير المعلومات المتوفرة الى أن «الجبهة الاسلامية»، بامتدادها السعودي، وتحديداً الرعاية التي كان يوليها رئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان لها، لم تشارك، في معركة القلمون، كعادتها على ما يبدو في المواجهات الكبرى، حيث تؤثر الانسحاب المبكر، فإن المعلومات المؤكدة تشير الى ان «جبهة النصرة» هي التي خاضت القتال الرئيسي في يبرود، في حين سجل سقوط العديد من كبار قادة التنظيم وغيره من الفصائل خلال الايام الماضية، وهو ما أصابهم بالارتباك وتسبب بإحباط معنويات المقاتلين.

وسيكون من الضروري لرصد تداعيات يبرود، متابعة الوجهة التي ستسير عليها العلاقات المتوترة بين «داعش» و«النصرة» و«جيش الاسلام» خلال الاسابيع المقبلة، حيث من المتوقع في ظل النكسة الكبرى التي جرت الآن، اتجاهها نحو التعقيد، خصوصاً في ظل تبادل الاتهامات بالخيانة والتقاعس. لكن كان من اللافت ان الصراع الدموي بين هذه التنظيمات في اكثر من منطقة سورية والذي اوقع آلاف القتلى في صفوفهم خلال الشهور الثلاثة الماضية، لم تصل نيرانه الى القلمون، كما ظلت مناطق الغوطة بمنأى عنه نسبياً، ما يعني انها ستخضع لاختبار ساخن في الريف الدمشقي في القريب العاجل.

ومن المهم ملاحظة أن الحسم في يبرود جاء بعد اقل من شهر على تعثر مفاوضات «جنيف 2»، ومع وجود المبعوث الدولي الاخضر الابراهيمي في طهران، وتزايد التصريحات الاميركية، سواء على مستوى المسؤولين السياسيين او الأمنيين، او وسائل الاعلام مثل «واشنطن بوست»، برجحان كفة النظام في المواجهات الشرسة التي خاضها مع مختلف الفصائل على امتداد جبهات حمام الدم السوري. كما ترافق اقتحام يبرود مع خروج الخلاف السعودي القطري الى العلن للمرة الاولى بهذا الشكل الحاد، في وقت حدد مجلس الشعب السوري «شروطه» للمرشح المقبل للانتخابات الرئاسية السورية، ما يشكل ربما مفارقة ارتباط هذه الخطوة الرمزية في مغازيها السياسية، مع البصمة العسكرية في يبرود، واقتراب موعد ترشح الرئيس بشار الأسد.

ومن بين محصلة قصة يبرود، التي أصابها وأهلها الكثير من الخراب كغيرها من مدن المعاناة السورية، الخسارة المسجلة باسم كل من السعودية وقطر كلٌ من موقعه. القطريون من خلال ذراعهم الاولى المتمثلة بـ«النصرة»، والتي ربما كان من تجلياتها الانفراج السريع في قضية الراهبات المخطوفات، والسعوديون من خلال الانتكاسة الجديدة في مشروع بندر بن سلطان المتمثل بـ«الجبهة الاسلامية» التي الى جانب «النصرة»، تعتبران المكون الرئيسي للمعارضة المسلحة في القلمون.

وفي الخلاصة، فإن السؤال الملح هو: ماذا بعد القلمون؟ خاصة ان النظام منذ معركة القصير، لم يُمنَ بخسارة منطقة استردها، وهو ما يسمى «التحول النوعي بالتثبيت والحفاظ على المكتسبات» والتي يشارك فيها «جيش الدفاع الوطني».

فهل هي الجبهة الجنوبية في حوران والجولان؟ ام ريف حماه؟ او حلب؟ وبالتأكيد فإن المسألة ليست خاضعة للتكهنات، لكن سيكون من المهم متابعة التطورات في الغوطة على صعيد اسئلة المصالحات او المواجهات الداخلية بين الفصائل نفسها او تحرك الجيش استمراراً لسياسة القضم التدريجي. كما سيكون من المتوقع، ان القيادات السياسية والعسكرية السورية ستعمد بعد «تثبيت» الوضع في يبرود، (وهي من المكونات الاساسية لمعركة درع العاصمة)، الى مراقبة المشهد العام للصراع السوري وارتباطه بالسياسة، ثم قد تتقرر بعدها، الوجهة المقبلة لتدحرج المعركة.

انتصار” يبرود في الذكرى الثالثة للثورة: معركة استمرار الاسد ام “الخطة – ب”؟/ روزانا بومنصف

تكتسب سيطرة النظام السوري على مدينة يبرود معنى رمزياً بالنسبة الى المتصارعين على الارض السورية يتمثل في تحقيقه هذه السيطرة في الذكرى الثالثة لانطلاق الثورة ضده التي صادفت يوم السبت في 15 الجاري، ما يسمح له بالاعتداد، ولو لم يقم بذلك بمفرده بل بمساعدة “حزب الله”، بأنه لم يتهاو بعد ثلاث سنوات على رغم كل ما حصل وقام به في سوريا بل على العكس هو التقط انفاسه.

لكن في مكان آخر، وفي اطار التوظيف السياسي المرتقب، استبق النظام السوري اعلان سيطرته على يبرود بدعم من الحزب الذي احتفل مؤيدوه في الضاحية الجنوبية من بيروت بسقوط المدينة قبيل وصول الموفد الاممي الى سوريا الاخضر الابرهيمي الى طهران. ومع ان الأمر قد لا يتعدى المصادفة كون النظام يخوض مع الحزب المعركة ضد يبرود منذ اشهر، فان الابرهيمي هو في مسعى لدى المسؤولين في طهران من اجل الضغط على الرئيس السوري بشار الاسد لعدم الترشح للانتخابات الرئاسية المفترضة في الاشهر الفاصلة عن انتهاء ولايته في تموز المقبل تفادياً لاسقاط الحل السلمي عبر مفاوضات جنيف 2. تبدو المهمة على تناقض كبير مع دعم لامتناه من ايران ومن موسكو ايضاً على كل المستويات من اجل ابقاء الاسد في موقعه، ولا مجال لذلك من دون تمديد ولايته مجدداً، ومكاسب يحققها على الارض ولو تدريجاً بدعم مباشر من تنظيمات حليفة لايران من العراق ولبنان تلعب دور جيشه الفعلي والواقعي الذي لا غنى له عنه من اجل تحقيق انتصاراته منذ الانتصار في القصير قبل عشرة اشهر الى الانتصار في يبرود التي ستكون منصة مهمة واضافية له اولاً من اجل اعطاء زخم لترشحه من خلال الايحاء للسوريين تخويفاً او اقناعاً بانه يمكن ان يبقى طويلاً بغض النظر عن واقع تقدمه البطيء وما اذا كان يمكنه استعادة السيطرة على مناطق اخرى ام لا مع ما يرتب ذلك من انتقال “حزب الله” الى مناطق في الداخل ابعد من الحدود اللبنانية والاثمان التي ستترتب عليه نتيجة لذلك. وثانياً من اجل تعطيل المساعي لدى الدولتين الداعمتين له وتوفير ورقة اضافية لهما من اجل المضي في الدفاع عنه ما دام يكسب على الارض مجددا ويستعيد السيطرة على مناطق كانت تسيطر عليها المعارضة. فالمعركة المباشرة في الاشهر المقبلة هي معركة بقائه رئيساً ومحاولته توفير العناصر لذلك اياً يكن الثمن، فكيف اذا دعم ذلك بمكاسب ميدانية تعزز وضع.

ومع ان اعادة السيطرة من جانب النظام على يبرود ليست سياسية فحسب بل هي ذات اهداف عسكرية وامنية استراتيجية في الدرجة الاولى، فإن متابعين معنيين كثر يعيدونها الى واقع الربط الذي رغب النظام في احداثه، منذ تحول الثورة ضده الى ثورة عسكرية، بين مناطق سيطرته ومناطق سيطرة “حزب الله” في البقاع خدمة للطرفين معاً وتحسباً لما يعتبره هؤلاء المعنيون الخطة “ب” اي في حال اضطر الى الانكفاء الى مناطق نفوذ وسيطرة خالصة له عبر طرد المعارضين والثوار من مدن وبلدات تسيطر على طرق امداده وتهدد هذه المناطق، في حال ومتى فشلت الخطة “أ” الذي تسمح له باعادة السيطرة على كامل الاراضي السورية وفي حال نجاح المعارضين في التوسع اكثر كما كان الوضع قبل ربيع العام الماضي ودخول ” حزب الله ” الى جانبه ما سمح له بالسيطرة على القصير. ولا يبدو هذا الانتصار فعلاً بالنسبة الى هؤلاء المتابعين اكثر من فصل اخر من فصول الحرب السورية التي ستكون طويلة جداً وستشهد فصولاً متتابعة بحيث لن تبدو في نهايتها كما بدأت قبل ثلاث سنوات، والتجربة اللبنانية على الاقل شاهد على ذلك حين بدأت في 1975 بحرب فلسطينية لبنانية وانتهت في 1990 بحرب مسيحية مسيحية. الا ان هذا الانتصار في يبرود استبق فيه النظام ايضا الزيارة المرتقبة للرئيس الاميركي باراك اوباما الى المملكة العربية السعودية باعتبار ان سوريا هي احد مواضيع الخلاف بين الولايات المتحدة والمملكة في اعقاب تراجع الرئيس الاميركي عن توجيه ضربة لمواقع عسكرية لدى النظام بعد تخطيه “الخط الاحمر” حول استخدامه السلاح الكيميائي ضد شعبه، ويفترض ان تشكل سوريا احد ابرز المواضيع على جدول البحث بين الجانبين. وما يتطلع اليه المتابعون المعنيون في هذا الاطار اذا كان انتصار النظام سيتيح لاوباما اعطاء الضوء الاخضر في خلال لقاءاته الخليجية لتسليم الدول الداعمة للمعارضة اسلحة اميركية نوعية باعتبار انه عارض حتى الآن اعطاء المعارضة اسلحة مماثلة خصوصاً ان الاسلحة الخليجية هي اسلحة من صنع اميركي ام ان الرئيس الاميركي سيبقى على موقفه السلبي الذي ينتقده عليه حتى اعضاء في الكونغرس والاعلام الاميركي ايضا.

الحكومة تواجه لجوءاً سورياً مسلحاً وإجراءات لمنع وصولهم الى عرسال/ خليل فليحان

لم يكف لبنان المليون لاجئ سوري مدني، استوعبهم منذ ثلاث سنوات، بل أضيفت اليهم مجموعات من المسلحين هذه المرة، وهو ما يشكل أزمة جديدة من نوعها في هذا الملف تستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة تمنع بقاءهم على الأقل بسلاحهم، لأن ذلك سيشكل هدفا للقوات النظامية السورية داخل الاراضي اللبنانية وعبئا أمنيا داخليا.

صنف جديد من تداعيات الأزمة السورية على لبنان منذ نشوئها بعدما تحولت من سياسية الى مسلحة من دون وقف اطلاق نار لساعة واحدة حتى يوم العيدوذلك عندما لجأ فجر أمس الأحد الى جرود عرسال عدد كبير من المسلحين الذين فروا بعد اعادة سيطرة قوات النظام على مدينة يبرود. وطرح هذا اللجوء واقعا أمنيا خطيرا على لبنان، شغل المسؤولين السياسيين والأمنيين الكبار منذ تلقيهم تقارير عاجلة من قيادة الجيش عن كيفية التعامل مع لاجئين مسلحين يمكن قوات النظام ان تتعقبهم بالطوافات، خارقة السيادة الجوية. واطلعوا على الخطوة الأولية الميدانية التي اتخذتها السلطات العسكرية، وهي رفع السواتر الترابية على الطرق المؤدية الى عرسال واللبوة. إلا ان هذا الإجراء لن يمنع من طرح وجود نحو 1000 او 1500 مسلح من الناحية الانسانية اذ ليس في وسعهم البقاء في تلك الجرود، بل هم في حاجة الى مأوى وطعام، وهذا ما يطرح أزمة جديدة على الحكومة. ومن الطبيعي ان يرفض الجيش السماح لهم بدخول اي بلدة لبنانية.

انطلاقا من هذا التطور الامني، تواجه حكومة تمام سلام اول استحقاق أمني خطير ومحرج، ويضيف الى بلدة عرسال ضغطا جديدا فرض نفسه ، بعد التفاهم على مشروع البيان الوزاري.

لا شك ان هذا الاستحقاق المستجد يتمثل بمصير نحو اكثر من 1000 مسلح تعرضوا لهجمات جوية داخل الاراضي اللبنانية، لكن سيستغيثون من أجل تأمين مأوى وطعام ودواء، وهذا سيطرح وفقا للتشاور العاجل الذي جرى بين المسؤولين بتأمين ما يطالبون به، شرط تجريدهم من السلاح والتثبت من هوياتهم لمعرفة ما اذا كان في عدادهم عناصر من تنظيمات متطرفة تورطت في تفجيرات انتحارية في مناطق سكنية لبنانية، من الهرمل الى احياء في الضاحية.

ورأت مصادر أمنية ان سيطرة قوات النظام على يبرود أفادت لبنان بوقف دخول السيارات المفخخة الى أنحاء مختلفة من البلاد، بدليل انه منذ بدء المعركة فيها توقفت العمليات الانتحارية التي ضربت بئر حسن والمنطقة القريبة من السفارة الكويتية وسواهما.

وأكدت انطلاقا من هذا الواقع أنه يجب ترسيم الحدود مع سوريا وتأمين الامن على طولها بشبكة حديثة تدرسها اكثر من دولة أوروبية. ومن المعروف ان الرئيس بشار الأسد يرفض البدء بترسيم الحدود مع لبنان. واقترح ان يبدأ اولا بين لبنان وإسرائيل، وهذا مستحيل نظرا الى استمرار احتلالها لاراض في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر .

ولفتت الى ان حكومة سلام تواجه قبل نيلها ثقة مجلس النواب نوعا جديدا من اللجوء السوري وهل سيطلب النظام محاصرتهم تمهيدا لتوقيفهم ثم تسليمهم؟ الا ان المشكلة المطروحة تكمن في ان الاتصالات على المستوى الرفيع بين بيروت ودمشق معطلة!

يبرود: ‘حزب الله’ ينتصر مجدداً على السوريين

رأي القدس

بعد شهور من الحصار والتدمير والقصف وبعيد ليلة انهمرت فيها البراميل المتفجرة للطيران السوري على يبرود خرج آلاف المدنيين السوريين من المدينة بحماية مئــات من مقاتلي المعارضة المسلحة السورية فيما دخل آلاف المسلحين من ‘حــزب الله’ اللـــبناني المدعوم بتغطية جوّية وبرّية من قوات النظام السوري الى المدينة معلنين الانتصار ‘الإلهي’ الثاني للحزب على الثورة السورية بعد معركة ‘القصير’.

هذا ‘الانتصار’ هو جماع عدد من العوامل المحلية والعربية والعالمية.

أول هذه العوامل هو ثبات حلفاء النظام السوري، وخصوصاً روسيا وإيران، على دعمهم العسكريّ والمالي له، وإمدادهم إياه بقرابة 40 ألف مقاتل من فصائل شيعية مثل ‘حزب الله’ و’عصائب الحق’ و’كتائب ابو الفضل العباس′ و’الحرس الثوري’ و’الحوثيين’.

أما العامل الثاني فهو استقواء الثورة المضادة في العالم العربي مع انكشاف أولويات الاستراتيجية السياسية الخارجـية السعوديـة المناصـرة المعهودة لأنظمة الاستبداد، والتي كانت قد اضطرت، تحت تأثير الضغط الشعبـي داخل وخارج المملكة، لدعم الثورة السورية إعلامياً وسياسياً وعسكرياً، ولكنّها اليوم منهمكة بقيادة الثورة المضادة، وذريعتها حاليا هي أن  قوى الإسلام السياسي “إرهابية” فاخذت تؤلب الرأي العام العربي عليها بتجريم جماعة ‘الإخوان المسلمين’ ودعمها لعودة النظام العسكري في مصر، ضاغطة على قطر ودول الخليج لاعتماد هذه السياسة قصيرة النظر.

تعليق المعارضة السياسية والعسكرية السورية آمالها على المملكة العربية السعودية كان نتاج براغماتيّة سياسية تحاول التعامل مع ميزان القوى الإقليمي والعالمي، لكن هذه المعارضة لم تتحسب لارتباط تعاون المملكة معها بعامل مؤقت هو الخوف من انقلاب الشارع السعودي عليها، والذي تزايد، مع وصول النظام السوريّ الى ذروة توحّشه بعد البطش باعتصام مدينة حمص واقتحام حماه خلال رمضان 2011.

وجاءت التطورات العسكرية والسياسية المتواترة على الأرض لتفضح للمعارضة السورية، بما فيها المحسوبة على السعودية، التواطؤ غير المباشر للرياض مع النظام السوري بحيث سمعنا رئيس الائتلاف احمد عاصي الجربا يتهم، بحرقة، امريكا و’العرب’ بالمماطلة في تسليح عناصر الجيش السوري الحر.

أما العامل الثالث فهو التراجع الأمريكي المنتظم تحت قيادة باراك اوباما أمام روسيا من أفغانستان حتى المغرب العربي، فيما تحوّل خصمه فلاديمير بوتين إلى قيصر جــديد يتابع فتوحات أسلافه الإمبراطوريين، بطرس الأكبر وايفان الرهيب وستالين.

عدم تسليم أسلحة نوعيّة أمريكيــة او عربية للمعارضة السورية ينبع أيضاً من خوف الأمريكيين من إمكان توجيه هذه الأسلحة، لاحقاً، ضد إسرائيل.

مقابل التدخل العسكري الروسي الواسع في القرم والاستعداد للانقضـاض على شرق أوكرانيا، والسيطرة على الخط البحريّ من سيفاستيبول الى طرطوس، والحفاظ على خط إمدادات الغــاز والنفط الروسيين الى اوروبا، نرى السعودية تقود قتالاً داخل البيت الخليجي، وتنشــغل، عبثاً، بحروب لا معنى لها، ضد الإسلاميين، في مصر وليبيا وتونس وسوريا، مشاركة، قصدت ذلك أم لم تقصد، في الجهد الحربيّ لخصومها الإيرانييــــن في سوريا، والروس في مصر، بدل العمل على استرجاع سوريـــا وفك الحصار عن خط النفط والغاز العربيين عبر سوريا وتركيا.

هنيئاً لحزب الله وايران وروسيا واسرائيل وأمريكا والسعودية… ولا عزاء للسوريين.

نهاية “دويلة القلمون”/حسن عليق

حرب القلمون انتهت. لم تُحسَم كل معاركها بعد، لكن تحرير الجيش السوري وحزب الله لمدينة يبرود امس وجّه ضربة قاضية لمشروع «دويلة القلمون». في الجغرافيا، القلمون هي صلة الوصل بين حمص ودمشق. وهي البوابة الكبرى لسوريا على لبنان. وهي الجبال المنفتحة على بادية لا حدود لها: نحو حماه وحلب والرقة ودير الزور شمالاً، والعراق شرقاً، وكل ريف دمشق جنوباً.

كان مشروع المعارضة السيطرة على جبال القلمون، بشقيها: شرقي طريق دمشق ــ حمص (من شمالي الضمَيْر في ريف دمشق، إلى جنوبي «القريتين» في ريف حمص)، وغربيها (من شمالي الزبداني في ريف دمشق إلى جنوبي القصير في ريف حمص)، وإقامة «دويلة» على شكل شريط عرْضي يمتد من لبنان إلى العراق، يقسم سوريا إلى جزئين: دمشق وجنوبها من جهة، وحمص وشمالها وغربها. كانت سوريا ستسقط، عملياً، بيد المعارضة بلا كثير عناء. أمام ما كان يُرسَم للقلمون، كانت ستغدو تفاصيل صغيرة العمليات التي حُكي عنها سابقاً، مثل فصل دمشق عن حمص، وتالياً، قطع الطريق بين العاصمة والساحل.

في مواجهة ما حاكته المعارضة، صمد الجيش والقوى الرديفة له في غوطة دمشق، ثم أتت معركة الفصل في القصير. بدأ مشروع «دويلة القلمون» يترنح، إلى أن أسقطته معركة يبرود امس بالضربة القاضية. وسيؤدي سقوطه، بحسب مسؤولين ميدانيين، إلى «ارتدادات إيجابية» في كامل منطقتي حمص ودمشق خلال الأشهر المقبلة.

ليبرود والقلمون وجه آخر: الوجه اللبناني. أول سلاح ريف دمشق ومسلحوه مرّوا من لبنان عبر القلمون. وأول سلاح حمص ومسلحوها عبروا القصير وتلكلخ بعد البقاع ووادي خالد. لكن التسليح ليس سوى جزء بسيط من القصة. فنجاح مشروع «الدويلة» كان سيحتّم على اللبنانيين «التعايش» مع إمارة تمتد من حدود عكار شمالاً، إلى حدود مزارع شبعا جنوباً. إمارة لجبهة النصرة، أقوى الفصائل القلمونية. جبهة لا منافس لها إلا «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المعروفة بـ«داعش»، او «الجبهة الإسلامية» التي لم تترك مجالاً طائفياً كان او سلوكياً للمزايدة على «النصرة» إلا واستغلته أبشع استغلال.

هذه الإمارة صدّرت إلى لبنان طلائع ما تنتجه: السيارات المفخخة. الغالبية العظمى من هذه السيارات خرجت من يبرود. كائناً من كانت الجهة التي تقف خلفها: «النصرة»، او «داعش» او «كتائب عبد الله عزام». لكن هل تعني نهاية معركة يبرود ان السيارات المفخخة لن تنفجر في لبنان؟ لا شك، بحسب أمنيين لبنانيين، ان معركة يبرود وتفكيك عدد من الشبكات الإرهابية في لبنان والاجراءات الامنية في الجرود الشرقية لمنطقتي بعلبك والهرمل، كلها عوامل ساهمت في إضعاف قدرة المجموعات الإرهابية على تنفيذ عمليات في لبنان. لكن عملية النبي عثمان أمس اكّدت أن الخطر لم يزُل، ولن يزول قريباً. صحيح ان الحرب حُسِمَت في القلمون، لكن المعارك لا تزال مستمرة. رنكوس وعسال الورد وفليطا ورأس المعرة ورأس العين كلها بلدات قلمونية ستشهد معارك او تسويات في الفترة المقبلة. ويتوقع معنيون ان يكون القتال في رنكوس هو الأشرس. ويتوقعون أيضاً أن تؤدي هذه المعارك إلى إضعاف المجموعات المعارضة أكثر وأكثر. فمنطقتها الآمنة التي اتخذت منها منطلقاً لعملياتها التفجيرية في لبنان ستتضاءل وتضمحل. وسيفرض ذلك على المجموعات الإرهابية إيجاد مناطق لها داخل لبنان لتفخيخ السيارات، ما سيُغيّر طبيعة المعركة بينها وبين الأجهزة الامنية اللبنانية.

وقع ما جرى في يبرود امس كان قاسياً على المعارضة. صمت شبه تام ساد منابر المعارضة وداعميها. وحده الناطق باسم «جبهة النصرة» في القلمون «عبد الله عزام الشامي» صرّح ملقياً باللائمة على «الخونة»، وعلى القوة النارية للجيش السوري، والقدرات القتالية لحزب الله. مصدر معارض قال لـ «الاخبار» إن معارضي الخارج عقدوا اجتماعاً في اسطنبول أمس، للتباحث في نتائج معركة يبرود. كان اللقاء عاصفاً، بحسب المصدر، والنقد الذاتي كان قاسياً. تم التركيز على تشتت المقاتلين، وعلى عدم وضوح الرؤية العسكرية لدى «القيادة السياسية» للمعارضة التي أسهمت في إرباك المقاتلين.

ما يمكن استخلاصه من أحاديث المعارضين هو اقتناعهم بأن أسوار دمشق تعلو امامهم أكثر فأكثر.

بعد سقوط يبرود لنتذكر الكويت!/ عبد الرحمن الراشد

بحسرة، اعترف أحد المقاتلين السوريين أنهم خسروا معركة يبرود بعد أسابيع من القتال، قال «لم يكن أمامنا، وبأسلحتنا البسيطة، أن نصمد أكثر مما فعلنا، فآلاف من قوات الأسد وحزب الله المجهزة كانت أكبر من قدرتنا».

يبرود ربما ليست معركة حاسمة، كما أن القصير لم تكن قاصمة، لكنها مؤشر خطير على اتجاه رياح الحرب. لقد أشغلت «داعش» و«جبهة النصرة» قوات الجيش الحر المعارض، وجرّتها إلى معارك جانبية، في حين وحّد الإيرانيون القوى التي تحت إدارتهم للزحف على المدن، واحدة بعد أخرى.

ومهم أن نضع الأمور في نصابها. سقوط يبرود علامة خطر يجب أن تضيء الأنوار الحمراء في مراكز القرار العربية، لأنها تعبر عن نجاح إيران التي تقود الحرب في سوريا. فهي لا ترسل السلاح فحسب، بل تمد النظام بالمقاتلين بعد تجنيدهم من كل مكان، بما في ذلك باكستان والعراق، إضافة إلى الآلاف من حزب الله اللبناني.

علينا ألا ننظر إلى حرب سوريا على أنها مجرد مواجهة أخرى في المنطقة، بل هي الحرب الإقليمية الفاصلة، لهذا يستميت الإيرانيون من أجل أن يكسبوها. إذا كسبوا سوريا، يعني أنهم سيطروا عمليا على الشمال العربي، سوريا والعراق ولبنان، ويكون سهلا عليهم تعزيز جبهات مكملة، في اليمن والصومال، إضافة إلى أن نظام البشير في السودان لم يتوقف قط عن خدمة العمل العسكري الإيراني.

أما عواقب هذا الانتصار الإيراني، فهي أخطر وأبعد من يبرود ودمشق، قد تقرر مصير المنطقة وخريطتها، وعلينا أن نعي تبعاتها المحتملة. فالقوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، عادة تعترف بالأمر الواقع وتنحني له. وعندما يسيطر الإيرانيون على رقعة واسعة من المنطقة العربية، ويهددون مناطق الطاقة وممراتها، حينها لن يكون هناك بد سوى الاعتراف بهم، والتعامل معهم على حساب الدول الأضعف والخاسرة. وهذا ما قاله الرئيس أوباما في حديثه الأخير عن إيران، إنها دولة كبرى لها طموحاتها، ذات رؤية استراتيجية، وفيه استعداد للقبول بالأمر الواقع، أو الواقع الجديد.

السعودية واجهت تحديا مماثلا، عندما استولى صدام حسين على الكويت في عام 1990. كان هدفه فرض العراق كقوة مهيمنة على منطقة الخليج. ولا تظنوا أن إقناع الأميركيين بالانخراط في مقاتلته كان أمرا سهلا. فقد سعى صدام من خلال وسطاء عرب مقربين للغرب لإقناعه باستعداد العراق لضمان مطالب الغرب الإقليمية وحماية مصالحهم، وأن عليهم أن يتذكروا أنه حارب إيران نيابة عنهم. السعودية كانت أسرع وأكثر قدرة على الوصول إلى لندن وواشنطن، ووضعت كل مقدراتها لمواجهة الخطر العراقي وتحرير الكويت. نعم كلفت السعودية أكثر من مائة وعشرين مليار دولار آنذاك، والمخاطرة بمواجهة قوى أصولية وقومية معادية محليا وإقليميا.. مع هذا كانت المعركة ضرورية وتستحق الثمن السياسي والعسكري، لأنه لو جلس صدام في الكويت للأبد، وكان ذلك محتملا جدا، لأصبح الخليج كله تحت رحمته، ولو قاتلته المملكة وحيدة، لربما دامت الحرب عشر سنوات، كما حدث لصدام مع إيران في حرب السنوات الثماني التي أكلت الأخضر واليابس.

نعم، سوريا أبعد قليلا من الكويت، إنما تبقى في محيط الصراع الإقليمي، وهي تشكل جزءا من الهلال العدواني الذي تحاول إيران بناءه، ويهدف أساسا للهيمنة على جنوبه.

لا أحد يشك، رغم الثمن الغالي، أن نجدة الشعب السوري من المذبحة المروعة واجب أخلاقي، وعمل سياسي ضروري. وبكل أسف، الخسائر الأخيرة تهدد بتدهور سريع لصالح المحور الإيراني. أعرف أن السعودية وحدها اليوم تتحمل أكثر من سبعين في المائة من عمليات الإغاثة لملايين السوريين، وبنسبة أعلى تمول وتدعم القوى المسلحة. وهي تعاني بسبب حظر تسليح المعارضة بالأسلحة النوعية، لأن معظم الدول المشترية للسلاح ممنوع عليها بيعه أو تسليمه لطرف ثالث من دون موافقة المصدر الأصلي.. ورغم هذه الصعوبات يبقى ثمن عدم مواجهة حلف إيران أعظم من يبرود، فمصير المنطقة كلها في خطر. وبسقوط سوريا ستصبح المعركة مباشرة وأكثر كلفة.

الشرق الأوسط

هنا فقط ينتصر “حزب الله”/ حازم صاغية

حقق «حزب الله» انتصاره في يبرود بعد انتصاره في القصير. هذان انتصاران غير مشكوك فيهما ولا مطعون.

في 2000، عند تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي، وُجد من يذكّر بأن إيهود باراك، رئيس الحكومة يومذاك، كان مَن تقدم إلى الانتخابات العامة ببرنامج أبرز بنوده الانسحاب الأحادي من لبنان. وقد قارن الحسابون أعداد الإسرائيليين الذين سقطوا على يد «حزب الله» على امتداد مقاومته فوجدوهم أقل من أعداد ضحايا السير عندهم.

في 2006، وعلى رغم تسمية ما حصل «نصراً إلهياً»، ظهرت وجهتا نظر وجيهتان، واحدة تقول إن إسرائيل هي التي انتصرت بدلالة القرار 1701 الذي أقفل جبهة الجنوب، وهذا هو مطلبها السياسي الأساسي، والثانية ترى أن الدولة العبرية لم تُهزم إلا بمعنى أنها لم تنتصر، كما كانت تفعل في السابق. وبدا هذا القول بمعيارين للانتصار والهزيمة مهيناً بما فيه الكفاية للمنتشين بـ «نصر إلهي». بعد حين، ولا سيما منذ الهجوم على بيروت في 2008، تأكد أن حدثاً يفجر العلاقات الأهلية في جبهة «المنتصِر» لا يمكن أن يُعد انتصاراً.

اليوم، في يبرود بعد القصير، لا لبس ولا التباس. الانتصار قاطع. فعلاً «لن تُسبى زينب مرتين».

تشي المقارنة هذه بطبيعة «حزب الله» كطرف مُعد للقتال الأهلي– الطائفي الذي تتقاطع نتائجه مع مصالح أنظمة بعينها، فيما إعداده لقتال إسرائيل استطرادٌ على هذه الوظيفة. صحيح أن الاستطراد سبق الأساس زمنياً، إلا أنه كان يهجس به منذ اليوم الأول، ففي سياق قتاله إسرائيل فتك حلفاء الحزب بالمقاومة «السنية» الفلسطينية وبالمقاومات غير الشيعية اللبنانية. وعلى الدوام تواصلت العلاقات الطيبة بين الحزب «المناهض لأميركا وإسرائيل» وقيادات شيعية في العراق أوصلتها الولايات المتحدة إلى حيث حلت وحكمت. وما لبث أن تبين، لا سيما بعد 2006، أن بيروت هي الوجهة وهي القصد، على ما انكشف بعد عامين.

بمعنى آخر، حين كان الحزب يقاتل إسرائيل، نزولاً عند إملاء إيراني– سوري، كان يهجس بتعزيز الشوكة الطائفية في لبنان، وبخدمة نظامي طهران ودمشق في إحكام القبضة على المشرق. لقد كان ذلك القتال التمهيدَ الضروري لهذا القتال، إذ مع اختلاف الأحوال، ومع تصديع النظام السوري على يد ثورته، فرضت الأخيرة على الحزب أن يكشف حقيقته المخبأة في قتال إسرائيل.

لكن السوريين الذين انهزموا في القصير ويبرود، يجدون في اللبنانيين، بمن فيهم المنتصر «حزب الله»، شركاء في هزيمتهم، وهذا في أغلب الظن ما سوف يظهر في المدى المتوسط.

ليس المقصود هنا الإرهاب المجرم الذي قد يتعرض لازدهار نمَّتْ عنه العملية الأخيرة في النبي عثمان، ولا الرواية الشائعة عن انتقال مقاتلي «النصرة» إلى لبنان بعدما قالت رواية «حزب الله» إن الذهاب إلى سورية يراد به منع قدومهم إلى لبنان، وليس المقصود أيضاً ما يجري حول عرسال، المتهمة بإيواء الإرهابيين، وما يجري في طرابلس من حروب أهلية سنية– شيعية صغرى يؤججها الانخراط العسكري في سورية.

المقصود، فوق ذلك، وإلى ذلك، ما بشرَنا به البيان الوزاري الأخير من التحول غابةً يحق فيها لـ»المواطنين» أن يقاوموا. وهكذا تتحول الدولة والقانون والأمن عبثاً محضاً تحت وطأة تعميم «حزب الله» انتصاراته التي لا تكون واضحة جداً وصريحة جداً إلا على طائفة أخرى.

الحياة

تداعيات ما بعد يبرود تَدْهَم الحكومة وتصاعد المخاوف من عبور الحرب بقاعا/ روزانا بومنصف

بدا الوضع في لبنان بالغ الخطورة في اليومين الماضيين واثار قلقا وحال ترقب كبيرين. اذ اثارت التداعيات التي تسارعت في اتجاهه على مستويات عدة على اثر اعلان النظام السوري اعادة السيطرة على يبرود مخاوف كبيرة ترجمها ارباك المسؤولين والحكومة التي لم تعبر بعد امتحان نيلها الثقة في مجلس النواب من امكان ان ينفجر الوضع الامني في لبنان عطفا على ما يجري في طرابلس التي شهدت حتى الان ولا تزال ابرز التداعيات الميدانية للحرب في سوريا وتنقل فصول الحرب القائمة هناك الى الاراضي اللبنانية. ولم تجد التطورات التي وقعت في الجنوب مساء الجمعة في 14 اذار الجاري بانفجار عبوة ناسفة في مزارع شبعا لدى مرور دورية اسرائيلية وقيام اسرئيل بالاعتداء على لبنان عبر سقوط قذائف على مزارع حلتا وبسطرا اهتماما يذكر في ظل انشغال داخلي بازمة البيان الوزاري والصيغ التي يمكن ان تنقذ رئيس الحكومة من فخ الاستقالة قبل انتهاء مهلة اعداد البيان الوزاري . فالحادث على الحدود مع اسرائيل بدا بالنسبة الى مصادر سياسية مرتبطا على الاقل بعامل مباشر هو احراج الخصوم الداخليين لـ”حزب الله” في سعيهم الى وضع “مقاومة” الحزب ضد اسرائيل تحت سيطرة الدولة اللبنانية ومرجعيتها في الوقت الذي وجه الحزب رسالة مباشرة الى خصومه عن تحرره من هذه المرجعية وامتلاكه الحرية للقيام بما يريد على هذا الصعيد، من خلال الاستفادة من فرصة اتيحت له من اجل توجيه رسالة فورية او ساخنة في عز الكباش حول عبارات او كلمات في البيان. اذ ان اي اعتداء اسرائيلي من اي نوع والرد عليه كفيل باضعاف موقف الخصوم على الفور. ومع ان الحزب يمكن ان يوجه رسائل اخرى عبر الحادث نفسه ان في ظل السعي الى التأكيد لجمهوره كما لسواه ان انشغاله في الحرب السورية تأمينا لصمود النظام لن يلهيه عن هدف المقاومة ضد اسرائيل او ان الحادث هو رد ايضا على اعتداء قامت به اسرائيل قبل بعض الوقت على ما اعتبر قوافل سلاح الى الحزب من سوريا على الاراضي اللبنانية قرب الحدود اللبنانية السورية، فانه لم يثر اي رد فعل مقلق واقعي. وهذا الامر يعني الداخل والخارج على حد سواء على رغم بقاء الاخير حذرا ازاء اي احتمالات مفاجئة. لكن ثمة اقتناعا اكثر من اي وقت سابق وبناء على التواصل القائم من الغرب مع ايران حول ملفها النووي ان تصعيد الوضع على الحدود الجنوبية مع اسرائيل يبدو مستبعدا، جنبا الى جنب مع انخراط كبير للحزب في الحرب السورية في الوقت الذي لن يرغب الحزب بحرب مع اسرائيل راهنا ولا بالهاء الجيش اللبناني عن مهمة ملاحقة من يعتبرهم الحزب من المعارضة او الثوار السوريين “التكفيريين” الذين يلجأون الى لبنان، في حين ان اسرائيل لا تبدو على استعداد لاستقطاب الضوء والاهتمام بما يجري في المنطقة من خلال تحويل الانظار الى اي تصعيد كبير تقوم به في الوقت الراهن نظرا الى كون ما يجري مثاليا بالنسبة اليها ولا داعي لتدميره.

في المقابل بدت الحكومة غداة التوافق على صياغة البيان الوزاري امام اختبار خطير لم يعد يسمح بترف التوقف عند كلمات او حسابات ربح وخسارة وهميين. فمع التداعيات التي بدأت تتدفق من سوريا بعد معركة يبرود، بدت التحديات تكبر اكثر فاكثر في هذه المرحلة من جانب سوريا . فعلى رغم الدفع الديبلوماسي الخارجي من اجل حكومة فاعلة تضطلع بادارة مرحلة صعبة محورها لجم او تخفيف التداعيات السورية على لبنان، فان المخاوف الكبيرة تصاعدت جدا في اليومين الماضيين في وجه الحكومة مع تدفق آلاف اللاجئين الى لبنان من جهة ومع توتر الوضع على الارض بين القرى البقاعية على خلفية التطورات والتداعيات الميدانية السورية بحيث لم يخف مسؤولون احتمالات انتقال الحرب السورية الى لبنان عبر البقاع وعطفا على طرابلس التي تشهد جولة جديدة وخطيرة من المعارك على خلفية الحرب السورية. وقد بدا ارباك المسؤولين معبرا في صمت اعتصموا وراءه في ظل استهداف غارات سورية مناطق لبنانية في عرسال والجوار بذريعة ملاحقة معارضين ثوار من يبرود مما اوقع الدولة اللبنانية واركانها وحتى وزراءها وكل القوى السياسية في احراج نتيجة السكوت على استهداف الطيران السوري مناطق لبنانية من دون ابداء اي رد فعل على انتهاك مبدئي وفعلي للسيادة اللبنانية، ولو ان ثمة من يعتبر ان الاتفاقات الموقعة بين سوريا ولبنان تجيز ذلك، او في ظل العجز عن مواجهة موجة من الهاربين من المسلحين والمدنيين ولجوئهم الى الجرود من دون قدرة على حصرهم او منعهم على رغم الجهد المبذول لاقفال المعابر الى مناطق سيطرة ” حزب الله” خصوصا او من الردود المحتملة على سيطرة النظام على يبرود وانتقامات يمكن ان تحصل في لبنان ضد مناطق الحزب كما جرى في النبي عثمان بعد ساعات على اعلان السيطرة على المدينة.

واذ بدا لبنان متماسكا بالحد الادنى حتى الآن ازاء هذه التحديات مدعوما من دول مهتمة بابقائه قدر المستطاع بعيدا من اتون الحرب السورية، فان ثمة خشية لا تخفيها مصادر سياسية عدة من ان يكون الوضع اكثر خطورة مما يتم التعبير عنه علنا.

النهار

يبرود: كي لا نطبّع مع الدم/  زيـاد مـاجد

منذ بقلاوة احتلال القصير، ومنذ الاعتداءات قتلاً وقصفاً ونهباً على السوريّين في ضواحي دمشق بحجّة الحفاظ على مقام السيدة زينب، يريد حزب الله لأكثرية اللبنانيّين أن يطبّعوا مع تدخّله في سوريا خدمةً للنظام الطغياني الفاسد هناك. ويريد لهم أيضاً أن يطبّعوا مع حلويات “بيئته الحاضنة” واحتفالاتها بانتصار سلاح الجو الأسدي وبراميله وراجمات صواريخه ودبّاباته ومقاتليه، وعناصر الحزب بينهم، على كتائب ضعيفة التجهيز معدومة الدفاعات الجوية ولا تملك القوة النارية الكافية لمواجهات طويلة، ومع ذلك تراها تصمد (تماماً كما كان حزب الله نفسه يصمد على الحدود اللبنانية الجنوبية العام 2006)، لأسابيع وأشهر دون السماح للغزاة باحتلال بلداتها.

ويريد حزب الله كذلك أن تبدو المعارك المتفرّقة التي يشارك فيها وكأنّها كلّ مرّة معارك حاسمة ونهائية، يُروّج عقبها لِقرب نهاية الثورة. فبعد القصير، تحدّثت الصحف ووسائل الإعلام المقرّبة الى الحزب عن معركة حلب وعن انهيارات كثيرة مقبلة، وها هي اليوم تكرّر بعد 9 أشهر الأمر نفسه إثر نجاحها في احتلال مدينة صغيرة حوصرت وقُصفت بمختلف أنواع الأسلحة.

الحزب يريد إذاً أن يصير التكرار خاصّية الحديث عن “انخراطه المظفّر” في القتال في سوريا، من أنصاره كما من خصومه، بما يؤكّد تطبيع الجميع مع الأمر واعتيادهم عليه، وتحويل الثناء كما النقد والهجاء الى اجترار ينشغل المعلّقون به لفترة ثم يملّونه قبل أن يوقظهم تطوّر جديد يُعيد طرح الأسئلة وعقد المقارنات إيّاها من دون تعديل ومن دون تبعات سياسية جدّية.

الأنكى من ذلك، أن الحزب فرض على التعاطي الرسمي اللبناني مع تدخّله عسكرياً في سوريا قبولاً ضمنياً يعبّر عنه الصمت أو تكرار الدعوات الى الالتزام ببيان هنا وبمبادرة هناك دون الخوض الصريح في الموضوع ودون تسمية الأشياء بمسمّياتها. و”البيان الوزاري” الجاري إعداده تعبير واضح عن هذا الميل إذ يحاذر الخوض في “الشأن السوري” وفي المسؤولية اللبنانية تجاهه.

والأمر نفسه ينطبق على منسّقي معظم هيئات المجتمع المدني وفعالياته الاقتصادية المتضرّرة من التوتّر الراهن في البلاد، وعلى الكثير من المثقّفين الذين لم يتحرّكوا كفايةً بعد للتصدّي لمقولات الحزب ولانخراطه في “نزاع خارجي” يُقحم لبنان في حرب في “دولة مجاورة” ويعرّضه لانعكاسات الأمر سياسياً وقانونياً وأمنياً على نحو قد لا تبقى العبوات الناسفة المتنقّلة شكله الوحيد…

حزب الله يواصل بنجاح إذاً دفع لبنان نحو المزيد من الأزمات، ويواصل كذلك نهش صلاحيّات الدولة السياسية والأمنية ليس في المناطق التي يُديرها فحسب، بل أيضاً على كامل الحدود الوطنية وعبرها. وهو إذ يفعل ذلك، يراهن على استمرار العجز العام أمام المشهد العنفي الذي يدير، وعلى محاصرة الأصوات المعترضة على نهجه العدواني وإشعارها باستحالة تأثيرها على مجريات الأحداث.

يبقى أن كلّ ما ذُكر يجب ألّا يدفع بأي شكل من الأشكال الى القبول بالتطبيع مع نزيف الدم أو الاستسلام للصمت المطلوب تعميمه تجاه المُعتدين، ولا الى جعل استنكار جرائمهم يبدو لفرط تكراره مضجراً أو مدعاة خوف لدى مطلقيه، أو مشروطاً بقدرته التغييرية “السريعة” للسائد من أمور.

موقع لبنان ناو

ماذا بعد يبرود؟/ فادي الأحمر

في الذكرى الثالثة لاندلاع الثورة السورية، حقّق النظام انتصاراً عسكرياً إضافياً نوعياً سيعزّز قوته في الداخل السوري، وبالتالي موقفه في أي مفاوضات مقبلة. فهو سيطر على مدينة يبرود وأحكم بذلك سيطرته شبه الكاملة على جبال القلمون الاستراتيجية. فمنذ أشهر عديدة، كانت هذه المدينة الواقعة غرب الطريق الرئيسي الذي يربط دمشق بحمص، وشرق الحدود اللبنانية _ السورية تتصدّر عناوين الأحداث في سوريا.

وكان السؤال الأساسي للمتابعين العارفين بالأزمة في سوريا وبخاصة للجغرافيا السورية: متى ستسقط يبرود؟ كون سقوط المدينة بأيدي قوات النظام المدعومة بعناصر من حزب الله كان متوّقعاً، لا بل حتمياً، للأسباب الآتية:

أولاً، إنّ قوات المعارضة المتمركزة في يبرود كانت شبه معزولة منذ سقوط مدينة القُصير بيد الجيش السوري النظامي ومقاتلي حزب الله، وبعد إحكام هؤلاء السيطرة على مدينة حمص، باستثناء قلب المدينة التاريخي المحاصَر.

ثانياً، منذ أشهر أحكم الجيش السوري وحزب الله الطوق على مدينة يبرود من الجهتين الشمالية والشرقية باستعادته السيطرة على مدن قارة ودير عطية والنّبَك الواقعة على طرفي طريق دمشق _ حمص. وبالتالي فالمدينة أصبحت ساقطة عسكرياً، ولم يعد لها منفذ سوى باتجاه الحدود اللبنانية _ السورية نحو بلدة عرسال، التي هي بدورها تعاني نوعاً من الحصار في لبنان.

ثالثاً، إن فصائل المعارضة التي كانت تتحصّن في يبرود لم تكن موحّدة في قيادة واحدة كما هي حال الجيش النظامي وقوات حزب الله. فإذا كانت «جبهة النصرة» هي الفصيل الأساسي في المعركة، كان هناك إلى جانبها فصائل أخرى لا تأتمر بغرفة العمليات ذاتها. وقد ظهر ذلك جلياً في البيان الذي أصدرته الجبهة على أثر إعلان النظام سيطرته الكاملة على يبرود، إذ تساءل البيان منتقداً انسحاب باقي فصائل المعارضة: «فهل تم تسليم يبرود بالمجّان؟! أم تم شراؤها؟!».

رابعاً، نقول إنّ سقوط يبرود كان حتمياً نظراً إلى عدم تكافؤ القوى العسكري لصالح النظام. فهذا الأخير يتفوّق عسكرياً بشكل كبير من حيث قوّة النيران (الطيران والمدفعية الثقيلة والراجمات والدبابات) والاحتراف العسكري لدى كتائبه ومجموعات حزب الله. أما تفوّق فصائل المعارضة بالعديد الذي كان يعوّض في بعض المعارك عدم احترافها، فقد فقدته بعد محاصرتها في يبرود.

بعد هذا الإنجاز العسكري الاستراتيجي للنظام، أصبح السؤال الأساسي: ماذا بعد يبرود؟ في السابق قيل إنّ ما قبل القُصير غير ما بعدها. واليوم يمكن القول، أيضاً، إنّ ما قبل يبرود سيختلف عما بعدها على مستويات عدة:

أولاً، على المستوى الاستراتيجي العسكري، يسيطر النظام على كل منطقة القلمون، وبالتالي على كامل محافظة ريف دمشق. ويكون بذلك قد أبعد الخطر عن العاصمة الذي كان داهماً منذ أشهر، ما اضطره في أيلول 2013 إلى استعمال السلاح الكيميائي في الغوطة الشرقية لإبعاده. وبالمناسبة فهو دفع بالخطر نحو مدينة عرسال اللبنانية بتركه المجال لمقاتلي المعارضة للانسحاب غرباً باتجاه جرود عرسال.

ثانياً، بسيطرته على مدينة يبرود يكون النظام قد أحكم سيطرته العسكرية على حوالى 70 في المئة من «الجغرافيا السورية الأساسية»، التي يعيش فيها حوالى 80 في المئة من السكان (قبل التهجير والنزوح). فسيطرة قوات النظام تمتدّ اليوم من أقصى الجنوب حتى الوسط، فالساحل، مروراً بالعاصمة. ولم يبقَ له سوى حلب في الشمال حيث يسيطر على قسم كبير من المدينة، وبعض المدن في محافظة إدلب الحدودية مع تركيا (إذا ما استثنينا المناطق الشرقية والشرقية الشمالية الواسعة التي ليست أولوية بالنسبة للنظام اليوم بسبب الكثافة السكانية الضئيلة والغالبية الكردية). فهل سيتابع النظام معاركه العسكرية للسيطرة عليهما؟ لا نعتقد أنّ استغلال النصر العسكري في يبرود سيكون عسكرياً في حلب، وإنما سياسياً في دمشق وذلك لأسباب عسكرية وسياسية هي الآتية:

على المستوى العسكري، سيعطي النظام فترة راحة لقواته العسكرية التي تخوض منذ ثلاث سنوات تقريباً كل أنواع المعارك على مساحة الجغرافيا السورية الواسعة. كما أن مجموعات حزب الله الداعمة له، هي أيضاً، بحاجة إلى فترة راحة بعد سنة ونصف من القتال في معارك شرسة على أرض غالبيتها ليست صديقة لها وفي قتال يختلف بأسلوبه عن الذي خاضته ضد إسرائيل في الجنوب اللبناني. كما أن الحزب بحاجة الى عدم إبراز مشاركته في القتال في سوريا من أجل تخفيف الضغط السياسي (المُعلن) والشعبي (غير المُعلن) عنه في الداخل اللبناني في المرحلة المقبلة التي ستشهد، مبدئياً، انتخابات رئاسة الجمهورية.

وسيستغلّ النظام هذه الفترة للتحضير لمعركة حلب، التي هي أصعب بكثير من معركتَي القصير ويبرود، لأسباب عسكرية وجغرافية وديموغرافية عدة، لا يسعنا تفصيلها في هذا المقال، علماً بأنه يسيطر على أجزاء استراتيجية من مدينة حلب، وهو كان قد أعاد تشغيل مطارها منذ بضعة أسابيع.

أما على المستوى السياسي، وهو الأهم، فإن النظام سيتفرّغ لمعركته الأساسية القادمة، ألا وهي رئاسة الجمهورية التي من المفترض أن تجرى في تموز المقبل. فقد أصبح شبه مؤكد أن الرئيس الأسد سيترشّح وسيكون المرشّح الأبرز. وقد أعطى النظام أكثر من إشارة الى هذه المسألة، كان آخرها ما أعلنه وزير الإعلام السوري عمران الزعبي «أنّ الشارع السوري سيضغط على الرئيس بشار الأسد ليرشّح نفسه لرئاسة الجمهورية». وما صرّح به نائب وزير الخارجية الدكتور فيصل المقداد بأن «ترشّح الرئيس السوري بشار الأسد للانتخابات الرئاسية القادمة هو ضمانة حقيقية لأمن واستقرار سوريا للمرحلة القادمة». وبالتالي سيعمد النظام الى تهدئة جبهات القتال لهذه الانتخابات التي لا يخوضها ضد مرشّح أو مرشّحي المعارضة، وإنما مع المجتمع الدولي. وتجدر الإشارة هنا الى أن الدستور السوري الجديد (الذي تم الاستفتاء حوله في بداية عام 2012) ترك مجالاً لاستمرار الرئيس الأسد في السلطة حتى ما بعد انتهاء ولايته. إذ تنص الفقرة الثانية من المادة 87: «إذا انتهت ولاية رئيس الجمهورية ولم يتم انتخاب رئيس جديد، يستمر رئيس الجمهورية القائم بممارسة مهامه حتى انتخاب الرئيس الجديد». كما يعطي هذا الدستور الأسد إمكانية الترشّح لأن المادة 88 لا تنطبق عليه. فهي تنص على أن إعادة انتخاب الرئيس لولاية واحدة «تبدأ من تاريخ انتهاء ولاية الرئيس القائم».

ولكن، ماذا عن موقف الدول المتصارعة على الساحة السورية؟ لا شك أن انتصار بوتين في معركة أوكرانيا، وانتصاره في استفتاء شبه جزيرة القرم الذي أتت نتيجته مطالبة الغالبية العظمى من السكان بالانضمام الى روسيا، سيجعلانه أكثر تشدّداً في سوريا، وربّما دعمه لترشّح الأسد للانتخابات الرئاسية تحت عنوان احترام إرادة الشعب السوري. وفي هذه الحال، لن يكون بمقدور الأميركيين المتردّدين في المسألة السورية، كما في غيرها من قضايا العالم، منع الأسد من الترشّح. أما الأوروبيون والدول الإقليمية الداعمة للمعارضة السورية فهم سيستمرون بمطالبتهم بإسقاط الأسد، ولكن دون نتيجة في المدى المنظور.

فهل هذا يعني أنّ المجتمع الدولي الداعم للمعارضة سيقف متفرّجاً وعاجزاً أمام المعركة السياسية المقبلة في سوريا؟ بالطبع كلا. فهو سيستعمل سلاح «عدم الاعتراف الدولي» بنتائج الانتخابات. ولكنه سلاح غير فعّال في المدى القريب، وخاصة أنّ روسيا والصين، وبعض الدول الإقليمية، أبرزها إيران، ستعترف بنتائج الانتخاب.

من هنا، ما يجب أن يشغل المتابعين للشأن السوري والمعنيين به من الآن وصاعداً، ليس التحليلات العسكرية حول الأهمية الاستراتيجية ليبرود ومنطقة القلمون، بل ماذا بعد يبرود؟!

* أستاذ جامعي

النهار

الحزب في يبرود: استدراج الفرح!/ محمد قواص

في لحظةِ الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في 25 أيار (مايو) 2000 بدا حـــزب الله يتربعُ على قمةٍ تحلّق به فوق تحفظ المَلكيّات وقلق الجمهوريّات. ظهر ممسكاً بشكل حصريّ بمفترق تاريخي كبير، وأطلّ منتعشاً بامتــداد شعبيته وحضوره من زوايا الجنوب ودروب الضاحية إلى الساحات والميادين في المنطقة من محيطها إلى خليجها.

في تلك اللحظة استقالت حدود سايكس بيكو واختفت خنادقُ المذهبية الكامنة وتمددت أجزاء المنطقة جسداً واحداً لم يحلم بوحدة منذ زوال السلطنة. في تلك اللحظة ارتفعت صور السيَد حسن نصر الله في شوارع الرباط وساحات القاهرة كما في حواضر اليمن. في تلك اللحظة صمت اللبنانيون احتراماً لضجيج النصر النادر، ثم صدّقوا أن النصرَ نصرُهم وراحوا يمارسون طقوس الفرح.

هي لحظة! بعدها بلحظة تكشّف المشهد، ثم استمر بخلع أقنعته المسرحية يوماً بعد يوم وسنة بعد سنة، إلى أن تعرى البطل وانتهى العرض وأُسدل الستار.

في يوم النصر دمعت عيون كل المقاومين القدامى في جنوب لبنان منذ الأيام الأولى لاختراق الجيش الإسرائيلي الحدود اللبنانية. بكى مقاتلون فلسطينيون وعرب وأجانب لطالما عرفوا قرى المنطقة ووهادها وخاضوا المعارك في قممها ووديانها. فرح اللبنانيون جميعاً بهذا النصر، واعتبر الجميع أن حزب الله أكمل ما باشره آخرون قبله بعقود، حين كان المقاتلون يتوافدون من زوايا لبنان الأربع، وكانت كل الطوائف تقذف بأولادها في الأتون الجنوبي لمقاتلة المحتل.

هي لحظة! بعدها بدا أن النصر دشَن عصراً مربكاً للبنان واللبنانيين. بدا أن النصر نصرُ الحزب والطائفة وأنه نصرٌ على لبنان واللبنانيين والفكرة اللبنانية. وما كان إرباكاً تحوّل إلى انهيار منذ اغتيال الرئيس رفيق الحــــريري وانتهى إلى كارثة حرب عام 2006.

انقسم اللبنانيون حول تقييم تلك الحرب بين من اعتبرها «نصراً إلهياً»، وبين من رأى فيــها وبالاً جديداً على البلد. في المحصلة انتهت إسرائيل، من خلال لجنة فينوغراد، إلى استخلاص العِبَر من تلك الحرب، فيما دخل لبـــنان ما يشبه الحرب الأهلية في ما كرسته «غزوة» أيار 2008. منذ ذلك «النصر» انهزمت لحمة البلد وتكسّرت قواسم العيش فيه وتقوّضت علاقة الناس بدولتهم.

تجاوز حزب الله هذا الجدل، وذهب منذ اندلاع المواجهات في سورية إلى عبثيّة نقلته من قممِ النصر في 2000 إلى حضيضٍ تتنصلُ منه الجهات والوجهات. لم تعدْ إسرائيل عدواً رئيسياً، تحوّلت البنادق باتجاه الداخل، سواء كان هذا الداخل في الربوع اللبنانية أو البوادي السورية. لم تعدْ أدبياتُ الحزب تتحدثُ عن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، لم تعدْ العلاقة مع الممانعة الحمساوية في غزة خياراً استراتيجياً. غابت إلى الأبد مقولة «ما بعد حيفا».

سقط، عن سابق إصرار وتصميم، خطابُ الحزب العابر للحدود. ولجت «المقاومة»، عن سابق إصرار وتصميم، عصر الثرثرات العابرة للزواريب. هكذا ينتهي حزب الانتصار الكبير إلى دور ميليشياوي يتدارى به داخل الطائفة فيزوّدها بالجثامين ضريبة لازمة لزوم التصاقها بالحزب. من أجل الزواريب يُسقطُ الحزبُ ثلاثيته الذهبية من بيان الحكومة الجديدة. تصبح المقاومة استطراداً لغوياً يجوزُ في الكسر، ويرضى الحزب بما تيسّر للحفاظ على مكانه داخل المؤسسات الدستورية في لبنان.

تفرحُ الضاحية بسقوط يبرود السورية. قيل لها إن الويلات التي نالت منها أتت من المدينة القلمونية. لم تأبه لمن همس لها أن الخوف الذي سكنها نتاج خوف بثّه الحزب في مدن السوريين. لا تفرحُ الطائفة فذلك ليس من شيمها السابقة على ولادة الحزب، وحتى على ولادة الجمهورية الإسلامية في إيران. لا تفرح الطائفة، لكن هناك من يريدها أن تفرح لـ «انتصارات» الحزب. ففي فرح «جمهور المقاومة» يقول الحزب من جديد: ها أنا أتيتكم بنصر جديد.

أُريد للفرح أن يظهرَ مدوّياً في الإعلام. بدت الشماتة استدراجاً قد ترد عليه طوائف أخرى بشماتة مضادة. مقابل يبرود تتجوّل سيارات الموت وتنشط بيانات الجماعات التي لطالما شُكك في مصداقيتها ولطالما اعتُبِرت اختراعاً تحركه أجهزة قد لا يكون الحزب ذاته بعيداً عنها. هكذا يحتمي العبث خلف المذاهب، هكذا حين تنفذ حجج العقل يتم استدعاء حكايات الماضي منذ صفين وكربلاء والجمل.

شاء لبنان الرسمي أم أبى فإنه متورطٌ في الوحول السورية. في حكومته (الجامعة هذه المرة) من يجاهرُ بالانخراط العسكري المباشر لصالح النظام في دمشق. وفي حكومته من يفرح لسقوط يبرود السوية ملوّحاً لعرسال اللبنانية بذلك المصير. وفي حكومته من يتحفظ عن ديباجات نصيّة، فيما الحزب يعمل خارج كل النصوص. لا ينأى لبنان بنفسه عن حدث يبرود وأحداث سورية أخرى مقبلة. الحرب السوريّة باتت في حضن البلد، في فرح الشامتين داخل المواكب السيارة في الشوارع، أو حول طاولة الحكومة المجتمعة تحت سقف البيان المدبج.

يوماً ما ستجدُ الأزمة السورية خاتمة. سيصل السوريون إلى التسوية التاريخية التي خبرتها أممٌ أخرى. سيلتقي السنَّة والعلويون وبقيّة مكونات البلد حول عقد اجتماعي ما. سيعودُ السوريون للتساكن سوياً ويتذكرون عقوداً تعايشوا داخلها وتقاسموا فيها الحكايات. حين تنتهي المأساة سيتبادل السوريون القصص عن المرتزقات التي عملت في بلادهم لصالح هذا ولصالح ذاك. سيتشاركون في طرد الكوابيس من ذاكرتهم وينتشون بخروج الأورام من بلادهم. سيرممون ما انكسر ويستعيدون الفرح.

* صحافي وكاتب لبناني.

الحياة

لكنها فرصة ايضاً/ ساطع نور الدين

اعتماد المعيار العسكري لقياس حالة الثورة السورية، خاطىء وظالم. معركة يبرود نموذج أخير لهذا الخطأ . النصر الذي هلل له حلفاء النظام السوري في بيروت اكثر مما احتفى به النظام نفسه في دمشق، لم يثر شعورا بالخيبة ولا حتى الاحباط لدى المعارضة السورية بتنظيماتها وشخصياتها غير المسلحة. والمؤكد ان هذا النصر لم يؤد الى الاستنتاج بانها النهاية او ما يشبهها.

وقد يثبت ان العكس هو الصحيح.

في مستهل عامها الرابع، لا يجوز ان يحدد مصير الثورة ومستقبلها بالاشتباكات بين جيش النظام وبين جبهة النصرة او بموازين القوى الرسمية والاسلامية. داعش مثال فظ على الاختراق الذي تم لصفوف المعارضة والتردي الذي اصاب معركتها والتشوه الذي لحق بصورتها.. لكنه ايضا سبب رئيسي للجزم في ان الهزيمة مشتركة ومتبادلة ومتساوية حتى الان بين طرفي الصراع العسكري، الذين لجآ الى اقوى اسلحتهما واخطرها من اجل تحقيق انجازات ميدانية تزداد كلفة يوما بعد يوم.

ببساطة وبرودة، يمكن الزعم ان الشكل الحالي الذي يتخذه الصراع هو مكسب للثورة : لا يمكن لاي مواطن سوري طبيعي، معارضاً كان او حتى موالياً ان يشعر بالاستياء من المعارك الضارية التي تجري اليوم على معظم الجبهات بين اشد المتطرفين من الجانبين الرسمي والاسلامي. هو يدرك في قرارة نفسه ان التخلص من هؤلاء جميعا هو خشبة خلاص سوريا الوحيدة..وهو شرط إلزامي للتسوية المنشودة، التي لا يزال النظام يرفضها ولا يضعها المتعصبون الاسلاميون في حسابهم أصلا.

على الرغم من الكلفة الانسانية الاستثنائية، لا بأس من استمرار تلك المعارك واتساعها لبعض الوقت ، طالما انها ستؤدي في نهاية المطاف، الذي يؤمل ان يكون وشيكا، الى انتاج معتدلين مستعدين للحل السلمي من داخل النظام، نتيجة الارهاق العسكري او التعب السياسي او ربما الاخلاقي.. عندها يمكن ان تتقدم جموع من المعارضين المدنيين، الموجودين في المنافي او في السجون او حتى الباقين منهم في الداخل، من اجل التفكير والتخطيط لمستقبل سوري مختلف عن وهم الحسم العسكري الذي لا يزال يراود النظام وبعض معارضيه الاسلاميين.

كانت معركة يبرود مثل سواها من المعارك العسكرية التي خيضت على امتداد الارض السورية، بأسلحة وأدوات وتكتيكات تقليدية، اشبه بإشتباكات معزولة تدور في بؤر جغرافية مقفلة، ليس لها مدى حتى داخل المحافظة السورية الواحدة، لا سيما من جانب المقاتلين للنظام، الذين اعتمدوا اسلوبا عسكريا بدائيا وباهظا يقضي بالتحصن داخل المدن والقرى واستدعاء النظام لتدميرها على الطريقة الروسية في الشيشان، ثم الفرار منها الى بؤرة أخرى. لكنه لم يكن استدعاء للنظام وحده بل كان ايضا نداء للحلفاء في الداخل والخارج الذين كان يفترض ان يهبوا لنجدة اخوانهم المدافعين عن الخطوط الامامية. وهو ما لم يحصل في يبرود ولا في سواها. الداخل أشاح بوجهه ولم يرسل التعزيزات المطلوبة، ما سمح باطلاق اتهامات بالخيانة، والخارج لم يكترث لتلك النكسة، واكتفى في اليوم الاخير بتخصيص مليون دولار للمقاتلين على تلك الجبهة!

لا يضمر هذا السرد توهما بامكان العودة بالثورة السورية الى سيرتها السلمية والمدنية الاولى. لكنه يسجل ان قوى سورية وعربية ودولية كانت ولا تزال تبدي حبوراً يكاد يكون علنياً بذلك التطاحن بين متطرفي النظام والمعارضة، وتعتبر ان الجانبين باتا على قاب قوسين او أدنى من التسليم بانهما يخرجان من الصراع. البديل الثالث موجود، ولن يعدم الشعب السوري وسيلة لبلورته وتقديمه، وانقاذ سوريا من وحشية بعض السلطة ومن همجية بعض الاسلاميين.

وهذا المنطق الذي يحكم الوضع السوري ينسحب الى حد بعيد على الداخل اللبناني، حيث لا يبدو ان ثمة استياءا ظاهرا من تورط المتطرفين من حلفاء النظام او المعارضة في تلك المعارك. ثمة من ينادي تكراراً بإرسال المزيد من المحاربين اللبنانيين من مختلف المذاهب الى الجبهات السورية، فهؤلاء لا مكان لهم لا في مستقبل لبنان ولا في مستقبل سوريا، حتى ولو امتدت الثورة السورية سنة رابعة..

المدن

قصة مصطفى فقط/ حـازم الأميـن

حين سقطت يبرود بيد “حزب الله” كتب مصطفى على صفحته على “فايسبوك” عبارات يحتفل فيها بالـ”نصر في يبرود”. صديقه علاء علق على ستاتوس “النصر” ساخراً ومهنئاً، فما كان من مصطفى إلا أن بعث برسالة خاصة لعلاء أبلغه فيها أن المؤسسة التي يعمل فيها تُراقب صفحات العاملين وترصد ردود أفعالهم، وهي قريبة من “حزب الله”، وأنه مضطر لأن “يساير الجو”!

لم يُصدق علاء ما أوضحه مصطفى، ذاك أن ما قرأه على صفحته يوحي بفرح حقيقي، ولم يكن مجرد “مسايرة”. ثم إن مراقبة المؤسسات صفحات موظفيها أمر مبالغ فيه، وهو قد يتم في حال كتب مصطفى ضد تدخل “حزب الله” في سورية، وكان بإمكانه أن يمتنع عن التعليق على الحدث في حال لم تُصبه الغبطة في “النصر في يبرود”، فيتجنب بذلك عقاب المؤسسة.

ومصطفى هذا، المغتبط بالـ”إنجاز”، هو دائماً متنازع بين رغباته في الانقياد وراء “حزب الله” في “انتصاراته” وبين ارتدادات هذه الانتصارات عليه وعلى عائلته. وهذه حاله على مختلف مستويات احتكاكه بالحزب. هو علماني على ما يقول، ولا ينسجم مع القواعد “الصارمة” التي يشتهيها “حزب الله” لمناصريه.

يشرب مصطفى الخمر، وزوجته غير محجبة، ويتمنى لو أن “حزب الله” غير محجب. في 7 أيار 2008 كان مع اجتياح الحزب لبيروت، لكنه كان ضد اقتحامه تلفزيون “المستقبل”. وهو معجب كثيراً بالسيد حسن نصر الله، لكنه يتمنى لو كان السيد قائداً لكل الشيعة ولكل الشعب، مؤمنين وغير مؤمنين.

ومصطفى يُفصح عن طرف إعجاب بالحزب، ويضمر إعجاباً آخر، تُفصح عنه تعليقاته. يقول شفهياً أنه مع “حزب الله” في الجنوب، أما في سورية، فهو ليس ضد الحزب، إنما ضد الجميع هناك.

لكن الرجل لا يقوى في الكثير من الأحيان على مقاومة الانتشاء بـ”فعالية” الحزب. يخرج للحظات عن تحفظه، فيكشف خروجه اضطراباً داخلياً. يشتم الحزب بعد كل تفجير في الضاحية الجنوبية، ويمتدحه بعد كل “نصر” في سورية. وها هو اليوم منقاد وراء ما يُخلفه كل حدث، فتتراوح مشاعره بين الخوف وبين الغبطة صعوداً ونزولاً، تماماً كما المقامر قبل أن يصيب دولاب الحظ رقمه، أو قبل أن يتجاوزه. وبينما يخسر المقامر راتبه أو يربح أضعافه، ينتظر مصطفى حظه المتأرجح بين “النصر في يبرود” واحتمال الانفجار الانتحاري في الضاحية الجنوبية.

وفي غمرة هذا التأرجح يصاب الرجل بالنكران، وفيما يُمضي الليل مع نفسه مفصحاً على “فايسبوك” عما يُخامره من مشاعر، يستيقظ في الصباح ساعياً للملمة ما لا يليق به من تعليقات كتبها. فالمعركة في يبرود لا مجال لتغليفها بغير حقيقتها. هي في أحسن الأحوال حرب للحؤول دون أن “تُسبى زينب مرة ثانية” وفي أسوئها حرب لحماية بشار الأسد، والاحتمالان كلاهما لا يليق بمصطفى في النهار، هو الشاب المودرن الذي لا يُشبه “حزب الله” بغير كرهه لإسرائيل. أما في الليل، فلمصطفى كلام آخر مع نفسه.

موقع لبنان ناو

رسالة القلمون: التقسيم هدف النظام وإيران/  عبدالوهاب بدرخان

لحظة دخول مقاتلي «حزب الله» مدينة يبرود السورية تزامنت مع وصول الأخضر الابراهيمي الى طهران. والأكيد أن المبعوث الدولي – العربي سمع من المسؤولين الايرانيين ما يفيده بأن معطيات البحث في التفاوض على حل سياسي تغيّرت. فقبل اسبوعين من افتتاح مؤتمر «جنيف 2»، كتبت وكالة أنباء «فارس» مطلع كانون الثاني (يناير) الماضي أن معركة القلمون «وجودية» وأن المنتصر فيها «سيسيطر على ستين الى سبعين في المئة من الارض السورية، وفي إمكان الأطراف الداعمة له الحضور الى جنيف بموقف قوي». وفي أكثر من مناسبة، أشار الايرانيون الى أن أي حل سياسي يجب أن يخضع لموازين القوى على الأرض، ولذلك رفضوا الموافقة «علناً» على «عملية انتقالية» في سورية، وفقاً للشرط الاميركي قبل دعوتهم الى جنيف. وإذ حقق الايرانيون ما توعّدوا به، فلا شيء يمنعهم من إملاء شروطهم، وليس أقّلها نسيان بيان جنيف والمفاوضات، للتفكير في صيغة اخرى للحل السياسي، خصوصاً أنهم غدوا حالياً الطرف الدولي الوصي على سورية في غضون الغيبوبة الاوكرانية للثنائي الروسي – الاميركي، وبعدما سقط ما كان بينهما من «تفاهم».

نقل ديبلوماسيون اوروبيون عن وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف أن بلاده «تستطيع» المساعدة في حلّ الأزمة السورية، وأنها «جاهزة» لذلك، وأوضح مفصّلاً أن ايران «تضمن اجراء انتخابات بلدية وتشريعية ورئاسية وتشكيل حكومة تتمثّل فيها الأطياف كافة… شرط أن توقف السعودية دعمها للمعارضة». وكان ظريف نفسه أبلغ نظيره الاميركي على هامش مؤتمر الأمن في ميونيخ أوائل شباط (فبراير) الماضي أنه «غير مخوّل» الحديث عن سورية، ومع ذلك تبرّع للديبلوماسيين الاوروبيين بـ بـ «الضمانات» ظاناً أنه يعطي صدقية لـ «الانتخابات» التي يقترحها، لكنه أراد انتهاز لقائه معهم لإطلاق رسالة اخرى الى السعودية. لكن بداية كلامه كانت كالآتي: «لا تُتعبوا أنفسكم، النظام السوري لن يسقط، وبشار الأسد باق، والمعارضة لم تعد تستطيع وقف استعادة النظام سيطرته».

الواقعي في هذا الكلام هو ما يتحقق عسكرياً على الأرض، لكن الايرانيين (والروس أيضاً) ليسوا سذّجاً ويعرفون بالتأكيد أمرين: الأول، أنهم يدافعون عن نظام لن يستطيع الاستمرار من دونهم، وأنهم مضطرون لمواصلة حضورهم المباشر (مع «حزب الله» والميليشيات العراقية) للتأكد من امكان بقائه. والثاني، أن أي حل سياسي، ولو ابتعد حالياً، لن يتبلور إلا في اطار دولي وليس بالإملاءات الايرانية فحسب. أما غير الواقعي على الاطلاق في ما يحصل فهو الصمت الغربي عن هذا الدور الايراني الذي تُرك يتوسّع ويفجُر في سورية من دون حتى أن يشار اليه كـ «تدخل خارجي» أو يعتبر عنصر تعقيد للأزمة. بل على العكس، يجرى التعامل معه وكأنه، بالضرورة، «جزء من الحل»، وهو ليس كذلك، كما لو أن الحل يمكن أن يتجاهل التركيبة الديموغرافية للشعب السوري.

بـعدما تمـكّن الايرانـيـون وأنــصارهم من خوض معركة القلمون وإنهــائها، اصـبحـت في النـظـام ورقـة تـتيـح له الادعــاء بـأن التطوّرات الميدانية ذاهــبة في الاتجـاه الذي أراده دائماً، أي الحـسـم العـسكري. ولعله يدرك في الوقت نفـسـه أن أعـداءه – الذين اعتبرهم أطراف «المـؤامـرة الـكـونـيـة» عليه – هم مَن مكّنه من هذا الإنجاز يوم أحجموا عن تسليح «الجيـش الحر» وقـد كان على بعد خطوات من إسـقاط النـظـام عـسـكرياً وبـالقدرات العادية التي توافرت له من ترسانات النظام وقعت تحت سـيـطرته، ويوم لم يكن للمجموعات الارهابية المرتبطة بتنظيم «القاعدة» أي وجود يُذكر. بعدئذٍ راح «أعداء النظام» و «داعـمو المـعارضـة»، بالأخص الاميركيين، يقدّمون حـجـجـاً شـتّى تبريراً لسلبيتـهم. قـالوا إنـهم لا يريدون تكرار تجربة العراق بتـفكـيك الدولـة والمؤســسـات (كما فعلوا)، لكنـهم لـم يمـلكوا أي خــطة لـترجـمة ذلك باستـمالـة روسيا التي تبيّن أنها كانت تخادع في حل سياسي عبر مفاوضات جنيف. وقالوا أيضاً إنهم لا يريدون أن تقع الأسلحة، اذا قُدّمت، في أيدي جماعات التطرف والارهاب، وقد منحوا هذه الجماعات كل الوقت اللازم للانتـشار والتوسـع والحصول على ما تشاء من أسلحة، وبلغتهم التقارير والمعـلومات التي تؤكد أن معــظـم التـنظيمات الارهـابيـة أُخـرج أفراده من سـجون النـظام وظـلّ علـى صـلـة مـعه كـمـا أن تنـسـيق تنـظــيم «داعـش» مع النظام كان ولا يزال بالغ الوضوح.

على رغم أن العلاقة بين «داعش» و «القاعدة» معلنة، وأنه جسّد الارهاب الذي يخشاه الاميركيون وسواهم، فضلاً عن تسببه بأكبر الخسائر والأضرار لـ «الجيش الحر» والمدنيين في مناطق المعارضة التي اخترقها، إلا أن المعنيين من حلفاء النظام وخصومه داوموا على الاشارة الى «جبهة النصرة» باعتبارها المصدر الأخطر للارهاب. مردّ ذلك الى ان «النصرة» أعلنت أيضاً ولاءها لزعيم «القاعدة» أيمن الظواهري، ومن الواضح أن هذا الولاء هو ما أمّن لها تسليحاً وتمويلاً لم ينقطعا في أي مرحلة. ثم إن نسبة السوريين هي الغالبة فيها وإذا وجد أجانب في صفوفها فإنهم منضبطون بخطّها. وبعدما اشتُبه بارتباط بعض أفرادها بالنظام بادرت الى إبعادهم. كما أن نشاطها القتالي برهن مثابرة وفاعلية في الكثير من الجبهات، وأقام بعض فروعها تنسيقاً ناجحاً مع «الجيش الحر» وسائر الفصائل المقاتلة. كل ذلك طرح على المعارضة اشكالية صعبة حالت دون النأي عنها أو المبادرة الى عزلها، خصوصاً أنها الوحيدة التي واصلت النهج الهجومي فيما اضطرّت الفصائل الاخرى للاكتفاء بخطط دفاعية نظراً الى نقص في تسليحها. مع ذلك يتبيّن اليوم وقد يتضح أكثر لاحقاً أن اعلان تنظيم «النصرة» عن وجـوده في سورية وارتباطه بـ «القاعدة» كان لحظة ستصبح فارقةً في عمر الثورة السورية، اذ بدّدت كل أمل في حصول المعارضة على سلاح نوعي، وفي ما بعد قطعت لفترة طويلة حرجة كل إمداد عسكري. من هنا السؤال المطروح على المنظّرين والمؤدلجين السوريين لـ «النصرة»: هل كانت سورية قضيتهم، وهل يعون أو يبالون بأن ولاءهم لـ «القاعدة» وزعيمها أساء الى قضية الشعب السوري أم أسدى خدمة للنظام وحلفائه؟ في أي حال، النتائج تتحدّث عن نفسها.

مع انتهاء معركة القلمون يتأمن للنظام رسم حدود الدويلة التي سيطالب بها في حال أتاحت المساومات على الحل اعادة النظر في خريطة سورية. بالنسبة الى الايرانيين أيضاً اصبح الهدف من حربهم السورية واضحاً بل محقّقاً، فالدويلة الممتدة من دمشق الى الساحل تمنحهم موطئ قدم على المتوسط وساحةً صالحة للاستمرار في ممارسة النفوذ في المشرق العربي ولمواصلة التحدي الشكلي لإسرائيل والغرب تحت مسمّى «المقاومة» أو «الممانعة» على رغم أنهما فقدا أي معنى استراتيجي. لكن أي حسم عسكري لا يمكنه استعادة الحكم لبشار الأسد على كامل سورية، فهذا خيار لم يعد واقعياً في أي سيناريو يمكن تصوّره، لأن الحسم العسكري لا يكفي لصنع حل سياسي، وهذا النظام لن يكون قادراً على ادارة حل سياسي أو الإيفاء بمتطلباته الاقتصادية والاجتماعية.

لذلك يتأكد أكثر فأكثر أن هدف النظامين السوري والايراني هو التقسيم، واذا لم يكن مضموناً في ضوء المعطيات الراهنة فإنهما يراهنان على موافقة اسرائيلية لتفعيله، طالما أنه يخدم مصالحها البعيدة المدى. ولا شك في أن معالم المرحلة المقبلة في الحرب هي التي ستوضح هذا التوجّه، فالصراع سيستمر داخلياً حيثما سيتاح للمعارضة ان تقاتل، لكن النظام وحلفاءه سيعملان لمفاقمة مشكلة النازحين في بلدان الجوار باعتبارها من أوراق الضغط لفرض الحل التقسيمي.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

لمن يقرع جرس القلمون؟/ مشاري الذايدي

آلة بشار الأسد الإعلامية، ومعها آلة حزب نصر الله، وإيران بالطبع، وبقية «الممانعين» تهتف وتقرع الطبول جذلا بنصر (يبرود) الأخير.

حفلة مفهومة، فمعركة يبرود، عاصمة إقليم القلمون – تحدر منه الرمز الإسلامي الكبير محمد رشيد رضا – تعتبر نقلة نوعية في موازين الحرب بين نظام بشار برعاية إيران، ومساهمة حزبها في لبنان، وميليشياتها في العراق، والمعارضة تميل الآن لصالح هذا المعسكر.

أهمية هذا النصر تأتي من أهمية موقع المعركة ودلالاته في الجغرافيا السياسية.

سلسلة جبال القلمون مكان حيوي، والسيطرة عليه تمنح الطرف المسيطر نقاط تفوق وقوة، خصوصا إذا ما أخذنا بالاعتبار المشاعر الطائفية العميقة التي تتحكم بهذه الحرب لدى جماعة الحلم الشيعي الكبير في طهران، نحن هنا، لو تحقق حلمهم، سنكون أمام «شيعة ستان الغربية» كما سمعت من أحد الأذكياء في لبنان، متذكرين أن إيران هي «شيعة ستان الشرقية» وعراق نوري المالكي هو «شيعة ستان الوسطى» وجنوب نصر الله وبقاعه وهرمله هو «شيعة ستان الجنوبية».

هذا لو كانت يبرود نهاية المطاف، لكن من قال ذلك؟

لا شك أن معركة يبرود تحسب للمخطط الإيراني ومن معه، وهي كما تحسب لهذا المعسكر، تحسب على الطرف الآخر، خاصة قوى المعارضة السورية التي تتنازع على جلد الدب قبل سلخه، وعلى القوى العسكرية داخل سوريا، مع أنه يجب ألا نقسو كثيرا على الفصائل السورية «الوطنية» المقاتلة، مع وجود دولة خليجية تزعم أنها متعاطفة مع الشعب السوري، وهي تدعم جماعات مدمرة لحلم الشعب السوري كداعش والنصرة.

كما تحسب يبرود أيضا على أميركا والغربيين، وعلى الحواضن العربية لثورة سوريا.

يحدثنا أحد أبناء يبرود، وهو حسين عبد العزيز في مقالة بـ(الجزيرة نت) عن مغزى هذه المعارك، فالقلمون شريط بطول نحو 120 كلم ومساحة 25 ألف كلم مربع يحده من الغرب جبال لبنان ومن الشرق الطرق المؤدية لبادية الشام، يعتبر هذا الإقليم القاعدة الخلفية وخزان الإمداد الرئيسي بالرجال والسلاح لدمشق وريفها وللمنطقة الوسطى في سوريا (حمص وريفها) ولمناطق في البادية شرقا.

لكن، حسب كاتبنا اليبرودي، فإن إقصاء يبرود عن مسرح الحرب مع النظام الأسدي صعب بوجود أكثر من خمسة آلاف مقاتل، مع طبيعة جغرافية صعبة تمثلها جبال القلمون الشاهقة.

ومع هذا الكلام، فهي معركة حساسة كسبها معسكر إيران، لا ريب. غير أنه نصر سيشعل نارا أكبر منه، ومن بشار ونصر الله وخامنئي والمالكي، وما يتوهمه أوباما من جدوى التحالف أو «التفاهم» مع الخصم «العاقل» إيران، كما هي شنشناته الأخيرة. هذا نصر سيعمق الحرب السنية الشيعية، أقله في بلاد الشام والعراق، حينا من الدهر.

من يقرأ عن القلمون ويبرود في تاريخ الحروب الصليبية وما بعدها إلى اليوم، يدرك كيف أنها تقع على عصب حساس للذاكرة والهوية، عصب سريع التهيج.

هل يوقظ جرس يبرود من أخذته سنة من النوم أو ألهاه الضجيج في نوافل الأمور؟

الشرق

الأوسط

التخاذل الدولي وسقوط معاقل الثورة/ د. نقولا زيدان

سقطت يبرود! تلك البلدة السورية القريبة من الحدود اللبنانية والتي كانت بيد المعارضة المسلحة. تلك البلدة التي لا تلحظها إلا الخرائط السورية المفصلة، إذ لا يتجاوز عدد سكانها الـ20 ألفاً. بلدة بالكاد كان يسمع بها اللبنانيون والعرب لولا المعارك الأخيرة..

سقطت يبرود! ولن نتكلم هنا عن التفوق العددي بنسبة ساحقة عندما حوصرت البلدة خمسة أسابيع وتدفقت عليها قوات الجيش النظامي وجحافل مقاتلي «حزب الله» وجنود الحرس الثوري الإيراني وميليشيا لواء «أبو الفضل العباس» بل أقوام قادمون من أواسط آسيا..

لن نذكّر الرأي العام في لبنان بما يعلم عن البربرية الفائقة الوحشية للطيران الحربي يذيق اهلها المساكين طعم وابل لا يهدأ من اهوال القنابل والصواريخ والبراميل المتفجرة، ولا عن القصف المدفعي والصاروخي لقوات «حزب الله» وحلفائه، فقد زودوا بآخر مبتكرات الأسلحة الروسية بالدمغة الإيرانية: صاروخ بركان الحراري.

إننا نشهد هؤلاء العرب جميعاً مواكب الفرح والزغاريد وحفلات الدبكة في شوارع بيروت وتوزيع الحلوى على المارة ابتهاجاً ليس بسقوط تل أبيب إطلاقاً بل بيبرود التي نزح من سلم من أهلها إلى عرسال، فكان ذلك صفعة مدوية للعرب قاطبة.

سقطت يبرود صريعة السياسة الغربية الماكرة التي انكشف وجهها القميء البشع في التآمر المبطن العامل في الظلام لاطالة الحرب السورية، واطالة عمر النظام الأسدي الفاشي تحقيقاً لمخططات الادارة الأميركية وأجهزتها الامنية وادمغتها الاستراتيجية التي تدير في الشرق الاوسط لعبة جهنمية اولها في طهران وآخرها في تل أبيب.

لقد رمت الادارة الأميركية بثقلها للحؤول في حلف الأطلسي وفي تركيا بالذات دون تسليم أي سلاح فعال ناجع ونوعي إلى المعارضة السورية الثورية، وتركت المقاتلين الابطال عزلاً كما المدنيين من أي سلاح فعال أمام جبروت الدمار المبرمج لآلة الحرب الأسدية وطيرانها الحربي. بل كبلت أيدي العرب المتعاطفين مع الثورة السورية فلم تصل إلى درعا في الجنوب أية أسلحة نوعية تقيهم جحيم الحديد والنار المنصب على درعا المدينة والحراك وبصرى الحرير وكل معاقل الثوار هناك.

لقد كان الكونغرس الأميركي يتلاعب بنا طوال الوقت وكانت تسريبات اجتماعاته السرية بقصد الالهاء والتعمية واستمرار حمامات الدم في طول سوريا وعرضها، ذلك ان السلاح النوعي لم يصل قط الى درعا كما قرر الكونغرس.

كانت الفرصة متاحة في الصيف الماضي لحسم الموقف من النظام الأسدي بأسره، إلاّ أن باراك اوباما وطاقمه راح يتلاعب ويتلوّن ويروح ذات اليمين وذات اليسار باحثاً عن الأعذار الملفقة والمبررات من أجل عدم المساس بالنظام الاسدي تلك الضمانة الضرورية التاريخية لأمن إسرائيل. فإذا بالمجرم يفلت من العقاب وبالقاتل ينجو بفعلته وتتحول القضية التي هزت العالم الى مشكلة الخداع العلني والاستخفاف بالرأي العام الدولي ألا وهي «التخلص من مخزون الأسد الكيماوي» والتباطؤ بتسليمه.

إن المحصلة العملية لاتفاق كيري لافروف هي انقاذ الاسد ونظامه وفشل ذريع في جنيف-2 وهزيمة منكرة في القرم..

قرأ بشأن جيداً عجز الأميركيين والغرب فمنذ بداية الأزمة السورية راح الديكتاتور الفاشي الدموي يقوض كل المبادرات و»يهشل» جميع الموفدين ويعطل عمل جميع المراقبين من أجل البقاء في سدة الحكم. وعندما بدأ نظامه يترنح ويهتز استنجد بحلفائه في طهران وموسكو فسيروا إليه على عجل مقاتلي «حزب الله» وسائر الميليشيات المذهبية السوداء. هذا والادارة الأميركية تتفرج لا بل يطلق قادة أجهزتها الأمنية والاستخباراتية تلك التصريحات الفجة القائلة بأن اطالة الحرب السورية تخدم مصالح أميركا أكثر بكثير من وضع حد عاجل لها الآن. إذن مَن يدّعي دعم الثورة لمن مصلحته ألا تحقق أهدافها!

لقد أطلقت السياسة الاميركية العنان لاطماع النظام الايراني في المنطقة العربية وكانت حريصة على الدوام كل الحرص على بقاء نظام بشار الاسد قاعدته الامامية. وقد اطلقت يده اكثر بكثير بعد اتفاقها واياه على ملفه النووي، فهو يزعم الآن انه يمد يد السلام للعرب لكن هذه اليد ملطخة بدماء الشعب السوري وتعبث بأمن اليمن والكويت والبحرين وفلسطين ولبنان.

ان التنديد الأميركي اللفظي بجرائم الأسد ونظامه وباعتزامه المضي في الحرب لا يغير شيئاً من الاختلال القائم في نسبة الدعم اللوجستي الذي يتلقاه الاسد من جهة والمعارضة الثورية من جهة أخرى. فإذا استمر هذا الاختلال على هذا المنوال في السنوات المقبلة فإنّ الثورة السورية معرضة لأفدح المخاطر.

ازاء التخاذل الأميركي ومراوحة أوروبا والغرب واحجامهم عن دعم الثورة السورية بالسلاح النوعي الضروري لمواجهة آلة الحرب الأسدية وحلفائها الروس والإيرانيين والميليشيات المذهبية المتدفقة على الساحة السورية لسحق الثورة نرى انه من حقنا كشعوب عربية مهددة بالمد الإيراني وأطماعه في أرضنا وسمائنا وخيراتنا بل في هويتنا القومية وموقعنا الاستراتيجي أن ندق ناقوس الخطر، وأن تنبري الآن بعض عواصمنا لتشكل وتكون فعلياً سنداً عربياً يمد الثورة السورية بما تحتاجه من سلاح متطور فعال ونوعي.

المستقبل

ما الذي تكشّفت عنه معركة يبرود؟/ عريب الرنتاوي

تكشفت الهزيمة المروّعة التي منيت بها المعارضة المسلحة على جبهة يبرود / القلمون، والتي تزامنت مع الذكرى الثالثة لاندلاع الأزمة السورية، عن جملة من المعطيات والتطورات ذات الدلالة العميقة في فهم تطور الأزمة السورية ومآلاتها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

أولاً: أن المعارضة متعددة المشارب والهويات والإيديولوجيات، تزداد بمرور الزمن، انقساماً وتشظياً، وأن عوامل انعدام الثقة فيما بينها، وخوف بعضها من بعضها الآخر، الذي يفوق في بعض الأحيان، الخوف من النظام نفسه، أسهم ويسهم في إسقاط العديد من جبهات القتال والمعارك، من دون مقاومة، أو من دون مقاومة صلبة ومكلفة، وهذا لم يحدث لأول مرة، وفي يبرود وحدها … تكرر المشهد وتتالى سباق المسلحين للانسحاب وتسليم القواطع، وأحياناً التواطؤ مع الجيش.

ثانياُ: أن الحروب البينية التي اندلعت في صفوف «داعش والنصرة وجبهة الثوار وأحرار الشام» إلى آخر قائمة الفصائل الجهادية، وأودت بحياة الآلاف من عناصرها وقياديها، قد أسهمت في إضعاف القدرات القتالية لهذه الفصائل مجتمعة، وأصابت الروح المعنوية لمقاتلي هذه الجماعات في مقتل، علماً بأن «جهاديي النصرة وداعش»، كانوا طوال سني الحرب الأهلية الثلاثة، بمثابة «الطليعة المقاتلة» للمعارضات السورية المسلحة … هذا الأمر لم يعد قائماً.

ثالثاً: باستثناء أمراء الحرب والطوائف وزعران الأحياء، لم يعد أحدٌ ممن حملوا السلاح عن إيمان بقضية الحرية والكرامة، مؤمناً بأن هذا الطريق سيفضي إلى أي مطرح … وهذا ما يفسر (ربما) تسارع وتيرة المصالحات الوطنية المحلية، وتعاون بعض وحدات المعارضة المسلحة مع الجيش السوري ضد «الغرباء» على بعض الجبهات … وإذا استمر الحال على هذا المنوال، فإن ظاهرة المصالحات قد تصبح عنصراً حاسماً في تقرير مسارات الأزمة السورية ومآلاتها.

رابعاً: ثمة ما يشي إلى أن الجيش السوري قد استوعب الصدمة تماماً، وإن متأخراً بعض الشيء، وربما يعود الفضل في ذلك إلى حلفاء النظام في الإقليم، إيران وحزب الله تحديداً، فالطريقة التي يقاتل فيها، والروح المعنوية التي تتحلى بها وحداته، والتماسك الذي تبديه على جبهات القتال، أعادت ترميم صورته الردعية، والتقارير عن المواجهات العسكرية الأخيرة، تشير إلى حالة فزع بدأت تصيب المسلحين على المحاور، ما أن يبدأ الجيش النظام بالتقدم صوبها … هذه الصورة لم تكن كذلك من قبل، هذا تطور جديد ولافت.

خامساً: حالة الخواء التي يعيشها المعسكر الداعم للمعارضة المسلحة وانعدام خياراته و»حيلته»، تنعكس بشكل مباشر على قدرته الميدانية وأدائه على الأرض … إذ باستثناء التصريحات المخصصة للاستهلاك الإعلامي، لا أحد من المعسكر المناهض للأسد والنظام، لديه اليقين بأن ساعة الحسم آتية لا ريب فيها، وأنها مسألة أسابيع أو أشهر على أبعد تقدير، كما كان يُقال قبل عام أو أزيد قليلاً … ثم أن هذا المعسكر يبدو منهمكاً من رأسه حتى أخمص قدميه بجملة من الأزمات الأكثر تعقيدا … الغرب مستهلك بالكاملة في الأزمة الأوكرانية المفتوحة على شتى الاحتمالات … تركيا غارقة في صراعاتها الداخلية وحروب السيد أردوغان لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من دوره وصورته ونفوذه … دول الخليج الأكثر حماساً لدعم المعارضة وإسقاط النظام، دخلت في أزمة بينية غير مسبوقة منذ تشكيل مجلس التعاون، وبعض هذه الدول انتقل من دعم المعارضات، جميع المعارضات المسلحة، إلى موقع العداء لأكثرها سطوة ونفوذاً باسم محاربة الإرهاب … أما جماعة الإخوان المسلمين التي أبدت حماساً لإسقاط النظام ودعم خيارات المعارضات، فهي في حالة انكفاء استراتيجي، تسعى في أن تخرج من الحملة المكارثية التي تتعرض لها في غير عاصمة عربية، بأقل قدر من الخسائر.

سادساً: زيادة التورط الإسرائيلي في مجريات الأزمة السورية، عبر سلسلة العدوانات المتكررة التي قارفها الجيش الإسرائيلية ضد إهداف في العمق السوري، وآخرها، الغارات المصحوبة بتهديدات غير مسبوقة، باستهداف النظام على نطاق أوسع، إن هو حاول تغيير قواعد الاشتباك مع الدولة العبرية، وهذا التطور سيكون له تداعياته، غير الإيجابية على خصوم النظام، بخلاف ما يعتقد كثيرون، خصوصاً من بعض «الرموز الخفيفة» في المعارضة السورية.

سابعاً: حلفاء النظام في المقابل، «أخذوا نفساً عميقاً» بعد سنوات ثلاث مما كان يعتقد بأنها أعنف ضربة يتلقاها هذ المحور الممتد من طهران حتى الضاحية الجنوبية لبيروت، مروراً بدمشق وبغداد … حزب الله رد على العدوانالإسرائيلي على مواقعه في السلسلة الشرقية، بعمل من نفس النوع والمقدار … حركة الجهاد الإسلامية قررت «كسر الصمت» في قطاع غزة، وأمطرت جنوب إسرائيل بوابل من الصواريخ، في مسعى من الحزب والحركة، لقطع الطريق على إسرائيل لتغيير قواعد الاشتباك على الجبهتين اللبنانية والفلسطينية … قوات المالكي تصول وتجول في غرب العراق، في عمليات مطاردة واصطياد لمقاتلي داعش، وهي تحقق تقدما ملموساً، وسط دعم دولي وإقليمي، لا تقلل من شأنه بعد التدخلات اليائسة من دول مجاورة في سياق حروب المذاهب والطوائف المشتعلة في المنطقة.

خلاصة القول: بعد ثلاث سنوات من اندلاع الأزمة السورية، تبدو صورة الوضع السياسي والميداني في حالة تبدل استراتيجي، وما معركة يبرود، وقبلها القصير، سوى إرهاصات لوضع جديد ناشئ، والمعتقد أن مدينة حلب، ستكون الحلقة الثانية لاختبار مستوى عمق و»استراتيجية» هذا التحول، وقد يحدث ذلك قريباً، ويتعين أن يحدث قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي يبدو النظام مصراً على إجرائها ولو على قاعدة «بمن حضر».

الدستور

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى