صفحات الناسعلي العبدالله

مدينتي التي لم اعش مأساتها/ علي العبدالله

 

 

يواجه سكان مدينة ديرالزور الموت جوعا ومرضا بعد ان فُرض عليهم حصار مزدوج من النظام ومن تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام(داعش). الاول يحاصر المناطق التي خرجت من سيطرته، وهي الجزء الاكبر من المدينة، يمنع الحركة الحرة، عبر قنص المواطنين، ويقصفها بكل صنوف الاسلحة، والثاني يحاصر الحيين اللذين بقيا تحت سيطرة النظام(القصور والجورة) يمنع دخول وخروج المواطنين ويمنع دخول المواد الغذائية والادوية، كما قطع الاتصالات بالعالم الخارجي.

يتناقل المواطنون روايات مرعبة عما يحصل للسكان في المنطقتين، فالمناطق الخارجة من سيطرة النظام، والواقعة تحت سيطرة داعش، تعيش معاناة رهيبة ليس بسبب حصار قوات النظام وقصفها المتواصل بالمدفعية والطائرات والبراميل المتفجرة والقنص الذي يمنعهم من الحركة الحرة، بل وبسبب الخوف من عناصر داعش الذين استمرأوا قتل الانسان لاتفه الاسباب، من الاتهام بالعمل مع النظام الى تشكيل صحوات الى العمل مع الائتلاف والفصائل العسكرية المناوئة والتجسس على التنظيم والتجديف بسب الذات الالهية او المحمدية، أو جلدهم بسبب التدخين او عدم ترك العمل والتوجه الى المسجد عند حلول وقت الصلاة او تحرك امرأة دون محرم. وقد زاد في معاناتهم بوضع يده على توزيع الاغاثة وصادر كل ما كان لدى جمعيات الاغاثة في هذه الاحياء من مواد غذائية وبدأ باستخدامها للضغط على المواطنين من اجل مبايعته والتجند في صفوفه، فالذين ينخرطون في صفوفه يتلقون رواتب مجزية وسلالا غذائية وعبوة غاز للطبخ ومازوتا للتدفئة، والذين يحجمون يُتركون للجوع والبرد والعوز. وقد رد على المستائين الذين دعوه للتقرب من المواطنين والعمل على كسب حاضنة شعبية عبر المعاملة الحسنة بانه غير مهتم بكسب حاضنة شعبية وانه لا يكترث لمعاناتهم وما يلحق بهم من أذى وما يصيبهم من ضرر.

المأساة في الجانب الآخر، في الحييّن اللذين بقيا تحت سيطرة النظام، لا تقل خطورة واذلالا للمواطنين، فالحيّان استقبلا معظم النازحين من الاحياء الاخرى وتضخم عددهما بشكل مرعب، تجاوز عدد القاطنين فيهما الـ 500 ألف نسمة في منطقة لا تتجاوز مساحتها عدة كيلو مترات مربعة، حيث زادت الكثافة السكانية واصبحت الحركة صعبة والاحتكاكات على الموارد والمواد الغذائية والادوية والسكن ظاهرة نافرة، وجاء الحصار الذي فرضه داعش ليرفع من حدة المشكلات عبر منع الخروج والدخول ومنع دخول المواد الغذائية والادوية، وقد نفذ ما لدى الاسر من مواد غذائية يخزنها اهل المدينة وفق عادة شعبية قديمة تخزن مونة من الاغذية القابلة للتجفيف والتخزين، كالبامياء والملوخية والفول والبازلاء والبرغل والجبن والمكدوس والكشك والعدس والحمص والعوين، ناهيك عن استنفاد مدخراتهم المالية، وغدا اعتماد القادرين على ما تنتجه قطعة ارض صغيرة من مساحة الحييّن تقع على ضفة نهر الفرات زرعها اصحابها بالسبانخ والسلق والبصل والبقدونس والفجل، التي ارتفعت اسعارها حيث بلغ سعر كيلو البصل الاخضر الـ 1200 ليرة، وما زاد الطين بلة تحرك تجار الحروب من ازلام النظام لاستغلال الازمة بتهريب كميات صغيرة من المواد الغذائية والخضار وبيعها باضعاف ثمنها، بلغ ثمن كيلو السكر 1000 ليرة والفروج المثلج 3500 ليرة. وقد ادى انتشار بعض الامراض، كالتهاب الكبد الوبائي وشلل الاطفال، الى زيادة خطورة وضع المواطنين حيث غدت حياتهم، وخاصة الاطفال، على الطريق الى موت محقق، صورة تعيد الى الاذهان ما جرى ومازال في مخيم اليرموك ومعضمية الشام وداريا والغوطة الشرقية في دمشق، وحي الوعر في حمص ومناطق كثير على الارض السورية، من ينجوا منهم سيعيش بقية حياته ضعيف المناعة بعد ان دمر الجوع والمرض والضغط النفسي اجسادهم واعصابهم.

رد النظام بعد فترة صمت طويلة بتوفير بعض المواد الغذائية تباع للاسر بكميات قليلة، 2 كيلو سكر ومثلها أرز في الشهر، ودعوة المواطنين، وخاصة الشباب، الى التطوع في جيش الدفاع الوطني والمساهمة في محاربة داعش وكسر الحصار لانقاذ انفسهم ومدينتهم، وقد حصل وتطوع عدد من المواطنين دربوا على عجل وارسلوا في حملة لفك الحصار وفتح طريق ديرالزور دمشق في منطقة “الجولا”، حيث تنتشر قوات لداعش، باسلحة خفيفة لا تجدي في مواجهة اسلحة ثقيلة وعناصر خبيرة ومدربة فانهزمت وعادت ادراجها.

يصرخ مواطنو ديرالزور ويندبون انفسهم ومدينتهم ويطلبون تحركا عربيا ودوليا لانقاذهم من مصير أسود عبر حملات على وسائل التواصل الاجتماعي رغم ادراكهم ان الدول العربية والمجتمع الدولي لم يدفعهم الى تحرك حاسم. ما حصل في سوريا طوال اربع سنوات بلغ فيها الموت والبؤس ذرى غير مسبوقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تجاوز فيها عدد القتلى اكثر من 250 الف ضحية قتلوا بكل اصناف الاسلحة بما فيها الاسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة والقنابل الفراغية والتعذيب في اقبية المخابرات، واكثر من 500 الف جريح ونزوح اكثر من نصف السكان من مدنهم وبلداتهم وقراهم وهجرة اكثر من ثلاثة ملايين الى دول الجوار، تشتت بعضهم في دول العالم، وتدمير ملايين المنازل والبنى التحتية والخدمية(طرق، جسور، آبار نفط وغاز ومصافي، انابيب النقل، محطات توليد الكهرباء وتنقية المياه، مشافي ومدارس، مصانع واراضي زراعية، ومصادر دخل المواطنين ومعيشتهم) ما حوّل سوريا الى حطام تحتاج الى عقود ومليارات الدولارات لاعادتها الى مكان يصلح للحياة البشرية.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى