صفحات العالم

سورية ليست “وقفاً” لآل الأسد!


وليد شنيكات

ليس معروفا المدى الذي يمكن أن تصل إليه تداعيات “الصحوة” في سورية، وربما يكون من الصعب التنبؤ بما ستسفر عنه “ثورة الحرية” هناك، رغم مرور ستة أشهر على ولادتها التي أذهلت الجميع وجعلت دمشق محط أنظار العالم بأسره، لكن بالإمكان تسجيل بعض الملاحظات على المشهد برمته وإن ما زال مفتوحا على كافة الاحتمالات.

أولا: نحن بصدد لحظة فارقة في تاريخ سورية اليوم بعد سنوات طوال من صنوف الظلم والقهر اليومي التي ظل يمارسها نظام الأسد حتى جعل أعزة أهلها أذلة فهو لم يذق طعم الكرامة والعزة إلا بعدما حطم جدار الخوف، إذ من الواضح أن “نار الثورة” لن تخبو أبدا، وعلى العكس فهي مرشحة للتصاعد، فالنظام السوري لم يدع مجالا لا للإصلاح أو حتى “للهدنة” مع شعبه الثائر على حكمه، ويوما بعد يوم نلمس حجم الكره والحقد الذي يكنه الشعب السوري “للزعيم المقاوم” وكل المؤشرات توحي بأن سورية تفتح ذراعيها لعصر جديد غير عصر “آل الأسد” الذي ظل مهيمنا عليها لأكثر من أربعة عقود من الزمان.

لا أبالغ ان قلت إن ركائز الثورة في سورية قد تشكلت تماما وأن قرص قمرها اكتمل بالفعل رغم ما يجري من محاولات انتهاك او تفريغ من مضمونها حيث لا زال النظام يراهن على الخوف الذي يسيطر على قلوب الناس خاصة في المحافظات الرئيسية التي تشكل معقله الأخير مما يجعلها مترددة حتى الآن في اللحاق بركب الثورة، وليس بعيدا عن هذا، الهجوم البائس الذي تتعرض له من قبل الشبيحة سواء في داخل سورية أو خارجها، كما أنها ثورة ليست كباقي الثورات، فالنظام لا يترك لها مجالا أبدا بأن تلتقط أنفاسها أو حتى تدفن موتاها، على العكس الثورات العربية الأخرى، حيث أخذت كامل راحتها في مواجهة النظام بالرغم من سقوط قتلى وجرحى.

ثانيا: الثورة السورية تستحق منا الرصد والمؤازرة ولا تستدعي القلق والخوف ذلك أن الروح دبت في الجسد السوري مرة واحدة ولا سبيل لإزهاقها حتى لو قتل الملايين، فهي روح الحرية والكرامة بكل معانيها وصورها التي ستورث وتدرس، ولن تطوى صحائفها فالزمن لا يعود الى الوراء سواء في زمن بشار أو ماهر أو كل آل الأسد.

ثالثا: في أثناء الأجواء المسمومة التي تكررت فيها محاولات إجهاض الثورة فإن أبواق النظام أطلقت حملة لتجميل الوضع القائم وتسويق “إنجازاته” ومحاولة إقناع العالم، بذلك واعتباره فتحا جديدا في مسيرة العمل الوطني نقل سورية من مرحلة الحكم الشمولي الى مرحلة الديمقراطية و”فضاء الحريات”، وغير ذلك من الوسائل التي استهدفت إقناع العالم بأن “سورية الأسد” قد تغيرت وأنه ليس بالإمكان أبدع مما كان، وأن الوضع القائم “قدر” كتب على السوريين كما أن سورية بأهلها وحاراتها تحولت الى “وقف” مكتوب باسم حزب البعث الفاجر.

رابعا: الموقف العربي من الثورة ما زال مبهما ومرتبكا الى حد ما ذلك من يتتبع سلوك بعض الأنظمة العربية يفاجأ بأنها تؤيد الأسد في مجازره اليومية على “استحياء” خاصة تلك التي على علاقة سيئة مع الغرب، مستندة في ذلك على “خرافة المؤامرة” التي يستند عليها النظام السوري نفسه لتعزيز جبهته الشعبية الداخلية والخارجية، وغير بعيد عن ذلك فهي تعول على الساعات الأخيرة من عمر النظام التي باتت معدودة.

خامسا: ثمة شيء ما يطبخ في الخفاء ضمن دوائر مغلقة تضم السعودية وتركيا بإشراف أمريكي أوروبي، ويبدو ان الأردن أيد الخطة وبلا شك هو طرف أساسي فيها، ولعل موقفه الرسمي الذي ما زال مترددا إزاء القصف الإعلامي السوري المباشر ضده من اتهامات بالخيانة والمؤامرة يفتح الباب واسعا على مزيد من التحليلات والتكهنات بشأن الأسابيع أو الشهور المقبلة في سورية.

ولعل لغة التهديد التي بدت واضحة في تصريحات رئيس وزراء تركيا أردوغان خلال مقابلة تلفزيونية أمس مخاطبا فيها النظام السوري “من يبني حكمه بالدم لا يذهب إلا بالدم” وأن أنقرة لن تنتظر طويلا وستقول كلمتها مهما كانت مؤلمة، تشير الى تدهور متسارع في العلاقات بين الجارتين وأن أيام الحسم في سورية باتت قريبة جدا.

الغد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى