صفحات سوريةعلي العبدالله

رسائل متناقضة من واشنطن/ علي العبدالله

 

 

مازالت واشنطن في مقاربتها المباشرة للصراع في سوريا وعليها غير واضحة او مفهومة، فـ”الرسائل” التي تأتي من خلف المحيط  أو عبر مندوبيها إلى جنيف ومحادثات وزير خارجيتها مع الدول الداعمة للمعارضة السورية أو الداعمة للنظام تقول أشياء متناقضة، متعارضة، متباينة، والأهم انها لا تعطي صورة محددة تسمح بتشكيل فكرة واضحة عن طبيعة موقفها ونهايته المرجوة بحيث تسمح بالبناء عليها أو الثقة فيها.

فموقف الإدارة من مصير رأس النظام شكل لغزا محيرا لمتابعي سياستها العرب والأوروبيين، البيت الأبيض يبعث بـ “رسائل” تؤكد التزام الإدارة بالحل السياسي واصرارها على انجاح محادثات السلام في جنيف وتمسكها بـأن تتم “عملية الانتقال السياسي بعيدا عن الأسد”، وفق آخر تصريح للرئيس الأميركي، موقف أكده وفصّل حيثياته سفيرها في موسكو جون تيفت الذي قال لوكالة “إنتر فاكس” الروسية:”إن الأسد لَّوث نفسه بدماء عشرات الآلاف من القتلى٬ ولذلك فهو لا يملك الحق في البقاء على رأس الحكم في البلاد٬ وتتوقع الولايات المتحدة منه أن يعلن٬ عاجلا أم آجلا٬ تخليه عن منصبه كي تبدأ المرحلة الانتقالية التي تدور مفاوضات جنيف حولها”، وما أكده كذلك وزير خارجيتها جون كيري في مقابلة تلفزيونية حيث قال:”بأن الأسد لا يمكن أن يكون جزءا من الحل في سورية، وأن أقصى ما يمكن قبوله هو أن يشارك في المرحلة الأولى من المرحلة الانتقالية، على أن يغادر بعد ذلك”. وجزمه بتأييد الروس لذلك “إذا كان الأسد لا يوافق على عملية انتقال شرعي، فإن الروس قد أعربوا عن أنهم لن يستمروا في دعمه. وسنشهد حتما تصاعدا في وتيرة العنف، وعودة إلى الحرب”. وتلويحه بمعاقبته “إذا واصل التمسّك بالسلطة” أو “تأمين خروج آمن وعيش بأمان إذا ساهم بإحلال السلام”، ليأتي نفي الناطق باسم الخارجية لمناقشة الموضوع في موسكو، وطلب كيري نفسه من وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي في اجتماعه الأخير بهم في المنامة عدم “إثارة موضوع مصير الأسد”، ناقضا ذلك.

تناقض آخر ظهر في تعاطي الإدارة مع انتهاكات النظام وحلفائه لاتفاق وقف العمليات العدائية حيث لم تكتف بتجاهل تقارير المعارضة عن انتهاكات النظام لوقف العمليات العدائية وتوظيفه للهدنة لتحريك قواته لمهاجمة مواقع المعارضة في ريفي دمشق وحلب وسعيه لتطويق حلب لفرض شروطه التفاوضية واستهدافه المدنيين بالبراميل المتفجرة بما في ذلك التي تحتوي على غاز الكلور السام، بل ودعت إلى عدم مناقشة هذه الانتهاكات وأبدت قلقها من “وجود نظام دفاع جوي محمول لدى المقاتلين في سوريا وسط توتر المعارك”، دون التفات إلى انعكاس هذه الانتهاكات على العملية السياسية وفشلها من جهة، وحق المعارضة في الدفاع عن نفسها وعن حاضنتها الشعبية في وجه الطائرات المغيرة من جهة ثانية. وتعارض ذلك مع تهديدها بالانتقال إلى الخطة “ب” في حال انهيار الهدنة أو فشل المفاوضات في الوصول إلى حل للصراع، وتوضيح مسؤولين فيها لفحوى الخطة “ب” بـ”تكثيف وكالة الاستخبارات المركزية جهودها لتزويد المعارضة السورية بأنظمة قتالية تتضمن أسلحة مضادة للطائرات وأسلحة لصد الضربات المدفعية٬ وهي أنظمة يمكن أن تستهدف بها قوات المعارضة طائرات النظام السوري والطائرات الروسية”. ليس هذا وحسب بل و”تقديم دعم استخباري للمعارضين المعتدلين لتمكينهم من تفادي التعرض لغارات روسية وشن هجمات أكثر فاعلية على القوات الحكومية”.

وأما ثالثة الأثافي، كما يقول العرب، في تناقضاتها فما نُقل عن مفاوضاتها مع الروس حول دستور لسوريا بعد أن أقنعتها موسكو بضرورة العمل على دستور جديد، فقد عُلم أن مسؤولين أميركيين وروس، قيل إن بينهم مسؤول الشرق الأوسط في البيت الأبيض روبرت مالي ومبعوث الرئيس الروسي الى سورية الكسندر لابرنتييف، يجرون محادثات في جنيف منذ أيام عدة بعيدا من الإعلام على مسودة دستور كان الجانب الروسي سلمها إلى كيري خلال زيارته موسكو، والهدف ليس صوغ مبادئ دستورية وحسب بل والاتفاق على صفقة سياسية، ثم اختيار قائمة من المعارضين القابلين بالحل السياسي لجمعهم مع وفد الحكومة في الجولة المقبلة أو ما يمكن اعتباره جنيف4 و”الذي سيكون مختلفا عن الجولات السابقة”، وفق تعليق لأحد المحللين السياسيين، على أن يتم فرضها على الأطراف السورية عبر قرار من مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع في حال فشل المحادثات الحالية، كل هذا مع حديث مسؤولي الإدارة، الذي غدا لازمة تتكرر باستمرار، عن أن بيان جنيف نص على أن العملية السياسية “يجب أن تتم بقيادة سورية”.

كل هذه التعارضات والتناقضات والتباينات التي تثير الهواجس والمخاوف عما وراء الأكمة مشفوعة بدعوة المعارضة لالتزام جانب الحذر وعدم الوقوع في فخ النظام الساعي لإحراجها فإخراجها، وضرورة مواصلة التفاوض والاستمرار في تركيز الأضواء على المرحلة الانتقالية٬ والإصرار على الدخول إليها في أسرع وقت٬ لأن في ذلك إحراجا للنظام الساعي لتفادي الخوض فيها، وطرح أفكارها الخاصة بها حتى يتركز النقاش على هذه الأفكار، وعدم الالتفات إلى الجوانب الثانوية مثل انتهاكات الهدنة وعدم رفع الحصار أو عدم دخول الإغاثة إلى معظم المناطق المحاصرة، أو عدم الإفراج عن المعتقلين، متجاهلين الأثر الخطير الذي سيحدثه ذلك ليس على حاضنة الثورة فقط بل وعلى الفصائل المسلحة التي ستجد نفسها تتلقى الضربات في حين يواصل وفد المعارضة التفاوض دون نتيجة ملموسة ما قد يدفعها إلى الانسحاب من الهيئة العليا للمفاوضات فيفقدها ورقة قوتها الرئيسة: وحدة جناحي المعارضة السياسية والعسكرية.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى