خولة حسن الحديدصفحات سورية

سورية بلد مستهدف أجل يا سادة.. وماذا عن البلاد العربية؟

 


خولة حسن الحديد

منذ بداية الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية التي انطلقت في سورية بدءاً من مدينة درعا الحدودية جنوباً، وامتدت إلى باقي المدن والبلدات والقرى السورية بنسب متفاوتة لها ما يؤولها وليس هذا المقام لهذا المقال، منذ ذلك الحين والأصوات ترتفع من ممثلي النظام السوري، بدءاً من رأس النظام وصولاً إلى المؤيدين له على صفحات الانترنت (الفيس بوك خاصة) لتطرح خطاباً قديماً جديداً ألفه معظم السوريين، بل ملوه ولفظوه حد القرف.. ومجمل هذا الخطاب يركز على نظرية المؤامرة وإن سورية بلد مستهدف.

ما من سوري مؤيد للنظام كان أو معارض، بسيط كان أو مفكر ومثقف، إلا ويدرك هذه الحقيقة، بالطبع سورية مستهدفة وأعتقد ليس هناك داع لنكرر ما يعرفه الجميع عن الجهات التي تستهدف سورية ولأكثر من سبب، بدءاً بالأطماع التوسعية من قبل الكيان الصهيوني، وصولاً إلى شخصيات سورية ركبت موجة المعارضة بعد أن كانت جزءاً من النظام القائم حالياً، بل قد تكون أكثر الشخصيات تأثيراً وسبباً في وصول البلاد إلى مرحلة الانسداد السياسي الذي وصلت إليه الآن.

وعطفاً على ذي بدء لم يعد يقنع معظم السوريين بأن الوضع القائم حالياً ومنذ عقود في سورية قد ساهم في الحد من استهدافها، بدءاً بانتشار الفساد بل تغوّله واستشرائه، وتغوّل الأجهزة الأمنية وتسلطها على حياة الناس، وتردي الوضع الاقتصادي، والاستئثار بالسلطة والثروة من قبل فئة قليلة من أبناء الشعب وصولاً إلى أبسط متطلبات الحياة المعاصرة التي أصبحت حلماً لكثير من أبناء الشعب السوري، كامتلاك سيارة أو بيت مثلاً أو الحصول على تعليم محترم يجاري العصر وأدواته. ولكن لو عدنا إلى مسألة الاستهداف وأجرينا مقارنة بسيطة بين سورية وغيرها من الدول العربية، سواء تلك التي شهدت ثورات أم تلك التي لم تشهد، مع تشابه الظروف التي ذكرت حول الحياة السياسية والاقتصادية بين معظم البلاد العربية بنسب متفاوتة، حسب الشرط المحلي لكل بلد…فما هو البلد العربي غير المستهدف بطريقة أقل أو أكثر من سورية؟

 

مصر التي شهدت ثورة أدهشت العالم وألهمته .. مصر التي لديها حدود طويلة مع الكيان الصهيوني ومحكومة باتفاقية سلام يدرك كل عربي انها ليست أكثر من اتفاقية تجميد العداء وحالة الحرب، وفي خاصرتها الشرقية ‘غزة’ وما أدراك ما غزة. مصر التي لديها حدود طويلة مفتوحة مع ليبيا التي تشهد مدنها وساحاتها ما تشهد وقد تحتاج مصر الى كل الجيش المصري لضبط حدودها مع ليبيا فقط، وماذا يمكن أن يدخل ويخرج من وإلى مصر من هذه الحدود؟ مصر وحدودها الجنوبية مع السودان الذي أنجب لنا دولة حديثة ويغرق في المشكلات من أول نيله إلى آخره، مصر هبة النيل التي باتت مهددة بالعطش في سنواتها القادمة بسبب الاتفاقيات التي وقعت والسدود التي بنيت في دول مجرى النيل على غفلة من نظامها السابق، وبمشورة وتمويل من الكيان الإسرائيلي.. هذا غيض من فيض مصر أم العرب، فهل هي مستهدفة أم لا؟

السودان.. الجار الشقيق لمصر، من انفصال الجنوب الذي سيتحول قريباً إلى مستوطنات إسرائيلية على هيئة شركات ومشاريع استثمارية، ودارفور البؤرة الساخنة، بل المشتعلة منذ عقود ومشكلاتها العصية على الحل بين القبلية والمناطقية والصراعات الإثنية والدينية والتدويل، وحدود السودان المنكشفة على تشاد ومتمرديها وانفلاشها على كل أنواع العصابات التي تسمي نفسها جيوشاً، وهذا غيض من فيض السودان فهل هو مستهدف؟

العراق.. الجار الشقيق الشرقي لسورية، الاحتلال الأمريكي الذي ما زال يتربع على أراضيه، والانقسامات الطائفية التي جعلت العراقيين ينتظرون شهوراً لتولد حكومتهم العتيدة بعد محاصصات طائفية وعرقية تحتاج إلى آلة رقمية لحسابها… وكردستان العراق الذي بدأ مواطنوه بالتململ والتظاهر من فساد حكومة إقليمهم، وانفتاح حدود الإقليم على تركيا التي لا تتوانى عن دخول أراضيه لملاحقة الثوار الأكراد الذين تسميهم متمردين، وإيران على الحدود الشرقية ومصالحها ومطامعها الإقليمية وامتداداتها التي باتت متجذرة في المجتمع والأراضي العراقية، ومنظمة ‘خلق’ الموجودة على أراضي العراق وما تشكل من عبء عليه يستدعي دخول الحرس الثوري الإيراني إلى الأراضي العراقية كلما رغب في تأديبها.

لبنان الشقيق.. والضلع المفقود من القفص الصدري لسورية حسب نظرة العديد من السوريين.. لبنان الذي ينتظر تشكيل حكومته العتيدة منذ شهور وما زال المخاض مستمراً، لبنان الدولة العربية الأقل مساحة ويوجد على أراضيه أكبر عدد من الاستخبارات العالمية ومن كل الأنماط والأنواع، لبنان الذي تخرق سماءه الطائرات الإسرائيلية في نزهات يومية.. لبنان الذي تنهشه الزعامات الطائفية التي ترتبط بكل من هب ودب من دعاة الحرية والديمقراطية.. لبنان بحدوده المكشوفة على الكيان الصهيوني بحراسة الأمم المتحدة ومقاومته التي تخوّن من بعض أطيافه السياسية والشعبية.. فهل لبنان مستهدف؟

الخليج العربي.. أليست كل دولة خليجية مستهدفة؟ مملكة البحرين وأزمتها الداخلية ودعاة الفتنة الذين شوهوا الوحدة الوطنية للشعب البحريني، وأظهروه أمام العالم ليس سوى مجتمع متصارع.. البحرين البلد الذي أهدى العرب شعراء وكتاب ومفكرين من طراز قاسم حداد وأمين صالح وعلي الشرقاوي وعلي فخرو… وغيرهم والأطماع الإيرانية التي لا تخفى على أحد، ومحاولة تدخل حكومة إيران بالشؤون البحرينية بحجة حماية الشيعة، وهم مواطنون بحرينيون وعرب قبل أي شيء، والذين تحرجهم إيران بتدخلها وتجعلهم أمام الآخرين مواطنين مشكوكا في وطنيتهم فهل مملكة البحرين مستهدفة؟

وما ينسحب على البحرين ينسحب على معظم الدول الخليجية المطلة على الخليج العربي التي لا تألوا جهداً الجارة إيران لتسميته بالخليج الفارسي وتستنكر الاحتلال الاسرائيلي، في حين تحتل الجزر الإماراتية وتمارس مع سكان جزيرة أبو موسى الإماراتية ممارسات أي احتلال آخر في العالم، وترفض كل دعوات دولة الإمارات العربية المتحدة لاستعادة الجزر بطريقة سلمية والاحتكام إلى القانون الدولي. الإمارات الدولة الخليجية المنفتحة على كل الشعوب العربية وشعوب العالم .. أليست مستهدفة؟ ومثلها سلطنة عمان.. والمملكة العربية السعودية وتركيبة مجتمعها وحدودها الطويلة مع اليمن المشتعل.. مرة مع الحوثيين ومرة مع تنظيم القاعدة، والآن ثورة شباب اليمن المفتوحة على كل الاحتمالات التي تمس السعودية بشكل مباشر بأي واحد منها قد يصبح واقعاً. ولو عرجنا إلى المغرب العربي، بدءاً من ليبيا الجماهيرية الوحيدة في العالم؟ وما يحدث على أراضيها من مآس لا يعرف خاتمتها إلا الله .. إلى الجزائر التي تقبع على بركان خامد بين الإسلاميين والسلفيين وصراعاتهم في ما بينهم وبين الحكومة ومشكلاتها المستعصية على الحل، وبين مشكلاتها الحدودية وغير الحدودية مع المملكة المغربية التي تبرد وتسخن حسب الحاجة، وحدودها الطويلة مع دول افريقية تهديها المهاجرين والمهربين والسلاح وكل ما تشتهي مما يمكن أن يزعزع أي مجتمع .. أليست مستهدفة؟

والمملكة المغربية ومشكلة الصحراء الغربية المتجذرة منذ عقود، التي تفتح عليها احتمالات كل أشكال التدخل الغربي، ومشكلتها مع إسبانيا واحتلال مدينتي سبتة ومليلة، والمهاجرين الأفارقة والعرب الذين يتخذون من شواطئها منفذاً نحو الحلم الأوروبي المنشود … فهل المملكة المغربية مستهدفة؟

وموريتانيا التي ما زالت تتشكل بعد انقلاباتها العسكرية، ومشكلاتها الاجتماعية التي تحفر عميقاً في المجتمع الموريتاني بتركيبته الإثنية والعرقية وحدودها المنكشفة على افريقيا بكل ما تزفه إليها من بشائر.. أليست مستهدفة؟.. وتونس الخضراء تونس البوعزيزي، وسيدي بوزيد، وثورتها التي ما زالت تتلمس طريق الخلاص مع الإرث الثقيل الذي أورثها إياه بن علي من مشكلات اقتصادية واجتماعية وحدودها مع ليبيا الثائرة التي وفد منها كل العاملين في ليبيا هرباً من مآسي القذافي ليشكلوا عبئاً ثقيلاً عليها لم يكن وقته مناسباً أبداً.. والجزائر المتململة… تونس أليست مستهدفة؟ من دون أن ننسى الصومال وجيبوتي وجزر القمر، وكل بلد منها يحتاج لوحده الى مجلدات.

من هو البلد العربي غير المستهدف؟ في هذا الوطن الممتد من البحر إلى البحر كل البلاد العربية مستهدفة، وكل بلد لديه ما يفيض عن قدرته أحياناً من مشكلات وأزمات، ولكل بلد شروطه و ظروفه الجغرافية والتاريخية، ولذلك قد يتفاوت حجم الاستهداف؟

أجل يا سادة كغيرها من البلاد العربية سورية مستهدفة؟

ولكن سورية ستكون أقوى ومنيعة أكثر وعصية على الخارج عندما تكون منيعة من الداخل، ولن تكون كذلك إلا عندما تحفظ لشعبها كرامته حريته، وتكفل سبل عيشه الكريم، سورية ستكون منيعة ومحصنة من الداخل بلا قانون طوارئ، وبلا تغول أمني يحصي أنفاس أبناء الشعب، وستكون أمنع مع دستور يكفل تحقيق العدالة والمساواة لجميع أبناء الشعب السوري عربا وكردا، ويضمن مشاركة مختلف فئات المجتمع في صنع القرار السياسي والاقتصادي وفقاً لتعددية حزبية ومؤسسات مجتمع مدني ونقابات مهنية حقيقية لا تقتصر مهمتها على كتابة التقارير الأمنية حول أعضائها، سورية ستكون منيعة وحصينة عندما يحترم مفكروها ومثقفوها وتتاح لهم حرية التعبير في وسائل إعلامها ومراكز بحوثها وجامعاتها، وستكون حضارية أكثر بإعلام حر ومنفتح وقادر على أن يكون ابن هذا العصر متقبلا لجميع الآراء والأطياف الموجودة على الأرض السورية، سورية ستكون أكرم عندما تضمن العيش الكريم لأبنائها الحالمين بفيزا لأي دولة خليجية، وستكون أكرم لو نادت كل أبنائها الممنوعين من دخولها في الخارج للعودة والمصارحة حول طاولة حوار وطني شامل، سورية ستكون منيعة وستحرر الجولان العزيز على قلوبنا عندما تبني جيشها وفق أحدث الطرز عقيدة وأدوات وتخرجه من المعادلة الداخلية ليقوم بمهمته الرئيسية في الدفاع عن البلاد ضد العدوان الاسرائيلي، تلك سورية التي نحلم بها رغم انها مستهدفة؟ وأجزم أن كل عربي يحلم بها على هذه الشاكلة لأنها حاضنة العروبة ومهدها الذي لا يموت، فهل كثير علينا أن يتحقق هذا الحلم.. أم تبقى الأحلام أحلاما.

 

‘ كاتبة سورية

 

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى