صفحات العالم

البلاشفة الجدد!


حسان حيدر

تختلف التفسيرات وتتعدد الاجتهادات لمحاولة فهم تعنت موسكو في دعم نظام دمشق واستعدادها في الدفاع عنه للذهاب بعيداً في مواجهة المجتمع الدولي، فيشير بعضها الى مصلحة استراتيجية لروسيا التي تريد الحفاظ على قاعدتها البحرية الوحيدة في المتوسط، ويتحدث بعضها الآخر بطوباوية عن موقف مبدئي يحترم صداقة قديمة، فيما يتطرق قسم ثالث الى علاقة نفعية تقوم على بيع السلاح ليس إلا. لكن الانتخابات التشريعية الروسية التي جرت الاسبوع الماضي جاءت لتكشف قرينة من نوع آخر عن سر العلاقة الحميمة بين النظامين: التشابه في التركيبة والأداء.

فقد أظهرت الانتخابات الروسية وحملة التزوير التي سادت عملية فرز الاصوات -وفق شهادات منظمات دولية- ثم حملة قمع المحتجين على النتائج واعتقال مئات المطالبين بإلغائها وباستقالة رئيس الوزراء فلاديمير بوتين، ان النظام شبه الأمني في موسكو لا يزال يحمل تراث البلاشفة ويتبع ممارساتهم ذاتها، ولو غلف نفسه بغطاء من شعارات حداثية يبدو انها لم تعد تقنع الناخبين، حيث تؤكد المعارضة انه لولا التزوير وحشو صناديق الاقتراع مسبقاً بلوائح مؤيدة، لما استطاع حزب الثنائي ميدفيديف ـ بوتين الاحتفاظ بالغالبية في مجلس الدوما.

واذا كانت موسكو رفضت الاتهامات والتعليقات الاميركية والاوروبية بشأن مسار الانتخابات، ورأت فيها «قوالب جامدة وأوصافاً قديمة»، فإنها لن تستطيع بالتأكيد تجاهل ما نشرته صحف روسية مرموقة عن وجود «ماكينة ادارية في خدمة نظام بوتين نظمت عمليات تزوير ومارست ضغوطاً على المنظمات غير الحكومية ووسائل الاعلام المستقلة»، وأنه «اذا كان المجتمع في حاجة الى برهان على ان الانتخابات مفبركة، فإن هذا البرهان يكمن في عصبية السلطات ورد فعلها الهستيري حيال المحاولات المشروعة والسلمية لمراقبة سير عملية الاقتراع».

التشابه مع النظام السوري قائم اذاً: تزوير الانتخابات وقمع المحتجين وتجاهل مطالب المعارضين ورفع شعارات قومية واهية تتغنى بالتاريخ وتلعب على رغبة دفينة في استعادة مجد منهار، وهدفها الوحيد البقاء في السلطة بأي ثمن.

ومع ان حركة الاحتجاج في موسكو والمدن الكبرى لا تزال في بداياتها، الا انها مرشحة للتصاعد، لا سيما وان النظام الروسي يخسر شيئاً فشيئاً صدقيته بوقوفه ضد حركة التغيير الديموقراطية في الداخل وزجه المعارضين في السجون، ودعمه انظمة متهاوية في الخارج، مثلما حصل مع ليبيا ويحصل حالياً مع سورية، ودفاعه عن دول تتحدى شعبها والعالم مثل ايران.

ولعل المثال الاكثر تجسيداً لنظام «البلاشفة الجدد»، هو وزير الخارجية سيرغي لافروف ولغته الخشبية التي تذكِّر بعهد خروتشيف وصواريخه في كوبا، وخصوصاً خلال اجتماعاته الفاشلة مع ممثلي المعارضة السورية التي كال لها التهم ووجَّه اليها ما يشبه الانذار بضرورة التفاوض مع النظام.

اما الاقتراح الروسي بإرسال مراقبين الى سورية، علماً ان البلدين يؤكدان رفضهما اي تدخل «دولي» في الشؤون السورية ويصران على ترك نظام دمشق «يحاور» المعارضة «وفق فهمه» لأدوات هذا الحوار التي وصلت الى حد استخدام الطيران الحربي، فلا يثير سوى الضحك، ذلك ان موسكو هي أصلاً بحاجة الى من يراقبها.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى