صفحات الناس

رحلة هروب ناشطة علويّة من قريتها في اللاذقية إلى تركيا/ سمر مهنا

 ‘لم يستغرق الطريق من مدينة اللاذقية إلى إدلب سوى 7 ساعات لكنني كنت قبلها هاربة من قريتي مدة 7 شهور.. أخذني التكسي الذي كنت على موعد معه من المدينة ومررنا بالقرب من قريتي باتجاه إدلب.. عادت لي جميع ذكرياتي، طفولتي، جيراني، أهلي .. قلبي كان يحترق وأحسست بدوران عجلات السيارة لشدة تعلقي بالأرض لكنني مضطرة’، تقول رنيم اسماعيل الناشطة العلوية لـ’القدس العربي’، زرت خلال الثورة العديد من المناطق كريف دمشق ‘المعضمية وداريا ودوما’ وعملت في أول عام من الثورة في هذه المناطق بالدعم النفسي للأطفال كما زرت حمص والجميع كان يعرف أنني ‘علوية’ وكانوا يتعاملون معي بطريقة رائعة، وخرجت في العديد من المظاهرات لكنني كنت دوما أريد العودة إلى قريتي التي نشأت فيها، ‘أردت أن أغيّر رأيهم، أي طائفتي، أن أجمع من هم مثلي لنتكلم باسم الجميع ولأشرح لهم في أي مأزق وضعنا بشار الأسد’.

توضح رنيم ‘كنت أدخل في العديد من النقاشات معهم حول الأسد وأننا نحن المتضرر الأكبر منه وكانوا يشتمونه في الكثير من الأحيان، كما كنت أناقش الشباب حول التطويع وبأنهم وقود للطائفة لكن محاولاتي لم تأت ثمارها لأنه لم يكن يوجد عمل منظم للعلويين المعارضين على أرض الواقع وفاعل على الرغم من وجود العديد ممن يفكرون بطريقتي’.

35 ليرة فقط في جيبي لهذا تطوعت

تروي رنيم العديد من القصص الفردية التي شهدتها في القرية والتي تعبر عن تململ الطائفة من العائلة الحاكمة، لكنها توضح أن هذه الأفعال لم ترق إلى قوة على الأرض، حيث تذكر أن أحد الاشخاص من قريتها وعمره 32 عاما ذهب ليتقدم إلى وظيفة لكنهم رفضوه لأن عمره فوق الثلاثين وانفجر في وجههم قائلا ‘للتطويع بالجيش تأخذون كل الأعمار لكن في الوظائف لا تأخذون إلا أعمارا معينة، لن أذهب للجيش’، كما شتم الرئيس، ولم يتجرأ أحد أن يتكلم معه.

كما حدثتنا عن أحد نقاشاتها مع أحد عناصر جيش الدفاع الوطني عمره 21 عاما، عندما سألته هل تقتل؟ قال نعم.. وكل من حولي مجرمون، وعندما سألته عن سبب تطوعه بالجيش، قال لها لأني ‘كنت قبلها أجلس دون عمل ولم يكن في جيبي إلا 35 ليرة’.

عملت رنيم بالسر مع أصدقائها المعارضين في القرية من أجل الثورة، وبدأت تخفف من حدة نقاشاتها عندما شاع بالقرية أنها معارضة على الرغم من وجود العديد من المتعاطفين معها، حيث تبين ‘كنت حينها سعيدة جدا أعمل من داخل قريتي ولا أحد يعلم ما ذا أفعل فحسابي على الفيسبوك وهمي وكنت أعمل بسرية تامة، فقط من يعلم أخي وأختي الذين كانوا يؤمنون بتفكيري’.

الأمن السياسي يبحث عني

لم تبق رنيم على هذه الحال مدة طويلة، ففي إحدة الليالي أخبروها أن الأمن السياسي أخذ صديقها الذي يعمل معها وعليها الهروب، تقول ‘جمعت أغراضي لكنني لم استطع الهروب حتى اليوم التالي ولم استطع النوم في هذه الليلة، خرجت باكرا وأبي الذي يقطن في الطابق الأرضي لم يعرف شيئا، فتوجهت إلى اللاذقية لمنزل صديقي في الرمل الشمالي، وهو علوي معارض أيضا’.

أخبرتني أختي بعدها على التلفون أن الأمن السياسي جاء إلى قريتنا بعد رحيلي بـ3 ساعات وسألوا أبي عني، لكن أبي لم يكن يعلم شيئا حيث سأل أخوتي أين رنيم؟ وقالوا له كاذبين لا نعلم أين هي’، وتتابع زارنا الأمن بعدها 3 مرات، وقالوا لأبي ‘وين بدها تروح آخر شي حتجي’ كما استدعوا أخوتي الشباب الثلاثة إلى فرع الأمن وحققوا معهم، مبينة ‘لم يعد أحد يرد السلام على أهلي في القرية أصبحوا منبوذين لفترة صغيرة فقط، ومن ثم عادوا لمكالمتهم’.

تقول رنيم صديقي الذي أخذه الأمن ‘قبضوا عليه متلبسا’ أي مع المنشورات التي كنا نعمل عليها وننشرها في الساحل، وبعد التعذيب اعترف بأنني كنت أساعده، تقول كان كل ضابط يدخل إلى الغرفة ويعلم بأنه علوي يبصق عليه ويضربه بقسوة ويطفئ السجائر فيه، لكن لا يوجد شهداء علويون تحت التعذيب.

تتابع استأجر لي أصدقائي منزلا في اللاذقية باسمهم وبقيت متخفية 7 شهور وكانوا أخوتي يزورونني بالسر، أحسست بالإختناق، ولم أعد استطع الإستمرار فاصدقائي سافروا إلى تركيا لذا أصبح هناك مشكلة في استئجار المنزل لأنني لا أستطيع استئجاره باسمي، والكل كان خائفا أن يعطيني هويته لأسافر بها إلى دمشق لأستقر هناك .. لذلك لم يبق لي خيار إلا السفر إلى تركيا.

كانوا أهلي في كفر تخاريم

تقول رنيم تواعدت مع صاحب سيارة ‘ادلبي مؤيد’ ليأخذني من مدينة اللاذقية، قالوا له أصدقائي انني علوية متزوجة سني ويجب أن أذهب إلى زوجي في إدلب لذا تعاطف معي لكنه أخذ مني 25 ألف ليرة، تتابع ‘كنت ألبس الحجاب والمانطو’ كما أن أصدقائي أمنوا لي هوية امرأة من إدلب تشبهني.

تروي، خرجنا من طريق جبلة بيت ياشوط باتجاه ادلب.. مررنا بالقرب من قريتي وكدت أصرخ من الشوق في داخلي حتى أن السائق حس بي فنظر إلي بالمرآة وقال مبتسما ‘حنيتي’، وبقينا 7 ساعات حتى وصلنا إلى الرجل الذي اتفقت معه سابقا على أن يستضيفني بمنزله في كفر تخاريم التي بقيت فيها يومين.

تتابع رنيم ‘أصحاب المنزل كانوا يجمعونني بجيرانهم ونسهر معهم على ضوء بطارية الشاحن بسبب عدم وجود الكهرباء’، تصمت قليلا وتقول بصوت منخفض، هناك مواقف لن أنساها ماحييت، فعندما أخذنا صاحب المنزل أنا وزوجته إلى منزل الجيران عرفهم بي قائلا ‘هذه الفتاة هي من أعادتني للثورة فقد هربت من قريتها التي لم تتعرض للقصف وفيها يتوافر الأمان وتركت أهلها وناسها من أجل الثورة على الرغم من أنها علوية.. هي من أعادتني للثورة’.

كما حدثتنا أنها في إحدى الجلسات مع نساء إدلب اللواتي لم يكن جميعهن يعلمن بأنها علوية، كانت امرأة تتكلم عن أحد الضباط العلويين من عائلة فلانية، فقلت لها ‘كنتنا من هذه العائلة’ فتفاجأت المرأة وسألتني ‘كنتكون علوية؟’ فأجبتها نعم وأنا علوية فخرجت المرأة مسرعة إلى تجمع الرجال وسألت مضيفي ‘رنيم علوية؟’ فقال لها نعم وعادت إليّ مسرعة فحضنتني وقبلتني.

تقول رنيم ضاحكة إن صاحب المنزل الذي استضافها كان يمازحها بأنهم يستطيعون بيعها لداعش بمليوني ليرة ليشتروا مولدة للمدرسة، مبينة أنها شهدت مظاهرة لأهالي المنطقة ضد داعش.

وللرحلة بقية

قام صاحب المنزل بإيصالي إلى نهر العاصي الذي يفصل بين إدلب وتركيا حيث ركبت ‘الحلة’ لتعبر في المياه إلى الجانب التركي ومن ثم استقلت شاحنة للعبور في الأراضي الزراعية على الحدود التركية.

تقول مررت على العديد من حواجز للجيش الحر وداعش في إدلب لكنهم لم يكونوا ينظرون إلي لأنني امرأة ولم أخف منهم، وكان خوفي أكبر من حواجز النظام في اللاذقية لأني مطلوبة. تختتم رنيم بحزن ‘مازلت أريد العودة إلى بلدي إلى إدلب أو الشام أو قريتي.. هناك يتنظرنا الكثير من العمل وهناك أحسن الناس، فهناك الواقع النقي بعيدا عن التنظير’.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى