صفحات مميزة

سوريا.. لماذا كل هذا اليتم..؟!


ليلى الصفدي

هل تخيلتم مرة دولة يتيمة..؟! أو شعبا يتيما..!؟

مزاجي العام حزين وكئيب وليس باستطاعتي ترتيب أفكاري وكتابة مقالة موضوعية تصف ما أحس به الآن، الآن بعد دخول الثورة السورية شهرها الخامس وتجاوز عدد شهدائها ألـ 1500 ، الآن بعد أن أهدانا النظام معايدته الدموية بحلول شهر رمضان بمائة شهيد، لذا سأقص بعض الذكريات علها تعكس ولو قليلا من الألم الذي أحس، والخذلان الذي أعيش لحظة بعد لحظة:

كنت مثل كل فتاة سورية في جيلي في الصف الخامس عندما طلبت منا المعلمة المساهمة بالتبرعات من اجل الشعب السوداني، الطفل السوري المحظوظ ومن كان مصروف جيبه ليرة سورية حينها… تبرع وبطيب خاطر بخمس ليرات.

كنت في الصف السابع في الانتفاضة الفلسطينية الأولى، لم نكن نرى على تلفازنا سيء الألوان إلا مشاهد الانتفاضة، نراها وترانا نلملم دموعنا يمنيا وشمالا، كنا نعرف فلسطين حينها ولم نسمع بعد بجولاننا…..

في الصف الثامن جاء قريبنا الذي كان يسكن مخيم التضامن المجاور لمخيم اليرموك.. جاءنا وهو يحمل معه ثلاثة من أبنائه الشهداء.. شهداء منظمة التحرير الفلسطينية السوريين… بكينا فلسطين… وقريبنا.

بعد نجاحي في الصف التاسع أهدتني أمي قطعة ذهبية صغيرة كتب عليها “الله”… فليسامحني الرب لاني بادلتها بخارطة لفلسطين….

فلسطين وفلسطين وفلسطين… لا حب يوازي حبنا لك ولا شيء يحيدنا عنك إلا الم عربي آخر.

انتظر امتلاء الحافلة لتقلني إلى دمشق… فجأة توقف موكب مهيب في الساحة العامة.. موكب بعشرات الجنازات للشهداء الذين قضوا في أحداث لبنان.. عيارات نارية في الهواء ودموع مستعجلة ومستغربة؟ لمَ وأين قضى كل هؤلاء الشباب…؟!

عندما التجأ إلينا اللبنانيون خلال حروبهم اسكناهم بيوتنا وقلوبنا، أفرغنا لهم غرفا من منزلنا المتواضع وراقبناهم كيف يتصرفون كأنهم في بيتهم وأكثر، وكنا معجبين بهم.. كيف ينتزعون الفرح من قلب المصائب.

الآن السوريون يلتجئون إلى أشقائهم في لبنان ليتم تسليمهم لعصابات الأمن حيث يذبحون بدم بارد… شكرا لبنان..!

العراق التي كان نظامنا على عداوة معها منذ السبعينات كان لها من قلوبنا وذاكرتنا الكثير، ومن وجعنا الألم الأكبر…، في “عاصفة الصحراء” عصفت قلوبنا لها وبها، استرقنا الأخبار من هنا وهناك.. بكينا بصمت مكبوت، ورقصنا فرحين عندما حط أول صاروخ عربي في قلب إسرائيل.

شريط الذكريات يطول ويطول من فلسطين إلى لبنان إلى مصر فالعراق… ومن الجنوب إلى قانا فملجأ العامرية وغزة جرحنا النازف.

عندما كنا نلعب صغارا كنا دائما نتحدث باللهجة المصرية، وللمفارقة كان أول مسلسل سوري يعرض على الشاشات المصرية منذ أعوام قليلة فقط.

وما دمنا في سيرة المسلسلات فإن شباب فلسطينين ومنهم شعراء وكتاب يحتجون اليوم على مسلسل لـ “نجم” سوري تافه وقد تقمص كاريكاتورياً صورة محمود درويش.. “درويشهم”..! هم يدعون وبحق لمقاطعة المسلسل لأنه يشوه “أيقونتهم” الثمينة… لم يخطر ببال واحد منهم.. واحد فقط.. أن يدعو لمقاطعة المسلسل لأن طاقمه كله من أوله لآخره.. من مخرجه لبطله.. هم من ممثلي العار.. أبواق النظام.. وأدواته الرخيصة ممن يرقصون فوق آلام شعبهم.. ودمائه… ولتعميق ألم المفارقة أبديت احتجاجي لهم على ذلك وقد تفاعل مع ألمي اثنين.. وبالصدفة… ! كانوا سوريين…!!

لا اعرف كم من السنين عاش درويش في فلسطين، وكم منها عاش في سوريا، لا اعرف كم كان فلسطينيا.. وكم كان سوريا..

سؤال يؤلمنا منذ بداية الثورة السورية: لماذا كل الأبواب موصدة بوجه هذا الشعب؟؟ ماذا قدم له إخوانه العرب أو المسلمين أو إخوانه في الإنسانية؟؟ لا أعرف كم من التظاهرات خرجت لمناصرته.. لم أسمع بها..!! كم من الأصوات تألمت لألمه..؟!! لماذا كل هذا اليتم؟ لماذا كل هذا الجفاء؟ هل استطاع النظام خلال سنواته الأربعين أن يمزج صورة الشعب به فلا يستطيع أحدا الآن أن يفرقهما..!! أو أن يصدق أن هناك شعبا يذبح ويعاني ويتألم يوميا… توقاً للهواء والحرية….

ليس فضلا لنا إننا نحبكم.. ولكنه عار عليكم ألا تحبوننا الآن…

وإن أعاد التاريخ نفسه سنبقى نحبكم، ليس ردا لجميل…. فقط لأننا مجبولون بكم.

ألمكم وفرحكم.. ثوراتكم كلها كانت في قلوب كل السوريين، فأين السوريين من قلوبكم…!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى