صفحات العالم

عبارات المقاومة في الانتفاضة السورية


شعارات الانتفاضة السورية، بيانات سياسية وتحديد للهوية -…

زنوبيا* – (ميدل إيست أونلاين)

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

نستطيع تعقب ما يحدث -وربما ما قد يحدث- في سورية، من خلال هتافات المحتجين في تظاهراتهم: فالشعارات هي أصلا تاريخ وأنظمة سياسية وبيان وهوية جديدة.

وفي بداية الانتفاضة السورية، هتف الناس في درعا؛ المدينة الجنوبية، بعبارة “ما في خوف بعد اليوم” يوم 18 أيار (مايو). ثم تكثفت وتيرة القمع الرسمي، لكن المحتجين رفضوا ثقافة الخوف. وفي الكثير من البلدات أعلنوا أنهم مستعدون للموت: “الشهداء يذهبون إلى الجنة بالملايين”، و”لا إله الا الله، والله يحب الشهداء”؛ “قاومي يا بانياس، فالحرية جديرة بأن تهبيها حياتك” (بانياس اسم مدينة-ميناء). وكانت الشهادة موضوعاً حاضراً في كل منطقة، يعبر عنها في شعار يحظى بالشعبية الآن في الشرق الأوسط: “بالروح، بالدم، نفديك يا شهيد”. وللإعراب عن التضامن مع البلدة التي قتل فيها العديد من الناس، هتف السوريون أيضاً: “بالروح بالدم نفديك يا شهيد”.

ومن خلال تحريف شعار يرفعه النظام، دعا كل احتجاج منذ آذار (مارس) إلى الحرية، وتحول شعار “الله، سورية، وبشار وبس”، ليصبح: “الله، سورية، والحرية وبس”. وكانت سورية تخضع لأحكام طوارئ منذ العام 1963 وحتى نيسان (أبريل) الماضي. ولذلك أصبحت الحرية مقترنة بالديمقراطية: “نطالب بالحرية والانتخابات الديمقراطية”. وكانت الشعارات تسمو على الانقسامات الطائفية، “حرية، حرية، مسلمون ومسيحيون”، و”نحن أنصار الحرية والسلام”.

أما الشعار الأحدث الذي يرفع عالياً، فيهدف إلى التدليل على كرامة وعزة المواطن العادي. وباستطاعتك أن تسمع الصوت المتنامي للغضب في عبارة: “الشعب السوري ما بينذل”. فالاستشهاد يمحو الذل ويعيد للمرء شخصيته وإيمانه (الفضائل تُسند تقليديا للأبطال القوميين والقديسين): “الموت ولا المذلة”. وفي بداية الانتفاضة، كان من الاعتيادي سماع مؤيدي المعارضة، خلال تجمعات الأصدقاء أو العائلة، وهم يحيون شخصا ما من درعا أو من منطقتها بعبارة “رفعتولنا راسنا”.

وقد حاول أناس عاديون الرد على اتهامات بالتقسيم والعنف والتآمر. وهم يجاهرون في دعمهم للهدوء والوحدة وفي رفضهم للطائفية: “واحد، واحد، الشعب السوري واحد”؛ “في سلام، المسلمون والمسيحيون في سلام. لا للطائفية: “لا للعنف ولا للتخريب”.

وفي المناطق التي تشهد تحريضاً على العنف الطائفي، ترد عليه اليافطات والشعارات بعبارة: “سني وكردي وعلوي، بدنا وحدة وطنية”. وتحاول السلطات نثر بذور الخوف في صفوف المسيحيين والعلويين وغيرهم من الأقليات عبر الادعاء بأنه سيتم استغلال الانتفاضة من جانب المتطرفين المسلمين. لكن المحتجين يردون بالقول: “لا سلفيون، ولا إخوان مسلمون.. يعيش الشعب الشجاع”. “والعرب والأكراد ضد السلفية”، و”ثورتنا ثورة شباب، لا للسلفية ولا للإرهاب”؛ و”لا أميركا ولا إيران، خلّونا نعيش بسلام”. وثمة شعارات تلخص كل ذلك: “نحن لسنا إخوان مسلمين ولا عملاء أجانب، فكلنا سوريون مسلمون وعلويون ودروز ومسيحيون” أو بالعامية: “نحنا مَنّا إخوان، ولا أيادي خارجية. نحن كلنا سورية، إسلام وعلوية؛ درزية ومسيحية”.

وفي الأيام الأولى، قصر المتظاهرون أنفسهم على مطالب الإصلاح ووضع حد لحالة الطوارئ. وكان هناك نوع من الدعم للرئيس بشار الأسد. وكان السوريون قد شاهدوا الحربين الأهليتين اللتين دمرتا الجار لبنان على مدار 15 عاما والأكثر حداثة تلك التي دارت في العراق وكانوا متوجسين من مواجهة طويلة تنطوي على خطر اندلاع اشتباكات طائفية. ثم جاءت درعا والعنف الذي لجأ اليه النظام. ثم سخر بشار في أول خطاب، والذي استشرف طويلا، في 30 آذار (مارس) الماضي من المحتجين.

وبعد ذلك، شرعت أصداء شعار الثورتين التونسية والمصرية تتردد في الشوارع “الشعب يريد إسقاط النظام”. وفيما نشر “شبيحة” أو “زلام” النظام الرعب وقتلوا الناس، ارتفعت حدة الوتيرة، فظهر شعار جديد حظي بشعبية يقول “لا نحبك ارحل أنت وحزبك وأي واحد يلحق الضرر بشعبه خائن”.

وحتى قبل خطابه، كانت ثمة شعارات ضد بشار خرجت من درعا بعد مهاجمة القوات الأمنية للمسجد العمري يوم 16 آذار (مارس)، ما أسفر عن مقتل أم وابنتها واختطاف جرحى كانوا قد التجأوا إلى بناية تابعة لوزارة الأوقاف. وقالت الشعارات “من حارة وحارة وبيت بيت سنخلص منك يا بشار”. “زنقة زنقة دار دار بدنا نشيلك يا بشار”، في إشارة إلى خطاب للقذافي انتشر في العالم العربي انتشار النار في الهشيم.

وجاء خطاب بشار الثاني يوم 16 نيسان (ابريل) متأخراً جداً لخفض حدة التوتر. لكنه لم يقل شيئاً فيما يتعلق بالمادة 8 من الدستور (التي تنص على أن حزب البعث هو الحزب الحاكم) أو فيما يتعلق بالإفراج عن السجناء السياسيين. ومع أنه أنهى حالة الطوارئ، فإن ذلك لم يلجم آلاف الاعتقالات التعسفية ونشر الدبابات والجنود ضد المحتجين: “فالقمع عادة لديهم وأصبح عرفاً”، “لم يسلبوا كرامتنا وحسب وإنما يجعلوننا ندفع ثمن فسادهم”.

ويعد السوريون موالين بشدة لوطنهم “تعيش سورية وليسقط الأسد”، كما ولجذورهم المحلية. وتأمر كل بلدة سكانها؛ وفي عرف المعارك البدوية الكبيرة تطلب منهم إثبات رجولتهم التي تعد القيمة المفتاح للمقاتل العربي. “أين أنتم يا ديريون (مواطنو دير الزور) أين أنتم؟ قفوا واصبغوا وجوهكم” (اعتاد رجال القبائل على تكحيل عيونهم قبل الذهاب إلى الحرب) أو “البرزة (منطقة في دمشق) نحن رجالكم الله يعرف من هم الخونة” و”هنا رجالكم داريا (بلدة في جنوب غرب دمشق)” وإن أي محتج يتحدى الموت يضحي بنفسه في سبيل وطنه ليشرف قريته التي تسجل اسمها في التاريخ عبر عدد من الشجعان.

إن هذه الانتفاضة ليست بخصوص الأنظمة السياسية وإنما بسبب الحالة الاجتماعية والاقتصادية المتردية؛ لأن المحتجين ينحدرون على نحو رئيسي من فئة المحرومين. وهم يرفضون الفساد وشبكات زبانية النظام ويطالبون بتوزيع نزيه للثورة والوظائف. فقد حفظت هذه لأعضاء حزب البعث وبعض الفئات الدينية المعينة كالعلويين وإلى حد ما المسيحيين، وثمة حقيقة غير مروية معروفة جيدا لدى المحرومين تقول “أكلوا البيضة وقشرتها وتركونا على الحصيرة”.

ويسيطر رامي مخلوف، ابن خال بشار، على نحو مباشر أو غير مباشر على كل قطاع اقتصادي مربح؛ الفرع السوري من بنك بيبلوس اللبناني والطيران والعقارات وشركات الإنشاءات والفنادق والأسواق الحرة وشركة سيرياتيل (هواتف خلوية)، وقسم ضخم من إم تي أن (شركة هاتف خلوي أخرى) وعشرات من الشركات الأخرى. وذلك هو السبب وراء إقدام المحتجين في درعا واللاذقية على إضرام النار في مكاتب سيرياتيل.

ولا تستطيع عفوية هذه الانتفاضة أن تخفي الفوارق بين البلدة والبلد من جهة، وبين دمشق وحلب وباقي البلاد من جهة أخرى. ولا يعد تردد المدن في الانضمام إلى الثورة شيئا جديدا: فحلب لم تثر خلال الحرب الفرنسية السورية في العام 1919-1921، رغم أن العثمانيين كانوا قد خزنوا أسلحتهم وذخائرهم في المدينة. كما أن دمشق لم تنهض خلال الثورة السورية الكبرى التي بدأت في العام 1925 ضد الانتداب الفرنسي. لذلك، فإن من غير المفاجئ أن تكون الانتفاضة الراهنة قد بدأت في درعا حيث الجنوب الريفي.

ويأمل المحتجون في أن تصبح أولى قلاقل شهدتها دمشق يومي 15 و16 آذار (مارس) تجييشا ضخما في قلب السلطة. لكن، وكما في العام 1925، كانت ضواحي دمشق المحرومة هي التي أنقذت شرف المدينة، بينما وضع بضع مئات في حلب اسم المدينة على خريطة الانتفاضة. وسخرت حماة المجاورة من حلب يوم 29 أيار (مايو) الماضي، وهتفت جموع المحتجين بعبارة “صح النوم يا حلب”.

وتشكل كل هذه الشعارات خروجاً رئيسياً عن الأيديولوجية لدى الأحزاب السياسية في الشرق الأوسط في القرن العشرين. فهي لا تشير إلى القومية العربية ولا إلى النزعة الإسلامية. ويتعزز الخوف من الثانية، وعلى نحو أكثر خصوصية من السلفية، بشائعة مؤداها أن السجناء السياسيين الذين أفرج عنهم بشار يوم 30 آذار (مارس) الماضي شملوا رئيس حركة الإخوان المسلمين، سوية مع مجرمين عاديين. وقد استغل النظام هذا الخوف في الوقت الذي أبدى فيه ممثلو المؤسسات المسيحية الحذر إلى درجة أنهم لم يدينوا المجازر التي ارتكبت ضد المدنيين.

لقد خرجت الانتفاضة السورية عن الماضي السياسي. لكنها تعكس عناصر من احتجاجات القرن العشرين: منزلة المسجد في البيئة الريفية، والمسجد كملجأ (حيث يلوذ الجرحى والمقاتلون)، والإشارة إلى الإسلام في الشعارات (الله أكبر) كممثل للشخصيات البطلة التقليدية، والشهيد استنادا إلى الرجولة والفضيلة المتجذرتين في الهوية القومية، والأرض والانتفاضة هي نتاج الحالة الإقليمية والتطور الداخلي، وهي تحظى بشعبية عميقة ووطنية.. وطنية مزروعة ومشذبة من جانب نظام التعليم الرسمي لحزب البعث.

ونظراً إلى أنه لا يوجد دعم خارجي للانتفاضة، لا من المنطقة ولا دولياً، فإن مستقبلها يعتمد على قدرتها على التجنيد، وعلى عوامل غير أكيدة مثل؛ الانقسامات داخل الجيش ودعوات قادة رجال الدين والشخصيات والبلدات المرموقة للأقليات. ويدرك المحتجون هذه الحقيقة وهم ينشدون انضمام الدروز والمسيحيين والعلويين إليهم باسم الوحدة الوطنية. وتعد المناشدات الموجهة للجيش أقل، حيث يقول بعضها: “جيش السوري يا جبار.. ردوا عن درعا الحصار”.

ويعد الجيش، الذي كان في السابق في النخبة السياسية ويتمتع بمجد النضال ضد الاستعمار، فاقدا للثقة فيه راهناً (بسبب اللجوء إلى القوة لا بسبب هزائمه أمام إسرائيل)، ويستطيع أن يجسد الأمل الرئيسي للانتفاضة في ظل غياب أي فرص واقعية أخرى.

* زنوبيا: صحافية مقيمة في دمشق.

*نشر هذا التقرير تحت عنوان:

 Words of Resistance in the Syrian Intifad

الغد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى