صفحات العالم

فرصة أوباما الثانية في سوريا تزداد غموضاً في ظل اضطراب المعارضة وتطرّفها


مايكل وايس

(أ.ف.ب.)

محاولة واشنطن المتأخرة لإعادة تشكيل المعارضة السورية وتشكيل حكومة منفى شاملة وقابلة للحياة فشلت في وقت قياسي. صُمّمت “المبادرة الوطنية السورية” – التي أعلنتها هيلاري كلينتون الاسبوع الماضي – لتهميش “المجلس الوطني السوري” الماكر والفاسد، الذي يسيطر عليه الآن – كما دائماً في السابق – “الإخوان المسلمون” وشخصيات في المنفى بحاجة الى جمهور مؤيد لها. لكن ما حققته المبادرة كان انجاز العلامة الفارقة لسياسات الشرق الأوسط لإدارة أوباما: إبعاد الجميع مرة واحدة. ليل الأربعاء الماضي، عشية انعقاد المؤتمر الكبير لإطلاق “المبادرة الوطنية السورية”، خرج مندوبو ثلاث مجموعات مشاركة – “التنسيقيات الوطنية”، “المنبر الديموقراطي السوري” و”المجلس الوطني الكردي” – من القاعة محبطين. “هناك الآن العديد من الناس ضد هذه المبادرة، فمن الصعب لها ان تنجح”، قال ديبلوماسي غربي لصحيفة “دايلي تلغراف”، فيما يجب أن تصبح الآن تعويذة يعلقها كل ديبلوماسي غربي. 

ويمكن استعمال التعويذة لحفر كتابة على قبر المولود الجهيض: “المبادرة الوطنية السورية” أريد بها حل ثلاث مشاكل عالقة أربكت التخطيط الاميركي حول سوريا لأشهر. الأولى هي توسيع تمثيل الأقليات والنساء ضمن صفوف المعارضة السياسية، اذ ان الشوفينية السنية العربية لـ”المجلس الوطني السوري” وكراهيته للنساء عملتا فقط على تخويفهما. الثانية كانت ايجاد نوع من المراقبة على القوى الثورية المنقسمة والمختلفة ايديولوجياً عبر “المجلس العسكري الأعلى”. الثالثة كانت تشكيل حكومة انتقالية ذات مصداقية ومسؤولة لتولي ادارة الدولة عند رحيل بشار الأسد.

لو بُذل جهد كهذا بشكل حثيث منذ عام ــــ عندما قررت واشنطن تلزيم التكوين السياسي للمعارضة إلى تركيا، وثم تساءلت كيف انتهت الأخيرة الى اشراك عصابة من المنافقين الإسلاميين ــــ لحظيت “المبادرة الوطنية السورية” بفرصة للنجاح.  لكنها اليوم، تبدو يائسة تتلمّس طريقها في الظلام. لا أحد اطلاقاً صدّق المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية فيكتوريا نولاند عندما توسّعت في تعليقات كلينتون في موتمر صحافي لاحق: “محادثاتنا مع السوريين لم تكن إلزامية”. بالطبع كانت كذلك؛ الأمر فقط ان السوريين لم يعودوا يسمعون بعد الآن.

حاول الناشط السوري رياض سيف بنفسه نفي أنه كان يوماً “الرقم واحد” المعيّن في “المبادرة الوطنية السورية”، وهي مهمة طبعاً صعبة باعتبار ان المبادرة وُصفت فوراً بـ”مبادرة سيف ـــ فورد” (نسبة الى السفير الاميركي السابق في سوريا روبرت فورد) وأن “المسودة” التأسيسية لـ”المبادرة الوطنية السورية” حملت اسمه كمشارك في صياغتها. الرجل ذو الـ66 عاماً يصرّ الآن على انه مسنّ ومريض (السرطان) لدرجة لا تسمح له بقيادة اي تجمع. في غضون ذلك، دانت “هيئات التنسيق المحلية” تصريحات كلينتون بوصفها “غير مرحب بها”، واشارت بشكل ضمني الى ان واشنطن لا يحق لها نصح المعارضة فيما هي لا توفر المساعدات الأساسية (اقرأ: السلاح) للاعبين على الارض. تجاهلت ألوية وكتائب الثوار اعلان “المبادرة الوطنية” بشكل كامل. كذلك  فعل رياض الأسعد (“الجيش السوري الحر”)، ربما بسبب رضًى تسلل اليه عند مشاهدة تجمع بالٍ آخر يتم صدّه. طبعاً، ردّ “المجلس الوطني” بغضب، وادعى رئيسه عبد الباسط سيدا ورئيسه السابق برهان غليون وعضو مكتبه التنفيذي سمير نشار بأن وزارة الخارجية الأميركية تحاول الآن نزع الشرعية عن اللاعبين الذين شرّعتهم سابقاً. هذا ما شعر به يوماً بشار الأسد.

وكما يلاحظ عمار عبد الحميد، فإن “الأخوان المسلمين” في سوريا تشجعوا باعتقادهم أن الدعم الذي أظهره البيت الأبيض لـ”الأخوان” في مصر وتونس، قبل وبعد الانتخابات البرلمانية، هو اشارة بأن أي “انقلاب” اسلامي سيتم التسامح معه قبل تغيير النظام. الشروط المسبقة الوحيدة للبيت الأبيض كانت تعددية شكلية للمعارضة وخطاباً لا يتجاوز الحديث التقليدي عن “الفسيفساء” الاثنية والدولة “المدنية”.

بالفعل، قال لي ديبلوماسي اميركي قبل عدة أشهر إن الخطاب الأول لبرهان غليون الذي أقرّ فيه بـحكومة “لا مركزية” للسوريين الأكراد، صاغه، الى حد ما، مكتب كلينتون. لم يشفِ الخطاب غليل الأكراد الذين سارعوا الى الإشارة بأن الـ”لا مركزية” هي اساساً حقيقة واقعة في محافظة الحسكة قبل الانتفاضة السورية؛ ولهذا أُنشئت المدارس ومراكز الجمعيات الكردية بسهولة فائقة بعد اندلاع الاحتجاجات في آذار 2011. ما يريده معظم الاكراد هو حكم ذاتي على النمط العراقي.

مشكلة أخرى هي عدم التناسق المحيّر لـ”المجلس الوطني” بخصوص موقفه من مسائل مهمة جداً لـ”الشارع” السوري. قال لي اللواء عقيل هاشم إنه عندما طلب منه “المجلس” ليكون أحد الأعضاء الثلاثة في “المكتب العسكري الاستشاري” التابع له، قَبِل بشرط ان يُسمح له بالدعوة الى التدخل العسكري المباشر.

وفي المؤتمر الصحفي الذي عقد في 1 آذار لإعلان تشكيل هذا المكتب، رفض رئيس “المجلس” في حينه برهان غليون طلب هاشم، على رغم أن التدخل العسكري كان الموقف الرسمي لـ”المجلس” لأشهر خلت. لذا لم يشارك هاشم، والآن يضحك كلما يسمع ممثلاً لـ”المجلس” يؤنب الولايات المتحدة على فشلها في التدخل في سوريا.

وأحياناً، يتزاوج النفاق مع الاحتيال. المعارض العلوي ثائر عبود روى هذه القصة القابلة للتصديق لصحيفة “الغارديان”: “كنت في تجمع مهم للمعارضة في ايار الماضي في فندق “سميراميس” في القاهرة، وكان روبرت فورد موجوداً. بدأ عضو معروف في “المجلس الوطني” باتهام الاميركيين بأنهم لا يساعدونهم (…). ردّ فورد بأنه هو الشخص الذي ارسل اليه كمية كبيرة جداً من المال، سائلاً إياه أين ذهبت الأموال؟ جلس العضو المذكور من دون ان يقول اي كلمة، وطُرد خارج الغرفة. كان الأمر مخجلاً”.

وقال لي مندوب سابق في “المجلس الوطني” إنه عُرض عليه رشوة للبقاء عضواً ، مخافة أن يُحرج انشقاقه “المجلس”.

إذاً، ما تداعيات هذا على المعارضة السورية المضطربة؟ مما لا شك فيه ان الخبر المهم مؤخراً بالنسبة لأي متابع للتطورات في سوريا للأشهر الستة الماضية كان اعلان بريطانيا عن نيتها انشاء خط تواصل مع الثوار، وطلب تركيا من الـ”ناتو” نشر صواريخ “باتريوت” على الحدود التركية-السورية.

توقيت كلا التطورين ــــ ومن المنطقي برأيي الاعتقاد كذلك ــــ جاء متزامناً مع الانتخابات الرئاسية الاميركية. وكلاهما ايضاً يشي بما كان لا مفر منه لأكثر من ستة أشهر خلت: تحديداً، إن الحل العسكري المدعوم من الغرب هو الطريق الوحيد للسير قدماً في سوريا، خصوصاً ان الأسد عبّر مجدداً عن اعجابه بنموذج “شاوشيسكو” لانتقال السلطة السياسية.

لكن ما سيأتي تالياً سياسياً قد يتعدى التأثير الاميركي. ففيما شعار مناهضة المؤامرة الاميركية وشعار “مناهضة الامبريالية” الدارج لم يكن لهما تأثير كبير على الأرض في الايام الاولى للحركة الاحتجاجية، إلا أنهما يبرزان الآن، إلى حد كبير بسبب التراخي الغربي الذي دفع  بالعناصر المعادية للأسد الى التطرف. أخيراً، في 19 أيلول،  فاز الإسلاميون بالاستفتاء لتسمية “جمعة يوم الغضب”، “أميركا ألم تشبعي من دمائنا؟”

فاز أوباما بولاية ثانية، لكن فرصة ثانية في سوريا قد تكون أكثر غموضاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى